عناصر الخطبة
1/تفرد الله تعالى بعلم الغيب 2/مفاتيح الغيب الخمسة 3/علم ما في الأرحام 4/علم مواضع الموت.اقتباس
فلا يَعْلم أحد: (مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى)، نوعَه، وجنسَه، ولونَه، وإذا عُلم بالوسائل الحديثة بعضُ ذلك، فإنه لا يكون إلا بعد نفخ المَلك للروح في الجنين، فزال علم الغيب؛ لأن المَلك عَلِم بنوعه، وإذا أظهر العلم الحديث التعرف على نوع الجنين بعد النفخ في الروح، فلا يزال الغيب في معرفة الرزق والعمل والأجل والسعادة والشقاء...
الخطبة الأولى:
وَسِع علمُ الله -عز وجل- السمواتِ والأرض، وما بينهما، وما فيهن، فالأرزاق والآجال وغيرُها من المغيبات التي اختص الله بعلمها، متى وقتها وقدرها، والمُغيَّبات عند الخلق لا تغيب عنه -سبحانه- قال -عز وجل-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعَام: 59].
فالله -سبحانه- لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وليس لأحدٍ معرفةُ ذلك، لا ملَكٍ مقرّب، ولا نبيٍّ مرسل، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "من زعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم الفِرْية والله يقول: (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)[النَّمل: 65]،"(رواه مسلم).
وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يبين للناس أنه لا يعلم الغيب في قوله -تعالى-: (قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ)[الأنعَام: 50].
وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- مفاتحَ الغيبِ الخمسةَ، التي استأثر الله بها قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمَان: 34].
فعلم الساعة، لا يعلم وقوعَها أشرفُ ملَك، ولا أشرفُ رسول، سأل جبريلُ -عليه السلام- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-: متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول بأعلم من السائل"، والله -عز وجل- قال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ)[الأعرَاف: 187]، وإنما أخبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن علاماتها: "أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان"(رواه مسلم).
ثم ذكر الله -سبحانه وتعالى-: نزولَ الغيث، فقال -سبحانه- مختصًا بهذا الخير العميم: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)[الشّورى: 28]، فمن اعتقد أن نزول المطر من عند غير الله فقد كفر.
قال زيد بن خالد -رضي الله عنه-: خطبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على إثر سماء كانت من الليل، فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: :أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"(متفق عليه).
وقد ذكر الله عن تكوين السحب ونزول المطر ما يدل على كمال قوته، وقدرته، وتدبيره -عز وجل-، فهو -سبحانه- يبعث الرياح المثيرة، فتقُمُّ الأرضَ قمًّا، ثم يبعث المبشرة فتثير السحاب فيجعله كسفًا، ثم يبعث المؤلِّفة فتؤلف بينه فتجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتُمْطِر السماء، قال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ)[النُّور: 43].
فإثارة السحاب من البحر، أو مما يشاء الله -عز وجل-، فيبسطه في السماء كيف يشاء، أي: يمده فيكثِّرُه وينمِّيه، ويجعل من القليل الكثير، ينشئ سحابة في رأي العين مثل الترس، ثم يبسطها حتى تملأ أرجاء الأفق.
ثم ذكر المولى -سبحانه- عِلْمه بما في الأرحام، فلا يَعْلم أحد: (مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى)[الرّعد: 8]، نوعَه، وجنسَه، ولونَه، وإذا عُلم بالوسائل الحديثة بعضُ ذلك، فإنه لا يكون إلا بعد نفخ المَلك للروح في الجنين، فزال علم الغيب؛ لأن المَلك عَلِم بنوعه، وإذا أظهر العلم الحديث التعرف على نوع الجنين بعد النفخ في الروح، فلا يزال الغيب في معرفة الرزق والعمل والأجل والسعادة والشقاء، فسبحان من أحسن وأبدع كلَّ شيءٍ خلقه.
وفقنا الله لقَدْرِهِ حق قدره.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
من المغيبات التي استأثر الله بها: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا)[لقمَان: 34]، أي: ما تعمل في الغد من خير أو شر، من كسب دينها ودنياها، وما يعتري حياة المرء من صحة وسقم.
ثم ختم المولى -سبحانه- الآية بقوله: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[لقمَان: 34]، فلا يعلم العبد متى يموت، وأين يموت، فقد يَعْبُر المرءُ المفاوزَ والأخطار، ويظن أنه لا يجاوزها سالمًا، ويُقدِّر الله له أن يموت في بلد لا يظن انه سيذهب إليها يومًا من الدهر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة"(رواه أحمد)، فيذهب إلى الموضع المقدر له - إما تجارةً، أو تعلمًا، أو علاجًا، أو زيارة - ثم يأتيه الأجل هناك.
اللهم اختم بالصالحات أعمالنا.
صلوا وسلموا على خير البرية.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم