عناصر الخطبة
1/ ضرورة التواصل بين الأقارب والتصالح بين الأرحام 2/ صلة الرحم من العبادات الجليلة 3/ الصلة والتواصل صفات خير الخلق 4/ صلة الأرحام مؤشر على الإيمان وبرهان على التقوى 5/كيفية صلة الأرحاماقتباس
قاطع الرحم متبع لهواه، تموت عواطفه، ويزيغ عن الرشد فؤاده، نور الهدى لا يراه،
كلمة الرشاد لا تدلف إلى أُذنه، زيَّن له الشيطان سوء عمله، يرى المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا ..
معاشر المسلمين: تمر بالأمة أحدث وثورات، وتعصف بالمجتمعات غِيرٌ وتقلبات، فتأخذ حقها من التحليل والتعليق والنقاش ليس في وسائل الإعلام فحسب، بل حتى في مجالسنا وأحاديثنا.
لكن تمرُّ بنا قضايا اجتماعية، وتحصل بيننا موبقات دينية، ولا نرى ذاك الاهتمام بها، مع أنَّ الأمر يتعلق بفوز ونجاح، أو هلاك وبوار.
ومن القضايا الملاحظة التي ينبغي أن نقف معها وقفة تذكر وتذكير: قضية التواصل بين الأقارب، والتصالح بين الأرحام.
عباد الله: هذه المدنية أعطت الناس كثيرًا من أسباب رفاهية العيش والتمتع بالحياة، لكنها غيّرت طباع الناس وحياتهم وحتى نفوسهم، فأضحى التواصل الدائم بين الأقارب قليل، والتزاور الحميم ببين الأرحام نزر يسير، أما تصالح المتهاجرين، وتقارب المتباعدين فبعيد بعد المشرقين إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.
يا أهل الإيمان: صلة الأرحام شعيرة ضاربة في أعماق الزمان (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) [البقرة:83].
صلة الرحم من العبادات التي أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل دعوته.
بالصلة والتواصل كان خير الخلق، بها يتخلق، سجلت أم المؤمنين خديجة شهادتها له بقولها «والله إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق».
صلة الرحم خلق عربي نبيل، كانت العرب في جاهليتهم إذا طلبوا وسألوا شيئًا سألوا بحق الرحم.
صلة الأرحام مؤشر على الإيمان وبرهان على التقوى: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه».
صلة الأرحام وصية الله لنا من فوق سبع سماوته (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ) [النساء:1].
فيا كل واصل لنسبه، يا كل مقصر مع رحمه، يا كل قاطع لأقاربه. أرعِ لنا أُخي سمعك، وأحضر معنا قلبك إلى هذه البشائر والنذر المحمدية، فلا وعظ والله أبلغُ من كلِمه، وليس بعد نصحه قول أو بيان.
استشعر أُخي أنك أنت أنت المخاطبُ من نبيك، استجمع أقواله بقلبك، وتفكر فيها حال خلوتك، ثم انظر بعدها مدى استجابتك، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24].
- أخي الحبيب.... حدثنا حبيبك صلى الله عليه وسلم فقال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه» روا البخاري ومسلم.
- وحدثنا حبيبك صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فهو لك» رواه البخاري ومسلم.
- وعظم الحبيب صلى الله عليه وسلم أمر الرحم فقال: «لا يدخل الجنة قاطع رحم».
- وأنذرنا الناصح صلى الله عليه وسلم أمته فقال: «إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم» رواه أحمد بسند صحيح.
- وأنذرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم فقال: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» رواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.
عباد الله: قطيعة الأرحام عمل غير صالح، يهدم البيوت، ويفرّق الأسر، ويزلزل أركان العشيرة، ويوغر الصدور، ويجعلها مليئة بالأحقاد والاحتقان.
قاطع الرحم متبع لهواه، تموت عواطفه، ويزيغ عن الرشد فؤاده، نور الهدى لا يراه، كلمة الرشاد لا تدلف إلى أُذنه، زيَّن له الشيطان سوء عمله، يرى المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.
يُقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن
ومن كانت هذه حاله والعياذ بالله فلا ينتظر إلا قول ربه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.......
الخطبة الثانية
أما بعد:
فيا أخي المقصر مع رحمه اصح من غفلة الرَّقاد، وتب وعد إلى طريق الرَّشاد أصلح حالك، قبل أن يخترم أجلك، وتذهب نفسك فلته، فلا تدري إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر ، اتخذ القرار، واخش الواحد القهار، اقهر النفس، ودع الانتصار للذات، فالأمر والله خطير، جد خطير، والمنقلب غدًا إما إلى جنة عالية قطوفها دانية وإما إلى نار تلظى لا يصلها إلا الأشقى.
إخوة الإيمان: صلة القريب تكون بالزيارة والدعاء، والاحترام وحسن الثناء تكون بإجابة دعوته، وإعانته بالمال عند حاجته، وعدم المن عليه بعد ذلك.
الصلة الحقة للقريب أن تصله إذا قطع، وتحسن إليه إذا أساء «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها».
وأخيرًا أخي المبارك: تعامل مع قريبك على أنه قطعة منك، كن كما قال الشاعر:
وإنّ الـذي بَيْنِي وبَيْـنَ بَنِي أَبِـي *** وبَيْنَ بَنِـي عَمِّـي لُمَخْتَلِـفٌ جِدّا
فإنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَـرْتُ لُحُومَهُمُ *** وإنْ هَـدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدًا
وإنْ ضَيَّعُوا غَيْبَي حَفِـظْتُ غُيُوبَهُمْ *** وإنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهْمْ رَشْدًا
ولا أَحْمِلُ الحِقْـدَ القَـدِيمَ عليهـمُ *** ولَيْس رَئَيسُ القَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدا
ومن حكم العرب المأثورة: لا تقطع القريب وإن أساء، فإن المرء لا يأكل لحمه وإن جاع.
صلوا بعد ذلك على الرحمة المهداة....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم