إستراتيجية خرائط المفاهيم (1/3)

صـلاح فضـل توقه - عضو الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: مقالات

اقتباس

فكثرة العلوم التي قد يحتاج إليها الخطيب تفرض عليه ضرورة الانتباه إليها والعناية بها، لأن عدم الانتباه إليها قد يشوش عليه هو شخصياً قبل المتلقي، أو يحدث لبس وخلط، مما يؤدي إلي حدوث خلل بخطته الإستراتيجية.

 

 

 

 

من المُسلم به أن الخطيب أو الداعية الذي ينتهج نهجاً إستراتيجياً في حياته الدعوية، يتميز بامتلاكه لخطة إستراتجية تختلف من خطيب لآخر، تبعاً لواقعه الدعوى الذي يعايشه، ووفقاً لرؤيته المستقبلية بأبعادها الثلاثية  ( القصيرة – المتوسطة – الطويلة ) المدى.

 

وهذه الخطة بالتأكيد ،تتضمن مشروعه الدعوى من خلال البعد الذي يحدده، والذي يتحول إلي خطة زمنية متضمنة لموضوعات الخطب والدروس التي سيؤديها خلال هذه الفترة الزمنية، بحيث تخرج طبقاً لما هو مقرر سلفاً في خطته الإستراتجية، كي لا تتناقض مع الأهداف أو الرؤية أو الرسالة، الخاصة بخطته،  فكل موضوع يرتبط بما قبله ومكمل له، ويمهد للتالي أو لما بعده، ومرتبط به ومكمل له أيضاَ.

 

فالخطة الإستراتجية من حيث البناء، عبارة عن " كل" أو "بناء كلي" والمفاهيم عبارة عن الأعمدة أو الأساس الذي يُبني أو يقوم عليه هذا الكل أو البناء الكلي، ولا يتصور بناء بدون أساس، أو أعمدة يرتكز عليها.

 

ومن المسلم به أيضاً أن موضوعات الخطب أو الدروس المدرجة، ضمن الخطة الإستراتيجية، لا  تخلوا من مفاهيم أو مصطلحات، هذه المفاهيم والمصطلحات تندرج أول ما تندرج تحت فروع العلوم الشرعية وفي مقدمتها المفاهيم المرتبطة بالقرآن الكريم، والمفاهيم المرتبطة بالسنة المطهرة، والمفاهيم المرتبطة بالفقه وأصوله.

 

 كما أن الأمر قد يتعدي إلي المفاهيم المتعلقة بالعلوم الاجتماعية مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد ،. ....،  أو المفاهيم المتعلقة بالعلوم الطبيعية كالطب، والكيمياء، والفيزياء ،. ......

 

فكثرة العلوم التي قد يحتاج إليها الخطيب تفرض عليه ضرورة الانتباه إليها والعناية بها، لأن عدم الانتباه إليها قد يشوش عليه هو شخصياً قبل المتلقي، أو يحدث لبس وخلط، مما يؤدي إلي حدوث خلل بخطته الإستراتيجية.

 

ومن جهة أخرى فإن الاستخدام الدارج لبعض ألفاظ المفاهيم في لغة الحياة اليومية، قد يؤدي إلى قلب الأمور رأساً على عقب لدي المتلقي، إن لم يعي ويفهم ماهية هذا اللفظ ذات الاشتقاق الاصطلاحي، أو المتطابق لغويا ولفظيا مع واحداً من المفاهيم العلمية.

 

فعقل المتلقي يحتوى على بناء معرفي منظم، يتكون من أبنية معرفية منظمة من المفاهيم والأفكار الكبرى تترتب في هذه الأبنية بشكل هرمي، حيث تحتل الأفكار الكبرى والمفاهيم العريضة ( Themes ) رأس الهرم ومناطقه العليا، وبالنزول إلى قاعدة الهرم تتدرج المفاهيم من الكبير إلى الصغير فالأصغر، ويمثل كل بناء منها وحدة تطور معرفي تبرز ما لدى المتعلم من استعدادات وقابليات وخبرات وأفكار، يسميها جانييه الإمكانات Capabilities. ويتفاعل الفرد ويتعلم ويُنتج في ضوء هذه الإمكانات.(1)

 

ولا يخلو عقل إنسان من هذا البناء المعرفي المنظم، ولكنه يختلف من إنسان لآخر تبعا للنوع ( ذكر – أنثى ) والمرحلة العمرية ( طفل – شاب – رجل – شيخ – كهل )، والبيئة التي نشأ فيها أو يعيش أو يعمل فيها،( مدن- ريف – بدو)  والمستوى التعليمي، والاقتصادي، والاجتماعي.

 

وتتأثر قدرة المتلقي على فهم واستيعاب المفاهيم الواردة في الخطب والدروس، والربط بينها على ما أورده الداعية من مفاهيم ومصطلحات سابقة،  وهذا لن يتحقق إلا من خلال خريطة المفاهيم الإستراتجية للخطيب.

 

تعريف إستراتيجية المفاهيم

 

توجد تعريفات متعددة ومتنوعة ل " إستراتيجية خريطة المفاهيم " تختلف باختلاف المدارس النظرية والحقول المعرفية التي نشأت في حاضنتها، وبعد استعراض هذه التعريفات، رأينا الاقتصار على تعريف واحد، نعتقد أنه الأقرب إلي حقلنا الدعوي، ويقترب كثيراً من " إستراتيجية الخطيب" وبالتالي يحقق الفائدة منها.

 

" إستراتيجية خريطة المفاهيم " عبارة عن أشكال تخطيطية تربط المفاهيم ببعضها البعض عن طريق خطوط أو أسهم يكتب عليها كلمات تسمى كلمات الربط لتوضيح العلاقة بين مفهوم وآخر ،كما إنها تمثل بنية هرمية متسلسلة توضع فيها المفاهيم الأكثر عمومية وشمولية عند قمة الخريطة والمفاهيم الأكثر تحديدا عند قاعدة الخريطة، ويتم ذلك في صورة تفريعة تشير إلى مستوى التمايز بين المفاهيم أي مدى ارتباط المفاهيم الأكثر تحديدا بالمفاهيم الأكثر عمومية، وتمثل العلاقات بين المفاهيم عن طريق كلمات أو عبارات وصل تكتب على الخطوط التي تربط بين أي مفهومين ويمكن استخدامها كأدوات منهجية وتعليمية بالإضافة إلى استخدامها كأسلوب للتقويم.

 

وقد حققت " خريطة المفاهيم " نجاحات هائلة في ميادين العلم الإنسانية والطبيعية، ولا شك أنها ستضيف كثيرا إلي الخطيب حال توظيفها في مجال الدعوة.

 

ومن هنا يمكن وضع تعريف " لإستراتيجية خريطة المفاهيم الدعوية"

 

تعريف إستراتيجية خريطة المفاهيم الدعوية"

 

"مخطط أو رسم توضيحي متعدد التفريعات، لمجموعة من المفاهيم الشرعية، تندرج تحت مفهوم شامل رئيس، تتفرع منه كأنواع أو تصنيفات لهذا المفهوم الشامل، ولا تنفصل عنه "  

 

ومن أمثلتها " إستراتيجية خريطة المفاهيم الحديثية " التي تتناول تقسيمات وأنواع الحديث النبوي الشريف.

 

 

 

فالخطيب عندما يضع خريطة المفاهيم الحديثية، فإنه يحولها إلي صورة ذهنية في عقل المتلقي، تتكون بصورة تراكمية، من خلال إستراتجيته التي وضعها من قبل وصاغ من أجلها خريطة المفاهيم.

 

ونفس الأمر ينطبق على بقية العلوم الشرعية كالفقه والتفسير والسيرة ،. ..... ومختلف العلوم التي قد يستعين بها الخطيب.

 

تعريف المفهوم:

 

لغة:

 

مصدر فهم، والفهم معرفتك بالشيء بالقلب، فهمه فَهْماً، وفَهَما وفهامة:  علمه.

وتفهّم الكلام: فهمه شيئاً بعد شيء (2)

 

اصطلاحا:

 

المفهوم بأنه تكوين عقلي ينشأ عن تجريد خاصية أو أكثر من مواقف متعددة يتوفر في كل منها هذه الخاصية مما يحيط بها في أي المواقف المعنية، وتعطى اسما يعبر عنه بلفظة أو برمز.(3)

 

الفارق بين المفهوم والمصطلح:

 

يختلف المفهوم عن المصطلح في أن المفهوم يركز على الصورة الذهنية، أما المصطلح فإنه يركز على الدلالة اللفظية للمفهوم، كما أن المفهوم أسبق من المصطلح، فكل مفهوم مصطلح، وليس العكس، وينبغي التأكيد على أن المفهوم ليس هو المصطلح، وإنما هو مضمون هذه الكلمة، ودلالة هذا المصطلح في ذهن المتعلم؛ ولهذا يعتبر التعريف بالكلمة أو المصطلح هو:

 

 " لدلالة اللفظية للمفهوم"، وعلى ذلك يمكن القول بأن كلمة الصلاة مثلاً ما هي إلا مصطلح لمفهوم معين ينتج عن إدراك العناصر المشتركة بين الحقائق التي يوجد فيها التكبير وقراءة القرآن، والقيام والركوع والسجود، والتشهد والسلام، وكلمة "الحج "مصطلح لمفهوم معين ينتج عن إدراكنا للعناصر المشتركة بين المواقف؛كالإحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمرة، والوقوف بعرفات، والنزول بالمزدلفة، والرجم، والحلق أو التقصير...، فالملاحظ مع كلمتي (الصلاة، والحج) أنه تم أولاً التعرف على أوجه الشبه والاختلاف في خصائص كل كلمة، ثم تحديد الخصائص أو العناصر المتشابهة، ووضعها في مجموعات أو فئات أُطلق عليها اسم المفهوم (الصلاة – الحج)  (4)

 

أهمية خريطة المفاهيم للخطيب:

 

تعد المفاهيم بالنسبة للخطيب أو الداعية حجر الزاوية، ومقياس لتحصيله العلمي، ومؤشر على سلامة بنائه الفكري والمعرفي، الذي من خلاله يستطيع أن يقدم رؤية تفسر العوامل المسببة لمشكلات أمته ومجتمعه المعاشة، ووضع الحلول المناسبة لها، مما يؤهله لوضع تصور لما يمكن أن تكون عليه الأمة مستقبلاً.

 

كما أن امتلاك الخطيب لخريطة مفاهيم واضحة ومترابطة ومتناسقة، تنعكس على أداءه الدعوى، وإقناعه لجمهوره بالرسالة التي يريد إيصالها إليهم، وتقوى من حججه وأدلته التي يوردها في حواراته ومناقشاته مع الآخرين وردوده على المخالفين، فهو متمكن من  الموضوع الذي يتكلم عنه والمفاهيم التي تدور حوله، بحيث لا يستطيع من يجادله أو يحاوره أن يلبس أو يشوش عليه، فهناك للأسف الشديد من الخطباء  من يتصدى للحديث  عن قضية ما، دون أن يكون على دراية كاملة بالبناء المفاهيمي أو خريطة المفاهيم المتعلقة بهذه القضية، مما يجعله صيداً سهلاً للمخالفين وبخاصة لو كانوا من أعداء الإسلام المشككين فيه ممن يتحدثون بلغاتنا مثل الليبراليين، والعلمانيين، فضلاً عن الشيعة، اليهود، والنصارى، وغير ذلك من ملل الكفر.   

 

تساعد الخطيب على جودة التواصل مع جمهوره عن طريق:

 

توجيه وتنظيم سلوك الأفراد.

 

تسهيل عملية الاتصال الاجتماعي بين أفراده.

 

عكس الأوجه الاجتماعية. (5)

 

مراعاة الأعراف والعادات السائدة، مالم تكن محرمة.

 

قال تعالى:

 

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ( الأعراف:199)

 

 

------------

 

(1) دكتور وجيه بن قاسم القاسم، ملخص خرائط المفاهيم. ص 5

(2) للفائدة يرجى مراجعة بحث " المفهوم، تعريفه، أقسامه) على هذا الرابط

     www.feqhweb.com/vb/t10869.html#ixzz35PF1nin0

(3) إبراهيم، مجدي عزيز (2001): تعليم وتعلم المفاهيم الرياضية للطفل من سن 3 سنوات إلى سن 6 سنوات، القاهرة، مصر، مكتبة الأنجلو المصرية

(4) دكتور أحمد خضر، الفروق بين المفهوم والمصطلح.

    www.alukah.net/web/khedr/0/51050/#ixzz35PGciztb

(5) دكتور محمد زكي أبو النصر، التصميم المنهجي للبحوث في الخدمة الاجتماعية، ص 95

 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
غيث
22-12-2017

رائع وفقكم الله