عناصر الخطبة
1/ أهمية الوقت 2/ المرء سيسأل عن وقته يوم القيامة 3/ حرص السلف على الوقت 4/ حب النبي الكريم أصحاب الهمم العالية 5/ الناجحون يستثمرون أوقاتهم 6/ أهمية وضع برنامج لاستثمار الوقت في الإجازة 7/ على المرء خدمة الإسلام في المجال الذي يستطيع.اقتباس
فنحن، خلال الأشهر القادمة، سيتفرَّغُ عددٌ مِنَّا، ويكون عنده عدد من الساعات كانت مشغولةً فيما مضى من أيام. والسؤال أيها الأفاضل: كيف يستطيع الإنسان أن يستثمر هذا الوقت الذي بين يديه؟.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخِيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وكَثَّر به بعد القلة، وأغنى به بعد العَيلة، ولمّ به بعد الشتات، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغُرِّ الميامين، ما ذكره الذاكرون الأبرار، وما تعاقب الليل والنهار، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً من صالح أمته، وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته.
أما بعد: لقد بيَّن الله -جل وعلا- في كتابه فضل المحافظة على الأعمال واستثمارها، وبيَّن الله -جل في علاه- أن أقواماً من يوم القيامة من أهل النار يكبون فيها بسبب أنهم لم يستثمروا أعمارهم، ولم يعمروا أوقاتهم، فقال الله -سبحانه وتعالى- مبيِّناً حال أهل النار أنه يقال لهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر:37]، فكان طول أعمارهم التي قضوها في الدنيا حجة عليهم يوم القيامة، إذ عذبوا إذ لأنهم طالت أعمارهم ومع ذلك لم يستثمروها ولم يتقربوا فيها إلى ربنا -جل في علاه-.
وبيَّن الله تعالى أيضا في كتابه أن أهل النار يوم القيامة يُسألون فيقال لهم كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ سيسألون عن أعمارهم التي قضوها في الدنيا هل استثمروها فيما يقربهم إلى ربهم -جل وعلا-؟ (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون:113-114]، لو أنكم كنتم تعلمون بركة الأعمال وأهمية استثمارها؟ وكيف ينبغي أن يصرف الوقت فيها؟ لو أنكم كنتم تعلمون!.
وقال الله -جل وعلا-: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ) [الأحقاف:35]، فبيَّن الله -جل وعلا- أهمية الوقت واستثمار الأعمال؛ وذلك أن الإنسان إذا أحسن استثماره قربه ذلك إلى ربنا -جل وعلا-، وليس أعظم من أن يقسم الله تعالى بالوقت، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]، وقال الله -جل وعلا-: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) [الشمس:4]، وقال -سبحانه وتعالى-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2].
فأقسم -جل وعلا- بهذا الوقت وبهذا العمر في آيات كثيرة من كتابه، لذا -أيها الأخوة الكرام- كلما كان الإنسان أكثر عقلا وأعظم ادراكاً استطاع فعلا أن يستثمر هذا الوقت الذي بين يديه، أراك تضيعه أحياناً ومع ذلك يفوت عليك دون أن تكون فيه فائدة.
نحن -أيها الأكارم- خلال ما نستقبل من أيام، بل من خلال ما نستقبل من أشهر، يتفرغ عدد كبير من الناس من أعمال كانت ملازمة لهم في وقت مضى، فيتفرغ الطلاب سواء في مراحل تعليمهم الأولى أو في الجامعات، يتفرغ المدرسون، أيضا يتفرغ كثير من الآباء مما كان يشغلهم في أوقات سابقة من العناية بدراسة الأولاد أو توصيلهم إلى المدارس أو ردهم منها، أو ما شابه ذلك، فنحن، خلال الأشهر القادمة، سيتفرَّغُ عددٌ مِنَّا، ويكون عنده عدد من الساعات كانت مشغولةً فيما مضى من أيام. والسؤال أيها الأفاضل: كيف يستطيع الإنسان أن يستثمر هذا الوقت الذي بين يديه؟.
تأمل في السلف الصالح -رحمهم الله- وكيف كانوا يستثمرون أوقاتهم، كان أحدهم يعلم أن الأنفاس التي تخرج من صدره هي أعمار تحسب عليه، وأن كل نفَس هو عمر يُحسَب عليه، يعلم أن كل ساعة يقضيها وأن كل دقيقة تمر عليه أنها تقربه إلى أجله، كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- لرجل لقيه: كم مضى من عمرك؟ فقال الرجل: مضى من عمري ستون سنة. فقال له الفضيل: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك إلى موعد يوشك أن تبلغ إليه، فتهيأ له وتجهز.
كانوا يعلمون أن هذه الأوقات فعلا ينبغي أن تُستثْمَر، وأن الساعة التي تمضى لا يمكن أن تعود عليك بعد ذلك أبدا، وأن الوقت أنفس ما عُنيت بحفظه. مر بعض السلف يوما في طريق فأقبل إليه أحد العابثين من البطَّالين الذين يضيعون الأوقات كيفما شاءوا، ليس عندهم استثمار ولا تخطيط لحياتهم، ولا اهتمام بطلب علم، ولا اهتمام بابتكار ولا اختراع، فأقبل إلى هذا الرجل الصالح قال: قف أكلمْك. قال: ما عندك؟ قال: أتحدث معك. فالتفت إلى الشمس وقال: إن الشمس تجري، والعمر يمضي، فأَمْسِك الشمس لأتحدث معك. يعني امضِ عني وأوقِفْ مرور عمري حتى أستطيع أن أعطيك شيئا من وقتي. هؤلاء الذين يستثمرون أوقاتهم هم الذين يكون لهم النجاح في الحياة في النهاية.
يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- في صيد الخاطر وهو يتكلم عن أقوام لا يستثمرون أوقاتهم ولا يخططون لحياتهم: وإن من أعظم ما ابتلينا به صحبة أولئك البطالين ومخالطتهم، يزاحموننا في الأسواق، ويغلون علينا الأسعار، يجلسون ويُكثرون الجلوس يتحدثون في أمور لا تنفعهم، ولا يهتمون إلا بمثلها. ثم قال ابن الجوزي: والأعظم من ذلك أنهم يغزوننا في بيوتنا ليهجموا على أوقاتنا وينتهبوها منا، فحرصت على أن أتخلص منهم فلم أستطع. بعضهم أقارب، وبعضهم أصهار، وبعضهم جيران يقولون له: لنا عليك حق، نريد أن نجالسك. يقول: وأنا لا أستفيد من مجالستهم، وهم يضيعون وقتي ويريدون أن يجالسوني، هكذا يشغلوني بأحاديث و"سواليف" لا نفع منها.
يقول الإمام ابن الجوزي: فجعلت لأجل مجالستهم الاشتغال بأشياء لا تحتاج إلى ذهن لهم، قال فجعلت بري الأقلام، وخياطة الكتب، وضم الأوراق، وتقطيعها، وتبيضها، جعلت هذا في الوقت الذي يجالسونني فيه، فهي لا تحتاج إلى ذهن صافٍ، إنما أستطيع أن أعمل بها وأنا أتحدث معهم. استثماراً لوقته.
بلغ من حرص بعض السلف على أوقاتهم كما ذكر عن الإمام أبو الوفاء بن عقيل -رحمه الله- الذي فارق الدنيا وقد ألف كتابه الفنون في ثمانمائة مجلد، وإن كان المجلد عندهم لا يتعدى عشرين صفحة، لكنه مع ذلك مؤلف عظيم، وقد وُصل الآن إلى بعضه فطبع، ولا يزال منه ما هو مخطوط، ومنه ما هو مفقود، هذا الإمام العظيم أبو الوفاء يقول: بلغ من حرصي على وقتي أني أختار سف الكعك، يعني إذا أراد أن يأكل! يأكل الكعك وراءه الماء حتى لا يحتاج إلى مضغ! يقول: أختار أكل الكعك على أكل الخبز حتى أوفر الوقت، فإذا أراد أن يأكل الخبز علم أنه يحتاج إلى مضغ كثير! يقول: فهذا يُصرف عليه وقت أعظم من غيره، فيختار أن يأكل من الكعك اليابس وبعده الماء حتى يستطيع أن يوفر من وقته.
قال: وكان لي حذاءان عند كل باب من أبواب بيتي حتى لا أصرف الوقت في الذهاب لأخذ الحذاء من هذا الباب إلى الباب الآخر. قد يقول البعض: عجبا! وهذه الثواني التي ستمر من عمره سواء في الأكل أو في أخذه لحذائه أو غسله لملابسه، هل هذه ستؤثر عليه؟! نقول: نعم، الذي سيتساهل بتضييع الدقائق سيتساهل بعدها بتضييع الساعات ثم سيتساهل بتضييع الأيام، ثم يضيع عمره عليه دون أن تكون له بصمة في هذه الأمة.
أيها الأحبة الكرام: إن كل مَن كان له وصول إلى القمة في أمتنا، سواء من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- أو من التابعين أو ممن جاء بعدهم، سواء كان من العلماء أو من المجاهدين أو من التجار أو من المخترعين أو من غيرهم، كل هؤلاء تجد أن حياتهم تختلف عن حياة غيرهم من البطالين ومن المضيعين.
وانظر اليوم إلى تفاوت الناس، انظر إلى لما يكون الإنسان عنده أربعة وخمسة من الأولاد، فتجد أن أحدهم يستثمر وقته ما بين قراءة أو حفظ أو بحث أو جلوس أمام الكمبيوتر ليستفيد شيئاً، فتجد أن هذا الولد من البداية يقول الأب في نفسه أتوقع أن يكون لولدي هذا مستقبل باهر يختلف عن مستقبل إخوانه الذين لا يستيقظ أحدهم إلا الظهر فيضيع وقته، وهذا صادق؛ فإن الإنسان إذا كان منذ البداية حريصا على أن تكون له بصمة في حياته وأن يطور نفسه، فهذا إنسان يستفيد.
لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب من الصحابة الكرام من لهم همة عالية وكثرة سؤال، أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- جلس يوما عند رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فقال: يا رسول الله! وهو يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال له يا رسول الله: ما أعظم عمل يدخلني إلى الجنة؟ أو في رواية قال: ما أعظم آية في كتاب الله؟ فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه وقال: "لقد ظننت ألا يسألني هذا السؤال أحد قبلك يا أبا هريرة؛ لما رأيت من حرصك على العلم"، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: "أعظم الناس -أو أقرب الناس- من رحمة الله -جل وعلا- مَن قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه".
ثم جلس أبو هريرة في مجلس آخر، وشكا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه ينسى العلم، يحفظ الحديث لكنه ينساه، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: "ابسط رداءك"، وكان رجلا فقيراً، فبسط رداءه على الأرض، قال أبو هريرة: وكأني والله أرى القمل يكبو عليه تحت ناظر رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فدعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بدعاءٍ ثم قال: "ضُمَّه إليك"، فضمَّه إلى صدره، قال: فو الله ما نسيت بعدها شيئا من العلم.
هذه المجالسة لأبي هريرة، وهذا الاستثمار لوقته لما قيل له في كبره أنت تأتي بأحاديث لا يعرفها غيرك، قال -كما في البخاري-: إن الناس يقولون أكثَرَ أبو هريرة، يعني جاء بأحاديث ما نعرفها، أكثر أبو هريرة، أكثر أبو هريرة؛ ثم بيَّن حاله وكيف كان يستثمر وقته، قال: إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم العمل في مزارعهم عن مجالسة رسول الله وسماع الحديث، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الأسواق عن مجالسة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وسماع الأحاديث.
قال: وإني كنت امرأً ألزم رسول الله على شبع بطني، إذا وجدت شيء يملأ بطني في ذلك اليوم قلت: لا احتاج إلى أن أجمع آخَر، فلَزِمْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكنت أحضر يوم يغيبون، وأحفظ يوم يضيعون. وهذا هو العلم الذي جمعه، لذلك مَن مِن الناس اليوم من المسلمين أو من الأعاجم الذين أسلموا من العرب أو العجم لا يعرف أبا هريرة -رضي الله عنه-؟.
أيها الأحبة الكرام: إن الإنسان الذي يريد أن يستثمر وقته خلال هذه الإجازة لابد أن يهتم من اليوم بأن يضع لنفسه خطة يسير عليها خلال هذه الإجازة، كم ستقرأ من الكتب فتضعها جانبا، وتضع لنفسك برنامجا يوميا لقراءتها، أقرأ كل يوم عشرين صفحة من هذا الكتاب، وثلاثين صفحة من الكتاب الآخر، وأراجع كذا من القرآن، وأحفظ كذا من الأحاديث النبوية؛ ثم ينظر ما هو موجود من دورات علمية في المساجد، وهي كثيرة ولله الحمد.
أو إن لم يكن في هذه البلاد فيبحث عنها فيما يتعلق بنقلها عبر الفضائيات وعبر الإنترنت، ثم يضع لنفسه برنامج عمليا صحيحاً واضحا يسير عليه بجدول واضح، وفي كل يوم سيحاسب نفسه كلما أمسى: كم قرأ؟ كم ضيع؟ كم خالف البرنامج الذي وضعه لنفسه؟ كم حضر من الدروس؟ وعليه أن يكابد نفسه ولا يلتفت إلى من يضيع وقته عليه.
كما قال:
سَعَيْتُ لِلْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا *** جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَـهُ الأُزُرَا
وَكَابَدُوا المـــَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَـرُهُمْ *** وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرَا
لَا تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أنْـتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّـِبَرا
الشخص الذي فعلا يريد أن يكون شيئاً مذكوراً لابد أن يتعب على نفسه حتى يستطيع أن يسجل في هذه الأمة ما سجله الأولون، سواء من صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أو من تبعهم بإحسان.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيننا على استثمار أوقاتنا، أسأل الله أن يعمرها بما يقربنا إليه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد أيها الأخوة الكرم: دعا عيسى -عليه السلام- رب العالمين مخبرا بما منّ الله تعالى عليه به وقال: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكَاً أَيْنَمَا كُنْتُ) [مريم:31]، والإنسان المبارك كما قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: يعني مبارك مع الفقير فأحسن إليه، مبارك مع الكافر فأدعوه وأهديه، مبارك مع الضعيف فأعينه، فيكون مباركا في كل موطن. ما الفائدة من طلب العلم ومِن جمعه إن لم يكن الإنسان مؤثِّراً في غيره بهذا العلم؟.
أيها الأحبة الكرام: ليكن لكل مجموعة من الشباب برنامج دعوي خلال هذه الإجازة يقيمونه ويعملونه، كم نعرف الآن من العمال ومساجد معروفة أكثر ما يصلي فيها عمال أو أحيانا إذا ذهبت إلى بعض مناطق الرياض القريبة أو بعض الهجر حولها لتجدن مجموعات من العمال أو من رعاة الإبل ممن -ربما- لا يتقن قراءة الفاتحة! لماذا لا يكون هناك برنامج لبعض الشباب من طلبة العلم يذهبون إلى هناك فيقيمون بينهم يوما أو يومين أو ثلاثة فيحفِّظونهم قصار السور، ويعلمونهم الوضوء والغسل و ما شابه ذلك؟.
وهذا من بركة العلم الذي تجمعه، واعلم أنك إذا بذلت ذلك وأديت زكاته بارك الله تعالى لك في غيره، وزادك الله تعالى فيه علما، فكلما كان الإنسان أكثر بذلا وُفِّق، والذي لا يستطيع أن يفعل ذلك لو يسيرا فليدعُ لله تعالى من خلال شبكة الانترنت، فيكون له عمل دعوي، كم من الناس اليوم يتقن عددا من اللغات!.
بالأمس كنت أتحدث مع أحد الشباب لم يجد وظيفة، يقول: المشكلة أني تخرجت من كلية اللغات ولا أتقن من اللغات غير اللغة العبرية! قلت له: حسناً! قال: يا شيخ، لغة اليهود! قلت: حسنا، وإن كانت لغة اليهود، ألا يوجد في الانترنت مواقع بهذه اللغة؟ ألا يوجد منتديات في الانترنت بهذه اللغة؟ ألا توجد غرف من المحادثات الصوتية والكتابية خلال مواقع الانترنت بهذه اللغة؟ نحن نحتاج إليك يا أخي أكثر ممن يتحدث اللغة الانجليزية أو غيرها، ادخل إلى هذه المواقع بَيِّن لهم الإسلام، ادعهم إليه، ترجم ما تيسر لك من مبادئ الإسلام وانشرها بينهم، وربما اهتدى بعضهم على يدك وأنت لا تعلم.
فإنه إن لم يتيسر لهم من يدعوهم إليه فلتكن أنت الداعي إلى هذا، كم يوجد اليوم من فتياتنا ممن تخرجت من الجامعة بلغات متعددة! أين جهدهم الدعوى من خلال الانترنت أو من خلال العمل مع الخادمات أو غير ذلك؟ أين تعاونهم مع مكاتب الدعوة؟ أين الشباب الذين عندهم أوقات فارغة ممن يذهبون أحيانا يصرفونها في لعب كرة أو تمثيليات أو ما شابه ذلك؟ أين أنتم يا أخي من التعاون مع مكاتب الدعوة من العمل الدعوي؟ مَن أراد فعلا أن ينفع الإسلام فلا يترك باباً يستطيع من خلاله أن يدخل الإسلام.
ابن أم مكتوم -رضي الله تعالى عنه- وهو أعمى لما رأى الناس يخرجون إلى القتال قال: إني خارج معكم، فقالوا سبحان الله! إن الله يقول ليس على الأعمى حرج! قال: وإن كان، أخرجوني معكم وأعطوني الراية، قالوا نعطيك الراية وأنت رجل أعمى؟ قال: نعم إنما الراية تمسك ليجتمع إليها المقاتلون، فأنا امسك الراية، يمسك الراية ما يقاتل، يمسك الراية فقط، فأخرَجوه معهم وهو أعمى، لكنه استثمر قدرة عنده من شجاعة وقوة.
فلما أوقفوه في مكان الراية حفر لقدميه وأدخلهم في التراب حتى لا يبعد عن هذا المكان، وقام قائما بالراية -رضي الله تعالى عنه-، لم يبحث عن حجة ويقول: أنا أعمى ولا أستطيع أن أعمل، فلا حجة لفقير لا يخدم دينه ولا يطور نفسه، ولا حجة لمشغول، ولا حجة لمريض، سيسألك الله يوم القيامة عما عندك من قدرات، ولن يسألك عن غيرها.
لن يسأل الله تعالى المشلول لماذا لم تصلِّ في المسجد، ولن يسأل الله تعالى الأبكم لماذا لم تنكر المنكر الفلاني أو تخطب الجمعة، إنما سيسألهم عما تبقى عندهم من قدرات.
فهكذا مجموعات من أبنائنا وبناتنا اليوم يملكون قدرات متعددة، فينبغي خلال هذه الإجازة أن يستثمروها، وأن يخطط كلٌّ لنفسه ويخط شيئاً مكتوباً من البداية، حتى يكون له تأثير في هذه الأمة.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يستعملنا جميعاً في طاعته.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم