إستثمــار الوقت

أحمد عبدالرحمن الزومان

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ أهمية الوقت 2/ استغلال الوقت 3/ السلف الصالح أنموذجاً

اقتباس

ومتى ما استشعر أحدنا قيمة الوقت ونفاسته وأن له أثراً عليه لأنه سوف يحدد مستقبله عند ربه عز وجل يوم القيامة حافظ عليه واستغل دقائقه قبل ساعاته فانظروا حال الطلاب والطالبات في أيام الاختبارات وقبل الدخول إلى صالة الاختبار حيث يستشعر الكثير منهم أهمية الوقت وأن له أثراً فيما يستقبلونه فتجد الواحد منهم يستغل وقته في المراجعة حتى وهو راكب السيارة أو يمشي على قدمية بل وهو واقف على باب الصالة قبل دخولها بثوانٍ يقلب الورق وينظر فيها ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون).

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.

عباد الله: خلقكم الله لعبادته وضرب لكم آجالاً في الدنيا ابتلاءً واختباراً لكم فأنتم في هذه الدنيا في مسابقة مضمارها العمر فبانقضاء العمر تصلون إلى نهاية المضمار والأوقات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه فلا يعود منه إلا أثره وحكمه فاختاروا لأنفسكم ما يعود عليكم من أوقاتكم بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة فإن أثر العمل في الدنيا عائد عليكم لا محالة لهذا يقال للسعداء يوم القيامة جعلنا الله منهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) ويقال للأشقياء أعاذنا الله من ذلك (ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ).

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" رواه البخاري. فالمرء إذا كان فارغاً صحيح البدن ولم يستثمر ذلك فيما ينفعه فهو المغبون. فالدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها المرض ولو متع الشخص بالصحة والعمر فمآله الهرم وهو مانع من كمال العمل. فالمسلم مع ربه في تجارة والصحة والفراغ رأس المال فمن جاهد نفسه وعدوه ربح خيري الدنيا والآخرة.

ومن استرسل مع نفسه الأمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على حدود الله والمواظبة على الطاعة فقد غبن فضاع رأس ماله مع الربح وهذا حال كثير من الناس كمن نطق بذلك الحديث فاحذروا أن تكونوا منهم.

والمغبونون يتفاوتون في ذلك وأشدهم غبنا أولئك الذي يتحسرون على هذه الأوقات التي ضيعوها في الحياة الدنيا تركاً للمأمورات وفعلاً للمنهيات يتحسرون على هذه الأوقات حينما تفارق الروح البدن ويظهر لهم الغبن وتزول عن أبصارهم الغشاوة وعن قلوبهم الران ويتمنون الرجعة للدنيا مرة ثانية لاستدراك ما فات وأنى لهم ذلك (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

من كان قبلنا من سلف هذه الأمة وصالحيها لهم عناية بأوقاتهم فمما نقل عن بعضهم قوله: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي". ويقول الآخر: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على ديناركم ودرهمكم".

ومتى ما استشعر أحدنا قيمة الوقت ونفاسته وأن له أثراً عليه لأنه سوف يحدد مستقبله عند ربه عز وجل يوم القيامة حافظ عليه واستغل دقائقه قبل ساعاته فانظروا حال الطلاب والطالبات في أيام الاختبارات وقبل الدخول إلى صالة الاختبار حيث يستشعر الكثير منهم أهمية الوقت وأن له أثراً فيما يستقبلونه فتجد الواحد منهم يستغل وقته في المراجعة حتى وهو راكب السيارة أو يمشي على قدمية بل وهو واقف على باب الصالة قبل دخولها بثوانٍ يقلب الورق وينظر فيها.

إخواني: لو غلب على ظن أحدنا أنه لم يبق من عمره إلا أيام يسيرة لوجدته غير حاله وانتفع بوقته وربما كان الأمر أعجل من ذلك فهل استثمرنا أوقات فرغنا فيما يعود علينا بالنفع . فكثير من الأوقات تذهب من غير أن تقربنا إلى ربنا عز وجل. فمثلاً السيارة يقضي فيها البعض منا في اليوم الوقت الطويل ربما الساعة أو أكثر من ذلك فيمكن الانتفاع في هذا الوقت بقراءة ما تيسر من القرآن فكل منا يحفظ ما شاء الله من كتابه فمستقل منا ومستكثر فيمكن استغلال وقت الفراغ فيها بالقراءة أو الذكر المطلق وإن لم يكن هذا ولا هذا فيستغل الوقت بسماع المفيد من المذياع أو المسجل فكما لو استمع أحد أمراً محرماً تعرض للوعيد بسبب ذلك فكذلك إذا استمع ما يحب الله أثيب على ذلك.

حتى الوقت اليسير الذي نقضيه في خروجنا على أقدمنا من البيت إلى المسجد أو غير ذلك والرجوع منه يمكن أن ينتفع به في بعض القرب من ذلك ذكر الله عز وجل ففي حديث عبد الله بن بسر قال النبي لمن طلبه الوصية: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل" رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

إخواني: ربما الغفلة عن هذا الأمر تعتري البعض منا ويرى أنه لا يمكن أن يداوم على ذلك لا زهداً في الخير إنما من باب الغفلة والنسيان. فاعلموا أن المسألة تحتاج في البداية إلى تعويد النفس وتذكيرها بأهمية ذلك وفضله حتى تنقاد "ومن يصبر يصبره الله" فمتى ما سلكت الجادة أصبح الوقت وكيفية الانتفاع به هو الشغل الشاغل للنفس.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد: من أعظم ما ينبغي الاعتناء به وترشيده وقت الفراغ بالنسبة للشباب فإذا لم يشغل وقت الشاب بما ينفع شغل بما يضر في الغالب فالفراغ مع حدة الشباب والغنى وميل النفس إلى الهوى كما قيل إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة.

ولا عذر لمن يبحث عن شغل الوقت بالنافع فهناك أنشطة متنوعة تعود على الشاب بالنفع وإن أبيت ذلك فلا أقل من جلوس مباح مع رفقة لم يعرف عنهم اعوجاج السلوك.

ومما يحز في النفس حينما نرى بعض ابنائنا في أعمار متباينة في الشوارع إلى وقت متأخر من الليل بل يستمر بقاء بعضهم حتى بعد صلاة الصبح يختلط بعضهم ببعض وربما تعرضوا للأذى أو آذوا غيرهم فلا يجوز لمن استرعاه الله عليهم أن يتركهم على هذه الحالة بل يجب عليه أن يباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ويدلهم على ما فيه خيرهم ومن ذلك -إن كان لا بد من السهر- أن يُوجِد لهم وليهم مكاناً في البيت أو غيره محاطاً بإشراف الأهل أو غيرهم يضمن فيه أن لا يخالطهم من لا خير في مخالطته وأن لا يقعوا في ما نهى الله عنه. قد يقول الأب أنام مبكراً ولا أعلم بخروجهم وليس هذا يعفيه من المسؤولية فلا بد أن يسأل عنهم ويعرف كيف يقضون أوقاتهم فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

الإجازة في آخر الأسبوع أو في آخر العام فرصة يستثمرها المسلم في أداء ما لم يتمكن من أدائه أثناء انشغاله بالعمل أو الدراسة فمن فاته أثناء عمله أو دراسته بعض الأعمال الصالحة فإن الإجازة فرصة لتعويض ما فات كأداء العمرة أو الدعوة إلى الله أو طلب علم أو حفظ ما تيسر من كتاب الله أو مراجعة ما حُفِظ أو الصيام أو غير ذلك من الأعمال الصالحة فالمسلم لا إجازة له في هذه الدنيا إلا بالموت (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

وليس من إضاعة الوقت ما نصرفه من الوقت في مأكل أو مشرب أو منكح أو منام أو راحة فإنه متى ما أخذها المسلم بنية التقوي على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه كانت من عمارة الوقت بالطاعة فالوسائل لها أحكام المقاصد وكذلك زيارة الأهل والأقارب والزيارة في الله ومجالسة المسلمين ومخالطتهم في مجامعهم العامة والخاصة فهي من القرب التي يحبها الله ويثيب عليها.

إخواني: في نهاية المطاف الكمال أمر مطلوب وينبغي أن نحرص عليه لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال ولا يمكن ذلك فيهم فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة فعلاً للواجبات وتركا للمحرمات لم يحرم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها من المباحات.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

الوقت

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات