إحياء السُّنن والتَّحذير من هَجْرِها

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2021-03-05 - 1442/07/21 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/السعادة والنجاة باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- 2/حرص السلف الصالح على التزام السُّنة 3/تعريف السنة 4/طائفة من السُّنن المجهولة والمهجورة.

اقتباس

قال ابن رجب -رحمه الله-: "مَنْ سار على طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنِ اقْتَصَد؛ فإنه يسبق مَنْ سار على غيرِ طريقه وإنِ اجْتَهَد", وما موتُ السُّنن واندثارُها, وجهلُ الناس بها وعدمُ تطبيقها إلاَّ علامة على ظهور البِدَعِ وفشوها...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا, وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أمَّا بعد: لا سعادةَ للعباد, ولا نجاةَ في المعاد, إلاَّ باتباع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, قال -تعالى-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 71]؛ وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)[الفتح: 17], وقد ذَكَرَ الله -تعالى- طاعةَ الرسولِ واتِّباعَه في نحو من أربعين موضعاً من القرآن.

 

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "الاقتصاد في السُّنة أحسن من الاجتهاد في البدعة"(صحيح موقوف, رواه الحاكم), وقال ابن رجب -رحمه الله-: "مَنْ سار على طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنِ اقْتَصَد؛ فإنه يسبق مَنْ سار على غيرِ طريقه وإنِ اجْتَهَد".

 

وما موتُ السُّنن واندثارُها, وجهلُ الناس بها وعدمُ تطبيقها إلاَّ علامة على ظهور البِدَعِ وفشوها؛ كما قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: "ما يأتي على الناس من عامٍ إلاَّ أحدثوا فيه بدعةً, وأماتوا سُنَّةً, حتى تحيا البدعُ, وتموت السُّنن".

 

وقد حرص السلف الصالح على التزام السُّنة, والعملِ بها, ولو لمرة واحدة, وحذَّروا من هجرِ السُّنن, والاجتهادِ في البدع, قال عبد الرحمن بن مهدي -رحمه الله-: "سمعتُ سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثٌ قطُّ إلاَّ عملتُ به ولو مرة", وعن مُسلم بن يسار -رحمه الله- قال: "إني لأصلي في نعليَّ, وخلعهما أهون عليَّ, وما أطلبُ بذلك إلاَّ السُّنة", وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ما كتبتُ حديثاً إلاَّ وقد عَمِلْتُ به, حتى مَرَّ بِي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجمَ, وأعطى أبا طيبةَ ديناراً؛ فأعطيتُ الحَجَّامَ ديناراً حين احتجمتُ".

 

عباد الله: ما أكثر السُّنن التي يجهلها الناس, أو يهجرونها!؛ يقل العمل بها, والمقصود من السُّنة هنا: هو ما رود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ, أو فِعلٍ, أو تقرير.

 

وبين أيدينا مُحاولةٌ لإحياءِ وإشاعةِ سُنَّةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المسلمين, والدلالة عليها؛ امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذاريات: 55], وامتثالاً لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً؛ فَلَهُ أَجْرُهَا, وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ"(رواه مسلم).

 

فمن السُّنن المجهولة والمهجورة: البدء بالوضوء عند الاغتسال, التسمية قبل الوضوء, والذِّكر بعد الوضوء, البدء بِغَسْلِ الكَفَّين, والوضوءُ ثلاثاً, استنشاق الماءِ والمضمضة, والاستنثار.

 

وفي الصلاة سنن قولية وفعلية, تصل إلى ثلاثين سُنَّة, ومن هنا نُدرِكَ الأُجورَ الكثيرة التي يُحَصِّلُها مَنْ حافَظَ على سُنَنِ الصلاة, بخلافِ الذي لا يُحافِظُ عليها, أو يجهلها, فضلاً عن الأخطاء التي تقع منه في صلاته؛ لأنه لم يعمل بقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"(رواه البخاري).

 

فمِنَ السُّنن القولية: الصلاةُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بعد التَّشهد الأول, والإكثارُ من الدعاء قبل التسليم في الصلاة, ومِنَ السُّنن الفِعلية: التَّوَرُّك في التشهد الأخير, وجِلْسَة الاستراحة, والصلاة إلى سُترة.

 

ومن السنن المجهولة والمهجورة: الصلاة في النَّعلين إذا تحقَّقَتْ طهارتهما, ولبس النعال في اليمنى والخَلْع في اليسرى, الجلوس عند الشرب, ويُباح الشرب واقفاً, التنفس خارج الإناء عند الشرب, والشرب ثلاثا, صلاة ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر, الذِّكر عند الخروج من المنزل, وعند دخوله, السلام على مَنْ عرفتَ ومَنْ لم تعرف.

 

ومنها: إكثارُ الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ليلةَ الجمعة ويومَ الجمعة, قراءةُ سورةِ الكهفِ ليلةَ الجمعة ويومَ الجمعة, التبكيرِ والمشي إلى صلاة الجمعة, وغُسلُ الجنابة يومَها, الدعاء في آخِرِ ساعةٍ بعد العصر يوم الجمعة.

 

ومن السنن المجهولة والمهجورة: الدعاء عند صياح الدِّيك, والتعوذ عند سماع نهيق الحمير, وعند سماع نباح الكلاب بالليل, أداء صلاة النافلة في البيت, صلاة الضحى, قيام الليل, صلاة الوتر, والذِّكر عَقِب السَّلام من الوتر, المحافظة على السُّنن الرواتب, نَفْضُ الفراش عند النوم, صيام ثلاثة أيام من كل شهر, صلاة الاستخارة عند التَّردُّد في فِعْلِ أمر, الترديد مع المؤذن حين الأذان, دعاء ركوب المركبة, التَّزاور في الله -تعالى-, التزام دعاء السفر عند السفر, ملازمة السِّواك.

 

أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه كان غفَّارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى, وصلاة وسلاما على النبي المجتبى, أما بعد:

 

عباد الله: ومن السنن المجهولة والمهجورة: الاقتصاد في المأكل والمَشْرب والنفقة, ملازمة ذِكْرِ الله -تعالى-, مُحاسبة النفس, المحافظة على الأذكار المشروعة بعد الصَّلَوات المكتوبة, الجلوس في المُصلَّى بعد الفجر حتى تطلع الشمس, المحافظة على أذكار الصباح والمساء, المداومة على الوضوء والأذكار قبل النوم, والمحافظة على أذكار الاستيقاظ من النوم, المداومة على دعاء الخلاء والخروج منه, دعاء لبس الثوب الجديد, الذِّكر المشروع عند رؤية الهلال في بداية كُلِّ شهر, معاونة الأهل والزوجة في أعمال المنزل.

 

ومن السنن المجهولة والمهجورة: المشي حافياً أحياناً, خَلْعُ النِّعال عند المشي بين القبور, الخوف والدعاء عند ظُهور الغيمِ أو الريح, والدعاء عند الغيث والمطر, الاضطجاع بعد سُنَّةِ الفجر على الجنب الأيمن, الصيام, واتباع جنازة, وزيارة مريض, والصدقة في يوم واحد, صوم يوم عرفة لغير الحاج, صوم يوم عاشوراء, ويوماً قبله أو بعده, الإكثار من الأعمال الصالحة في العشر الأُوَل من ذي الحجة, الصلاة في أيِّ مكانٍ أو بُقعةٍ طاهرةٍ من الأرض, ولا يُشترط على سُجَّاد, الدعاء بعد شُرْبِ اللبن, والمضمضة بعده.

 

ومن السنن المجهولة والمهجورة: التكبير عند صعود المرتفعات, والتسبيح عند نزول الأودية والشِّعاب في السفر, التكبير ليلةَ العيد إلى أن يدخل الإمامُ لصلاة عيد الفطر, التكبير ليلةَ عيد الأضحى ويومَه, وأيامَ التشريق, التلبية من حين عَقْدِ نِيَّةِ الإحرام في العمرة إلى أنْ يَدخل الحرمَ, الدعاء والوقوف على الصفا والمروة في العمرة والحج, التَّفْل عن اليسار في الصلاة عند وسوسة الشيطان, المشي إلى صلاة العيد, ومخالفة الطريق في الرجوع, إعطاءُ زكاةِ الفِطْرِ لِمُستحِقِّيها بعد الفجر قبل صلاة العيد, تحنيك المولود.

 

ومنها: ذبح العقيقة عن المولود يوم سابعه, حلق شعرِ المولود يومَ السابع, والتَّصدُّق بوزنه فِضَّة, تسميةُ المولودِ يومَ السابع؛ إنْ لم يُسَمَّ في اليوم الأول, الختان في حقِّ الذكور, قصُّ الشارب وإعفاءُ اللحية, الإسراع في المشي, الدعاء للمريض في عيادته, الدعاء عند المصيبة.

 

ومن السنن المجهولة والمهجورة: الدعاء عند إفطار الصائم, دعاء الضيف لصاحب الطعام, الدعاء إذا أفطر عند أهل بيت, الدعاء عند رؤية باكُورةِ الثَّمَر, الدعاء لمَنْ سَبَبْتَه, الدعاء لِمَنْ صَنَعَ إليك معروفاً, الدعاء إذا تَقلَّب ليلاً, وعند الفَزَعِ في النوم, والتعوذ عند الحُلم الشيطاني, الدعاء بالبركة إذا خَشِيَ أن يُصِيبَ شيئاً بعَينِه, الذِّكر المشروع عند دخول السُّوق, الذِكْرُ المشروع عند رؤية المُبتلى, المحافظة على كفَّارةِ المجلس, الذِّكر المشروع إذا أحَسَّ وَجَعاً في جسده.

 

ومن السُّنَن: تلقين المُحْتَضَر, الدعاء عند إغماضِ المَيِّت, زيارة القبور, القيام عند رؤية الجنازة, الإسراع بالجنازة, لا يجلس إلاَّ بعد وضع الجنازة, الوصية قبل الموت, الدعاء للفَرَط عند الصلاةِ عليه, الدعاء عند إدخال الميِّت القبر, الدعاء بعد دفن الميت.

 

اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة, وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

 

 

المرفقات

إحياء السُّنن والتَّحذير من هَجْرِها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات