إرهاب من نوع آخر

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تفضيل الله للإنسان بالعقل 2/ بعض الجرائم المترتبة على فساد العقل 3/ آثار المخدرات وأضرارها وبعض الأرقام والإحصائيات في ذلك 4/ بعض أَسباب انتشارِ المخدرات وتَعاطيها 5/ وسائل الحد من انتشار المخدرات 6/ بعض علامات المبتلين بالمخدرات

اقتباس

أضرارها كثيرة؛ فهي تُفسدُ العَقلَ، وتَجِلبُ الوساوسَ والهمومَ، وأمراضًا عقليّةً وعضويّة ليسَ لها شفاءٌ، وتُردي صاحبَها أَسوَأ المهالك للحصول عليها، تفكّكتِ الأسَرُ من أَثرها، وتفشّتِ الجرائِمُ بَسبَبِها، ومع غَلائِها فمُروِّجُها أفَقِرُ الناسِ، وأتعَسُهِم...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ على نعمة الإسلام، وأَشهدُ أنَّ لا إلهِ إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ الملك العلّام، وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبدهُ ورسولهُ سيدُ الأنامِ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبهِ الأعلام، وسَلَّمَ تسليماً.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنّ الله فضّل الإنسان على الحيوان بعقله؛ لفهم شريعته، وتطبيقها برشده، ووجَّه المسلم للمحافظةِ على وعيه، وشددَّ على صيانةِ العقلِ وحمايتهِ مِمّا يِخِلُّ بِه، فهو مناطُ التكليف ومعرفة الخطأ من الصواب، ليسَهُلَ عليهِ القيامُ بما كُلِّفَ بِه، أما إذا أَهمَلَهُ وضَّيعه واسَتَعمَلَهُ فيما لا يَنفعُهُ فانحرافُهُ عن جادةِ الصوابِ قريبٌ، ووقوعُهُ في مزالقِ الرذيلةِ وشيكْ.

 

أيها الإخوة: العبثُ بالعَقلِ وإفسادُهِ يُوصِلُ لأَفظَعِ الجرائِم؛ فمن يتوقّع ابناً يعتدي على أبيهِ بالضربِ! وآخرُ يتعدَّى على نقودِ أمِّه فتمنعهُ فَيضربُها فتموتُ داعيةً عليه وشاكيةً عقوقَه لربِّها! أبٌ يغتصبُ ثنتين من بناتِه بالإكراهِ ويُكَرِّرُ ذلك! شَبابٌ يسهرونَ اللياليّ الطِوالَ، وشبابٌ يتقاتلونَ فيما بينهم! شبابٌ يموتونَ في دوراتِ المياهِ وغُرفِ الفنادقِ! وشَبابٌ يُثقِلونَ كَواهِلَ أُسَرِهِم خاصةً بالامتحانات! استغلالٌ للبنين والبنات، وغيرِ ذلكَ من قضايا ما كنا نتوقّعُها ولا نُبالغ بها، وذلكَ حينَ تَزولُ مكانةُ الأبِ، وتهونُ كرامةُ الأمُ، وتُنتهك المحارمُ والأعراض! ولكن لا تستغربوا وجودها مع آفةٍ عظيمةٍ كالمخدراتِ والمُسكِراتِ بهذا الانتشارِ!

 

وهناك جرائم لا نذكرُ تفاصيلَها هنا لشناعتها؛ لكنها تبين أن المخدرات طريقٌ لفعل المحظورات والمحرمات، كجرائمِ قتل، وتهاونٍ بالأعراض، وعقوقٍ يصل لضرب الوالدين طلباً للمال، وإفساد للأمن والعيال، وقَصَص ومآسٍ توضّح هذا الحال، مثبتة لدى الهيئةِ والشرطة ومكافحة المخدرات.

 

فنحن نواجه إرهابا للمخدرات بكمياتها وترويجها وإدمانها ينبغي ألا نتهاون به!

 

عباد الله: المُسكراتُ والمخدراتُ تُغطِّي العَقلَ وتحجِبهُ عن أداءِ واجبهِ، وتُوقعه بالخطر من زنا وشذوذ، وقتل وإفساد كنتيجةٍ لها، ولذلك حرّمها الله وسماها: رجساً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90] مُسوّقةٌ للفساد والإجرام، وتجلبُ المال الحرام.

 

الشيطان وأتباعه حريصون على تسويقها ونشرها ليستفيدوا فساداً ومالاً في العالم كلّه، لكنّ أمتنا الإسلامية مستهدفةّ بالذات لهدمِ كِيانِها، وشَلِّ حَرَكَتِها، وإفسادِ شَبَابِها،  ونَخرِ أجسَامِهم وعُقولِهم.

 

آفةُ المخدراتِ تُدمّر المجتمع دينيَّاً وأخلاقيّاً وأمناً واقتصاداً، فكم مزَّقت المخدراتُ والمسكرات من صِلاتٍ وعلاقاتٍ؟ وفرقت من أُخُوَّةٍ وصداقاتٍ؟ وشتَّتتَ أُسرًا وجماعاتٍ؟ وأَشعلت أَحقَادًا وعداواتٍ؟ (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 91].

 

لقد ضَجّت البيوت بالشكوى منها، ودوائرُ الأمن من ضررها، واصطلى بنارِها من تَعَاطَاهَا،  وأحالت حياتَه ومن معه جحيمًا لا يُطاق؛ فوالدٌ يَشكي، وأمٌّ تبكي، وزوجةٌ حيرى، وأَولادُ تائهونَ في ضيعةٍ كبرى، ومن عوفي فليحمدِ الله.

 

أضرارها كثيرة؛ فهي تُفسدُ العَقلَ، وتَجِلبُ الوساوسَ والهمومَ، وأمراضًا عقليّةً وعضويّة ليسَ لها شفاءٌ، وتُردي صاحبَها أَسوَأ المهالك للحصول عليها، تفكّكتِ الأسَرُ من أَثرها، وتفشّتِ الجرائِمُ بَسبَبِها، ومع غَلائِها فمُروِّجُها أفَقِرُ الناسِ وأتعَسُهِم حَالاً، وأسوأهم خاتمة.

 

أمّا مُتعاطِيها فلا تَزالُ تَستَنزِفُ مَالَهُ، فيضيقُ بالنفقةِ الواجبةِ على عياله، بل تُصبحُ أُسرتُه على الناس عَالةً، وربّما باعَ أهلَه وعِرضَه مقابلَ جُرعَةِ مخدّرٍ، فهل من قلوبٍ تَعي أو عقولٍ تُفكّر، فَقدٌ للدينِ والخلق وضياعٌ للإيمانِ والمال، قال صلى الله عليه وسلمَ: "ولا يشربُ الخَمرَ حينَ يَشربُها وهو مؤمن" [متفق عليه].

 

أخي الشاب: قد تبدأ المخدرات والمسكرات بالتدخين أو بتجربةِ شيء جديد وغريب، أو مرافقة سفر مع صحبةِ سوءٍ تنتهي بك لإدمانها وعدم التخلص منها، واسألوا من وقع بها كيف أدّت به للهاوية، وتفرّق عن أسرته، قد يَسرقُ أو يَختَلِسُ، ويتخلى عن جميعِ القيمِ والأخلاقِ ليحصلَ عليها إلى أن تَضُعُفَ قِواهُ، فيُصبحُ غيرَ قادرٍ على العملِ ليكونَ عالةً على أُسرتِه ومُجتَمَعِه، وفريسةً سهلةً لمن يَتربصُ بِه الدوائر.

 

ولندرك حجم انتشارها وضررها في تنميةِ المجتمعات، وتقدُمِ الدول، وأنها عِبءٌ ثَقيلٌ على الأُمةِ وأمنها، وإهدارٌ لطاقاتِ أفرادها، وحتى الأطفال لم يسلموا منها، فانظروا للأرقام وإحصائياتها؛ فعدد من يتعاطاها بالعالم مائتان وخمسون مليوناً! واحد من كل عشرين شخص! ووفياتها سنوياً مائتان وخمسون ألفاً! وتكلفة مكافحتها والتوعية والعلاج عنها مائة وعشرون مليار دولار سنويا! وتجارتُها تُمثِّل 8% من مجموع تجارة العالم! أفسدت دولاً بكاملها!

 

عباد الله: من أَسبابِ انتشارِ المخدرات وتَعاطَيها: ضعفُ الوازعِ الديني، والتوجيهِ الإسلامي الصحيحِ، وتوفّر المادة والترف والفراغ مما يُؤدّيّ بصاحبهِ لكُلِّ شرٍ، مع غيابِ برامجَ مناسبة للشباب توجّههم وتشغلُ أوقاتهم.

 

انتشرت المخدرات لعدمِ وعي كثيرين بِها وضعفِ توعيةِ الناسِ عنها، وقنواتٌ فاسدةٌ تعِرضُها بأساليبَ مغريةٍ في الأفلامِ والمسَلسَلاتِ كسبب للمتعة والسعادة، في غَفلَةٍ من عينِ الرقيبِ والأب والأسرة، مجتمعُنا بالسعودية كمجتمع مُحافظ مُستهدف أثبتت الإحصاءات هنا أن (70%) من متعاطي المخدرات هم أقل من 25 سنة! ومستشفيات الأمل لدينا تستقبل يومياً (300) مدمن للعلاج من ضمنهم نساء!

 

كمياتٌ هائلة تدخل لبلادنا تبيّن لك أنه إرهابُ خطير بعشرات آلاف المتهمين ممن يجلبُ ألأطنان منها! فحسب التصريح الرسمي: أنه خلال نصف سنة فقط قُبض على مخدرات تتجاوز قيمتها مليار ريال! وما تم القبض عليه لا يتجاوز 50% من كمياتها المُهرّبة والمروَّجة! مما يبين لك خطرها العظيم علينا وعلى العالم.

 

وعدد المدمنين لدينا تجاوز مائة وخمسون ألفاً! بتكلفة علاج تصل ثلاث مليارات ريال!

 

هذه الإحصاءات سبب لنعلن الإرهاب والكارثة من المخدرات لدينا!

 

أيها الإخوة: كثيرٌ من شبابِنا يبين لك سببَ وقوعه بها أنه من رفقةٍ صاحبَهم، فأوصلوهُ لحَافّةِ الهلاكِ، يُكَلِّمُكَ عن أبٍ أَطعمهُ وسَقاهُ وكسَاهُ وأَسكنهُ، لكنهُ غَفَلَ عَنهُ ولم يَسأَل عن حَالِه، تَمضي الأيامُ وهو لا يراه، ثم يُسمحُ لهُ بسفرٍ يبيعُ فيه دينَهُ وصحّته وأخلاقَهُ بِلذاتِه،  بينما هذا الشاب بعيدٌ عن اللهِ بغَفَلتِه وإِعراضِه عن دينهِ؛ كَتَركِ الصلواتِ وسائِر العبادات التي تحفظه -بإذن الله- من الموبقات.

 

عباد الله: مع آفة المخدرات نقفُ شاكرينَ وداعينَ اللهَ بالتوفيقِ لرجالِ مُكَافَحَةِ المُخَدَراتِ والجمارك والحدود وهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيّ عن المنكرِ، ومن شاركهم، ممن يقف بِجديةٍ وتضحيةٍ بالجهدِ والدمِ لمحاربةِ هذا الداءِ العظيم، ويحاربونَ انتشارَه عندنا، داعين الله بِحفظِهِم، وأنّ يجعلَ ذلكَ في ميزانِ حسناتِهم.

 

كمياتٌ ضخمةٌ يقبضونها كانت ستذهب لدماء شبابنا وأسرنا! لكننا نتساءَلُ أيضاً عَمَنَ يَدعَمُها ويُورِدُهَا ليُفسِدَ بِها بلادنا، فقد ثبت وجوّد دول ومنظمات من ضمنها إيران الرافضية، وحزب الشيطان، يستهدفوننا بالذات مع غيرهم.

 

أحبتي: لكل شيء علاج، فأدعو من ابتلي بهذه الآفة أو من له قريبٌ أو صديقٌ يمارسها للعزْمِ على علاجها، والتعافي منها ممكن بالابتعاد عن الأسبابِ المؤديةِ إليها، فأبوابُ مستشفياتِ الأملِ في بلادِنا مَفْتوحَةٌ لعلاجهم، وهناك رقم مخصص وهو 1955 تتصل به فيعطيك المعلومات، ويعينك بكلّ سريّة، وبعيداً عن المساءلة لتُشفى، أو يتصل به الأهل لتجنيبه الأذى، وهذا تعاون على الخير وأداءٌ للأمانةِ التي وضعها اللهُ في أعناقنا.

 

نسألُ اللهَ الإعانةَ عليها وأن يحفظ أولادنا وشبابنا من كل سوء.

 

كما أننا نُطالب بتطوير هذه المستشفيات وزيادة قدرتها، وكذلك جمعيّات خيريّة لمكافحة الإدمان، نتساءل: أين أهل الخير عن دعمها؟!

 

وقد استبشرنا -ولله الحمد- بافتتاح جمعية أمان عندنا هنا لمكافحة المخدرات والتدخين بالتوعية والعلاج والتأهيل، ووضع المراكز المناسبة لذلك.

 

نسأل الله أن يُتمّم جهودهم، ويبارك بعملهم، وينفع بهم، ويُيسّر أهل الخير لدعمهم.

 

وهذا من دفع الأذى عن البلاد وأعظم النفع للعباد، قال صلى الله عليه وسلمَ: "خير الناس أنفعهم للناس".

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بالذكر الحكيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

فاتقوا الله: لنَنَتَبِهَ كآباءَ وأُسَر لأَولادِنا لحمايتهم مِن آفة المخدرات؛ بتَوعيتِهم بأضرارِها، ومعَرِفَةِ أساليبِ الإيقاعِ بِها، وهذه مسؤوليةٌ كبرى على جِهَاتِ الأمنِ والإِعلامِ والتعليم بالتوعيةِ ومحاربته، ولذلك وُجد -ولله الحمد- برنامج "نبراس" الوطني المشترك بين التعليم والإعلام والداخلية لمكافحتها -نسأل الله أن ينفع به-.

 

وهناك أماكن وأوقات لانتشارها في المقاهي والاستراحات العامّة والبراري وأيام الامتحانات والإجازات.

 

وللوقوع بهاويتها علاماتٌ؛ مثل كثرة السفرِ والسهر خارج المنزل، وتأثر الشكل خاصة الوجه، وتقلّب التصرفات، وسرعة الغضب، ينبغي الانتباهُ إليها من أولها لعلاجها من غيرِ تَشَدُّدٍ ولا وسوسةٍ زائدة قد تنفّر.

 

ولنحذر من ترويجها بالنكت، وعبر وسائل التواصل، انتبهوا -إخوتي- أيامَ الامتحاناتِ حيثُ يعملُ المروجونَ للمخدراتِ باستغلال الصغار بنين وبنات على نَشرِ وبيعِ الحبوبِ المنَبِّهةِ بإيهام الطلبة بفائدتها في جريمة منظمة هائلة.

 

واحذروا ثم احذروا -أيها الآباء- الغَفلَةَ فكثيرٌ مِن مَشَاكِل مُجتَمعنا وبيوتنا تحدث من غَفلةِ أولياءِ أمورِ وانشغالهِم، بعضُ الآباءِ يستَهتِرُ بأمانَةِ أُسرَتِهِ وأَخَلاقِهِم ولباسِهِم وكيفيةِ قَضَاءِ أوقاتِهِم ورِفَقَتِهِم حتى تحدث المشكلة ولات حين مندم!

 

إن مُواجهةَ الآفاتِ الخطيرة التي تَضُرُ البلادَ والعبادَ يكون بتوفيق الله، ثم بتكاتف الجميع حُكُومَةً وشَعباً وأسراً ومَساجدَ وإِعَلاماً وتعليماً للقضاءِ عليها.

 

العالمُ كُلَّه يشتكي من هذهِ الآفات ونَحنُ المسلمونَ أولى أن نَكونَ سباقينَ في القضاءِ عليها والتوعية عنها، وإيجادِ الأحكامِ الرادعةِ لمرتكبيها والعلاج للواقعين بها.

 

نسأل اللهَ أن يحمي شبابَ المسلمينَ ونساءَهم من كل سوءٍ وآفةٍ ومكروهٍ، وأن يهدي ضالهم، ويوفقَ رجالَ أمننا لمكافحةِ كل شرٍ وخطر، وأن ينصر جنودنا ويحميهم، ويوفق ولاة أمرنا للهدى والصواب، ويكفي بلادنا وبلاد المسلمين الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في العراق وسوريا وفلسطين؛ احفظ عليهم دينهم وأهلهم وأولادهم وأعراضهم، وردّهم لأرضهم سالمين غانمين، وعليك يا الله بكل طاغية يؤذيهم، سلَّط عليه وعلى من عاونه جندك وبأسك العظيم يا رب العالمين.

 

 

المرفقات

من نوع آخر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات