إرشاد المدخنين لما فيه صلاح الدنيا والدين

الحسين أشقرا

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ التدخين من الخبائث المحرمة 2/ أضرار التدخين على الفرد والمجتمع 3/ كيفية التخلص من هذا الداء 4/ اغتنام رمضان فرصة للتخلي عن التدخين.

اقتباس

أخي المدخن، إننا مقبلون على شهر عظيم، شهر أنزل فيه القرآن، شهر التوبة والرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر الترقي في مدارج الجزاء الإلهي واستحقاق الدخول من باب الريان، ونيل العفو الرباني والفوز منه بالرضوان... فأقبل على تزكية نفسك، وتخلَّص من أسباب الضرر والخسران، وتوكل على الله بعزم وإرادة وجاهد نفسك، فإن المولى سبحانه وعد ووعده حق بالهداية، لكن لمن جاهد...(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي يحب من عباده التوبة والطهارة، وحرم عليهم الخمر والسيجارة، لما في ذلك من مظاهر التخلف والخسارة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تحفظنا من نار وقودها الناس والحجارة، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله تنزه عن كل ما فيه خَبث وقذارة...صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم المتميزين بالسمو والنضارة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

أيها المسلمون والمسلمات! "إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا"، ولا يلجأ للْخَبث إلا مَن ضَعُفتْ همَّتُه وأذْعَن لهَوى النَّفْس، وغره الشيطان بعدما زين له سوء عمله (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم: 24]، إنه كلام الله الناصع والواضح يكشف لنا حالة من حالات الانحراف عن الطيب الحلال، بسبب الاستجابة لدعوة مشبوهة.. فينساق المرء نحو الخبث يقتنيه بماله، ويبذل من أجله جهدًا ووقتًا.

 

لا شك أُدرك المقصود؛ إنه التدخين! الذي استشرى وعم في كل مكان، وانتشر بين العباد بشكل مُثير ومخيف. فلا تكاد تخلو عائلة أو أسرة من مُدخِّن، ولا تدخل إلى إدارة لغرض إلا وتخنقك سموم التدخين، ولا تزور مصحة أو مستشفى إلا وأمرضتك شرور التدخين، بل أكثر من ذلك! لا تزور مدرسة إلا وفاجأتك دروس: كيف تتعلم، أو تمارس التدخين!!!

 

ودعونا أيها المؤمنون، في هذا اليوم الأغر أن نطل إطلالة المتشوق لرياض السيرة العطرة، رياض الصالحين لنقتفي الآثار، ونقتدي بصاحب أجمل الأخبار -صلى الله عليه وسلم-:

روى البخاري ومسلم - رحمهما الله- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحب العسل، وكانت زوجه زينب - أم المؤمنين - رضي الله عنها- تملك منه الكثير الشافي، فكان عليه الصلاة والسلام يبدأ بغرفتها ويمكث عندها حتى يشرب من العسل ما شاء الله.

 

 الشيء الذي أثار حفيظة بقية أزواجه وغيرتهن! فاتفقن على أن كلَّ واحدة منهن دخل عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تقول له: "أكلت مغافير! إني أجد منك ريح مغافير"، والمغافير، جمع مغفور وهو صمغ شجر، حُلو المذاق ورائحته نتنة..

 

وهكذا فعلن! فنجحت خُطتهن في البداية حتى حرَّم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على نفسه العسل، وترك الذهاب عند زوجه زينب.. فنزلت الآية: بسم الله الرحمن الرحيم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم) [التحريم: 1]، نزل القرآن الكريم ليُصحِّحَ المسار، ويوضح المصير. وإن العسل الذي تناوله رسول الله من الحلال الطيب، فلماذا يُحرمُه عليه الصلاة والسلام على نفسه؟ فتراجع رسول الله وعاد إلى شرب العسل عند زوجه زينب بنت جحش.

 

- وقد تتساءلون يا عمار بيوت الله عن الفائدة من هذه القصة المشهورة؟!

والفائدة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرَّم على نفسه العسل الطيب لمُجرَّد [كذبة] بأن رائحته نتنة، تشبه رائحة المغافير حتى لا يؤذي أزواجه! فلماذا لا يُحرِّمُ المدخنُ تعاطي السجائر الخبيثة، وقد علم يقينًا أنه يؤذي برائحته زوجه وأولاده وغيرهم ممن له بهم علاقة؟!

 

ودعونا معشر الصالحين نقترب من هذا المُدخِّن إن كان بيننا يسمع ويرى..  أيها المُدخن! يجب أن تعلم أننا نُحبُّك جميعًا:

أولا: لأنك إنسان ولست مدخنًا، بل أنت مُفَضَّل ومُكرَّم على سائر المخلوقات (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].

 

ثانيا: نحبُّك لأنك مُسلم وأنك من عُمَّار بيت الله (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِين) [التوبة: 18].

 

ثالثا: نَكْرَهُ لك التدخين؛ لأن فيه أذى لنفسك ومالك ولغيرك.. فعلى نفسك يقول خالقك: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيما) [النساء: 29]، وعن الأذى لغيرك، اسمع: (وَالَّذِينَ يُؤذُونَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينًا) [الأحزاب: 5].

 

واعلم أن الله –تعالى- لم ينزل الأحكام والتشريع إلا للمحافظة على أسس تقوم عليها مصالح دينك ودنياك، وهي المحافظة على الدين والنفس، والعرض والعقل، والدين... فاسأل نفسك عن أثر التدخين في المحافظة عليها. واسمع ما قالوا عنه:

هو التدخين يفتك بالحنايا *** ويُلقي في القلب جمرا

يسري في الدماء يوما فيوما *** ويملك القلب قيدا وأسرا

فهل هو عاقل من بات فعلا *** يَشُقُّ لنفسه في الأرض قبرا؟

 

وقالوا:

وخبيثُ الدَّاء في الصدر إذا ** بان، صار الموتُ حلا مختصرْ

هذا خبيث الداء في الصدر له *** من طعان التبغ سهم لا يذرْ

ليس بعد التبغ سم قاتل*** حلَّ بين الناس داءً وانتشرْ

 

أيُّها المُدخن! إن أول تهديد لك من التدخين تهديد للحنجرة، وتهديد للقصبة الهوائية، وتهديد للرئتين.. وللجهاز الدموي، وللكثير من أعضاء الجسم، واسألوا الأطباء والمتخصصين تسمعوا العجائب. وإذا كان العقل السليم في الجسم السليم، فإن جسم المُدخن والمدمن على الخُصوص غير سليم..  

 

وأما من حيث الأذى الذي يلحقه بالغير، فيكفي قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أكل البصل والثوم... فلا يقربن، أو فليعتزل مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"، وإن فعل فلا يحل له الذهاب إلى المسجد لئلا يؤذي ملائكة الرحمن وإخوانه في الإيمان، ومثل الثوم والبصل بل أشد تناول الدخان الذي هو أخبث رائحة وأعظم ضررًا، وأي دين يبقى لمن يؤذي المؤمنين؟!

 

- أخي المدخن، إننا مقبلون على شهر عظيم، شهر أنزل فيه القرآن، شهر التوبة والرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر الترقي في مدارج الجزاء الإلهي واستحقاق الدخول من باب الريان، ونيل العفو الرباني والفوز منه بالرضوان... فأقبل على تزكية نفسك، وتخلَّص من أسباب الضرر والخسران، وتوكل على الله بعزم وإرادة وجاهد نفسك، فإن المولى سبحانه وعد ووعده حق بالهداية، لكن لمن جاهد...(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة العنكبوت: 69].

 

- نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد الأولين والآخرين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين...

 

عباد الله! إن الله –تعالى- لم يرسل الرسل -عليهم السلام-، ولم ينزل الكتب إلا لهداية الخلق وتذكيرهم بغاية خَلْقهم ووجودهم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58].

 

 ويبقى كل مسيء جانٍ على نفسه، وعليه أن يُعدَّ للمسألة جوابًا (مَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: 109- 110].

 

 والعليم الحكيم يعلم الآن أن بيننا في هذا المسجد من في جيبه علبة سجائر، أو قد تكون العلبة تنتظره في سيارته، أو في بيته.. ونحن نريد أن لا نخرج من هذا البيت وبعد صلاة الجمعة إلا وقد عزم هؤلاء على التوبة، "والتائب من الذنب كمن لا ذنب له"، والإقلاع عن هذه الآفة، وأن يملكوا الشجاعة والإيمان ليقطعوا صلتهم بالدخان والسجائر وأخواتها، وليرموا تلك العُلب في سلة النفايات.

 

وإن كنا نأسف الأسف الشديد أن الأمر لم يقف عند تدخين الذكور من أبناء جلدتنا، بل تعداه إلى أن ترى بعضًا من الإناث يأخذن نصيبهن من هذا الداء الخبيث، وكم هو أمر غريب أن ترى فتاة جميلة في شبابها تمسك سيجارة بين أناملها أو شفتيها، وتتصاعد منها أدخنة تشهد على إحراق وردة متفتقة بنار سيجارة منتنة!!

 

 نسأل الله أن يعفو عن المبتلين!.. وليعلم المقلع عن هذه الآفة قبل دخول شهر المغفرة والرضوان، ولزوم الاستغفار تتجدد حياته كيوم ولدته أمه بعد رمضان...

 

وسيرفع كل من حضر في هذا المسجد أكف الضراعة إلى من قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186] لندعُ جميعا لكل من ابتُلي بهذا الخبث، بعد أن عزم على الترك ونقول:  اللهم إن أخانا هذا قد قضى مدة من عمره في التدخين، وها هو قد عزم على الإقلاع منه فأعنه يا ربنا، اللهم إنه قد تعب من هذه القذارة فاجعل تركه لها كفارة، اللهم إنه قد ندم وتاب فجنبه الخسران والخراب... الدعاء..

 

 

المرفقات

إرشاد المدخنين لما فيه صلاح الدنيا والدين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات