إبليس

خالد بن سعود الحليبي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ عداوة إبليس لبني آدم 2/ التحذير من خطوات الشيطان 3/ أسباب ووسائل الاعتصام من الشيطان 4/ بعض من مسالك الشيطان ومداخله

اقتباس

لو سئلت: أيهما أخطر عليك عدوُّك الذي يمثل أمامك، ويبارزك بالعداوة، أم عدوُّك الذي يختفي عن ناظريك، ويزين لك سوء عملك فتراه حسنًا، حتى إذا فعلته تبرأ منك؟ لا شك أنك ستقول بملء فيك: العدو الثاني أخطر وأشد، ولكن هل عرفت هذا العدو حق المعرفة؟ وهل علمت أساليبه الخبيثة ووسائله المدمرة؟ بل هل أعددت العدة لمحاربته وطرده؟

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، الذين تمسكوا بسنته، واهتدوا بهديه إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أما بعد:

 

فإنك -أيها الإنسان- لو سئلت أيهما أخطر عليك عدوُّك الذي يمثل أمامك، ويبارزك بالعداوة، أم عدوُّك الذي يختفي عن ناظريك، ويزين لك سوء عملك فتراه حسنًا، حتى إذا فعلته تبرأ منك؟

 

لا شك أنك ستقول بملء فيك: العدو الثاني أخطر وأشد، ولكن هل عرفت هذا العدو حق المعرفة؟ وهل علمت أساليبه الخبيثة ووسائله المدمرة؟ بل هل أعددت العدة لمحاربته وطرده؟

 

أيها الأحبة في الله: إن عدو الله "إبليس" -أعاذنا الله والمسلمين جميعًا منه- هو عدونا اللدود، الذي أخرج أبوينا من الجنة، وسعى ولا يزال يسعى إلى يوم القيامة في منع بني آدم من العودة إليها بكل سبيل، وأقسَمَ على أن يُغويَ بني آدم ويصدهم عن صراط الله المستقيم، و(قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16 - 17 ] فهل نجح في سعيه المدمر؟

 

للأسف الشديد لقد نجح مع أكثر أهل الأرض، وأخبر الله –تعالى- بذلك فقال جل جلاله: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ:20].

 

ثم ماذا بعد؟ ثم يتنصل الشيطان من العبد المغرور به: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر: 16 - 17].

 

والشيطان ربما لا يأمر بالفحشاء والمنكر في أمر واحد، بل يتبع أسلوب الخطوات، حتى يوقع ابن آدم فيما لا يتوقع منه أن يقع فيه، فربما يستجره إلى مكان ما بحجة مقبولة، ثم يزين له أن يقتحمه، ثم يزين له أن يفعل فيه المنكر، وهو لم يكن في حسبانه؛ ولذلك أمرنا الله -جل وعلا- ألا نتبع خطوات الشيطان، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور: 21].

 

وأمرنا جل وعلا أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم، ومعنى: الاستعاذة، أستجير بجناب الله من الشيطان أن يضرني في ديني ودنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفّه عن الإنسان إلا الله، ولهذا أمر الله –تعالى- بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن؛ لأنه لا يقبل المصانعة، ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، لا يكفّه عنك إلا الذي خلقه، يقول تعالى في حق العدو الإنسي: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199]، ويقول في حق الشيطان: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 200].

 

ولكن هل الاستعاذة وحدها هي الحرز من الشيطان الرجيم؟

 

أيها المسلم الحريص على إيمانك وعملك وروحك وجسدك وعِرْضك وولدك ومالك: هناك عدد من الأسباب الأخرى التي تعتصم بها من الشيطان الرجيم، بدءًا من أول التخلق في الرحم، فإنك تستطيع -بإذن الله- أن تسهم في تعويذ ولدك من الشيطان الرجيم إذا امتثلت قول حبيبك -صلى الله عليه سلم-: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدًا" [رواه البخاري].

 

ومن الأوراد والأذكار المعوّذة من الشيطان الرجيم: المعوذتان، وآية الكرسي، وسورة البقرة، ولا سيما خواتيمها، والذكر بأنواعه، ولاسيما ما أسماه الرسول -صلى الله عليه سلم- حرزًا من الشيطان، في قوله: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك" [رواه البخاري].

 

والوضوء والصلاة من أعظم ما يتحرز به العبد المؤمن من الشيطان، ولذلك فإن الشيطان يحاول إفسادهما عليه بالوسوسة حتى يجعله يتوضأ مرارًا تشككًا منه، ثم يوسوس له في صلاته حتى لا يعلم ما قال، ولعلاج ذلك قال صلى الله عليه سلم لعثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- الذي جاء يشتكي إليه ويقول: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي؛ يُلبّسها عليَّ؟ فقال له: "ذاك شيطان يقال له: "خِنزَب"، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا" يقول الصحابي: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني.

 

وربما سلك الشيطان إلى قلب العبد مسلك التخويف فهو يخوّفه من بعض الطاعات إذا فعلها أن يصيبه بسببها أضرار على نفسه أو صحته أو ماله، فإذا أراد أن يبذل ماله في سبيل الله خوّفه الفقر: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].

 

وإذا أراد الجهاد خوّفه الموت وحرَّ السلاح وشدة الأعداء: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 175].

 

وإذا أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوّفه سوء العاقبة، واستهزاء الناس به، إلى غير ذلك من أنواع الطاعات، فإذا وجدت شيئًا من الخوف وعدم الإقدام في أمر من أمور الخير، فاعلم أن وراء ذلك الشيطان، فاستعذ بالله منه وأقدم متوكلاً على الله، مسترشدًا بهدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك كله، يقول خالد بن معدان: "إذا فُتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه، فإنه لا يدري متى يُغلق عنه".

 

ومن مسالكه الخبيثة: التحريش وإيقاع العداوة بين المسلمين، يقول الرسول -صلى الله عليه سلم-: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم" [رواه مسلم].

 

ومن وسائله كذلك: الصد عن ذكر الله وعن الصلاة بشتى القبائح والملهيات، من سماع الغناء والاشتغال بأفلام الغرام والجنس والرعب، ومجالس اللهو من غيبة ونميمة، يقول الله –تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [لقمان: 6].

 

عباد الله: توبوا إلى الله واستغفروه، واستعيذوا به من شر الشيطان وشركه ونفثه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ سيد الخلق وقدوة الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن للشيطان على العبد مداخل كثيرة، لا يسعنا المقام أن نذكر إلا بعضها، منها: الغضب والشهوة، فالغضب هو غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان، وإذا غضب الإنسان حتى غُلب على عقله، لعب به الشيطان كما يلعب الصبي بالكرة، ألا ترى -يا أخي المسلم- أن المرء إذا غضب يقتل ويطلق زوجته، ويسب أحبابه، ويطرد أصدقاءه ويخرج عن رجولته ومروءته، ويتغير شكله، وتنتفخ أوداجه ويفقد صوابه، فلنتذكر قوله صلى الله عيه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" [رواه البخاري].

 

ومن مداخل الشيطان كذلك: العجلة وترك التثبت مما يفوِّت على المرء نفسه مصالح كثيرة؛ ذلك لأن الشيطان يدفع بشره على الإنسان في تلك الحال، على حين لا يستطيع على شيء إذا ما تبصر المرء في أمره، ودرسه من جميع جوانبه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

 

ومن مداخل الشيطان كذلك: التكاسل عن الطاعات، وارتكاب المحرمات، مما يجعل الغلبة للشيطان على بني آدم، يقول صلى الله عليه سلم: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تُقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" [رواه أبو داود وأحمد وهو حديث صحيح].

 

وبالجملة فالوقوع في الآثام والمحرمات سبب جالب لسيطرة الشيطان على الإنسان، واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الشعراء: 221 - 222].

 

وللشيطان مدخل على المرء عن طريق رفقة السوء، وكيف لا يكون ذلك وهم يزيّنون له المنكرات، ويبغّضون له الطاعات، وكم من لبيب عاقل أودت به رفقة السوء إلى حضيض الدعارة، ومستنقع المخدرات، حتى دمَّر نفسه وأسرته وأهله، واقرأ قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

 

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً) [الفرقان: 27 - 29].

 

هذه بعض مداخل الشيطان وتلك أسباب الاعتصام بالله منه والاحتراز من شره.

 

فاللهم اجعلنا من حزب الله (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22]، ولا تجعلنا من حزب الشيطان الذين (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة: 19].

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المجاهدين، وارفع البلاء عن إخواننا المستضعفين واجعلنا من أهل جنة النعيم، وثبت على الحق إمامنا وولاة أمور المسلمين، وأنزل علينا من بركات السماء غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا، تسقي به العباد والبلاد، نافعًا غير ضار.

 

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولأرحامنا وأزواجنا وذرارينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أكرم الأكرمين.

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات