أنواع الربا..

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-05-27 - 1445/11/19
التصنيفات:

 

الشيخ ياسر بن حسين برهامي

 

الربا يشمل: ربا الفضل وربا النسيئة، ربا النسيئة: هو التأخير، وهو القرض بفائدة، وقد ذكرنا أن تحريمه معلوم بالضرورة.

 

وأما ربا الفضل فهو: بيع الذهب بالذهب مع عدم التساوي، والفضة بالفضة مع عدم التساوي، وكذلك أصناف الطعوم: الملح بالملح، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، فهذه الأصناف الأربعة يقاس عليها عند بعضهم كل ما كان مثلها من الطعام الذي يكال.

 

والعلة في الطعام: الطعم، وبالنسبة للذهب والفضة فالعلة النقدية، فهذا ربا الفضل، فإذا تعامل بها مقايضة بمعنى ذهب بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل ويداً بيد، ولا يجوز التفاضل فيه، وهذا كما تعود الناس عليه اليوم: من بيع الذهب القديم بالذهب الجديد مع التفاضل إما بالوزن نفسه، أو التفاضل في إعطاء مال إلى أحد الطرفين، فيكون البيع ذهباً ومالاً بذهب متفاضلاً مع عدم تساوي الذهب بالذهب في الوزن، وكذا الفضة بالفضة، وهذا نوع من الربا منتشر.

 

ويدخل في الربا التعامل بالتقسيط في الذهب والفضة بمعنى أن يشتري ذهباً بالتقسيط، وكذلك التعامل في العملة بالتقسيط، فإن ذلك كله من ربا الفضل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، فجعل اختلاف الأصناف مبيحاً للتفاضل كذهب بفضة، فيجوز فيه اختلاف الوزن، ولكن لابد أن يكون يداً بيد؛ لأنه قال: (فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).

 

فإذا اتفق الجنس والعلة وجب أن يتفق الوزن بالنسبة للذهب والفضة، وبالنسبة للنقود الحالية يجوز التفاضل بشرط أن يكون الجنس واحداً والعلة واحدة، والعلة هي: النقدية التي في الذهب والفضة، والطعم في الأربعة الآخرين، وإذا اتفق الجنس واتفقت العلة فلابد أن يكون مثلاً بمثل ويداً بيد، ولا يصح أن يأخذ شخص خمسة عشر جنيهاً مجتمعة بتسعة عشر جنيه مفكوكة، أو واحداً وعشرين جنيه فكة بعشرين جنيه مجمدة، أو يأخذ مائة وخمسة جنيهاً مفكوكة بمائة مجتمعة، فمثل هذا نوع من الربا، وكما ذكرنا يجوز إذا كانت العلة واحدة والجنس مختلف كذهب بفضة، وذهب بنقود، ونقود بنقود مختلفة العملة كالدولارات والريالات، ولابد أن يكون يداً بيد، ولابد أن يسلم ويستلم في نفس اللحظة، ولا يجوز أن يؤجل ولا يوماً واحداً أو ساعة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).

 

وكذلك بالنسبة للأرز بالقمح أو الأرز بالتمر شرطها أن تكون متقابضة في نفس المجلس.

فهذا فيما يتعلق بربا الفضل، ومعلوم كيف صار الحال بانتشار الربا انتشاراً فظيعاً في هذا الزمان.

 

ومن الربا: الحيل التي تستعمل من بيع السلع بسعرين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا).

 

ولا نعني بذلك المنع من البيع بالتقسيط مع الزيادة، فهذا أمر لا أعلم خلافاً في جوازه بين السلف، وإنما الذي يمنع منه أن يبيع بيعتين في بيعة واحدة ويجعل الأمر معلقاً في البيعة الواحدة، يعرض لها سعرين ولا يحدد أحدهما، فيقول له: نقداً بعشرة، ونسيئة بالتقسيط باثني عشر، وإذا كان على ثلاث سنين فستة عشر مثلاً، ثم يقول له: إذا جئتك بالمال بعد يوم فسآخذها بعشرة، وإذا تأخرت فهي باثني عشر، وإذا زاد التأخير فهي بستة عشر، فهذا هو الربا المقصود في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا).

 

ومع انتشار البيع بالتقسيط فقد دخلت هذه المسألة إلى الناس، وأصبح كثير من الناس يعقد على شيء، ثم بعد ذلك يحوله إلى شيء آخر، ويجعل هذا المال مديوناً به إن كان هو عشرة مثلاً يجعله اثني عشر بالتقسيط؛ فصار يبيع عشرة باثني عشر؛ لأن البيع تم أولاً، والسلعة استلمت، وتمت البيعة الأولى، فلا يجوز أن يغيرها، ولا أن يجعل عليه غرامة تأخير، وكثير من الجهات تجعل غرامة تأخير على التعاملات إذا تأخر في السداد، وكل هذا من الربا المحرم الداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا).

 

صور ربوية منتشرة يجب الحذر منها

بيع العينة هو: أن يبيع ويشتري سلعة نقداً ونسيئة بغرض التحايل على الربا، فهو يريد أن يقترض بالربا، ولكن لا يريد أن يكون صريحاً في التعامل به، فيأتي بسلعة يعرضها للشخص الذي يريد أن يقترض منه، ويأخذ منه المال، ويقول: أبيع لك هذه بعشرة نقداً فيستلمها، وهو لا يريد بيعها، وبعد أن يتم العقد ويستلم السلعة يعطيه سلعة ويقول: بعتك إياها باثني عشر بالتقسيط، والحقيقة أن السلعة عادت ثانية، وأصبح مديوناً باثني عشر، وقبض بيده عشرة، وهذا تحايل على الربا.

 

والراجح حرمة بيع العينة، وهناك نص في المنع منها، واختلف العلماء في مسألة التورق، وصورتها: أن يشتري الرجل سلعة من السوق لا يريد شراءها ولا التجارة ولا الربح منها، لكن يأخذها ليبيعها بثمن بخس بأقل من ثمنها في السوق لكي يحصل على المال، وليس له غرض في السلعة، إنما غرضه الورق، وهذه تسمى مسألة التورق، ويسمونها حرق البضاعة الآن؛ لانتشار هذه النوعية من المعاملة، وحرق البضاعة لها صور أخرى، مثل: أن يبيعها بسعر بخس من المال بالاضطرار إلى البيع وهي مملوكة له من البداية، ومثلها أن يشتري سلعة بنقد بالتقسيط، ثم يبيعها بنقد تحايلاً لطرف ثالث، فهذه على الراجح ممنوعة، وهي داخلة في الربا، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، ورواية عن مالك، وثبت النهي عن ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة.

والله أعلى وأعلم.

 

فمثل هذه المعاملات كلها من أسباب الفساد الذي يقع بين الناس، فلا يرفع عنا الغلاء والوباء إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والناس اليوم في أنواع من الكرب، وقد يظن كثير من الناس أن المخرج من ذلك بالاستدانة بالربا، وهذا ليس بمخرج، بل هذا يزيد الفقر، ويزيد الخراب، ويزيد الضياع، بل التوبة إلى الله عز وجل هي المخرج حتى ترد الحقوق إلى أصحابها، فيرفع عنا الغلاء والبلاء، ونسأل الله العفو والعافية.

 

ومن الأمور الربوية المنتشرة: بيع السلع قبل قبضها، فإنها من أعظم ذرائع الربا، وهي: المرابحة غير الشرعية التي تقوم بها كثير من المؤسسات المسماة بالإسلامية، ويمكن عقدها بطريقة شرعية، ولكن كثير منها يتم بطريقة غير شرعية، وكثير من الناس يقوم بها فعلياً بنفسه، وليس فقط المؤسسات، مثل أن يريد شراء أو بيع سلع بالتقسيط وهو لا يملك هذه السلعة، ويعرف من يريد شراءها، فيقول له: اذهب فخذ السلعة التي تريد من المكان الفلاني، ثم أنا أحاسب على ذلك، ولا يتم قبض السلعة فيما بين هذا وذاك، ولابد حتى يصح البيع بالتقسيط أن تكون السلعة المشتراه مملوكة للبائع، ولابد أن يتملكها وأن يقبضها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن تبتاع السلع حتى تقبض).

ويجري هذا على جميع السلع، فكل شيء بمنزلة الطعام كما قال ابن عباس.

 

إذاً: لابد أن يستلمها بيده، ثم يبيعها بعد ذلك، فالذي يريد أن يربح لا مانع أن يقول للمشتري صف لي الشيء الذي تريده، ولا مانع أن يذهب معه لتعيين السلعة المراد شراءها، وبعد ذلك يشتريها الشخص الذي يريد أن يربح، ويقبضها بيده، ويخرج بها من المكان الذي نهى أن تباع السلع فيه، ثم تباع.

 

والحديث كما ذكرت: (نهى أن تباع السلع حتى تقبض) والذي يذهب فيشتريها، ثم يقبضها ويخرج بها من المكان وتدخل في ضمانه وملكه، فله أن يبيعها له بعد ذلك، وهو قد أخذ منه وعداً بالشراء، لكن هذا الوعد ليس بيعاً، فلا يبع الذي يأخذ جزءاً من الثمن، ولا يجوز أن يعقد معه عقداً ملزماً قبل أن يشتري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك)، إنما يعده أن يشتري منه، ثم بعد ذلك إذا تملك السلعة وقبض باعها له.

 

فهذه أنواع كثيرة من المعاملات تقع بطريقة غير شرعية، ومنها: أنه يقول له: اذهب وخذ سلعة ثم يئّس صاحب المحل أو صاحب المكان من استردادها، وهذا أمر فاسد خطير.

 

ومن هذا الباب ما تعود عليه كثير من الناس من بيع بعض الكوبونات لبعض السلع أو بعض الحجوزات، كأن يحجز سلعة اشتراها سلماً، أو لم يقبضها بعد، وهو حاجز دوراً فيها، وهي مازالت في يد صاحب السلعة الأول الذي هو الباني -مثلاً- للشقة أو المالك مثلاً للكوبون وهي البضاعة نفسها، والكوبون هذا قيمته مائة جنيه، فيذهب فيبيعه لآخر بثمانين، أو يبيع الشقة التي حجزها وهي لم تتعين بعد، أو لم تخصص له، أو لم يستلم مفتاحها، فيبيعها قبل أن يستلمها، فهذا داخل في هذا الباب، وهو نوع من التحايل على الربا؛ لأنه دفع مبلغاً، وباعه بأقل منه حالاً، فهذا مما يجب الحذر منه حتى ينجينا الله.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات