أمن ورخاء وعطاء

محمد بن سليمان المهوس

2024-05-03 - 1445/10/24 2024-05-08 - 1445/10/29
عناصر الخطبة
1/بالتوحيد والسنة يتحقق الأمن 2/بلادنا مضرب المثل في تحقق الأمن 3/عاقبة فقد الأمن 4/مسؤولية المسلم للحفاظ على أمن وطنه

اقتباس

وَعِنْدَمَا يَخْتَلُّ أَمْنُ اَلْبِلَادِ تَتَبَدَّلُ اَلْحَالُ وَلَمْ يَهْنَأْ أَحَدٌ بِرَاحَةِ اَلْبَالِ، فَزَعٌ وَذُعْرٌ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، تُهْجَرُ اَلدِّيَارُ، وَتُفَارَقُ اَلْأَوْطَانُ، وَتَتَفَرَّقُ اَلْأُسَرُ، وَتَبُورُ اَلتِّجَارَةُ، وَيَتَعَسَّرُ طَلَبُ اَلرِّزْقِ، إِذَا اخْتَلَّ اَلْأَمْنُ تُقْتَلُ اَلنُّفُوسُ اَلْبَرِيئَةُ، وَتُرَمَّلُ اَلنِّسَاءُ، وَيُيَتَّمُ اَلْأَطْفَالُ، وَيَنْقَطِعُ تَحْصِيلُ اَلْعِلْمِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران :102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ النِّعَمِ الَّتِي تُذْكَرُ وَلاَ تُنْكَرُ، وَتُشْكَرُ وَلاَ تُكْفَرُ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ؛ فَإِنَّ نِعْمَةَ التَّوْحِيدِ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَوْفَاهَا وَأَعْلاَهَا وَأَزْكَاهَا، وَهِيَ سَبَبُ الْفَلاَحِ وَالنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].

 

وَنِعْمَةُ اَلتَّوْحِيدِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَحْقِيقِ اَلْأَمْنِ؛ فَهُوَ يُثْمِرُ اَلْأَمْنَ اَلتَّامَّ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ اَللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82]، وَالظُّلْمُ: هُوَ اَلشِّرْكُ اَلَّذِي يُسَبِّبُ اَلشَّقَاءَ فِي اَلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

وَكَذَلِكَ نِعْمَةُ التَّوْفِيقِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْنَا لَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَوِ الْبِدَعِ وَالضَّلاَلِ نَعْبُدُ الْقُبُورَ، أَوْ نَسْأَلُ الأَمْوَاتَ، أَوْ نَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ الْمَعْصُومَةَ، أَوْ نَشُقُّ عَصَا الطَّاعَةِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- نَسْأَلُ اللهَ الثَّبَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ.

 

فَكَانَ لَنَا مِنْ ثِمَارِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ -وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ- مَا نَعِيشُهُ وَاقِعًا فِي بِلاَدِنَا مِنْ نِعْمَةِ الأَمْنِ وَالسَّكِينَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، الَّتِي نَتَفَيَّأُ ظِلاَلَهَا فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ الْمُبَارَكَةِ مُنْذُ قَرَابَةِ تِسْعِينَ عَامًا، بَعْدَمَا عَانَتْ أَحْقَابًا وَدُهُورًا مِنَ الْفُرْقَةِ وَالْفَوْضَى، وَالْخَوْفِ وَالْفِتَنِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، تَوَحَّدَتْ صُفُوفُنَا، وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُنَا مَعَ وُلاَةِ أَمْرِنَا، فَعَمَّ أَمْنُنَا وَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا شَكَّ أَنَّ الأَمْنَ مَطْلَبٌ عَزِيزٌ؛ إِذْ هُوَ قِوَامُ الْحَيَاةِ الإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا، تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الْمُجْتَمَعَاتُ، وَتَتَسَابَقُ لِتَحْقِيقِهِ السُّلُطَاتُ، وَتَتَنَافَسُ فِي تَأْمِينِهِ الْحُكُومَاتُ، فَهُوَ مَطْلَبٌ يَسْبِقُ طَلَبَ الْغِذَاءِ، فَبِغَيْرِهِ لاَ يُسْتَسَاغُ طَعَامٌ، وَلاَ يَهْنَأُ عَيْشٌ، وَلاَ يَلَذُّ نَوْمٌ.

 

فَالنُّفُوسُ فِي ظِلِّهِ تُحْفَظُ، وَالأَعْرَاضُ وَالأَمْوَالُ تُصَانُ، وَالشَّرْعُ يَسُودُ، وَالاِسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ وَالاِطْمِئْنَانُ الاِجْتِمَاعِيُّ يَتَحَقَّقُ -بِإٍذْنِ اللهِ تَعَالَى-.

 

وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْبِلاَدِ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ- نَعِيشُ مَعَ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَمَعَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحَدُّ، حَتَّى أَصْبَحَتْ بِلاَدُنَا مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي تَحْقِيقِهِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني).

 

وَعِنْدَمَا يَخْتَلُّ أَمْنُ اَلْبِلَادِ تَتَبَدَّلُ اَلْحَالُ وَلَمْ يَهْنَأْ أَحَدٌ بِرَاحَةِ اَلْبَالِ، فَزَعٌ وَذُعْرٌ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، تُهْجَرُ اَلدِّيَارُ، وَتُفَارَقُ اَلْأَوْطَانُ، وَتَتَفَرَّقُ اَلْأُسَرُ، وَتَبُورُ اَلتِّجَارَةُ، وَيَتَعَسَّرُ طَلَبُ اَلرِّزْقِ.

 

إِذَا اخْتَلَّ اَلْأَمْنُ تُقْتَلُ اَلنُّفُوسُ اَلْبَرِيئَةُ، وَتُرَمَّلُ اَلنِّسَاءُ، وَيُيَتَّمُ اَلْأَطْفَالُ، وَيَنْقَطِعُ تَحْصِيلُ اَلْعِلْمِ، وَيَئِنُّ اَلْمَرِيضُ فَلَا دَوَاءَ وَلَا طَبِيبَ، وَتَخْتَلُّ اَلْمَعَايِشُ.

 

إِذَا اخْتَلَّ اَلْأَمْنُ حَلَّ اَلْخَوْفُ، وَذَاقَ اَلْمُجْتَمَعُ لِبَاسَ اَلْفَقْرِ وَالْجُوعِ، كَمَا قَالَ اَللَّهُ -سُبْحَانَهُ- عَنْ اَلْقَرْيَةِ اَلْآمِنَةِ اَلْمُطَمْئِنَةِ اَلَّتِي يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغْدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اَللَّهِ، قَالَ اَللَّهُ -تَعَالَى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

 

فَاشْكُرُوا اَللَّهَ رَبَّكُمْ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فِي بِلَادِكِمْ؛ فَفِي اَلشُّكْرِ تَدُومُ اَلنِّعَمُ وَتَزْدَادُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي أَنْفُسِنَا وَفِي أَوْطَانِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَسْؤُولِيَّةَ عَلَيْنَا جَمِيعًا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى دِينِنَا؛ لِيَدُومَ أَمْنُنَا فِي بِلاَدِنَا، وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِنَا، وَازْدِهَارِ رُبُوعِنَا، وَانْدِحَارِ عَدُوِّنَا، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ الاِنْتِمَاءِ الْمُخْلِصِ لِهَذَا الْوَطَنِ، وَذَلِكَ بِالشُّعُورِ الْجَمَاعِيِّ بِمَسْؤُولِيَّةِ الْحِفَاظِ عَلَى الْوَطَنِ، وَالْمُمْتَلَكَاتِ، وَالْمُكْتَسَبَاتِ، وَالاِلْتِفَافِ حَوْلَ الْقِيَادَةِ الْحَكِيمَةِ، وَصَدِّ كُلِّ فِتْنَةٍ، أَوْ مَسْلَكٍ، أَوْ دَعْوَةٍ تُهَدِّدُ أَمْنَ هَذَا الْوَطَنِ، وَرَغَدَ عَيْشِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى تَحْقِيقِ قَوْلِ اللهِ -تَعَالَى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)[آل عمران: 103]، وَقَوْلِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ".

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رواه مسلم).

 

المرفقات

أمن ورخاء وعطاء.doc

أمن ورخاء وعطاء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات