ألهاكم التكاثر

عبد الله يعقوب

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ذمّ التكاثر في متاعِ الدنيا الزائلِ 2/أهمية شكر النعم اغتنامها 3/مفاسد التكاثر في الأموال نقدًا وعينًا 4/مخاطر التكاثر والتنافس في متاع الحياة الدنيا 5/مضارّ التكاثر بالأتباع والرئاسة.

اقتباس

فمن أدَّى حقَ اللهِ في النِّعم، وشكر المنعم، واستعملها في مراضيه ومحابه، فقد نجا وفاز، وَمن لَمْ يَشْكُر النعم، وكفر بالمنعم، عُذِّب عَلَى الجحود والكفر وتَرْكِ الشُّكْرِ.. والتكاثرُ في الدنيا، والانشغالُ عن العملِ الصالحِ والحقوقِ والواجباتِ: حرام وخطير، يورث في الدنيا الشقاءَ والهَمَّ والغَمَّ، وفي الآخرة يورث الحسرةَ والندامةَ.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

 

أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات، فميتته جاهليةٌ والعياذُ بالله.

 

أيها الناس: القرآنُ الكريم كتابُ الله -تعالى-، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، لَا تَزِيغُ بِهِ الْاَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْاَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ اِذْ سَمِعَتْهُ أنْ قَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْه هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[فصلت: 1].

 

هذا الكتابُ المبارك: اشتملت آياتُه على وعظِ القلوب، وبيانِ حقائق الوجود، والإخبارِ بالمغيبات، عدا الأحكام والتوجيهات والعِبَر والقصص والأمثال، خاطَب القرآنُ القلوبَ والعقولَ والوجدانَ.. ومن تدبَّر وجد.

 

عباد الله: ومن السور العظيمة في القرآن.. سورةٌ مكيةٌ من قِصار المفصَّل، فيها وَعِيدٌ بَعْدَ وَعِيد، على التباهي بالكثرة من المال والجاه والولد.

 

فيقول الله -تعالى-: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[سورة التكاثر: 1- 8].

 

في أول السورة: ذمَّ اللهُ التكاثرَ في متاعِ الدنيا الزائلِ ولذّاتها الفانية، وكلُّ من شغله وألهاه التكاثرُ بأمرٍ من الأمورِ عن اللهِ والدارِ الآخرة؛ فهو داخلٌ في حُكمِ هذه الآية، أما التكاثر بأسباب السعادة الأخروية فهو مطلوب شرعاً، قال الله -عز وجل-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].

 

روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّخِيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقْرَأُ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، قَالَ: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟".

 

وروى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي، مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فأَبْقَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ".

 

فلَيْسَ الْأَمْرُ –عباد الله– بِالتَّكَاثُرِ والتفاخرِ والتباهي والعلوِ، وسَوْفَ تَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ التَكَاثُرِ وَالتَفَاخُرِ إِذَا نَزَلَ بِكُمُ الْمَوْتُ.

 

ثم قال: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أَيْ: لَوْ كنتم تَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا صادقاً عما ينتظركم من البعث والنشور والحساب.. لَشَغَلَكُمْ ذلك عَنِ التَّكَاثُرِ وَالتَّفَاخُرِ.

 

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، فَيُسْأَلُ الناسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ شُكْرِ مَا كَانُوا فِيهِ من أنواع النعيم، عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ جِسْمَكَ؟ وَنَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ" (رواه الترمذي).

 

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "النَّعِيمُ صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، يَسْأَلُ اللَّهُ الْعَبِيدَ فِيمَ اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)[الإسراء: 36]".

 

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "يُسألون عَنِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ وَالْمَالِ".

 

فمن أدَّى حقَ اللهِ في النِّعم، وشكر المنعم، واستعملها في مراضيه ومحابه، فقد نجا وفاز، وَمن لَمْ يَشْكُر النعم، وكفر بالمنعم، عُذِّب عَلَى الجحود والكفر وتَرْكِ الشُّكْرِ.

 

عباد الله: التكاثرُ في الدنيا، والانشغالُ عن العملِ الصالحِ والحقوقِ والواجباتِ: حرام وخطير، يورث في الدنيا الشقاءَ والهَمَّ والغَمَّ، وفي الآخرة يورث الحسرةَ والندامةَ.

 

خَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ واللفظ له، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ".

 

عباد الله: التكاثرُ والمنافسةُ في الدنيا من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان لا يبالي من أين يكسب المال وفيما ينفقه.. فحسْبه أن يتمتع بهذا المال حلالاً كان أم حرامًا، وينسى أن الله -عز وجل- سيسأله عن كلِّ نعيم تنعَّم به في هذه الدنيا، فالمالُ والتكاثر به: حلاله حساب، وحرامه عقاب.

 

فالحذرَ الحذرَ عبادَ الله.. والنجاءَ النجاء.. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: يَا رُوحَ اللَّهِ، عَلِّمْنَا عَمَلاً وَاحِدًا يُحِبُّنَا اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: أَبْغِضُوا الدُّنْيَا يُحِبُّكُمُ اللَّهُ".

 

وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".

 

وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".

 

وقولُ اللهِ أبلغ: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 32]، وقال سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. ونفعنا بهدي سيد المرسلين..

 

أقول ما تسمعون.. وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين..

 

فتوبوا إليه واستغفروه.. إنه كان غفارًا..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا حمدًا.. والشكر له -سبحانه وتعالى- شكرًا شكرًا..

 

وبعد عباد الله: فمن أبرز الأشياء التي يتكاثر بها الناس اليوم حتى أشغلتهم عن الموت الذي سيفجؤهم بغتة، ويُزيرُهم المقابر، ويحول بينهم وبين ما كانوا يتكاثرون فيه:

 

التكاثر في الأموال نقدًا وعينًا، كالعقار والمساكن والأثاث والمراكب والمزارع؛ حيث نجد التنافسَ المسعورَ على هذه الدنيا، وسعْيَ كلِّ إنسان أن يكون أكثر مالاً وخدمًا وأولادًا؛ وفي قصة صاحب البستان في سورة الكهف: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا)[الكهف: 34]، وذكر -سبحانه وتعالى- قولَ المترفين: (وقالوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)[سبأ: 35].

 

فما أخطر هذا البلاء الاجتماعي الذي أُصبنا به، بالتوسع في الدنيا والتكاثر فيها ولو بالديون، ولو بالقروض المحرمة.

 

ووصل الأمر إلى منازلنا وبيوتنا، وقد علمتم ما فيها من الترف والزخارف والإنفاق في جمالياتها وكمالياتها وارتفاع بنيانها والتطاول فيها. أما حين تأتي للأثاث والترف فيه.. فحدِّث ولا حَرَج عن الإنفاق الزائد في توفيره، وكثير منه يمكن الاستغناء عنه؛ ولكنه التكاثر والتنافس في متاع الحياة الدنيا.

 

ومن التكاثر المذموم: التكاثر في الأولاد والأنساب:

وهذا أمر مُشاهَد لا يحتاج إلى مزيد تمعُّن ونظر؛ ولا سيما الأنساب والتكاثر فيها والتفاخر بها، وهذا مصداق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن؛ الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".

 

ومما له صلة بهذا: تكاثر البعض بمواشيهم من الإبل والغنم، في المسابقات والمنافسات، حيث يتفاخرون بها، ويتكاثرون، ويغالون في أثمانها بمئات الألوف والملايين.

 

ومن التكاثر المذموم: التكاثر بالجاه والشهرة والرئاسات والشهادات والمناصب: وفي الحديث: "ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

 

يقول الإمام الزهري -رحمه الله-: "ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة، وترى الرجل يزهد في المطعم والشراب والمال؛ فإذا نُوزِعَ الرياسة حامَى عليها وعادى".

 

ومن التكاثر المذموم: التكاثر بالأتباع: وهذا النوع منشؤه حب الشهرة والثناء والمباهاة، وكلها أمراض وآفات ومهلكات، وينتشر هذا النوع من التكاثر غالبًا في أوساط مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث نجد منهم مَن يذْكر كثرة أتباعه والمتأثرين به، في أجهزة التواصل.

 

ومن علامات هذا التكاثر: محبة الاجتماع حوله، وزَهْوه بكثرة الأتباع، وتوقيرهم له، وخدمتهم له. ويفرح إذا عظمت الأعداد عنده، وكثر متابعوه، ويضيق ويتبرّم إذا قَلَّتْ الأعداد عنده، ويكثر على لسانه ذِكْر الأعداد وكثرة الحضور: المتابعون لي في التواصل الاجتماعي بالآلاف والملايين!! وهكذا..

 

وقد كان السلف الصالح يتَوَقُّونَ هذه المزالق أشد التوقِّي، ويتحاشون الوقوع فيها. فعن سليم بن حنظلة قال: أتينا أبي بن كعب -رضي الله عنه- لنتحدث إليه، فلما قام قمنا ونحن نمشي خلفه، فرهقنا عمر؛ فتبعه فضربه بالدرة!! قال: فاتقاه بذراعيه. فقال: يا أمير المؤمنين ما تصنع؟! قال: أو ما ترى؟! فقال: "فتنة للمتبوع؛ ومذلة للتابع".

 

وخرج ابن مسعود من منزله فتبعه جماعة، فالتفت إليهم وقال: "عَلَام تتبعوني؟ فوالله لو تعلمون ما أغلق عليه بابي ما تبعني منكم رجلان".

 

وفي رواية قال: "ألكم حاجة؟ قالوا: لا، قال: ارجعوا؛ فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع".

 

وعن الحسن -رحمه الله- قال: "لا تغرنَّك كثرة مَن ترى حولك؛ فإنك تموت وحدك، وتُبعث وحدك، وتحاسَب وحدك".

 

ألا فاتقوا الله عباد الله.. واحذروا التكاثر في الدنيا.. و(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 20- 21].

 

وصلوا وسلموا على خير خلق الله.. سيدنا محمد بن عبدالله.. كما أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

ألهاكم التكاثر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
15-05-2021

شكرا