إتحاف الكرام بفضل الصلاة والسلام على خير الأنام

الشيخ عبدالله بن عثمان الذماري

2023-09-22 - 1445/03/07 2023-10-11 - 1445/03/26
عناصر الخطبة
1/تنويه للأمة بعلو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم 2/معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 3/المقام المحمود 4/من أعظم الطاعات وأجل القربات 5/فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

اقتباس

وهذا يدل على علو منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه؛ فالرحمن لا يعطي هذا العطاء لمن يصلي على نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا دلالة على حبّه لرسول الله، وعلى عظم حبّه، وعلى عظم منزلة الرسول عنده، وعلى شرف الرسول عنده؛ وقد شرَّفه بأمور لم يشرف بها أحد من خلقه.

الخُطْبَة الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده -تعالى- ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ أعاذنا الله وإياكم وجميع المؤمنين والمؤمنات من البدع والضلالات والنار.

 

أما بعد: إخوة الإيمان: قال ربنا في كتابه الكريم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

في هذه الآية المباركة العظيمة يبين الله -سبحانه وتعالى- لعباده أنه يصلي على نبيه ورسوله وخليله محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وأن ملائكته أيضاً يصلون على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهذا تنويه للأمة بعلو منزلة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلو درجته عند الله وفضله وكرم الله له؛ فمنزلته رفيعة ودرجته عالية؛ كيف لا وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما في الصحيحين: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر".

 

فهو أفضل الناس على الإطلاق، ولهذا بَيَّن رب العالمين لخلقه أنه يصلي على نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وأن ملائكته يصلّون عليه، ولهذا أمر المؤمنين جميعاً من الجن والإنس أن يصلوا عليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

وقد بيَّن العلماء ما معنى الصلاة من الله لرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ فبعضهم قال هي الرحمة، والبعض يقول المغفرة، والبعض يقول الثناء الحسن؛ أي أن الله يُثني على نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند ملائكته وفي الملأ الأعلى.

 

والبعض يقول: بل الأمر أعظم وأهم؛ فهذا تنويه لشرفه وفضله وعلو قدره وعلو منزلته في الدنيا والآخرة وهناك فرق بين صلاة رب العالمين على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وصلاته على المؤمنين؛ فرب العالمين يصلي وملائكته على المؤمنين، قال ربنا في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)[الأحزاب: 41- 43]؛ فصلاة الرحمن على المؤمنين الثناء يثني عليهم رب العالمين في الملأ الأعلى وصلاة الملائكة على المؤمنين الدعاء والاستغفار.

 

أما صلاة رب العالمين على نبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فهو تعظيمه وعلو شرفه، وليبين رب العالمين علو منزلة نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ فهو رفيع المنزلة في الدنيا ورفيع المنزلة في الآخرة؛ كيف لا وهو شفيع الخلائق يوم القيامة.

 

ولهذا روى مسلم وأبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه به عشراً، ثم سألوا ليَ الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا"؛ هذه الوسيلة هي أعلى درج الجنة وأرفع منازل الجنة، وهذه الوسيلة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من خلق الله جميعاً، وهو نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فمنزلته في الجنة أعلى المنازل وأرفع المنازل.

 

وفي هذا الحديث قال: "ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً"، وهذا يدل على علو منزلة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-؛ فأنت حين تصلي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عليك رب العالمين عشر مرات؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها مكافأة لك لأنك صليت على خليله، وعلى أحب خلق الله إليه، وعلى أكرم خلق الله إليه؛ فرسول الله أكرم الخلق على ربه -سبحانه وتعالى-.

 

ولهذا روى الإمام أحمد من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "لما عُرج بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أُوتي بالبراق دابة ليركبها؛ فاستصعب البراق على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال له جبريل -عليه السلام-: أتفعل هذا بمحمد، والله ما ركب عليك أحد أكرم على الله منه"، قال فتصبب عرقًا البراق استحياء حين سمع من جبريل هذا الكلام حتى تصبب عرقاً حياءً من الله وحياءً من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

 

ولهذا أنت حين تقول: اللهم صلِّ على محمد؛ أنت تدعو ربك، وتسأل ربك أن يُعظِّم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأن يرفع منزلته، وأن يُبْقِي دينه، وأن يبقي شرعه، وأن يُظهِر منزلته في الآخرة المنزلة التي يحمده عليها جميع الناس.

 

ولهذا فإن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال وهو يأمرنا أن نسأل الله -عز وجل- له المقام المحمود: "إذا سمعتم الأذان فقولوا مثل ما يقول إلا في الحيعلتين؛ فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقولوا اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته"، المقام المحمود هو الذي تحمده جميع الخلائق يوم القيامة عندما يأتي الناس بعدما يشتد عليهم الموقف والحر والضيق يقول بعضهم لبعض.

ألا تنظرون من يشفع لكم؟

ألا تنظرون ما حل بكم؟

ألا تنظرون ما أنتم فيه؟

 

انظروا من يشفع لكم فيذهبون إلى آدم فيعتذر، ويذهبون إلى نوح فيعتذر، ويذهبون إلى إبراهيم ويعتذر، ويذهبون إلى موسى ويعتذر، ويذهبون إلى عيسى ويعتذر، ويقول لهم: "إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، فقال: اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فيأتون محمداً -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: يا محمد! أنت خاتم النبيين، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ ألا تشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما حل بنا، ألا ترى ما نحن فيه. فيقول: أنا لها.. أنا لها؛ فيقوم ويسجد تحت العرش، ويفتح الله عليه من المحامد والثناء ما لم يفتحها على أحد من قبله، ولا أحد من بعده".

 

 انظروا هذا المقام الذي عجز عنه أولو العزم من الرسل، وقام هذا المقام محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهنا تحمده جميع الخلائق يوم القيامة على هذا المقام المحمود؛ فهو صاحب المقام المحمود -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ فأنت حين تصلي على نبيك أنت تدعو الله -عز وجل- أن يرفع منزلته، وأن يُظهر فضله، وأن يُظهِر دينه على الأديان، وهكذا أن يرفعه على الناس يوم القيامة، وأن يظهر منزلته بين الخلائق يوم القيامة.

 

ولهذا -إخوة الإيمان- فإن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من أعظم الطاعات ومن أعظم القربات؛ شرف عندما تصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله يثيبك أن يصلي عليك رب العالمين ملك الملوك.

 

روى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشرًا"؛  أنت تصلي على نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة، ورب العالمين يصلي عليك عشر مرات جزاءً، وهذا يدل على حبّ الله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن الله يحب من عباده أن يكثروا من الصلاة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- كيف وقد أمرنا بذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

ولهذا إذا صليت على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بلغت صلاتك رسول الله أين ما كنتَ، وفي أي أرض كنتَ، وفي أي مكان كنتَ، وفي أي بقعة من بقاع الأرض كنت.

 

روى الإمام الطبراني من حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "حيث ما كنتم فصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني"، لا إله إلا الله، الله يبلّغ صلاة كل مسلم إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولهذا وكَّل الرحمن بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- مَلكًا من ملائكته يُبلِّغونه صلاة أُمته، ويبلغونه صلاة أفراد هذه الأمة؛ جاء عند أحمد والنسائي وغيرهما من حديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني صلاة أمتي"؛ هناك ملائكة تبلغ محمداً -صلى الله عليه وسلم- صلاة الأمة.

 

وفي حديث آخر قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إن لله وكَّل بقبري ملكاً قال فإنه لا يصلي عليَّ أحد إلا قال: إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة أي صلى عليك الآن"؛ يبلّغه الصلاة في وقت الصلاة ويسميه باسمه واسم أبيه؛ إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة؛ انظروا شرف عظيم في الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

أولاً: الرحمن يكافئك ويصلي عليك.

ثانياً: الملائكة تصلي عليك.

ثالثاً: اسمك يذهب إلى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وتسمَّى باسمك واسم أبيك فلان ابن فلان شرف.

 

بل جاء عند النسائي وأحمد والبزار وغيرهم من حديث أبي بردة بن نيار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "من صلى عليَّ صلاة مخلصاً من قلبه صلى الله عليه عشر مرات ورفعه درجات وكتب له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات", انظر إلى فضل الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة واحدة أنت تصلي على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاة واحدة، والرحمن يصلي عليك بها عشر مرات، ويرفعك بها عشر درجات ويكتب لك بها عشر حسنات، ويمحو بها عنك عشر خطيئات.

 

هذا فضل الله، وهذا يدل على علو منزلة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه؛ فالرحمن لا يعطي هذا العطاء لمن يصلي على نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا دلالة على حبّه لرسول الله، وعلى عظم حبه، وعلى عظم منزلة الرسول عنده، وعلى شرف الرسول عنده -سبحانه وتعالى-، وقد شرَّفه بأمور لم يشرف بها أحد من خلقه.

 

ولهذا روى الإمام النسائي والبزار وغيرهما من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشر مرات، ورفعه بها عشر درجات، ومحا عنه بها عشر سيئات"؛ هكذا عطاء الله لمن يصلي على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

 

ولهذا عندما بلغ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثواب الصلاة على من صلى عليه استبشر وفرح وخرج مسروراً إلى الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم ؛ ولهذا جاء عند أحمد والنسائي من حديث أبي طلحة -رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً مسروراً يُرى البشر في وجهه؛ فقلنا: يا رسول الله! إننا لنرى البشر في وجهك؟ فقال: "نعم! إنه أتاني الملك -وفي رواية- جبريل فقال لي: يا محمد! أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك أحد من أُمتك إلا سلمت عليه عشرًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بلى"؛ أي هذا يرضيني.

 

 ولهذا خرج النبي مسروراً فرحاً بهذه البشرى التي نزل بها جبريل -عليه السلام- يُبشّره أنه من صلى عليه من الأمة صلاة صلى الله -عز وجل- عليه بها عشر مرات، ومن سلم عليه سلاماً سلم عليه رب العالمين عشر مرات.

 

نسأل الله بعزته وجلاله أن يلين ألسنتنا بالصلاة على نبيه.

ونسأل الله أن يجعلنا من أتباعه في الدنيا، وأن يجعلنا تحت لوائه في الآخرة، وأن يجعلنا من المقربين إليه يوم القيامة.

 

ونسأل الله أن يرفع منزلته، وأن يعلي شرفه، وأن يعظم قدره في الدنيا والآخرة؛ إنه أرحم الراحمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إمام المتقين.

 

أما بعد: إخوة الإيمان: جاء عند الإمام أحمد وأبي داود وابن ماجه وغيرهم من حديث أوس بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه قُبض وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة؛ فإن صلاتكم تبلغني". قالوا: يا رسول الله! كيف تبلغك وقد أرمت؟ أي بليت؛ كيف تبلغك بعد الموت وقد أرمت أي قد بليت؛ فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

 

فهذا الحديث يبيّن على فضيلة الصلاة يوم الجمعة؛ فالرسول يأمرنا أن نكثر عليه الصلاة يوم الجمعة نكثر عليه من الصلاة -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا اليوم وفي غيره؛ ولهذا جاء عند ابن ماجة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة؛ فإنه لا يصلي عليَّ أحد إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يكملها". فقال الصحابي: وبعد الموت يا رسول الله؟ قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء؛ فنبي الله حي يرزق، حي في قبره يرزق"؛ هكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولهذا قال أيضاً قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة؛ فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة"؛ تعرض عليه في كل يوم جمعة، هكذا يبين النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فإذاً يكثر المسلم من الصلاة عليه يوم الجمعة، وكذلك كل يوم.

 

ولهذا انظر أخا الإيمان إلى فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

جاء عند الإمام الترمذي من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا خرج ثلثا الليل الآخر أي إذا انتهى الثلثان من الليل قال: "أيها الناس اذكروا الله.. اذكروا الله.. جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". الرسول يقوم في أول الثلث الأخير من الليل ويقول: "يا أيها الناس اذكروا الله.. اذكروا الله.. جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه.. جاء الموت بما فيه"؛ قال أبي: فقلت يا رسول الله إني أصلي في الليل أي أذكر الله في الليل؛ فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت"، قال: الربع؟ قال "ما شئت فإن زدت فهو خير لك"، قال: النصف؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك"، قال الثلثين؟ قال: "ما شئت فإن زدت فهو خير لك"؛ قال: أجعل لك صلاتي كلها -أي بمعنى دعائي- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذاً تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك"؛ أي إذا فعلتَ ذلك كفاك الله جميع الهموم، وغفر لك جميع الذنوب، هذا دليل على فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وكلما كان المسلم كثير الصلاة على الرسول كانت درجته في الآخرة أرفع.

 

ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إن أدناكم مني منزلة يوم القيامة أكثركم عليَّ صلاة"؛ فمن كان أكثر الناس على الرسول صلاة كان قريباً يوم القيامة من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

 

ولهذا إخوة الإيمان: ينبغي أن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بما ورد في السنة، وبما ذكره أهل العلم؛ فمما ورد في السنة ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث كعب بن عجرة، وجاء من حديث أبي سعيد الخدري وجاء عن عدة من الصحابة أنهم قالوا: يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك؛ فكيف نصلي عليك؟ فقال: "قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، وفي رواية "قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"، وفي رواية: "كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ولم تذكر آل إبراهيم".

 

وهذه الروايات متقاربة وفي رواية "اللهم صلِّ على محمد النبي الأمي وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"؛ فقد جاءت الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بألفاظ متقاربة كما جاءت بها السنة.

 

ولهذا أنت حين تقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ فإن صلاتك تبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتشمل جميع آل محمد من أولهم إلى آخرهم، من كان منهم مسلماً ولو كان عاصياً، ولو كان عنده ما عنده من الذنوب والمعاصي؛ فإن الصلاة تشمله، كما أنك لو دعوت للمسلمين جميعاً فإنها تشمل الصالحين والطالحين من كان مسلمًا وآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هم من أسلم من بني هاشم ومن بني المطلب؛ فجميع من أسلم من بني هاشم ومن بني المطلب هم آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة؛ فدعاء الأمة تشملهم جميعاً، وهذا مما جعل الله -عز وجل- لآل محمد من البركة بسبب دعاء الأمة لهم؛ فقد جعل الله لهم من البركة ما جعل بسبب دعاء الأمة لهم.

 

نسأل الله بعزته وجلاله أن يعظم رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأن يظهر فضله للعالمين، كما قد فعل -سبحانه وتعالى-، وأن يعلي منزلته في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من أتباعه حقاً، وأن يجعلنا من السائرين على سنته، وأن يجعلنا من المكثرين من الصلاة عليه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.

 

ونسأل الله أن يجعلنا ممن يشفع رسول الله فيهم.

 

نسأل الله أن يجعل نبيه شافعاً لنا يوم القيامة إنه أرحم الراحمين.

 

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

إتحاف الكرام بفضل الصلاة والسلام على خير الأنام.doc

إتحاف الكرام بفضل الصلاة والسلام على خير الأنام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات