اقتباس
قال المزِّيُّ: "أحد أئمة المسلمين, وعلماء الدين, اجتمع له الحديث, والفقه, والحفظ, والصدق, والورع, والزهد, ورحل إلى العراق, والحجاز, واليمن, والشام, وعاد إلى خراسان, فاستوطن نيسابور, إلى أن مات بها, وانتشر علمُه عند أهلها"..
اسمه ومولده وصفته
اسمه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم التَّميميُّ, ثم الحنظليُّ المروزيُّ.
قال ابن خلكان: "وراهَوَيْهِ: لقب أبيه، أبي الحسن إبراهيم؛ وإنما لُقِّب بذلك لأنه ولد في طريق مكة, والطريق بالفارسية (راه), و(ويه) معناه واحد؛ فكأنَّه وُجد في الطريق, وقيل فيه أيضاً: راهُوية".
وقال إسحاق المذكور: "قال لي عبدالله بن طاهر؛ أمير خراسان: لم قيل لك ابن راهَوَيهِ؟ وما معنى هذا؟ وهل تَكره أن يُقال هذا؟ قلت: اعلم أيُّها الأمير أنَّ أبي وُلد في الطريق, وكان أبي يكرهُ هذا, وأما أنا فلست أكره هذا".
مولده: قال الذهبيُّ: "مولده في سنة إحدى وستين ومائة".
صفته: قال عليُّ بن إسحاق بن راهوية: "وُلد أبي من بطن أمّه مثقوب الأذنين, فمضى جدِّي راهويه, إلى الفضل بن موسى, فسأله عن ذلك, فقال: يكون ابنُك رأساً؛ إمَّا في الخير, وإمَّا في الشر".
وقال أبو يحيى الشعرانيُّ: "إنَّ إسحاق كان يخضب بالحناء".
ثناء العلماء عليه
قال المزِّيُّ: "أحد أئمة المسلمين, وعلماء الدين, اجتمع له الحديث, والفقه, والحفظ, والصدق, والورع, والزهد, ورحل إلى العراق, والحجاز, واليمن, والشام, وعاد إلى خراسان, فاستوطن نيسابور, إلى أن مات بها, وانتشر علمُه عند أهلها".
وعن أبي داود الخفاف قال: "سمعت أحمد بن حنبل, يقول: لم يعبر الجسر مثلُ إسحاق".
وقال نُعيم بن حماد: "إذا رأيت الخراسانيَّ يتكلم في إسحاق بن راهويه, فاتَّهمه في دينه".
قال السُّبكيُّ: "إنما قيَّد الكلام بالخراساني؛ لأنه أهلُ إقليم المرء؛ هم الذين بحيث لو كان فيه كلام, لتكلموا فيه؛ فكأنه يقول: من تكلم فيه من أهل إقليمه, فهو متهم بالكذب؛ لأنه لا يتكلم بحق؛ لبراءته مما يشينه في دينه".
وقال أبو بكر محمد بن النَّضر الجاروديُّ: "حدَّثنا شيخُنا وكبيرنا, ومن تعلمنا منه, وتجمَّلنا به؛ أبو يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم".
وقال الحاكم: "هو إمامُ عصره في الحفظ والفتوى".
وقال أبو إسحاق الشيرازيُّ: "جمع بين الحديث, والفقه, والورع".
وعن عبدالله بن محمد الفراء, قال: "دخلتُ على يحيى بن يحيى, فسألته عن إسحاق, فقال: ليومٌ من إسحاقَ, أحبُّ إليَّ من عمري".
وقال أحمد بن سعيد المرباطيُّ: "لو كان الثوريُّ, والحمَّادان في الحياة, لاحتاجوا إلى إسحاق في أشياء كثيرة".
وقال أبو محمد الدارميُّ: "ساد إسحاقُ أهل المشرق والمغرب بصدقه".
وقال أبو نُعيم الحافظ: "كان إسحاق قرين أحمد, وكان للآثار مثيراً , ولأهل الزيغ مبيراً".
قال حنبل: "سمعت أبا عبدالله, وسُئل عن إسحاق بن راهويه, فقال: مثلُ إسحاق يُسأل عنه؟! إسحاقُ عندنا إمام".
وعن الإمام أحمد أيضاً, قال: "لا أعرف لإسحاقَ في الدنيا نظيراً".
قال الشافعيُّ: "ابن راهويه أحد الأئمة, ثقة مأمون, سمعت سعيد بن ذؤيب, يقول: لا أعلم على وجه الأرض مثلَ إسحاق".
وقال أبو عب دالله الأحزم: "سمعت محمد بن إسحاق بن راهويه, يقول: دخلت على أحمد بن حنبل, فقال: أنت ابن أبي يعقوب, قلت: بلى, قال: أما إنك لو لزمته, كان أكثر لفائدتك؛ فإنك لم ترَ مثله".
وقال قتيبة بن سعيد: "الحفاظ بخراسان: إسحاق بن راهويه, ثم عبدالله الدارمي, ثم محمد بن إسماعيل".
علمه وحفظه
قال محمد بن عبد الوهاب: "كنتُ مع يحيى بن يحيى, وإسحاق نعود مريضاً, فلما حاذَينا الباب, تأخَّر إسحاق, وقال ليحيى تقدَّم, فقال يحيى لإسحاق: بل أنت تقدَّم, فقال: يا أبا زكريا, أنت أكبرُ مني, قال: نعم, أنا أكبر منك, ولكنك أعلم مني, قال: فتقدم إسحاق".
قال ابنُ عديٍّ: "ركب إسحاقَ بن راهويه دينٌ؛ فخرج من مرو, فكلَّم أصحابُ الحديث يحيى بن يحيى في أمر إسحاق, فقال: ما تُريدون؟ قالوا: تكتب إلى عبدالله بن طاهر رقعة, وكان عبدالله بن طاهر أمير خرسان, وكان بنيسابور, فقال يحيى: ما كتبتُ إليه قط, فألحُّوا عليه, فكتب في رقعة إلى عبدالله بن طاهر: أبو يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم, رجل من أهل العلم والصلاح, فحمل إسحاق الرقعة إلى عبدالله بن طاهر, فلما جاء إلى الباب, قال للحاجب: معي رقعة يحيى بن يحيى إلى الأمير, فدخل الحاجب, فقال له: رجل بالباب, زعم أن معه رقعة يحيى إلى الأمير, فقال: يحيى بن يحيى؟ قال: أدخله, فدخل إسحاق, وناوله الرقعة, فأخذها عبدُ الله وقبلها, وأقعد إسحاق بجنبه, وقضى دينه ثلاثين ألف درهم, وصيَّره من ندمائه".
قال السُّبكيُّ: "انظر ما كان أعظمَ أهلَ العلم عند الأمراء, وانظر ما أدنى هذه الكلمة, وأقصرَ هذه الرقعة, وما ترتب عليها من الخير, وما ذلك إلا لحسن اعتقاد ذلك الأمير, وصيانة أهل العلم أيضاً, والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم".
وقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: "رحم الله إسحاق؛ ما كان أفقهَه وأعلمه".
وقال عليُّ بن حجر: "لم يخلف إسحاقَ, يوم فارق الدنيا, مثلُه بخراسان علماً وفقهاً":
بيَّضَ اللهُ وجهه ووقـــاهُ *** فزعاً يوم قمطرير وهـوله
وأثاب الفردوس من قال آمين*** وأعطاه يوم يلقاه سؤلــه
وعن محمد بن إسحاق بن خزيمة, قال: "والله, لو أنَّ إسحاق بن إبراهيم الحنظليَّ, كان من التَّابعين, لأقرُّوا له بحفظه وفقهه".
وعن عليِّ بن خشرم: "حثَّنا ابنُ الفضل عن ابن شُبرمة, عن الشعبيِّ قال: ما كتبتُ سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ولا حدَّثني رجلٌ بحديث قط, إلا حفظته, قال عليٌّ: فحدَّثت بهذا إسحاقَ بن راهويه, فقال: تعجب من هذا؟ قلت: نعم, قال: ما كنتُ أسمع شيئاً إلا حفظته؛ وكأنِّي أنظر إلى سبعين ألف حديث, أو قال: أكثر في كتبي".
وقال أحمد بن سلمة: "سمعت أبا حاتم الرازي, يقول: ذكرت لأبي زُرعة حفظ إسحاق بن راهويه, فقال أبو زُرعة: ما رُئيَ أحفظُ من إسحاق".
ثم قال أبو حاتم: "والعجبُ من إتقانه, وسلامته من الغلط, مع ما رُزق من الحفظ, فقلت لأبي حاتم: إنه أملى التفسير عن ظهر قلب, قال: وهذا أعجب ؛ فإنَّ ضبط الأحاديث المسندة أيسرُ وأهون, من ضبط أسانيد التَّفسير وألفاظها".
خشيته وصدقه
عن محمد بن داود الضَّبِّيِّ قال: "سمعت محمد بن الطوسيَّ, يقول: حين مات إسحاق الحنظليُّ: ما أعلم أحداً كان أخشى لله من إسحاق؛ يقول الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر: 28 ], وكان أعلم الناس, ولو كان سفيان الثوري في الحياة, لاحتاج إلى إسحاق".
قال محمد بن عبد السلام: "أخبرت بذلك أحمد بن سعيد الرياطي, فقال: والله لو كان الثوري, وابن عيينة, والحمَّادان في الحياة, لاحتاجوا إلى إسحاق, قال محمد: فأخبرت بذلك محمد بن يحيى الصَّفَّار, فقال: والله, لو كان الحسنُ البصريُّ في الحياة, لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة".
حدَّثني عليُّ بن أحمد الهاشميُّ, قال: "هذا كتاب جدِّي, فقرأت فيه: حدَّثني محمد بن داود النَّيسابوريُّ, قال: سمعت أبا بكر بن نُعيم, يقول: سمعتُ الدارميَّ, يقول: ساد إسحاق بن إبراهيم أهلَ المشرق والمغرب بصدقه".
مناظرة إسحاق للشَّافعيِّ
"تناظر إسحاق والشافعي في كراء دور مكة؛ فقال الشَّافعيُّ: قال الله تعالى: (للفقراء المهَاجِرين الَّذين أُخْرِجُوا من دِيَارِهِم) [الحشر: 8 ], فنسب الديار إلى مالكها, أو غير مالكها؟ وقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم فتح مكة: "من أغلق بابه, فهو آمن, ومن دخل دار أبي سفيان, فهو آمن"؛ فنسب الديار إلى أربابها, أم إلى غير أربابها؟ واشترى عمر بن الخطاب داراً للسجن من مالك, أو من غير مالك, وقال النبيُّ-صلَّى الله عليه وسلم -: "وهل ترك لنا عَقيلٌ من دار".
قال إسحاق: فقلت: الدَّليل على صحة قولي أنَّ بعض التابعين قال به, فقال الشَّافعيُّ لبعض الحاضرين: مَن هذا؟ فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ, فقال الشافعيُّ: أنت الذي يزعم أهلُ خراسان أنك فقيهُهُم, قال إسحاق: هكذا يزعمون, فقال الشَّافعيُّ: ما أحوجني أن يكون غيرُك في موضعك, فكنت آمر بعَرك أذنيه.
أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -, وأنت تقول: قال عطاء, وطاووس, والحسن, وإبراهيم, وهل لأحدٍ مع رسول الله حجة.
قال إسحاق: اقرأ: (سواءً العاكفُ فيه والباد) [الحج: 25], فقال الشافعيُّ: هذا في المسجد خاصَّة, وفي رواية: قال إسحاق: لما عرفتُ أنِّي أُفحِمتُ قُمتُ".
وعن زكريَّا السَّاجيُّ قال: "حدَّثني جماعةٌ من أصحابنا؛ أنَّ إسحاق بن راهويهِ ناظر الشَّافعيَّ, وأحمد بن حنبل حاضِرٌ, في جلود الميتة إذا دبغت, فقال الشَّافعيُّ: دِباغُها طُهورها, فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال الشَّافعيُّ: حديث الزُّهريِّ عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس, عن ميمونة, أنَّ النَّبيَّ مرَّ بشاةٍ ميتة, فقال: "هلا انتفعتُم بجلدها".
فقال إسحاق: حديثُ ابن عكيم, كتب إلينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر: "لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عَصَبٍ", أشبهُ أن يكون ناسخاً لحديث ميمونة؛ لأنَّه قبل موته بشهر, فقال الشافعيُّ: هذا كتاب, وذاك سماع, فقال إسحاق: إنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-, كتب إلى كسرى, وقيصر, وكان حجةً عليهم عند الله, فسكت الشَّافعيُّ, فلمَّا سمع ذلك أحمد بن حنبل, ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به, ورجع إسحاق إلى حديث الشَّافعيِّ, فأفتى بحديث ميمونة.
اتباعه للسنة
عن وهيب بن جرير, قال: "جزى الله إسحاق بن راهويه, وصدقة بن الفضل, ومعمر عن الإسلام خيراً؛ أحيَوا السنة بالمشرق".
قال حرب الكرماني: "قلت لإسحاق: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) [المجادلة: من الآية7], كيف تقول فيه؟ قال: حيثما كنتَ, فهو أقربُ إليك من حبل الوريد, وهو بائنٌ من خلقه, وأبينُ شيء في ذلك قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طـه:5].
وقال سليمان بن داود الخفاف: "قال إسحاق بن راهويه: إجماعُ أهل العلم, أنه –تعالى– على العرش استوى, ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة".
وقال أحمد بن سلمة: "سمع إسحاق الحنظلي, يقول: ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, وكيف يكون شيءٌ خرج من الرب –عزوجل– مخلوقاً".
وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين, قال له: كفرت بربٍّ, ينزل من السماء إلى سماء, فقال: آمنتُ برب يفعل ما يشاء.
وفاته
قال الدولابي: "قال محمد بن إسحاق بن راهويه: وُلد أبي في سنة ثلاث وستين ومائة, وتوفي ليلة نصف شعبان, سنة ثمان وثلاثين ومائتين, قال: وفيه يقول الشاعر:
يا هدَّة ما هدَّنا ليلة الأحد *** في نصفِ شعبان لا تُنسى بدَّ الأبد
وقال أبو عبدالله البخاري: "تُوفِّي ليلة نصف شعبان, وله سبع وسبعون سنة", ثم قال الخطيب عقيب هذا: "فهذا يدلُّ على أن مولده في سنة إحدى وستين ومائة".
-------------------------------------------------
المراجع والمصادر :
سير أعلام النبلاء.
البداية والنهاية.
المنتظم.
تذكرة الحفاظ.
تهذيب الكمال.
تهذيب الأسماء واللغات.
طبقات الحنابلة.
المقصد الأرشد.
وفيات الأعيان.
من أعلام السلف.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم