عناصر الخطبة
1/فضائل يوم الجمعة 2/اهتمام السلف بيوم الجمعة واغتنامهم لها 3/الحث على استغلال ساعات يوم الجمعة والحذر من تضيعهااقتباس
هذا اليومُ الذي نعيشهُ في هذه اللحظاتِ خلق اللهُ فيه آدمَ، وأدخله اللهُ الجنةَ، وأخرجهُ فيه من الجنةِ، وفيه تقومُ الساعة. هذا اليومُ وهذه الساعاتُ كانت هي موعدَ النزالِ بين موسى وفرعونَ، يومُ الصراعِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ)[الحديد: 28].
أيُ يومٍ هذا؟ أيُ ساعةٍ هذه؟
إنه أفضلُ أيامِ الدنيا "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ"(أخرجه أهل السنن).
إنها ساعةُ حضورِ الملائكةِ، واستجابةِ الدعاءِ، قال أَبو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ"(أخرجه مسلم).
إنّ يومًا هو خيرٌ كلُـه *** هو يومٌ الأمةِ المجتمعهْ
ليس في الأيامِ ما يفضُله *** أفضل الأيامِ يوم الجمعهْ
هذا اليومُ الذي نعيشهُ في هذه اللحظاتِ خلق اللهُ فيه آدمَ، وأدخله اللهُ الجنةَ، وأخرجهُ فيه من الجنةِ، وفيه تقومُ الساعة.
هذا اليومُ وهذه الساعاتُ كانت هي موعدَ النزالِ بين موسى وفرعونَ، يومُ الصراعِ العالمي بين الحقِ والباطلِ.
من الصباحِ الباكرِ والملائكةُ على أبوابِ المساجدِ تسجلُ الأولَ فالأولْ، فإذا دخل الخطيبُ طوتِ الصحفَ، وأنصتتْ لسماعِ الخطبةِ: "فمن رَاحَ فِي السَّاعَةِ الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(متفق عليه).
من الصباحِ والكائناتُ صائخةٌ مصغيةٌ تنتظرُ الساعةَ، في سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام: "مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ".
لكن كثيرًا من بني آدمَ جعلَ هذا اليومَ يومَ نومٍ، يحرمُ نفسَهُ أن تكتتبَهُ الملائكةُ في صحفِها، وآخرُ عنده هذا اليومُ يلهو فيهِ ويلغو وينسى ذكرَ اللهِ، وثالثٌ يجعلُ هذا فسحةً ونزهةً يخرجُ ويفوتُ صلاةَ الجمعةِ، فالبعضُ قد يكون مسافرا ثم يدخلُ بلدا أو يجلسُ قريبا منه فلا يشهدُ الجمعةَ بحجةِ أنّ المسافرَ لا جمعةَ عليهِ، حتى يعلوَ الرانُ على قلبهِ، حدّث عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبَو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(أخرجه مسلم).
وقد نصَ شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ -رحمه اللهُ- على أنّ المسافرَ إذا نزلَ بمدينةِ تقامُ فيها الجمعةُ، فإنّ عليهِ وجوباً أنّ يحضرَ صلاةَ الجمعةِ ليستمعَ الخطبةَ، ويعيشَ مع المسلمينَ مشاعرَهم وأحاسيسَهم، فقال ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "وَكَذَلِكَ يُقَالَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ كَمَا لَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مَنْ يُتِمُّ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْإِتْمَامَ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، كَذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ، وَهَؤُلَاءِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: (إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ)، وَنَحْوِهَا يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إلَّا مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ وَهَؤُلَاءِ قَادِرُونَ عَلَيْهَا؛ لَكِنْ الْمُسَافِرُونَ لَا يَعْقِدُونَ جُمُعَةً لَكِنْ إذَا عَقَدَهَا أَهْلُ الْمِصْرِ صَلَّوْا مَعَهُمْ" انتهى كلامه -رحمه الله-.
صلاةُ الجمعةِ لها شأنٌ عظيمٌ في الإسلامِ، كان المسلمون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتون من ضواحي المدينةِ يشهدون الجمعةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْعَوَالِي"(متفق عليه).
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرَغبُ في التبكيرِ ليومِ الجمعةِ لما فيه من الفضائلِ العظامِ، أخرج أهلُ السننِ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا"(قال الترمذي: "حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ").
وكان الصحابةُ وسلفُ هذه الأمةِ ومن تبعهم من الصالحين إلى زماننا هذا يغتنمون الساعاتِ الأولى يومَ الجمعةِ صلاةً وقراءةً وذكرًا ودعاءً، قال شيخ الإسلام ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ، كَانُوا إذَا أَتَوْا الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُصَلُّونَ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَ مَا تَيَسَّرَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ، أو مُقَدَّرَةٌ بِعَدَدٍ.
بني قومي لكم سلفٌ كرامُ *** لهم في كلِ جمعةٍ بكورُ
فما حاز الفضائلَ ذو هوينًا *** وكم قد نالها الجلْدُ الصبورُ
أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى.
أما بعد: ما مضى من الفضائلِ والمكرماتِ تفوتُ على من آثرَ المنامَ على أعلى المقام.
من تثاقلت نفسُهُ وضعفت همتُهُ يحرمُ نفسَهُ أن تُدَونَهُ الملائكةُ الكرامُ في صحفِها مع الأوائلِ لترفعها إلى ربِّ العالمين يُفَوت المتأخرُ على نفسهِ ركعاتٍ وسجداتٍ ودعواتٍ وآياتٍ يتلوها لو كان مع السابقين: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُون)[الواقعة: 10-11].
هل يستوي من يقربُ لله بدنةً أو بقرةً أو كبشاً أقرن، كمن يقدمُ دجاجةً أو بيضة؟
الجمعةُ كفارةٌ لما قبلها من الذنوب مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ.
الجمعةُ هدايةٌ من اللهِ لهذهِ الأمةِ، أخرج الإمام مسلم عن حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ".
فاز المشمِّر للعبادةِ ساقَهُ *** وثوى بقعرِ جَهَنَّمَ المتكاسلُ
فاعملْ لما بعد المماتِ فإنما الـ *** أعمالُ تنفعُ يومَ يأتي السائلُ
يا أيها الإنسانُ إنك كادحٌ *** كدحًا إلى ربِّ العبادِ فَنَائِلُ
واحذر من التسويفِ فهو مَضِيْعَةٌ *** للعمرِ إن الدَّور عندكَ واصلُ
الصبُر على الطاعات، والمجاهدةُ في الثبات عند التنازلات، واليقين بنصرة الحق وقت الشدائد والأزمات رمز البقاء، وبشرى بورد الحوض مع المصطفى، دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصارَ، فقال لهم: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ"(متفق عليه).
اللهم أعنا على فعل الخيرات، والتزود من الباقيات الصالحات، وثبتنا على دينك حتى الممات.
اللهم ارحم العباد، وأغث البلاد، واقمع أهل الفساد والإفساد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم