أيها الملحد لماذا تؤمن بغيب؟

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

 

 

الشيخ ياسر بن محمد فتحي آل عيد

 

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ﴾ [سورة النمل: 65 - 66].

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن العالم اليوم لا ينكر ما استفاده من إنجازات الحضارة الحديثة في شتى مجالات المعرفة الإنسانية.

مثل: التقدم العلمي الملحوظ في مجال الجراحة الطبية، في شتى تخصصاتها وتنوع آلاتها، بما عم نفعه في هذا المجال ملايين البشر ممن استفاد منها في التخلص من كثير من الأمراض، أو علاج الحالات المستعصية، أو إنقاذ آلاف البشر من موت محقق بسبب حوادث الطرق وغيرها.

 

كذلك فقد استفاد البشر من هذا التقدم العلمي الهائل في مجال المواصلات ووسائل التنقل الحديثة براً وبحراً وجواً، من سيارات خاصة، وسيارات نقل البضائع، والشاحنات العملاقة، والقطارات السريعة، والحافلات الحديثة السريعة والمجهزة بأسباب الراحة للمسافرين، وما واكب ذلك من إنشاء شبكات طرق سريعة وممهدة تصل كافة بلدان العالم بعضها ببعض؛ فضلاً عن تيسير الوصول بين مدن الدولة الواحدة، كذلك اختراع طائرات الركاب ونقل البضائع، والتي أحدثت نقلة نوعية في سرعة تنقل المسافرين بين الدول والقارات، وقصرت المسافات الشاسعة، وتقارب بها الزمن، فأصبح ما كان يقطعه الناس قديماً في شهر يقطعونه اليوم في ساعة واحدة أو أقل.

 

كذلك فقد وقع تطور كبير جداً في مجال النقل البحري من سفن الشحن العملاقة، التي تحمل آلاف الأطنان من البضائع المختلفة، والبواخر الضخمة التي تحمل آلاف المسافرين، وتقطع بهم المسافات الواسعة في البحار والمحيطات، تنقلهم بين أرجاء المعمورة، في أمن وأمان، وسهولة ويسر، وسرعات عالية، مع تقنيات عجيبة، واختراعات باهرة.

 

كذلك في مجال الاتصالات التي قربت بين البشر، وسهلت وسائل التواصل بينهم، حتى استغنوا عن وسائل البريد المعتادة، والخطابات البريدية، والتليغراف، بل والهاتف الثابت، حتى أصبح من السهولة الاطمئنان على صحة الوالدين في كل وقت، ومن أي مكان بالعالم، كذلك سهلت التواصل بين الزوجين والأبناء والإخوة والأخوات والأصدقاء وأصحاب الأعمال، وأصبح الوصول إلى تحصيل الخدمات المختلفة عن طريق الهاتف المتنقل أمراً شائعاً، فتستطيع وأنت في بيتك أن تطلب الطعام والشراب، وأعمال الصيانة، وشراء البضائع المختلفة عن طريق النت، وغير ذلك من الأمور التي سهلت على البشر تحصيل مصالحهم، وتلبية رغباتهم.

 

وأما في مجال الصناعة والزراعة والتجارة:

فحدث ولا حرج عن التطور الهائل الذي لا يمكن قياسه بما كان في الأزمنة السابقة، فقد ارتقت الصناعات وتطورت تطوراً عجيباً مبهراً في شتى مجالات الحياة ملبية بذلك تحقيق مصالح البشر، من حيث السرعة والسهولة والإتقان والجمال والروعة، كل ذلك سواء في مجال التعدين، أو صناعة الأثاث، أو صناعة الأغذية، أو صناعة الملابس، أو صناعة مواد البناء، أو صناعة الأجهزة المنزلية التي ساعدت المرأة كثيراً في تأدية مهامها المنزلية بكل يسر وسهولة مع اختصار عامل الزمن حتى تتفرغ لأداء بعض مهامها الأخرى، وكذلك صناعة الآلات الصناعية المختلفة التي ساعدت كافة الحرفيين في إنجاز أعمالهم في زمن قياسي مع الدقة العالية والإتقان المحكم، وكذلك ابتكار آلات تخدم الإنسان وتسهل عليه كثيراً من أموره الحياتية اليومية، كالمصاعد، والسلالم الكهربائية، وأجهزة التكييف والتبريد والتدفئة، والحواسيب الدقيقة، والحواسيب فائقة السرعة، وآلات الصرافة المتعددة، والخدمات البنكية، وآلات المحاسبة لدى البائعين لضبط أسعار السلع وحسابها والكشف عنها، وكافة المجالات الإلكترونية التي يصعب حصرها.

 

وأما في مجال الزراعة:

فقد حصلت طفرة هائلة في الميكنة الزراعية التي شملت جميع مجالات ومراحل الزراعة، وقد تعددت الآلات في طرقها وقدراتها وإمكاناتها بحيث يصعب وصفها، ابتداء من حرث الأرض، وتسميدها، ثم بذر البذور، ثم ري الأرض والمحاصيل، ثم مكافحة الآفات، ثم جمع الثمار والمحاصيل بطرائق عجيبة، حيث تقوم بعض الآلات بالحصاد والفرز وغسل الثمرة ودرس حب بعض المحاصيل أثناء الحصاد، مما يوفر وقتاً وجهداً كبيراً، وهذا كله فضلاً عما يزمع تطويره من الزراعة الذكية النقية التي لا تعتمد على التربة التقليدية، وتعطي ناتجاً أوفر بمساحة أقل.

 

وأما في مجال التسلح العسكري:

فقد بلغت الوسائل القتالية حد الخيال، في سرعة المقذوفات، وقدراتها التدميرية الهائلة، بالإضافة إلى الدقة البالغة في إصابة الأهداف، مع تعدد أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية، مما يحتاج إلى مجلدات لبسط الكلام عليها، ومن بعض العجائب في هذا المجال تصنيع حاملة طائرات هي أشبه بالمدينة العائمة، حيث تبلغ تكلفة إنشائها (13) مليار دولار، ويبلغ وزنها في المحيط: مائة ألف طن، وطولها: (337) متراً، وهي تتكون من خمسة وعشرين طابقاً، و يبلغ طاقمها (2600) شخصاً، وتبلغ عدد الطائرات على متنها تسعين طائرة، ومدعمة باثنين من المفاعلات النووية، التي تمكنها من الإبحار لأكثر من عشرين عاماً متواصلاً، كما تشتمل على كمية هائلة من أحدث أنواع الأسلحة الدفاعية والهجومية.

 

وأما في مجال الذكاء الاصطناعي:

فقد بلغوا مبلغاً مخيفاً وصل لحد القول بخوف البشر على أنفسهم من الروبوت، إلى آخر ما توصلوا إليه من الآلات المبرمجة ذاتية الحركة والتشغيل، بعقول اصطناعية ذكية؛ زعموا.

وهذا غيض من فيض، وقد اقتصرت على المثال والإشارة دون الاستيعاب والإثارة.

كل ذلك الذي تقدم ذكره مما هو نتاج البحث العلمي التجريبي مما لا مجال للتشكيك في منفعته للبشرية !!!

 

لكن تسليمنا بذلك لا يعني: أنه يحق للعلم الحديث أن يقحم نفسه في عالم الغيب، مما هو خارج إطار إدراكه الحسي، وذلك فيما سبق من الزمن المتقدم على خلق آدم، إلى التكهن بما هو آتٍ مما غيب الله عنا من الزمن القادم:

فلا يحق للعلم المادي بحال من الأحوال أن يتكهن بكيفية بدء الخلق، ليحكي لنا قصة الخلق التي لم يشهدها، قال تعالى: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون ﴾ [الطور: 35، 37]، وقال تعالى: ﴿ مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف:51].

 

فكيف يحق لعالم -ملحد في الأصل- أن يتكلم في مسألة بدء الخلق!، وهو قد أبى أن يقر بوجود الخالق، أو حتى يفترض وجوده؛ بل إن بحثه كله متجه لنفي وجوده، واتهام من يؤمن به، مثل: ريتشارد دوكينز، أو ستيفن هوكينج، وغيرهما، فهل وجدت المادة أولاً أيها المتعالم؟!!، أم كان القانون المتحكم فيها سابقاً عليها في الوجود؟!!، وهل توجد الصفة في غير موصوف؟!!، وهل تقوم المعاني بغير المحسوس؟!!، وكيف يوجد القانون في الفراغ المطلق؟!! وكيف إذن تفسر ماهيته؟!!، حيث لا توجد المادة التي يحكمها!!

 

فلما أبت نفوسهم الاعتراف بالخالق سبحانه وتعالى، وهو ما تُقر به جميع الفطر البشرية، عاندوا فنطقوا بالمستحيل، وحسبوا أن عوام البشر ومغفليهم تنطلي عليهم هذه الخرافات والترهات، لكونها صدرت من عالم بالفيزياء، وأنه هو الوحيد الذي له الحق المطلق في أن يتكلم ولا يطالَب بالدليل، بينما أتباع الرسل يكذَّبون مع إتيانهم بالحجج الباهرة والبراهين القاطعة، وهل ثم برهان قاطع أعجز كل ملحد؛ مثل هذا البرهان، فهل لك أن تجيب على هذا السؤال الإلهي المعجز: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُون * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون ﴾ [الطور: 35، 37].

 

أسألك أيها الملحد:

هل خلقت نفسك من عدم؟، فإن كنت موجوداً قبل أن تخلق نفسك، فلماذا تخلقها؟!! لأنك موجود فعلاً، فهو تحصيل حاصل، أم ثم من خلقك من العدم المطلق؛ فمن هو إذن؟!! هل هو القانون الذي لا يتصور العقل البشري وجوده قبل المادة؟!!، أم هو الله الخالق الحكيم الخبير؛ الذي أبيت أن تعترف به، إنه كان لزاماً عليك أن تعترف بخالقك الذي خلقك، وخلق الكون كله، وخلق معه القانون المادي، وجميع الفطر البشرية تقر بذلك؛ لكنك تعاند نفسك، وتجحد الحق الذي تعرفه أنت جيداً، قبل غيرك!!.

 

أيها الملحد!

لما لم تكن كريماً على نفسك أولاً، بل وقبل غيرك، أبيت إلا أن تنتسب للحيوان، وأن تقر أمام العالم أجمع بأن أباك كان قرداً أو خنزيراً أو حشرة أو صرصوراً، فأنعم به جداً، وبئس الحسب حسبك، وبئس النسب نسبك!!!

 

أما أنا الموحد، المقر بألوهية ربي وربوبيته وأسمائه وصفاته؛ فقد طابت نفسي لأن يكون جدي هو آدم النبي عليه السلام الذي خلقه الله بيده وشرفه بذلك، وأسجد له ملائكته، تكريماً له، حتى قال سبحانه عن ذريته: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ﴾ [الإسراء:70] ؛ فأنعم به من نسب وحسب وشرف، شرفني به ربي!!!

 

أيها الملحد!

ألم تستمع للأصوات العالية التي نقضت الداروينية بأدلة علمية باهرة، وبينت عوار كل شبه داروين المزورة، وحفرياته الملفقة، أم أنك تدعي النزاهة في الاستماع للكذابين والدجالين حسب، وتمتنع من سماع حجج المعارضين خوفاً على قناعاتك أن تتغير، وخوفاً من أن يصفك الملحدون بالرجعية والتخلف!!!

 

إننا نستمع لأدلة الفريقين، لكنا وجدنا نصاعة أدلة المعارضين تبهر أنظار من كان له أدني بصيرة، إنه ليسعدني أن أقول لك: إن عدد المتراجعين عن تصديق الخرافة الداروينية من علماء الغرب التجريبيين عدد كبير حقاً، استمع مثلاً أو اقرأ لبعضهم، مثل: جيمس تاور، أو مايكل دنتون، أو مايكل بيهي، أو مايكل كريمو، وأسماء كثيرة جداً، لكن للأسف تعرض بعضهم للمضايقة، بل لما أصر بعض الباحثين على نشر بحثه المعارض للداروينية طردوه من الجامعة وسلبوه ألقابه الجامعية، إن المعارضين للداروينية يتعرضون للإرهاب العلمي، حتى يتخلوا عن فكرة معارضة الأفكار الداروينية، وتوعية الناس بضلالاتها وسفاهتها وضحالة مرتكزاتها.

 

إن الداروينية لا تملك دليلاً علمياً واحداً على صحة فرضياتها، وإنما تملك آلة التضليل المؤسساتي، بل إن كبار مؤيديها اليوم لا يرونها سوى فرضية لا ترقى إلى الحقائق العلمية، وجميع القائلين بالداروينية لا يستطيعون تقديم دليل علمي واحد يدل على تطور الأنواع من نوع إلى نوع آخر، وهذا أيها الملحد نوع من الإيمان بالغيب!!!

 

إن تشابه الشفرة الوراثية من أعظم الأدلة الدالة على كون هذا الخلق جميعاً إنما هو إبداعه سبحانه وحده، لا شريك له، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد، لكن لما كان الملحد لا يبحث عن الحقيقة، ولا يريد أن يهتدي إليها، وإنما همه فقط تحقيق أوهامه وخرافاته، لم يهتد بهذا الدليل الباهر إلى وحدانية الخالق سبحانه، وإنما احتال حيلة ليمعن في الضلال والإضلال، فأوهم الأغبياء بأن تشابه الشفرة الوراثية دليل على تطور الكائنات من طور إلى طور، ولو صح زعم هذا المسكين، لانقرضت جميع الكائنات التي تطورت إلى ما هو أعلى منها، مثل ما انقرض كائنهم الوهمي الديناصور، أو لوجدنا تسلسلاً متصلاً بين جميع الكائنات، بحيث يسلم كل طور إلى الذي يليه بغير حلقات مفقودة، لكن العجيب أن الآيات والدلائل على افترائهم وكذبهم أكثر وأشهر من أن تحصر، فمنها: أن المنحوتات القديمة؛ بل أقدم المنحوتات التي تصور الإنسان والحيوان، تحكي واقعنا اليوم بغير اختلاف يذكر، فهذه صور الفراعنة المنحوتة تحكي إنسان اليوم، وهذه طيورهم وحيواناتهم تحكي ما هو موجود اليوم.

 

ومنها: وجود حلقات مفقودة في التحول من طور إلى طور آخر متقدم عليه في بعض الوظائف العضوية، فنقول لهم مثلاً: بعد الأميبا المكونة من خلية واحدة، والتي جعلتموها أصلاً لتطور الكائن الحي، أين الكائنات المكونة من خليتين وثلاثة وأربعة وهكذا إلى عشرين خلية، فإن الطور الذي يلي الأميبا من الكائنات الطفيلية تتكون مما يزيد على عشرين خلية، فأين الأطوار من (2) إلى (20).

 

يقول بعضهم في الرد على الداروينية: إن ظهور خلية حية للوجود بغير خالق مدبر حكيم، وعن طريق الصدفة، أو السيل الهائل من التفاعلات الكيميائية على مدى ملايين السنين زعموا، يشبه ظهور طائرة بوينج عن طريق الصدفة نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدوات الخردة، أو يشبه ظهور حاملة الطائرات العملاقة والتي قدمت ذكرها قبل، نتيجة تسونامي مدمر فنتج عنه هذه الأعجوبة.

 

إن نشوء الخلية الأولى للكائن الحي -على حد زعمهم، ولأول مرة- كان بحاجة لوجود الإنزيمات التي تسرع من عملية التفاعل، وهذا الإنزيم نوع من البروتين معقد جداً، ولا يوجد في هذا الكائن البسيط جداً، كذلك فإن عملية التحول من كائن لآخر كان يحتاج أيضاً لوجود هذه الإنزيمات المعقدة، والتي تسرع من التفاعلات وتختصر من زمنها ملايين السنين، لذلك فقد لجأ الملحدون إلى فكرة إبعاد بداية الكون عنا ملايين بل مليارات السنين، حتى لا تكون عندهم مشكلة في الرد على مخالفيهم.

 

إن هذا التعقيد البالغ في تكوين الإنسان وأعضائه وأجهزته، والذي ما زال يكتشف إلى اليوم، ولن يصل الإنسان إلا إلى جزء يسير من أسرار خلقه، فمهما توصل الإنسان إلى معرفة بعض أسرار الحمض النووي، أو الريبوسوم، أو النيوكلوتيدات، أو كيفية قراءة الشفرة الوراثية وترجمتها، فإنه لن يستطيع أن يعرف بها حقيقة خلق الإنسان، ولا مضاهاة خلقه، بل إنهم يقولون: إن الشفرة الوراثية لا تستطيع القيام بأي وظيفة حيوية مالم تتم ترجمتها عن طريق الريبوسوم، فأيهما كان أولاً؟!! وكلاهما متلازم، ولا يمكن لأحدهما أن يوجد أو يعمل إلا في وجود الآخر.

 

عجباً لأمر الملحد الذي أبى أن يقول: إن هي إلا تفاعلات كيميائية محضة فقط تحتاج لملايين السنين؛ وكل هذا من السفه المحض، وإيمان بغيب لا يقبله العقل البشري، وإنما هو الله الخالق المبدع المدبر، هو الذي أوجد هذا كله في آن واحد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولكن أكثر الناس لا يعقلون، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون!!!

 

ويقول بعضهم: إن كان عقلي هذا ناتجاً عن تطور مادي بحت، فكيف أثق باستنتاجاته واستدلالاته وقياساته، فهو بحاجة إلى من يحكم عليه أولاً في صحة ما توصل إليه، من عالَم آخر غير عالم هذا الإنسان؟!!!

 

وأخيراً: إن القائلين بالداروينية ليسوا ماديين، بل هم من جنس من يؤمن بالغيب، لأنهم يتحدثون عن عالم لم يشاهدوه، ولم يعرفوا على وجه الحقيقة كيف وجد، وإنما كلها تكهنات بعالم الغيب، فلماذا ترفض أيها الملحد أساساً فكرة وجود خالق أوجد الكون، إن كنت لا تملك دليلاً علمياً واحداً على كيفية بدء الخلق؟

 

إن النظرية الداروينية لمن أكبر الدلائل على عدم مصداقية هذه الحضارة الحديثة، بل هي وصمة عار على جبين المؤسسات العلمية والبحثية، والتي تعتمد التجربة أساساً لنتائج البحث والتحليل، وعليه فإن إيمان المؤسسات العلمية بهذه النظرية الغيبية يجعل الباحث في شك من هذا البناء العلمي الهائل، بل ويجعله يشكك في كثير من الأطروحات العلمية، والتي يدعون فيها النزاهة، وأنهم لا يصدرون في بحوثهم إلا عن نتائج البحث التجريبي، ثم نكتشف زيف دعاويهم، كما بينتُ ذلك بالبراهين القاطعة في كتابي: لماذا حركوا الأرض؛ على زيف دعواهم في حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس؛ فإنهم كانوا مع تكرر فشلهم في إثبات اختلاف المنظر النجمي؛ إلا أنهم كانوا مصرين على إثباته بلا مبرر، ولو بالتزوير والتدليس، فهم لا يستجيبون لنتائج البحث، وما تؤدي إليه سلسلة المعطيات والتي تسلم إلى نتائج عقلية مقبولة، فيصدم الباحث بمثوله أمام حقيقة كونية؛ لكن كان من الواضح أن لهم خلفيات عقدية تجعلهم يرفضون الانصياع لنتائج البحث، فيسلكون طرائق أخرى محاولين لي أعناق النتيجة لكي تعطيهم ما يهوون من مخالفة الشرائع.

 

وما قصة صعود القمر عنا ببعيدة، والتي أنكرها كثير من الأمريكان وغيرهم بالدلائل الباهرة، وقد فصلت ذلك في كتابي: لماذا حركوا الأرض، وقد خرجت اعترافات عديدة تفضحهم، من مخرجين وغيرهم، فضلاً عن إعداد برامج تأهيلية وهمية لغزو الفضاء، واستمع إن شئت لتصريحات المسؤول عن برنامج أوريون!!!

 

وذلك فضلاً عن تمثيلية الهبوط على سطح المريخ، وما اشتملت عليه من أكاذيب ظاهرة، حيث تظهر صور الفوتوشوب بكل وضوح، وذلك خلافاً لما يكون في الواقع، ولا يعرف هذا إلا من كان له دراية بالإخراج الفني، كما أنه من العجيب أنه تم تصوير الهبوط من جهة تخيلية لا وجود لها؛ حيث قاموا بتصوير كيفية انفصال المركبات وتخييل سرعاتها واتجاهاتها، من موضع لا يتخيل الرائي وجود أحد فيه في هذا الفضاء الهائل، وذلك فضلاً عن ارتباك قائد الفرقة من وكالة ناسا والذي قاد عملية الهبوط من على الأرض، والذي لم يستطع أن يقنع الحاضرين لحظة واحدة بصدقه فيما يخبر عنه، ولم يستطع الإجابة عن سؤال واحد بشكل تلقائي يدل على تمكنه العلمي أو على ثقته بنفسه وبمشروعه الوهمي، وكان ينبغي على من يريد خداع البشرية بهذه الترهات والخزعبلات أن يأتوا بممثل من ممثلي هوليود المتمكنين من الإجابة على الأسئلة المحرجة دون أن يظهر عليهم أدنى علامة ودليل يدل على الكذب، كما هو معلوم لدى خبراء لغة الجسد؛ أو بأحد الساسة المحنكين المتمرسين على الكذب.

 

أيها الملحد!

كيف لم تطور نفسك لما يحلو لك مما تصوره أنت لغيرك في أفلامك الكرتونية أو أحلامك الخيالية، كيف لم تتمكن من أن تزيل العجز والقصور عن نفسك، وتصل بنفسك إلى غاية الكمال في القوة والفعل الكامل المطلق، والقدرة الكاملة من جميع الوجوه، والإدراك الكامل من جميع الوجوه، والغنى الكامل من جميع الوجوه، بل ولمَ لمْ تستطع أن تطيل عمرك بضع مئات من السنين فضلاً عن آلاف السنين، فضلاً عن أن تمنح نفسك البقاء أبد الدهر، فلا يعروك نقص بحال من الأحوال، أيها الملحد أجبني؟

 

أيها الملحد!

إن كنت أعمى فلم لا تستطيع أن تكسب نفسك البصر، وإن كنت مشلولاً فلم لا تقدر على أن تهب نفسك الحركة، وإن كنت لا تسمع فلم لا تستطيع أن تجلب لنفسك السمع، وإن كنت مصاباً بمرض عضال فلم أنت عاجز عن دفعه عن نفسك، قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا﴾ [الفرقان:3].

 

أيها الملحد!

إن مسرع الجسيمات الضخم ليس هو الآلة التي ستحسم مسألة الخلق، ولا يمكنها أن تخبرنا بكيفية بدء الخلق، لأنها من صنعك أنت أيها الملحد، لتستجيب لرغباتك، وتحقق فرضياتك العبثية، وما قمت بحسابه بالأمس، لن يحسم عقيدتك في نفي وجود الخالق كما يحلو لك أنت!!!

 

أيها الملحد!

إن نفيك لوجود الأنبياء جميعاً، لم يفت في عضد الموحدين، بقدر ما جعلك تيأس من مقارعتنا بالحجة والبرهان، فرحت تزور التأريخ الحقيقي، وتنفي وجوده، مع كونه تأريخاً محفوراً في قلوب بني آدم، ولن يتزلزل ولو درجة واحدة، وإنما العجيب منك أنك ذهبت لتفتري تأريخاً لا وجود له ولا حقيقة؛ لتقول للبشر -لكونك ترى نفسك وصياً عليهم-: إن التأريخ الذي أكتبه لكم وأدرسه لكم في الجامعات هو التأريخ الحقيقي، وأما كل ما جاء في الكتب السماوية فلم تُلقِ له بالاً، فعاد ذلك عليك بالوبال، والنكال الشديد، من قبل عامة البشر، إنك في مأزق حقيقي أمام نداء الفطرة، وأمام حقيقة نفسك، لا تستطيع الفرار منه بهذه الفرضيات العبثية التي أتيت بها، سوى أن تقرح معدتك بكثرة الشراب، لتغيب عن وعيك، لأنك غير قادر على مواجهة هذه الجموع البشرية الغفيرة التي أبت أن تستجيب لك، أو أن تلجأ في نهاية مطافك للانتحار، أو أن تقدم نفسك وروحك قرباناً للشيطان، فهنيئاً لك بنار بعيد قعرها، شديد لهيبها، تلفح وجهك وأنت كالح، لك فيها زفير وأنت لا تسمع؛ أبشر بما يسوؤك!!!

 

وأحب أن ألفت انتباهك -إن كنت لا تدري!!!- أن أول من ابتدع فكرة عصر ما قبل التأريخ هو: جاك بوشيه دو بيرث، المولود سنة (1788 م)، والمتوفى سنة (1868 م)، وقد اهتم بدراسة العصر الحجري، وإنسان عهد ما قبل الطوفان، فاذهب وابحث وراءه، ومن الذي وظفه في هذه المهمة، وما الهدف من ورائها، أيها النزيه العبقري!!!

 

أيها الملحد!

إذا كنت وما زلت تجهل حقيقة نفسك التي بين جنبيك، وحقيقة روحك وعلاقتها ببدنك، وكيف تتحد الروح بالبدن وأنت في بطن أمك، في بداية خلقك أنت! وكيف تفارق روحك بدنك إذا أذن الله وحده لها بالفراق، في نهاية حياتك أنت! قال الله تعالى: ﴿ قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُون ﴾[سبأ:30]؛ إن كنت لا تملك إجابة علمية شافية، عن حقيقة هذه الروح في بدايتها، ثم في نهايتها، وأنها ليس شيئاً مادياً يمكنك حسابه وإخضاعه للتجربة الحسية، وذلك لأنها من عالم الغيب، فلا تتكلم فيما هو أبعد من ذلك!! قال الله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا ﴾[الإسراء:85] .

 

بعد كل هذه الآيات؛ لماذا تصر على إلحادك، وتمعن في عنادك؟ قال الله تعالى: ﴿ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُون ﴾ [الأنعام:157].

 

ثم لماذا تقحم نفسك أيضاً في الكلام عن المستقبل، وما تصير إليه البشرية، فما حملك على الكلام في ذلك إلا خوفك من البعث والنشور، والحساب والجزاء، والنار التي أعدت للمجرمين أمثالك، فلكونك أبحت لنفسك اقتراف جميع المحرمات، وانتهاك جميع المحظورات، فكيف تفكر عندئذ في لقاء ربك، وأنت تعانده، وتكفر به، فلذلك كان لزاماً عليك أن تكفر بالبعث والنشور والحساب والجزاء، ثم تقول للناس: أنا أصف لكم نهايتكم لأني أنا الوحيد الذي يحق لي أن أتكلم في هذه الدنيا!!!

وداعاً !!!!!

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات