إحلال اللهجات العامية محل اللغة العربية الفصحى

أ. د إسماعيل علي محمد

2023-10-21 - 1445/04/06
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

إن التمادي في الدعوة إلى تشجيع العاميات وإحلالها محل الفصحى، ومتابعة أعداء الإسلام والعروبة في هذا الأمر لا يخدم إلا خصومنا ومخططاتهم الرامية إلى إيجاد الفرقة بين بلدان العالم الإسلامي، وإذا كنا نتنادى في هذا الوقت بالأخوة والوحدة والتماسك -وهذا أمرٌ...

إن التلاقي على لغة واحدة -لا شك- عاملٌ قوي من عوامل الوحدة والترابط والتفاهم، والتقارب في المواقف والآراء، كما أنه من شأنه وصل ما بين أهل اللغة الواحدة وتراثهم الفكري والثقافي.

 

ولقد كان للغة العربية حضور ملموس في حياة الأمة الإسلامية على مر العصور؛ حيث إنها لغة القرآن الكريم الذي يتلوه جميع المسلمين، ولغة الصلاة التي هي رُكنٌ من أركان الإسلام، وفرض عين على كل مسلم، "ولذلك فقد رافقت رحلة الإسلام وانتشاره إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبها كتب المسلمون على اختلاف أجناسهم وديارهم، وأثرت تأثيرا كبيرا في اللغات الفارسية والتركية والأوردية، واللغات الأفريقية في شرق أفريقيا، واللغة الماليزية [1].

 

ولا ريب أن ذلك الحضور للغة العربية في حياة المسلمين له أثره العظيم في تعزيز أخوتهم ووحدتهم - لا سيما العرب منهم - والإسهام في ارتباطهم بالثقافة الإسلامية التي يشتركون فيها.

 

وهناك مخططات منذ فترة طويلة من الزمن، ودعوةٌ روَّج لها أعداء الإسلام، ترمي إلى القضاء على اللغة العربية الفصحى -لغة القرآن الكريم- وإحلال اللهجات العامية في الأقطار الإسلامية محلها، وقد اكتنف هذه المخططات جهود جبارة، ودعاوى مزيفة، تبناها كثير من الغربيين، وكثير من المستغربين، ومشى في ركابهم وظاهرهم طائفة من أبناء المسلمين[2].

 

ولقد دأب الاستعمار الغربي طوال وجوده في البلاد الإسلامية على رعاية مخططات محاربة الفصحى وحصارها، وخاصة في المجالات التعليمية والثقافية، فعمل على إضعاف شأنها ماديا ومعنويا، بل إنه استطاع أن يقضي عليها، ويعزلها من بعض البلاد التي كانت تتحدث بها، كما حدث في عدد من بلدان أفريقيا.

 

والحقيقة أن هذه الحرب التي ووجهت -ولا تزال- تواجه بها اللغة العربية، وتلك المحاولات الدؤوبة للقضاء عليها وإماتتها، خاصة تلك المحاولات الرامية إلى استبدال اللهجات المحلية العامية بها؛ إنما هي تخطيط ماكر خبيث، له أهداف خطيرة، ويترتب عليه آثار تَضُرُّ بنا في الحال والمآل، وتهدد حاضرنا ومستقبلنا، إذ هو امتدادٌ لمحاربة القرآن نفسه، والعمل على إقصاء المسلمين عنه، وقطع صلة الأجيال بالعلوم والآداب العربية عامة، وعلوم الشريعة خاصة، وامتداد كذلك لمحاولات الخصوم الدائبة من أجل تقطيع أوصال الأمة الإسلامية وتفريقها، وإيجاد صعوبة - بل استحالة - التفاهم بين شعوبها، "وقطع الطريق على توسع اللغة العربية المحتمل بين مسلمي العالم، وبذلك لا تتم لهم وحدة"[3].

 

إن التمادي في الدعوة إلى تشجيع العاميات وإحلالها محل الفصحى، ومتابعة أعداء الإسلام والعروبة في هذا الأمر لا يخدم إلا خصومنا ومخططاتهم الرامية إلى إيجاد الفرقة بين بلدان العالم الإسلامي، وإذا كنا نتنادى في هذا الوقت بالأخوة والوحدة والتماسك -وهذا أمرٌ مفروض- فبدهي أن تلاشي اللغة العربية الفصحى، وانتشار اللهجات العامية على أنقاضها يعد شرخا واسعا في جدار هذه الوحدة المنشودة، وعاملا كبيرا في تأخيرنا وإضعافنا، بالإضافة إلى ما يُحدثه هذا المخطط الماكر الخبيث من هوة سحيقة بيننا وبين ماضينا وسلفنا، "وإذا انقطعت صلتنا بقديمنا أمكن أن نقاد إلى حيث يراد بنا، وإلى حيث لا تجمعنا بعد ذلك جامعةٌ تجعل منا قوة تُخيف الكائدين، وتأبى على الطامعين [4]."

 

_________

[1] حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة ص 187.

 

[2] للاستزادة حول دلائل ووقوف أعداء الأمة في الخارج، وأذيالهم في الداخل وراء مخططات هدم اللغة العربية؛ يراجع: الاتجاهات الوطنية 2/359 وما بعدها، أباطيل وأسمار، محمود محمد شاكر ص 151 وما بعدها، مطبعة المدني - القاهرة، ط الثانية 1972م.

 

[3] حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة ص 191.

 

[4] الاتجاهات الوطنية 2 /273.

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات