أيها المحب للحبيب -صلى الله عليه وسلم-

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ رفعة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وفضله 2/ وجوب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/ أعظمُ دليلٍ على وجوبِ محبةِ اللَّه ورسولِهِ 4/ علامات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وآثارها 5/ وجوب الطاعة والاتباع 6/ تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

اقتباس

نَبِيُّنا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- أَغاثَ اللهُ تَعالى بِه البَشَرِيَّةَ, فَكَشَفَ بِه عَنَّا الظُّلمَةَ، وأَذهَبَ بِهِ عَنَّا الغُمَّةَ، وعَلَّمَنا بِه مِن الجَهَالَةِ، وأَرشَدَنا بِه مِن الغِوايَةِ، وكثَّرَنا بِه بَعدَ القِلَّةِ، وأعزَّنا بِهِ بعدَ الذِّلَّةِ، وأغنانا بِه بَعد العَيْلَةِ, عَرَّفَنا بِرَبَّنا وَمَعبُودِنا –سُبحانَهُ-, وبالطَّريقِ المُوصِلِ إليهِ وإلى جنَّتِهِ وَرضوانِهِ، لَمْ يَدَعْ حَسَنَاً إلَّا أَمَرَنا بِهِ، ولا قَبِيحاً إلَّا نَهانا عنهُ -صلى الله عليه وسلم- لَم يَدَعْ باباً نافعاً إلَّا فَتَحَهُ لنا، ولا مُشكِلاً إلَّا بَيَّنَهُ وشَرَحَهُ لنا، حتى هدى اللهُ بِه القُلُوبَ من ضلالِها، وشَفَاها بِهِ مِن أَسقَامِها. فَأيُّ بَشَرٍ هو أَحَقُّ أنْ يُحبَّ ويُكرمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؟!...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله منَّ علينا بالإسلامِ، وأَرسَلَ إلينا خَيرَ الأنامِ, مُحمَّدا عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأزكى والسَّلامِ، أَرسَلَهُ اللهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ، وأَدَّى الأَمَانَة، ونَصَحَ الأُمَّةَ، وجَاهَدَ في الله حقَّ جِهادِهِ حتى تَرَكَنا على بَيضَاءَ لا يزيغُ عنها إلَّا هَالِكٌ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].

 

نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لَهُ, لَهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ونشهدُ أنَّ محمَّدا عبدُ الله ورسولُه؛ أنصحُ الخلقِ، وأتَقاهم للهِ، صلَّى الله وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابهِ؛ والذين آمنوا به وعزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبعوا النُّورَ الذي أنزل عليه أولئك هم المفلحونَ.

 

أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ؛ فاتَّقوهُ حقَّ التَّقوى واستَمسِكُوا من الإسلامِ بِالعُروةِ الوُثقى، واعلموا أنَّنا إلى اللهِ رَاجِعونَ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ.

 

أيُّها النَّاسُ: لقد اختارَ اللهُ لنا أفضَلَ رُسُلِهِ، واختارَ لَه من الأسماءِ ما يَدُلُّ على أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- مَحمُودٌ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأنبياءِ والمُرسَلِينَ أجمعينَ, وإنْ كَفَرَ بِه آخرونَ؛ لأنَّ صِفَاتِهِ مَحمُودَةٌ عند كُلِّ ذِي عَقْلٍ سَليمٍ؛ وَصَدَقَ -صلى الله عليه وسلم- حين وَصَفَ نَفسَهُ فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ، بِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ» (رواهُ ابنُ حبَّانَ وغيرُهُ).

 

 وفي الصَّحيحينِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِى وَأَنَا الْعَاقِبُ». وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيُّ.

 

نَبِيُّنا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- أَغاثَ اللهُ تَعالى بِه البَشَرِيَّةَ, فَكَشَفَ بِه عَنَّا الظُّلمَةَ، وأَذهَبَ بِهِ عَنَّا الغُمَّةَ، وعَلَّمَنا بِه مِن الجَهَالَةِ، وأَرشَدَنا بِه مِن الغِوايَةِ، وكثَّرَنا بِه بَعدَ القِلَّةِ، وأعزَّنا بِهِ بعدَ الذِّلَّةِ، وأغنانا بِه بَعد العَيْلَةِ, عَرَّفَنا بِرَبَّنا وَمَعبُودِنا سُبحانَهُ, وبالطَّريقِ المُوصِلِ إليهِ وإلى جنَّتِهِ وَرضوانِهِ، لَمْ يَدَعْ حَسَنَاً إلَّا أَمَرَنا بِهِ، ولا قَبِيحاً إلَّا نَهانا عنهُ -صلى الله عليه وسلم- لَم يَدَعْ باباً نافعاً إلَّا فَتَحَهُ لنا، ولا مُشكِلاً إلَّا بَيَّنَهُ وشَرَحَهُ لنا، حتى هدى اللهُ بِه القُلُوبَ من ضلالِها، وشَفَاها بِهِ مِن أَسقَامِها.

فَأيُّ بَشَرٍ هو أَحَقُّ أنْ يُحبَّ ويُكرمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؟!

 

عبادَ اللهِ: محبَّتُهُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- واجبةٌ على المُسلمينَ، وهي من كمالِ الإيمانِ، وأكبرِ أصولِهِ، إذْ هِي مِن مَحبَّةِ اللهِ تَعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]. وقالَ تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].

 

قالَ الشَّيخُ السعديُّ -رحمهُ اللهُ- حولَ هذه الآيةِ: "محبَّةُ اللَّهِ ورسولِهِ، يَتعَيَّنُ تَقدِيمُهما على مَحبَّةِ كُلِّ شَيءٍ، من الآباءِ والأمَّهَاتِ وَأَبْنَاءِ وَإِخْوَانِ النَّسَبِ والعِشيرَةِ وَأَزْوَاجِكُمْ وَقَرَابَاتِكم عُمُوماً وَأَمْوَالٍ تَعبتُم في تَحصِيلِها وأنواعِ التِّجَاراتِ والمَكَاسِبِ وأنواعِ المَسَاكِنِ الحَسَنَةِ والمُزَخْرَفَةِ, إنْ كانت هذه الأشياءُ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ؟ فأنتم فَسَقَةٌ ظَلَمَةٌ.

 

وهذه الآيةُ أعظمُ دليلٍ على وجوبِ محبةِ اللَّه ورسولِهِ، وعلى تَقديمِها على محبةِ كلِّ شيءٍ، وعلى الوعيد الشديدِ والمقتِ الأكيدِ، على من قدَّم شيئا من هذهِ المذكورات على مَحبَّةِ اللَّه ورسولِهِ، وجهادٍ في سبيلِهِ. وعلامةُ ذلك، أنه إذا عَرَض عليه أمرانِ، أحدُهما يحبُّهُ اللَّهُ ورسولُهُ، والآخرُ تُحبُّهُ نفسُهُ وتَشتَهِيه، ولا يُحبُّهُ اللَّه ُورسولُهُ، فإنَّه إنْ قدَّمَهُ، على ما يُحبُّهُ اللَّهُ ورسُولُهُ، دلَّ ذلك على أنَّه ظالِمٌ، تاركٌ لِما يَجِبُ عليه". انتهى.

 

عبادَ اللهِ: وهذه المحبةُ العظيمةُ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لازمها أن يكونَ -صلى الله عليه وسلم- أولى بالمؤمنِ من أيِّ أحدٍ ! مَحبَّةً تتخطَّى النَّفسَ والأهلَ والمَالَ والولدَ. روى الشَّيخَانِ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مُؤْمِنٍ إلا وأنا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اقرؤوا إنْ شِئْتُمْ : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ)، وقال: «أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِهِ» (رواه مسلمٌ).

 

حدَّثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ هِشَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ : «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ" فَقَالَ لَهُ عُمَرُ، فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- "الآنَ يَا عُمَرُ».

 

عبادَ اللهِ: وإذا حقَّقَ المؤمِنُ هذهِ المَحبَّةَ وجَدَ حَلاوَةً وأُنسَاً كبيرا لا يُنَالُ بِجَاهٍ, ولا يُشترى بِمالٍ ، ألم تَسمعوا قولَ نَبِيِّنا وحبيبِنا -صلى الله عليه وسلم- : «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ». (رواه البخاريُّ).

 

وبهذه المحبَّةِ الخَالِصَةِ، يَنَالُ المُسلِمُ شَفَاعَةَ نَبِيِّنا وحبيبِنا -صلى الله عليه وسلم- ، ويُحشَرُ في زُمرَتِهِ، ويحظى بِمُرافَقَتِهِ في الجنَّةِ: «جاء رَجُلٌ إلى رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: "وما أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟" قال: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قال: "فَإِنَّكَ مع من أَحْبَبْتَ". قال أَنَسٌ: فما فَرِحْنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ من قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِنَّكَ مع من أَحْبَبْتَ". قال أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لم أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ» (رواه البخاري ومسلم).

 

أيُّها المؤمِنونَ: ولِتَعرفوا فضلَ اللهِ على أتباعِ مُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأُمَّتِهِ كُلِّهم, وحتى لا يَظُنَّ أحدٌ أنَّ الجزاءَ محصورٌ على صحابَتِهِ الكرامِ -رضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ-, فقد بَشَّرنا حبيبُنا -صلى الله عليه وسلم- فقالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ» (رواهُ مسلِمٌ).

 

فاللهمَّ املأ قُلوبَنا يِحُبِّكَ وحُبِّ رَسُولِكَ يا ربَّ العالَمينَ. وَاغفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

 الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله حمدا طَيِّبا كَثيرا مُبارَكا فِيه كَمَا يُحبُّ رَبُّنا ويَرضى, نَحمَدُهُ سُبحانَهُ ونشكُرُه، ونتُوبُ إليه ونستَغفِرُهُ، ونشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ لَهُ، شهادَةَ نرجو بها النَّجاةَ يومَ نَقدُمُهُ. ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ ومَنْ اقتفى أثَرُهُ.

 

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

 

 يا مسلمونَ: مَحبَّةُ نَبِيِّنا -صلى الله عليه وسلم- قُربَةٌ وعِبادَةٌ يَتَقَرَّبُ بِها المُؤمِنُ لِله –تَعالى-، عِمَادُها الإِخلاصُ للهِ –تَعالى-، وعُنوانُها المُتَابَعَةُ لِرَسُولِهِ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم-.

 

فَأمَّا الإِخلاصُ فَهو مُقتَضَى شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ تعالى؛ لأنَّهُ لا مَعبُودَ بِحَقِّ إلَّا اللهُ سُبحَانَهُ وبحمدِهِ. وأمَّا متابعتهُ -صلى الله عليه وسلم- فهو مقتضى الشَّهادَةِ بِأَنَّ مُحمَّداً رسُولُ اللهِ، ولازِمُها, كما قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ: "طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ, واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ, وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ". انتهى.

 

 فَمَن حَقَّقَ ذَلِكَ فَقد حَقَّقَ كَمَالَ المَحَبَّةِ والطَّاعَةِ والاتِّباعِ، وَكَمَالَ التَّعظِيمِ، وغَايَةَ التَّوقِيرِ.

 

أيُّها المؤمنونَ باللهِ ورَسُولِهِ: وأيُّ تَعظيمٍ أو تَوقِيرٍ لِلنَّبِيِّ الأكرمِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لِمَنْ يُشَكِّكُ في أخبارِهِ، أو يَستَنكِفُ عن طَاعَتِهِ، أو يَهزَأُ بشيءٍ من سُنَّتِهِ، أو يَبتَدِعُ في دِينِهِ وشَرِيعَتِهِ؟! وَكثِيرٌ مِن هؤلاءِ يَدَّعُونَ مَحبَّتهُ, وهم قد عَبدوا اللهَ –تَعالى- بأهوائِهم، ألا تَرونَ مَا يَفعَلُهُ كُثيرٌ مِن جَهَلَةِ المُسلِمينَ مِن الاحتِفَالِ بِمَولِدِهِ وإسرائِهِ وهِجرَتِهِ!

 

ألا فَلنَعلم يا مؤمنونِ: أنَّ حقيقَةَ المَحبَّةِ تكُونُ في حُسنِ الإتِّباعِ قالَ اللهُ –تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]. قالَ الإمَامُ أحمَدُ -رَحِمهُ اللهُ تعالى-: "نظرتُ في المِصحَفِ فَوجدتُّ طاعةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- في ثَلاثَةٍ وثَلاثِينَ مَوضِعَاً ثُمَّ جَعَلَ يَتلُو: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]. وَجَعَل يُكَرِّرُها ويقُولُ: الفِتنَةُ الكُفرُ".

 

عبادَ اللهِ: والأمرُ بِطاعَةِ الرَّسُولِ جاءَ بِصِيغٍ مُتَنوِّعَةٍ، فَكثيراً ما يَقرِنُ اللهُ –تعالى- بينَ طَاعَتِهِ وطَاعَةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- بِأَمْرٍ واحِدٍ وفِعلٍ واحِدٍ قالَ اللهُ –تعالى-: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) [آل عمران: 32]. وَكَمَا فِي قَولِهِ تَعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

 

وهذِه الآياتُ وأَمثَالُها تَدُلُّ كذالِكَ على أنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- واجِبَةٌ، ولو لم تَكُنْ فِي القُرآنِ الكريمِ ؛ لأنَّ مَا جَاءَ بِهِ -صلى الله عليه وسلم- هو بِمَنزِلَةِ ما جَاءَ فِي القُرآنِ الكريمِ مِن جِهَةِ الأمرِ والنَّهيِ ووجُوبُ الأخذِ بِهِ, والابتِعادِ عنهُ.

 

وفي الحدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَاتَّبِعُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَدَعُوهُ أَوْ ذَرُوهُ" (رواهُ الإمامُ أحمدُ).

 

أيُّها المؤمنونَ: لقد قال المولى قولاً كريمَاً تَشريِفَاً لِنَبِيِّنَا وتَكرِيمَاً, وإرشَادَاً لنا وتَعْلِيمَاً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نَبِيِّنَا وقُدْوَتِنَا محمدِ بنِ عبدِ الله وعلى آله وصحبه ومن والاه اللهمَّ إنِّا نشهدُ أنَّه بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانَةَ ونَصحَ الأُمَّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهاده. اللهمَّ اجزه عنَّا وعن المسلمين خيرَ الجزاءِ وأوفاهُ.

 

اللهمَّ ارزقنا اتِّبَاعَ سُنَّتِه والتمسُّكَ بها ظاهرا وباطنا قولا وعملا واعتقادا. اللهمَّ أوردنا حوضَه واسقنا من يده شربةً لا نظمأُ بعدها أبدا يا ربَّ العالمينَ.

 

 اللهمَّ إنَّا نسأَلُكَ إيماناً صادقاً ولِسانَاً ذَاكِرَا وعَمَلا صَالِحَاً مُتقَبَّلاً. اللهمَّ ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة اللهمَّ أحفظ علينا ديننَا الذي هو عصمةُ أمرِنا وأصلح لنا دُنيانَا التي فيها مَعَاشُنَا وأصلح لنا آخرتَنَا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة من كلِّ شرٍّ.

 

ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النَّارَ. ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنِا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إنِّكَ رؤوفٌ رحيمٌ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

المرفقات

المحب للحبيبِ -صلى الله عليه وسلم-

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات