أول جمعة في شعبان

محمد بن إبراهيم السبر

2025-02-07 - 1446/08/08 2025-02-17 - 1446/08/18
عناصر الخطبة
1/فضائل شهر شعبان 2/أحداث مهمة وقعت في شهر شعبان 3/هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان 4/ شهر شعبان مقدمة لرمضان 5/من البدع المحدثة في شهر شعبان 6/تعلُّم أحكام الصيام والقيام.

اقتباس

فلم يبقَ على رمضان إلا القليل، فهَيِّئوا أنفسكم لاستقباله بالتوبة النصوح، وإصلاح القلوب، وإزالة ما علق بها من الذنوب والآثام؛ وتعلموا ما لا بد من أحكام الصيام والقيام، واحمدوا الله أن بلّغكم ومدَّ في أعماركم، فكم غيَّب الموت من صاحب! ووارى الثرى من حبيب!

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو المن والعطاء، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء وصحبه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الله -سبحانه- جعل الوقت مستودعًا للأعمال؛ والمغبون مَن غُبِنَ خير الأوقات، والمحروم مَن حُرِمَ مواسم الطاعات، وإنما تحيا القلوب بذكر الله وطاعته؛ (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)[البقرة: 110].

 

ولقد أظلكم شهر شعبان، الذي أحاطه الله -تعالى- بشهرين عظيمين؛ هما شهر رجب الحرام، وشهر رمضان المبارك، ووقع في هذا الشهر أحداث عظيمة؛ منها: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وفيه فُرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة.

 

وسُمِّي بشعبان؛ لأن العرب كانوا يتشعّبون فيه؛ أي: يتفرقون لطلب المياه، وقيل: لتشعبهم في غارات الحرب بعد خروجهم من شهر رجب الحرام؛ فهو شهر تشعُّب الخيرات، وكان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يكثر فيه من الصيام؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان"(متفق عليه)، فـ "كان صيامه في شعبان تطوعًا أكثر من صيامه فيما سواه، وكان يصوم معظم شعبان"(الفتح 4/214).

 

وفي حديث أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله! لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرْفَع عملي وأنا صائم"(أخرجه النسائي وأبو داود).

 

ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان، ولا بد في المقدمة من التهيئة، شرع فيه من القربات ما يهيئ النفوس للإقبال على طاعة الرحمن؛ ولهذا كان السلف يجتهدون في شعبان؛ فيكثرون من تلاوة القرآن، فكان عمرو بن قيس: "إذا دخل شعبان أغلق تجارته، وتفرغ لقراءة القرآن"، وكان يقول: "طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان"، وكانوا إذا دخل شعبان يقولون: "هذا شهر القراء".

 

وشهر شعبان يُذكِّر مَن عليه قضاء من رمضان بالمبادرة إلى صيامه؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان"(رواه البخاري)، فبادِرُوا -وفَّقكم الله- بقضاء ما عليكم من رمضان؛ فإن دَيْن الله أحق بالوفاء؛ (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 184].

 

واعلموا -وفَّقكم الله- أن مِن البدع المحدثة: الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليلتها بالقيام وببعض الأدعية والأذكار، فلم يثبت في ذلك حديث عن النبي المختار.

 

ومن البدع المحدثة: تبادل رسائل طلب العفو والمسامحة ليلة النصف من شعبان، ولا يصح في ذلك شيء، والشريعة جاءت بالعفو عن الناس ومسامحتهم في كل الأزمان.

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وسيروا على هدي نبيكم -صلى الله عليه وسلم- المُوصِّل إلى طريق الجنان، واجتنبوا طرق البدع والضلال الموصلة إلى دار البوار.

 

اللهم بَلِّغنا رمضان في صحة وعافية، وأَعِنَّا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن، يا ذا الجلال والإكرام.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

 

وبعد: فاتقوا الله -رحمكم الله- حق التقوى، واعتبروا بمرور الأيام والليالي؛ فلم يبقَ على رمضان إلا القليل، وهَيِّئوا أنفسكم لاستقباله بالتوبة النصوح، وإصلاح القلوب، وإزالة ما علق بها من الذنوب والآثام؛ وتعلموا ما لا بد من أحكام الصيام والقيام، حتى تعبدوا ربكم على بصيرة، واحمدوا الله أن بلَّغكم ومدَّ في أعماركم، فكم غيَّب الموت من صاحب! ووارى الثرى من حبيب! فبادروا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.

 

وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبيكم محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بذلك؛ فقال -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأزواجه الطيبين وصحابته الغر الميامين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحب وترضى، يا ذا الجلال والإكرام.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

أول جمعة في شعبان.doc

أول جمعة في شعبان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات