أهمية الدعوة إلى الله تعالى

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

 

 

ناصر بن سعيد السيف

@Nabukhallad

 

قامت الدعوة الى الله تعالى على أصول راسخة ومنطلقات ثابتة وملامح ظهرت واطردت في مناهج الأنبياء في الدعوة عامة واكتمل بدر تمامها في دعوة النبي ﷺ خاصة، وفي ضوء هذه الأصول بقي أهل السنة والجماعة بهذا الواجب قائمين وعن الإسلام منافحين ينشرون علماً ويحققون توحيداً ويتبعون آثاراً ويربون جيلاً ويقيمون معروفاً ويهدمون منكراً ويجاهدون عدواً ويجمعون الدين علماً وعملًا. ([1])

 

والدعوة إلى الله تعالى يراد بها أحد معانٍ ثلاثة:

  1. الدعوة بمعنى الإسلام: مجموعة القواعد والأصول، التي يتوصل بها إلى تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه وتطبيقه. ([2])
  2. الدعوة بمعنى نشر الإسلام وتبليغه: البيان والتبليغ لهذا الدين، أصولاً، وأركاناً، وتكاليفاً، والحث عليه، والترغيب فيه. ([3])
  3. الدعوة بمعنى الفن: علم يبحث فيه عن الكيفية التي تتم بها استمالة المكلفين إلى الإسلام وفق المنهج الشرعي الصحيح. ([4])

 

وكثيراً من عرَّف الدعوة بعدة تعريفات، واختلاف هذه التعاريف بحسب ما يراه كل مختص في الدعوة اجتهادًا منه، وهذه التعريفات وإن اختلفت فهي اختلاف تنوع لا تضاد، فكل واحد يسعى ويجتهد للخروج بتعريف شامل مانع، بحيث يختصره، ولا يخرج عن مصطلح الدعوة، منها:

  1. الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه. ([5])
  2. تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة. ([6])
  3. العلم الذي به تعرف كافة المجالات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق. ([7])
  4. دعاء المكلفين من الجن والإنس إلى عبادة الله تعالى وتقواه، فهي دعوة إلى أمرين: أحدهما: عبادة الله تعالى وحده، بدعائه وحده، والثناء عليه، وتعظيمه. والآخر: تقواه بترك الشرك والبدع، والأهواء المخالفة لشرعه، والبراءة منها بالقول والفعل. ([8])

 

وهناك مفردات ومصطلحات دعوية متعددة ذات علاقة وثيقة ولكن هناك التداخل الوطيد بينها وبين مصطلح الدعوة؛ فكان لزاماً الوقوف على تعريف محدد واضح لبعض تلك المصطلحات الدعوية حتى يتبين الفرق أو تظهر العلاقة بينهما، وهي كالآتي:

  1. الإصلاح: بين مصطلح الدعوة ومصطلح الإصلاح؛ علاقةٌ وثيقةٌ من حيث المفهوم التي تتمثل في العموم والخصوص؛ إذ الدعوة عامةٌ في كل وقت وحين، أما الإصلاح ففيه خصوصٌ مرتبطٌ بوجود فساد؛ لكنه بكل حال يقع ضمن دائرة الدعوة، وفي محيطها من حيث المفهوم والعمل. ([9])
  2. التجديد: إحياء ما اندرس من أمور الدين في زمن مخصوصٍ من شخص مخصوص، وهو أخصّ من الإصلاح في المفهوم الدعوي لأن التجديد من شخص معينٌ له شروطه وصفاته في وقت معين، كما دل عليه قول النبي ﷺ: (إن الله يبعث لهذ الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها). ([10])
  3. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو يتضمن معنى الإلزام للمأمور والمنهي بدلالة كلمة (أمر) وكلمة (نهي) وهي مرتبة أخص من معاني البيان والتوضيح والحث والحظ والرغبة والرجاء التي هي من معاني الدعوة، وقد عرفه الجرجاني بأنه: (حمل الناس بالقول أو الفعل على عمل الخير والبر، وترك الشر والإثم)، وهو بكل حال داخلٌ في المعنى العام للدعوة. ([11])

 

أهمية الدعوة وحاجة الناس إليها:

مقام الدعوة إلى الله تعالى في الإسلام عظيم، بل هي أساس من أسس انتشارهِ، وركن من أركان قيامه، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: ١٠٨] فلولا الدعوة إلى الله لما قام دين، ولا انتشر إسلام، وبالدعوة إلى الله تعالى يُعبَد الله وحده، ويهتدي الناس، فيتعلمون أمور دينهم، من توحيد ربهم، وعبادته، وأحكامه من حلال وحرام، ويتعلمون حدود ما أنزل الله، وبالدعوة إلى الله تعالى: تستقيم معاملات الناس، من بيع وشراء، وعقود، ونكاح، وتصلح أحوالهم الاجتماعية والأسرية، وبالدعوة إلى الله تعالى تتحسن أخلاق الناس، وتقل خلافاتهم، وتزول أحقادهم وضغائنهم، ويقل أذى بعضهم لبعض، وإذا ما قامت الدعوة على وجهها الصحيح، واستجاب الناس لها، تحقق للدعاة وللمدعوين سعادة الدنيا والآخرة، وإذا استجاب الناس للدعوة، وعملوا بالشريعة، حُفظت الأموال، وعصمت الدماء، وصينت الأعراض، فأمن الناس على أنفسهم، واطمأنوا على أموالهم وأعراضهم، وانتشر الخير، وانقطع الفساد، وكل ذلك لا يتم إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، لذلك كان للدعوة في الإسلام، الحُظوة الكبرى، والقِدْح المعلاّ، والفضل العظيم، وكانت وظيفة الأنبياء الأولى، فالدعوة إلى الله، شرف عظيم، ومقام رفيع، وإمامة للناس، وهداية للخلق، فضلاً عما ينتظر الداعين في الآخرة من أجر عظيم، ومقام كريم.

 

    حكم الدعوة إلى الله تعالى:

الدعوة إلى الله تعالى واجبة على عموم الأمة وجوباً  كفائيًا وواجبة وجوباً عينيًا على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمه، وذلك لقول الله تعالى آمرًا هذه الأمة بالدعوة إليه سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: ١٠٤]، واختلف أهل التفسير في (مِنْكُمْ) هل هي للتبعيض أم لبيان الجنس، ورجَّح الطبري والقرطبي وابن كثير أنها للتبعيض، ويمكن الجمع بين القولين بأن تفرغ طائفة من المسلمين للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية على الأمة، وأن قيام كل فرد بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب قدرته فرض عين، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: ١٢٢] ، ودلت نصوص الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله -بمعناها العام-على كل مسلم ومسلمة، كلاً في حدود وسعه، والوسع يشمل: الوسع العلمي، والمالي، والبدني، والقدرة على أداء الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: ٦٧]، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)  [النحل: ١٢٥] ، وقال رسول الله ﷺ: (بلغوا عني ولو آية) الحديث، وهذه الألفاظ (بلِّغ) (ادع) (بلِّغوا)، أوامر صريحة، وإطلاقات شاملة، والأصل في الأمر الوجوب، وفي الإطلاق الشمول، فهي توجب الدعوة على كل مسلم ومسلمة، كُلاً في حدود وسعه.

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: (دلت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة). ([12])

 

فضل القيام بواجب الدعوة والحرص على هداية الناس:

  1. وظيفة الرسل: الدعوة إلى الله وظيفة الرسل عليهم السلام والتابعين لهم من الأمة الأعلام فعندما يستشعر الداعية أنه يقوم بمهمة الرسل هناك يكفي به فخراً: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: ١٠٨] وأنعم به شرفاً أن يكون الداعية من أتباع المصطفى الأخيار.
  2. أحسن الأقوال: من فضائل الدعوة إلى الله تعالى أنها أحسن الأقوال عند الله عزوجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: ٣٣].
  3. أجر الداعية: يكفي الداعية تحفيزاً بأن له من الأجر مثل فاعله، قال رسول الله ﷺ: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ([13])، وجاء التحفيز لعلي بن أبي طالب قدوة الدعاة من النبي ﷺ حين أرسله إلى خيبر، وقال له: (فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك حمر النعم) ([14]) يعني خير لك من القصور والأموال، ومثَّل النبي ﷺ بحمر النعم لأنها أفضل ما تملكه العرب في ذلك الوقت.
  4. وقاية الدعاة من اللعنة والعذاب: بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحل اللعنة، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: ٧٨ – ٧٩]، وينجي الله تعالى الدعاة إليه عن السوء إذا حل العذاب بالذين ظلموا كما قال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف: ١٦٥].
  5. دعاء نبوي للدعاة: دعاء النبي ﷺ لمن سمع حديثاً ثم نقله إلى من لم يسمعه فقال: (نظَّر الله أمرأً سمع منا حديثاً فنقله إلى من لم يسمعه فربَّ حامل فقه غير فقيه وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه).([15])

 

     خصائص الدعوة الإسلامية: ([16])

الخصائص جمع خصيصة وهي ما ينفرد به شيء ما، وفيما يلي أبرز خصائص الدعوة الإسلامية:

  1. عالمية الدعوة الإسلامية فهي ليست للعرب وحدهم أو لأهل الحجاز، وإنما للناس كافة إلى قيام الساعة كما قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: ٢٨].
  2. ناسخة لباقي الأديان والشرائع السابقة، ومهيمنة على جميع الملل والنحل والمذاهب، بل لا يقبل الله غير الإسلام، قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: ٨٥].
  3. الشمول (الثبات والمرونة)، فهي مرنة تتكيف مع جميع ظروف المكلفين فهي صالحة لكل زمان ومكان، وذلك لكون نصوص الوحيين مناسبة للظروف المكانية والزمانية على مر العصور، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة: ٢٨٦].
  4. متجددة الدعوة، فليست كالأديان السابقة كل نبي يأتي بشريعة لقومه، بل إن أفراد هذه الأمة من ورثة الأنبياء هم من شرفوا بتولي الدعوة إلى الله، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: ١٠٨]، بل إن الله يبعث من أمة محمد ﷺ على رأس كل قرن من يجدد أمر دينها كما ذكرنا سابقاً، ويعيدها إلى ما كانت عليه، كأمثال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
  5. مصادرها محفوظة من الزيادة أو النقصان أو التبديل إلى قيام الساعة، وليس كالأديان الأخرى التي حُرفت وبُدلت وفُقدت، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩]، بل جاء الإسلام ناسخاً لها كما ذكرنا سابقاً.

 

أصول الدعوة إلى الله تعالى:

ذكر الدكتور عبدالكريم زيدان عن أصول الدعوة في كتابه بأنها على أربعة أركان، هي: (موضوعها، والداعي، والمدعو، والوسائل والأساليب ثم فصّل لكل أصلٍ منها في باب مستقل فمهّد بتمهيد يجمع فيه تلك الأصول الأربعة، حيث قال: نقصد بالدعوة: (الدعوة إلى الله، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: ١٠٨]، والمقصود بالدعوة إلى الله: الدعوة إلى دينه وهو الإسلام: (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [آل عمران: ١٩]، الذي جاء به محمد ﷺ من ربّه سبحانه وتعالى، فالإسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، وهذا هو الأصل الأول للدعوة. وقد بلّغ الرسول الكريم ﷺ هذا الإسلام العظيم أحسن تبليغ وأكمله وظل يدعو إلى الله منذ أن أكرمه الله بالرسالة إلى حين انتقاله إلى جواره الكريم ولهذا أرسله الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: ٤٥ – ٤٦]. فهو ﷺ الداعي الأول إلى الإسلام فالداعي إذن هو الأصل الثاني للدعوة. والذين دعاهم رسول الله ﷺ إلى الإسلام وبلّغهم رسالته هم العرب وغيرهم؛ لأن رسالته عامة إلى جميع البشر غير مقصورة على العرب، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: ٢٨]، فالمدعو إلى الإسلام إذن هو الأصل الثالث للدعوة. وقد قام رسول الله ﷺ بالدعوة إلى الإسلام بالوسائل والأساليب والمناهج التي أوحى بها الله إليه والثابتة في القرآن والسنة النبوية الكريمة، وهذه الوسائل والأساليب وما يتصل بها هي الأصل الرابع للدعوة).([17])

 

المقصود بأصول الدعوة: الأجزاء التي تمثل حقيقة الدعوة ولا تقوم الدعوة إلا بها، وهي:

     الركن الأول: الداعي: وهو المبلغ للإسلام، والمعلم له، والساعي إلى تطبيقه، فهو القائم بالدعوة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [الأحزاب: ٤٥ – ٤٦].

الركن الثاني: المدعو: وهو من تُوَجَّهُ إليه الدعوة مطلقاً قريباً أو بعيداً، مسلماً أو كافراً، ذكراً أو أنثى. ([18])

   الركن الثالث: موضوع الدعوة: موضوع الدعوة الإسلام الذي أوحى الله تعالى به إلى نبيه محمد ﷺ، متمثلاً في القرآن والسنة، فالدعوة إلى الله هي الدعوة إلى دينه الذي قال عنه تعالى: (إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: ١٩]، والإسلام الدين الخاتم الذي أكمله تعالى لعباده وارتضاه لهم، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: ٣].

 

    الركن الرابع: الأساليب والوسائل:

  1. تعريف أساليب الدعوة:

تعريف الأسلوب في اللغة: الطريق، والمذهب، يقال: سلكت أسلوب فلان في كذا: طريقته ومذهبه، وطريقة الكاتب في كتابته.

تعريف الأسلوب في الاصطلاح: الطرق التي يسلكها الداعي في دعوته. ([19])

 

  1. أنواع أساليب الدعوة:

تعود الأساليب الدعوية في مجملها إلى أربعة مجموعات، هي:

الأولى: مجموعة الأساليب التي تحرك الشعور والوجدان، والتي بمجموعها تمثل المنهج العاطفي، كأسلوب الوعظ والتذكير، وأسلوب الترغيب والترهيب، وأسلوب تحريك العاطفة الإيمانية وتهييجها، وأسلوب الدعاء للمدعو.

الثانية: مجموعة الأساليب التي تدعو إلى التفكر والتدبر والاعتبار، والتي بمجموعها تمثل المنهج العقلي، كأسلوب المقارنة بين الحسن والقبيح، وأسلوب التشبيه، وأسلوب المناظرة، وأسلوب التوضيح والتعليل العقلي، وأسلوب الرد على الشبهات.

الثالثة: مجموعة الأساليب التي تعتمد على الحس والتجارب الانسانية، والتي بمجموعها تمثل المنهج الحسي، كأسلوب القدوة الحسنة، وأسلوب ذكر الداعية تجاربه وما يظهر عليه، وأسلوب تحفيظ المدعو، وأسلوب الإحسان للمدعوين ومساعدتهم.

الرابعة: الأساليب العامة، والتي تشمل الأساليب السابقة، أو بعضها، كأسلوب الخطابة، وأسلوب القصص، وأسلوب التعليم، وأسلوب السؤال والجواب.

 

  1. تعريف وسائل الدعوة:

تعريف الوسائل في اللغة: ما يُتوصل ويُتقرب به إلى الشيء، توسل إلى ربه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل، وهي الواسلة، والواصلة، والقربى، وجمعها وسائل ووُسُل.

تعريف الوسائل في الاصطلاح: ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية الحسية، أو المعنوية ينقل بها دعوته إلى المدعوين. ([20])

 

  1. الخصائص العامة للوسائل الدعوية:

الأولى: خصيصة شرعية: نعني بها انضباط جميع الوسائل الدعوية بحكم الشرع، فلا يجوز للداعية الخروج على أحكام الشرع في مناهجه وأساليبه ووسائله، لأن الدعوة في حقيقتها طريقةُ تطبيق الشريعة، ومنهجها الذي رسمه الله لها، فلا يصح الخروج عليه في أي جانب.

الثانية: خصيصة التطور: الأصل في الوسائل والأساليب التطور والتجدد، تبعًا لتطور عادات الناس وأعرافهم، ولتقدم العلوم والفنون، فإن لكل عصر أساليبه ووسائله في جميع نواحي الحياة، وإن هذه الوسائل المعاصرة قد تشترك مع وسائل عصر سابق، وقد تختلف عنها، فالداعية الحكيم هو الذي يختار لكل عصر وسائله المناسبة له، والموجودة فيه.

 

  1. الفرق بين الوسائل والأساليب: بينهما عموم وخصوص فالعموم بينهما أن كليهما يتوصل بهما إلى الغاية والهدف الدعوي، والوسائل أعم فتدخل فيها الأساليب، والخصوصية أن الأساليب متعلقة بالمؤثرات المباشرة في المدعو، مثل: (الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن)، وأما الوسائل فهي آلية حاملة للأساليب، مثل: (وسائل التواصل الاجتماعي، البث المباشر، الرسائل). ([21])

 

  1. ضوابط الوسائل والأساليب: وسائل الدعوة إلى الله تعالى وأساليبها لها ضوابط حتى لا تنحرف عن قواعد الشرع، ولا تخرج عن الأهداف التي وضعت من أجل نجاح الدعوة الإسلامية، وينبغي على الداعية معرفة الضوابط الشرعية للوسائل، ومراعاة أحوال من تستخدم معهم، حتى لا يقع في الخلل والاضطراب، فهاهنا ضابطان لا بد من مراعاتهما، هما:

أولاً: الإذن الشرعي بمعنى أن تكون مأذونًا بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصاً عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح.

ثانياً: المصلحة العامة والخاصة يشمل ذلك مناسبة المقام، واختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة.

الخلاصة: أن الوسائل والأساليب الدعوية ليست توقيفية بالكلية، ولا اجتهادية على الإطلاق، وإنما فيها ما هو توقيفي منصوص في الكتاب والسنة، ومنها ما هو اجتهادي، ولكنه بضوابط شرعية.

 

  1. ميادين الدعوة: تعرف الميادين الدعوية بأنها: المجالات التي يتاح للداعي أن يبلغ دعوته فيها، وينبغي على الداعية أن يوازن بين الميادين لكي لا يقع في الإفراط والتفريط، وميادين الدعوة تنقسم إلى قسمين:

الأول: ميادين الدعوة المكانية الأماكن التي يقوم فيها الداعي إلى الله بإيصال الدعوة للمدعو بأساليب ووسائل مخصوصة، ومنها: (المسجد، محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب، المؤسسات الدعوية).

الثاني: ميادين الدعوة الزمانية الأزمنة التي يتاح فيها للداعي نشر دعوته فيها، ومنها: (يوم عرفة، ويوم عاشوراء، وأوقات الصلوات الخمس المفروضة، وشهر رمضان، ومواسم العمرة والحج).

! ! !

 

أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد، وأن يجعلنا جميعاً من المقبولين،

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

ناصر بن سعيد السيف

2 صفر 1438 هـ

 

-----------------------------------

(1) انظر: مبادئ علم اصول الدعوة، محمد يسري، ص5.

([2]) انظر: المدخل إلى علم الدعوة، محمد أبوالفتح البيانوني، ص 14.

([3]) انظر: فصول في الدعوة الإسلامية، حسن عيسى عبدالظاهر، ص26.

(4) انظر: الدعوة الإسلامية، وأصولها، ووسائلها، أحمد علوش، ص10.

(5) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 15/ 157-158.

(6) انظر: المدخل إلى علم الدعوة، محمد أبو الفتح البيانوني، ص17.

(7) انظر: الدعوة الإسلامية، وأصولها، ووسائلها، أحمد علوش، ص10.

(8) انظر: تبصرة الهداة بشأن الدعوة والدعاة، عبد الله بن صالح القصير، ص9.

(9) انظر: مجلة الدراسات الدعوية، العدد الأول، محرم 1429هـ، تعريفات ومفاهيم، عبدالله المجلي، ص256.

(10) رواه أبو داود، 11/362.

(11) انظر: مجلة الدراسات الدعوية، العدد الأول، محرم 1429هـ، تعريفات ومفاهيم، عبدالله المجلي، ص260.

([12]) انظر: مجموع الفتاوى، 1/133.

([13]) رواه مسلم، باب: (فضل إعانة الغازي)، 9/486.

([14]) رواه البخاري، باب: (دعاء النبي ﷺ الناس إلى الإسلام والنبوة)، 10/94.

([15]) رواه أحمد، 9/477.

([16]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص269-293.

(17) انظر: أصول الدعوة، عبدالكريم زيدان، ص51.

([18]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص585.

([19]) المرجع السابق، ص677-699.

([20]) انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم المغذوي، ص677-699.

(21) انظر: المدخل إلى علم الدعوة، محمد أبو الفتح البيانوني، ص18.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات