عناصر الخطبة
1/أهمية أعمال القلوب ومكانتها 2/عبودية حسن الظن بالله تعالى 3/معنى وحقيقة حسن الظن بالله 4/أوقات وأحوال يتأكد فيها إحسان الظن بالله 5/أمور معينة على إحسان الظن بالله 6/ ثمرات وفوائد حسن الظن بالله.اقتباس
حُسنُ الظنّ بالله: يعني صِدْقَ اللجوءِ إلى الله، وشِدّة تعلُّقِ القلبِ بالله، وقوة الاعتمادِ على الله، وتمامَ الثقةِ في الله، وانتظار الفرجِ من الله، والرضا عن الله، والتسليمُ لتدبيره، والاطمئنانُ لقضائه وقدرهِ، وحُسنُ الظنّ بالله -تعالى- بكلمة جامعة: ألا تتوقعَ من الله -تعالى- إلا كُلُّ جميل....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي بيده الإفناءُ والإنشاءُ، والإماتةُ والإحياءُ، والعافيةُ والبلاءُ، سبحانهُ وبحمده، خزائنهُ مَلْأَى، ويَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، ولا يتعاظمه عطاء، (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)[هود: 7].
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، يفعلُ ما يُريدُ، ويحكُمُ ما يشاءُ، و(لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[آل عمران: 5].
وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، إمامُ الأنبياءِ، وصفوةُ الأولياءِ؛ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى آله السادةِ النجباءِ، وصحابتهِ البررةِ الأتقياءِ، والتابعينَ، وتابعِيهم بإحسانٍ، مادامتْ الأرض والسماء.
أمَّا بعدُ: فأُوصِيكُم -أيُّها النَّاسُ- ونفسِي بتقوى اللهِ -عز وجل-، فلا عِزَّ إلا بطاعتِهِ، ولا نجاةَ إِلَّا بتقوَاهُ وخشيتهِ، ولا فوزَ إلَّا في رضَاهُ ومحبتهِ؛ (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ)[الزمر:9].
معاشر المؤمنين الكرام: معلومٌ أنّ أعمالَ القلوبِ أهمُّ من أعمالِ الجوارح؛ وذلك أنّ أعمالَ القلوبِ أصلٌ، وأعمالُ الجوارحِ تبعٌ، وسنقفُ اليوم -بإذن الله- مع عبادةٍ قلبيةٍ من أهمّ وأجلّ عباداتِ القلوب؛ حيثُ إنّ لها أثراً كبيراً في استقامة العبدِ وصلاحه، وفي راحته واطمئنانهِ وفلاحه، خصوصاً عندما تكثرُ الفتنُ، وتشتدُّ الأزمات، وتزدادُ الغربة، فما أحوجَ المسلمَ حينها إلى حُسْنُ الظَّنِّ بالله تعالى، فحُسنُ الظنِّ بالله هو قوةُ اليقينِ بما وَعَدَ اللهُ –تعالى- عبادَهُ من سِعَةِ كرمِهِ ورحمتِهِ.
حُسْن الظَّنِّ بالله -تعالى- عقيدةٌ بين العبد وربه، بل هو لازمٌ من لوازم التوحيد، وواجبٌ من أهم واجبات الدين؛ ففي الحديث الصحيح، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَمُوتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسِن الظَّنَّ بالله -عز وجل-".
حُسنُ الظنّ بالله: يعني صِدْقَ اللجوءِ إلى الله، وشِدّة تعلُّقِ القلبِ بالله، وقوة الاعتمادِ على الله، وتمامَ الثقةِ في الله، وانتظار الفرجِ من الله.
حُسْنُ الظَّنِّ بالله: يعني الرضا عن الله، والتسليمُ لتدبيره -جلّ في علاه-، والاطمئنانُ لقضائه وقدرهِ -سبحانه وبحمده-.
حُسنُ الظنّ بالله -تعالى-: هو يقينُ المؤمنِ أنّ اللهَ -تعالى- يقبلُ توبتهُ إذا تاب، ويغفرُ جميعَ ذنوبهِ إذا استغفر، ويستجيبُ دعائهُ إذا دعا، ويُثِيبهُ إذا عملَ صالحاً.
حُسنُ الظنّ بالله -تعالى- بكلمة جامعة: ألا تتوقعَ من الله -تعالى- إلا كُلُّ جميل"؛ (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات:87].
وإني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظنِّ ما اللهُ صانع
ومن أحْسَنَ ظنَّهُ بالله -تعالى-، فلن يُخيِّبَ اللهُ ظنّهُ أبداً، فاللهُ -عزَّ وجلَّ- لعبده بحسب ما يَظنُّ العبدُ ويعتقدُ في ربه، في الحديث القدسي الصحيح، قال الله -عزَّ وجلَّ-: "أنا عند ظنّ عبدي بي، فلْيَظُنَّ بي ما شاء"، وفي روايةٍ صحيحة: "إنْ ظَنَّ بي خيرًا فله، وإن ظَنَّ شرًّا فله"، وفي روايةٍ أخرى: "فلا تظنوا بالله إلا خيرًا".
وفي هذا حثٌّ للمسلم على إحسان الظَّنِّ بالله -جلّ وعلا-، وعلى الثقةِ به -تبارك وتعالى-، فإنّ حُسنَ الظنّ بالله -تعالى- من أفضل ما يُوهَبُ للعبد؛ كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "والذي لا إله غيره، ما أُعطِيَ عبدٌ مؤمنٌ شيئًا خيرًا من حُسْن الظَّنِّ بالله -عزَّ وجلَّ-، والذي لا إله غيره لا يُحْسِنُ عبدٌ بالله -عزَّ وجلَّ- الظنّ إلا أعطاهُ الله -عزَّ وجلَّ- ظنَّه؛ ذلك بأنّ الخير في يده".
وعلى هذا فحُسْنُ الظَّنِّ بالله ينبغي أن يُصاحِبَ العبدَ في كلَّ أحيانهِ وعلى جميع أحواله، غيرَ أنّ هناك أوقاتًا وأحوالًا يتأكدُ فيها إحسانُ الظَّنَّ بالله -جلّ جلاله-؛ أكثرَ من غيرها.
من تلك الأحوال: عند الدعاء والسؤال: ففي الحديث الحسن، أنّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ادعوا الله وأنتم موقنونَ بالإجابة"، فإذا دعا المسلمُ، وسأل الله -تعالى- من خيري الدنيا والآخرة، فَلْيُحْسِنْ ظنَّهُ بربه أنهُ سيحقّقُ له ما سأل، وعليه ألا يستبطئ الإجابة، فلعل الخيرَ له في تأخرها أو عدم تحقُّقِها، ولعلهُ قد أُعطيَ بدعوته ما هو أفضلُ له من مطلوبه وهو لا يشعر.
في الحديث الصحيح، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما من مسلمٍ يدعو بدعوة ليس فيها إِثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطاهُ الله إحدى ثلاث: إما أن يُعجِّل له دعوته، وإمّا أن يدّخِرها له في الآخرة، وإما أن يصرفَ عنه من السوء مثلها، قالوا إذن نُكثر، قال: اللهُ أكثر".
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عند فعل الواجباتِ والطاعات، والتّقربَ بالأعمال الصّالحات: فيُحسِنُ العبدُ الظنَّ بربه أنهُ سيقبلُ منهُ عمله، وسيُثيبهُ عليه بفضله الواسع وكرمه العظيم؛ كما قال -تعالى-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام: 160].
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عند الإنفاقِ والبذلِ في سبيل الله: فيُحْسِنُ الظنّ بربه أنهُ سيتقبلُ منهُ صدقتهُ، وأنهُ سيُخْلِفُهُ خيراً منها، وأنهُ سيباركُ لهُ فيما أبقى؛ كما قال -تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[سبأ: 39].
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عند التوبة، فيُحسِنُ العبدَ ظنهُ بربِّه أنهُ سيقبلُ توبتهُ، متى تابَ وصدق فيها، وأنهُ سيغفرُ لهُ جميعَ ذنوبهِ ولو كانت مثلَ زَبَدِ البحر، أو بلغت عَنانَ السماء، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم)[الزمر:53]، وفي الحديث القدسي الصحيح: قال الله -تعالى-: "يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء، ثم استغفرتني، غفرتُ لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لَقِيتَني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتُك بقرابها مغفرةً".
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عند طلبِ الرزق؛ وذلك بأن يتوكلَ العبدُ على ربه، ويُحسِنَ الظَّنَّ أنّ اللهَ سيرزقهُ من واسع فضله، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3]، وفي الحديث الصحيح، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله، لَرَزَقَكُم كما يرزقُ الطير، تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا".
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عندَ الأزماتِ والشدائدِ ونزولِ المصائب: فيُحسِنُ العبدَ الظنّ بربه، أنه برحمته وفضلهِ سيُفرِّجُ همَّه، ويُزيلُ بُؤسهُ، وينفِّسُ كربه، ويُيَسِّرُ له أمرهُ، قال -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل:62]، وفي الحديث الصحيح: "من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقتُه، ومن نزلتْ به فاقةٌ فأنزلها باللهِ، فيوشِكُ اللهُ له برزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ".
ومن الأحوال التي يتأكدُ فيها إحسانُ الظنّ بالله: عند رؤية مآسي المسلمين وما يُصيبُهم من الذُّل والهوانِ وتسلُّط الأعداءِ عليهم: فيظنُّ أنّ اللهَ سينصرُ عبادهُ، ويُعلي كلمتهُ، كما قال -تعالى-: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد)[غافر:51].
وأما أكثرُ الأحوال التي يتأكد فيها إحسانُ الظنّ بالله: فعند نزع الموت وسكراته؛ ففي صحيح مسلم قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَمُوتَنَّ أحدكم إلا وهو يُحسِنُ الظَّنَّ بالله -عزَّ وجلَّ-"؛ أي: وهو يظنّ أنّ الله -تعالى- سيرحمه ويُدخِلَه الجنة، ويرجو ذلك، فهو سَيَفِدُ على البَرِّ المحسن الكريم، العفوِّ الرؤوف الرحيم.
قال بعض العلماء: ينبغي للمسلم أن يُغلِّبَ جانبَ الخوفِ في حال صحته، وأن يُغلِّبَ جانبَ الرجاءِ عندَ الموت، وفي الحديث الصحيح أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على شابّ، وهو في الموت، فقال: "كيف تجدك؟" قال: والله يا رسول الله، إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يجتمعان في قلب عبدٍ في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمَّنَهُ مما يخاف".
ومن أعظم ما يُعينُ المؤمنَ على إحسان ظنّهِ بربه: ازديادُ المعرفةِ به -تبارك وتعالى-، وتعلُّمِ أسمائهِ الحسنى وصفاته العلى، في صحيح الإمام البخاري، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحد، مَن أحصاها دخل الجنة"، ومعنى "أحصاها" فهم معناها وعمل بمقتضاها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن؛ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَّحِيم)[فصلت: 30- 32].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب)[الزمر:18].
معاشر المؤمنين الكرام: عرفنا ما هو حُسنُ الظنّ بالله، وما هو حُكمهُ وفضلهُ، ومتى يتأكد، وبقي أن نتعرفَ على بعض فوائدهِ وثمراتهِ في العاجلِ والآجل:
فأول ثمراتِ حُسنِ الظنّ بالله: أنّ من حقَّقَ حُسْنَ الظَّنِّ بالله -تعالى- فقد حقّقَ كمالَ الإيمان، وسلِمَ من الكفر والنفاقِ؛ قال الله -تعالى-: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)[الفتح:6]، ووصف المنافقين بقوله: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)[آل عمران: 154].
وثاني ثمرات حُسنُ الظنِّ بالله: أنّ اللهَ بفضله ورحمتهِ يغفرُ لهُ ويتجاوزُ عنه؛ في الحديث الصحيح: قال الله -تعالى-: "يا ابنَ آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي".
ومن الثمرات: أنَّ مَن أحسنَ الظَّنِّ بربِّه، أعطاه الله ظنَّه، وحقَّق له مراده؛ ففي الحديث القدسي الصحيح، قال الله -عزَّ وجلَّ-: "أنا عند ظنّ عبدي بي، فلْيَظُنَّ بي ما شاء".
ومن الثمرات: أنّ حُسْنَ الظَّنِّ بالله يُسهِّلُ العبادةَ على صاحبها، ويرزقهُ العونَ والتوفيق، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة:45]، قال الإمام الحسن البصري -رحمه الله-: "إنّ المؤمنَ أحْسَنَ الظَّنَّ بربه فأحسنَ العمل، وإنّ الفاجرَ أساءَ الظنَّ فأساءَ العمل".
ومن ثمرات حُسنِ الظنّ بالله: أنهُ من أقوى الأسبابِ لاستجابةِ الدعاء؛ ففي الحديث الحسن: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ".
ومن الثمرات: أن حُسْن الظَّنِّ يُنجِّي صاحبهُ يومَ القيامة، قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ)[الحاقة:19].
ومع كل هذه الثمرات العظيمة لحسنِ الظنّ بالله وغيرها، إلا أنه لا بدَّ للعبد من القيام بما أُمرَ به من الأسباب الشرعية، وتأديةِ الفرائضِ والواجبات، وتجنُّبِ ما نُهِيَ عنهُ من الرذائل والموبقات؛ يقولُ ربُّنا -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 218]، وأمّا مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ، وهو مُقصرٌ في الواجباتِ، مُستمرٌ على المنكراتِ، فهذا غرور وأَمنٌ من مَكّرِ اللهِ.
قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: وإحسانُ الظنّ بالله لا بدّ معهُ من تجنُّبِ المعاصي وإلا كانَ أمناً من مَكْرِ الله، فحُسنُ الظنّ بالله مع فعلِ الأسبابِ الجالبةِ للخير، وترك الأسبابِ الجالبةِ للشر، هو الرجاءُ المحمود، وأمَّا حُسنُ الظنِّ بالله مع ترك الواجباتِ وفعلِ المحرمات؛ فهو الرجاءُ المذموم، وهو الأمن مِن مَكْر اللهِ -عياذًا بالله-، قال -تعالى-: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف:99].
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسنوا الظنَّ بالله، وأحسنوا العمل لله؛ (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير)[البقرة:110].
ويا ابن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا يُنسَى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.
اللهم صلِّ على محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم