أهمية الدعوة إلى الله

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/مكانة الدعوة إلى الله 2/بم تكون الدعوة إلى الله؟ 3/حكم الدعوة إلى الله 4/من أخلاق وصفات الداعية 5/مواقع التواصل الاجتماعي باب للدعوة إلى الله

اقتباس

الدعوة إلى الله تكون بكل ما أمر به الله -تعالى- وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- عقيدة وأخلاقاً وآداباً ومنهاجاً؛ فتعليم العلم الشرعي هو من زكاة العلم وهو من الدعوة إلى الله، وإلقاء المواعظ ترغيباً وترهيباً هو من الدعوة إلى الله، والتخلُّقُ بالأخلاق الإسلامية هي من الدعوة إلى الله، ومعاملة الناس معاملة شرعية هو...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي امتنَّ على العباد بأن جعل في كلّ زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبِرون على الأذى، ويبصِّرون بكتاب الله أهل العمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر عباده بالدعوة إلى الخير، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وأطيعوا الله ورسوله.

 

معاشر المسلمين: إنَّ الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأجلِّها؛ فهي دعوة إلى الخير، دعوة إلى الفلاح، دعوة إلى السعادة في الدارين، دعوة إلى المسارعة إلى الخيرات، دعوة إلى الفوز بالجنة والنجاة من النار، وخير الناس هم الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وخاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم يأتي بعدهم في الفضل والخيرية الصحابة الكرام وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون والعشرة المبشرون بالجنة، ثم علماء التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

معاشر المسلمين: قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يوسف:108]

في تفسير الطبري قال: "حقٌّ -والله- على من اتَّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويُذكِّر بالقرآن والموعظة، ويَنهى عن معاصي الله".

 

وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت:33]، وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران:104].

 

فالداعية الذي يعمل الصالحات ويعمل بما يدعو إليه هو من أحسن الناس قولاً، وأزكاهُم عملاً، وأرفعُهم شأناً، وأعزُّهم قدراً، والموفَّق من وُفِّق إلى الدعوة إلى الله فانتفع بدعوته الناس، وأعظم الدعاة نفعاً هم العلماء العاملون، ومنهم الأئمة الأربعة والإمام ابن تيمية وتلامذته، والإمام محمد بن عبدالوهاب وتلامذته وغيرهم من أئمة الإسلام.

 

معاشر المسلمين: إنَّ الدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- وأتباعهم من العلماء والصالحين من عباد الله المؤمنين؛ الذين يدعون إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، يدعون الناس إلى العقيدة الصحيحة، ويُحذِّرون من البدع والشركيات والضلالات هذا همهم الأول، والأمة الإسلامية اليوم أحوجُ شيء إلى ذلك؛ فقد عمَّت الشركيات والبدع في العالم الإسلامي، إلا ما كان في هذه البلاد المباركة التي نصرت التوحيد والسنة -حرسها الله- وزادها تمسُّكاً بالدين.

 

معاشر المسلمين: والدعوة إلى الله تكون بكل ما أمر به الله -تعالى- وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ عقيدة وأخلاقاً وآداباً ومنهاجاً؛ فتعليم العلم الشرعي هو من زكاة العلم وهو من الدعوة إلى الله، وإلقاء المواعظ ترغيباً وترهيباً هو من الدعوة إلى الله، والتخلُّقُ بالأخلاق الإسلامية هي من الدعوة إلى الله، ومعاملة الناس معاملة شرعية هو كذلك من الدعوة إلى الله.

 

قال الإمام ابن باز -رحمه الله-: "الدعوة إلى الله -تعالى- من أهم الواجبات الإسلامية، وهي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، وقد أمر الله بها في كتابه الكريم وأثنى على أهلها غاية الثناء".

 

وقال رحمه الله: "الدعوة إلى الله -عز وجل- اليوم أصبحت فرضاً عاماً، وواجباً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فُرضَ عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك، أو يتكلوا على زيد أو عمرو؛ فإنَّ الحاجة بل الضرورةُ ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل؛ ذلك لأنَّ أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله -عز وجل-؛ فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي، وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله".

 

معاشر المسلمين: كان شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- يوصي تلامذته بتبليغ العلم الذي تعلَّموه من حينِ تَعَلُّمِهِم إياه؛ ومن المؤسف أنَّ بعضاً من الناس يقول: إنِّي لست أهلاً لأن أبلِّغ العلم إذا تعلمته، ولست أهلا لأن أدعو إلى الله؛ فعندي من التقصير والذنوب مالا يؤهلني للدعوة! ويقال لهذا: إنَّ كلَّ إنسان عنده تقصير وذنوب ولا معصوم منها إلا الأنبياء والرسل؛ فادع الناس بما تَعْلَمُهُ، وبلِّغ ما أُمرت تبليغَه، ولا تحتقر نفسك، ولا يحرمنَّك ذلك فضل الدعوة وأجر من دعوته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا"( أخرجه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "بلِّغوا عني ولو آية"(أخرجه البخاري).

قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: "وَلَوْ آيَةً أَيْ وَاحِدَةً لِيُسَارِعَ كُلُّ سَامِعٍ إِلَى تَبْلِيغِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْآيِ وَلَوْ قَلَّ لِيَتَّصِلَ بِذَلِكَ نَقْلُ جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ -صلى الله عليه وسلم-".

 

معاشر المسلمين: احرصوا على تبليغ العلم الذي تعلَّمتموه؛ فإنَّ ذلك من الدعوة إلى الله، وفيه امتثال لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطاعة له.

 

ومن أخلاق الداعية: أن يكون رفيقاً سهلاً لا غليظاً شديداً، حكيماً يزن الأمور ويضعُها في نصابها، يعرف لذوي الأقدار أقدارهم، ويتخيَّر من كلامه اللين اللطيف، يكون بشوشاً لا عبوساً، يقابل الإساءة بالإحسان، لا ينتصر لنفسه ولا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله، ينصح بقوله فيما بينه وبين المنصوح، ولا يفضح أصحاب المعاصي؛ بل يستر عليهم مع النصيحة والدعاء لهم بالهداية.

 

ومن صفات الداعي إلى الله: أن يخلص لله فيما يقوم به من واجب الدعوة لا لأن يقال داعية، ويجمع مع الإخلاص المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ويصبر ويصابر ويجتهد؛ ابتغاء وجه الله، وطلباً لمرضاته.

 

قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "من الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين؛ فإن انقاد بالحكمة وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب؛ إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به، وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل؛ فإن كان المدعو يرى أنَّ ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن؛ وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها؛ فإنَّه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها؛ بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها".

 

معاشر المسلمين: كونوا دعاة إلى الخير، واعملوا في ذلك بما تستطيعون.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على نعمه وآلائه، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحُكمُ وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وكونوا دعاة إلى هذا الدين بما تستطيعون وبما بلغكم من علم؛ فالدعوة لا تكون إلا بالعلم لا بالجهل.

 

ومن الأمور المهمة التي ينبغي على الداعية إلى الله: الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في تبليغ الدعوة تعليماً ونصحاً وإرشاداً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر؛ فالله -تعالى- سخَّر هذه الوسائل الإعلامية، فينبغي استغلالها الاستغلال الأمثل؛ فإنَّها تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها بلا كثير عناء، والعناية بترجمة ذلك إلى جميع اللغات قدر المستطاع؛ ليصل بلاغ العلم والدعوة إلى جميع الناس، وإنَّ مما يبهج النفس أن كثيرا من الدروس العلمية والمحاضرات الإرشادية تنقل مباشرة عبر تلك المواقع، فينتفع بها خلق كثير وهم في بلدانهم.

 

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ عن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم عليك بمن يحارب دينك وجندك وأولياءك، اللهم عليك بالصهاينة والصليبين والمجوس والحوثيين المعتدين ومَن أعانهم ووالاهم، اللهم ارفع عنهم عافيتك وأرنا فيهم قدرتك وزلزلهم ومزقهم واشدد وطأتك عليهم.

 

اللهم ادفَع عنَّا الغَلاء والربا والزنا والزلازل والمِحَن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين.

 

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح ولاة أمورنا، ووفِّقهم لما فيه عزُّ دِينك ونصْر أمَّة الإسلام، اللهم اجعَلْهم هُداةً مُهتَدِين صالحين مُصلِحين، وارزُقهم البطانةَ الصالحة الناصحة، وأبعدْ عنهم بطانةَ السوء يا حي يا قيوم.

 

اللهم ثبِّتنا على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخِرة.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غثيا هنيئا مريئا مريعاً، سحَّا غدقاً، نافعا غير ضار، اللهم أحي بلدك الميت، وأسق بهائمك، وأسق عبادك، وأنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا الضرع، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وسدد رميهم وثبت أقدامهم، واحفظ بلادنا وولاة أمرها وعلماءها وأهلها ورجال الأمن فيها، وزدها قوة وأمناً ورخاء، وانصرها على من عاداها، واكفها شر كلَّ ذي شر، واجمع بها كلمة المسلمين على الحق.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات:180-182].

المرفقات

أهمية الدعوة إلى الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات