اقتباس
(يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) ...
قال ابن الأثير عليه رحمة الله :
لما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستتراً عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم فأصرّ على معصيته وأقام على غيّه لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنّة، فقال الله له: (اخرج منها - يعني من الجنة - فإنّك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) ص: 38 : 77 - 78؛ وأسكن آدم الجنة.
قال ابن عباس وابن مسعود: فلما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فرداً ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها فقال: من أنت؟ قالت: امرأة، قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ، قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه: ما اسمها؟ قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من حي، وقال الله له: (يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما) البقرة: 2 : 35.
وقال ابن اسحاق فيما بلغه عن أهل الكتاب وغيرهم، منهم عبد الله بن عباس قال: ألقى الله تعالى على آدم النوم وأخذ ضلعاً من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحماً وخلق منه حواً، وآدم نائم، فلمّا استيقظ رآها إلى جنبه فقال: لحمي ودمي وروحي، فسكن إليها، فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكناً من نفسه قال له: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) البقرة: 2 : 35. وعن مجاهد وقتادة مثله.
فلمّا أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كلّ ما أرادا من كل ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة، ابتلاءً منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما، فوسوس لهما الشيطان ما وسوس ...
و-أما- اليوم الذي أخرج فيه منها واليوم الذي تاب فيه :
فقد روى أبو هريرة عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم، قال: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أسكن الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة - يقلّلها - لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إيّاه ) . قال عبد الله بن سلام: قد علمتُ أيّ ساعة هي، هي آخر ساعة من النهار.
وقال أبو العالية: أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة منه، وأهبط إلى الأرض لتسع ساعات مضين من ذلك اليوم، وكان مكثه في الجنّة خمس ساعات منه، وقيل: كان مكثه ثلاث ساعات منه.
فإن كان قائل هذا القول أراد أنه سكن الفردوس لساعتين مضتا من يوم الجمعة من أيّام الدنيا التي هي على ما هي به اليوم، فلم يبعد قوله من الصواب لأن الأخبار كذا كانت واردة عن السلف من أهل العلم بأن آدم خُلق آخر ساعة من اليوم السادس التي مقدار اليوم منها ألف سنة من سنينا، فمعلوم أن الساعة الواحدة من ذلك اليوم ثلاثة وثمانون عاماً من أعوامنا، وقد ذكرنا أنّ آدم بعد أن خمّر ربنا طينته بقي قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين عاماً، وذلك لا شكّ أنه عنى به أعوامنا، ثمّ بعد أن نفخ فيه الروح إلى أن تناهى أمره وأسكن الجنّة وأهبط إلى الأرض غير مستنكر أن يكون مقدار ذلك من سنينا قدر خمس وثلاثين سنة، وإن كان أراد أنّه سكن الجنّة لساعتين مضتا من نهار يوم الجمعة من الأيام التي مقدار اليوم منها ألف سنة من سنينا فقد قال غير الحقّ، لأنّ كل من له قول في ذلك من أهل العلم يقول إنّه نفخ فيه الروح آخر نهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس.
وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنّ مكث آدم كان في الجنّة نصف يوم كان مقداره خمسمائة عام، وهذا أيضاً خلاف ما وردت به الأخبار عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن العلماء.
بتصرف يسير من اللجنة العلمية
الكامل في التاريخ (1/28وما بعدها)
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم