أكل مال اليتيم

يحيى بن إبراهيم الشيخي

2024-07-12 - 1446/01/06 2024-08-06 - 1446/02/02
عناصر الخطبة
1/أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب 2/تعريف اليتيم وتحريم ظلمه 3/من فضائل كفالة اليتيم 4/من صور ظلم اليتيم

اقتباس

قد يكونون في حاجة لإصلاح بيتهم القديم أو ترميمه أو للنفقة عليهم، وعلى متطلبات الدراسة وغيرها من صعوبات الحياة، ولديهم إرث حابسه عنهم الأخ الأكبر أو العم، أو أي أحد من الأوصياء متمسك به؛ لأنه ينتفع منه مثل...

أكل مال اليتيم ظلما

 

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 2 - 4]، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 70]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- وطاعته، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

 عباد الله: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ".

 

عباد الله: سيكون حديثنا اليوم عن اليتيم ورعايته، وفضل كفالته وحرمة التفريط في أمواله، وتضييع مدخراته.

 

فمَن هو اليتيم؟ اليتيم في الشرع: هو مَن مات أبوه وهو دون البلوغ، وبعد البلوغ لا يسمى يتيمًا، فعن حنظلة المالكي قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُتْمَ بعد احتِلام، ولا يُتْم على جارية إذا هي حاضت".

 

عباد الله: إن اليتيم ضعيف في إدارة نفسه وفي رد حقه، وضعيف في نصرة نفسه؛ ولذلك حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على إطعام اليتيم والرفق به، والإحسان إليه وعدم زجره أو قهره، ونهى عن إهانته وحث على إكرامه، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)[الضحى: 9]، والقهر كلمة حبلى بكل معاني الضغط النفسي والبدني والإهانة ونقص الكرامة؛ لأن معناها كما أورد ابن منظور في اللسان: الأخذ من فوق.

 

وقد ذم الله أولئك الذين يهينون اليتيم ولا يكرمونه، بل يزجرونه ويدفعونه عن حقِّه، فقال -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)[الماعون: 1 - 3]، ومعنى (يَدُعُّ الْيَتِيمَ): يدفعه بعنف عن استيفاء حقوقه، وليس الدَّعُّ إلا كلمة عجيبة اشتملت على كل معاني الإقصاء والإهمال، والشدة والعنف وسائر مظاهر الظلم التي تلحق باليتيم.

 

اليتيم يحتاج إلى مواساة وحب وعطف وحنان، لا إلى ظلم وقهر؛ فهو مكسور خاطره، مكلوم فؤاده، فانظر له بعين مشفقة حانية.

 

انظرْ إلى وجه اليتيم وهَبْ له *** عَطْفًا يعيش به الحياةَ كريما

وافتحْ له كَنْزَ الحنانِ، فإنما *** يرعى الحنانُ فؤادَه المكلوما

 

عباد الله: لقد اهتم القرآن الكريم بالحقوق المالية لليتامى؛ حتى لا يكونوا عرضة للضياع ولسلب أموالهم، وشرعت لهم موارد كثيرة يأخذون منها المال، منها: الصدقة المندوبة والزكاة المفروضة، قال -تعالى-: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ)[البقرة: 177]، وفي الميراث، قال -تعالى-: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[النساء: 8]، وعند تقسيم الغنائم، قال -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)[الأنفال: 41].

 

وقد حث ديننا على كفالة اليتيم ورغب فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا"، وأشار بالسبابة والوُسْطى، وفرَّج بينَهُما شيئًا؛ وإنَّما فرَّج بين أصبعَيْه لبيان مِقدار التفاوُت بينه وبين الأنبياء، والمراد بكافِل اليتيم القائم بأُموره من الإيواء أو المال أو التربية سواء أكان جدًّا أو جدة أو أُمًّا، أو عمًّا أو عمَّة، أو خالًا أو خالةً، أو قريبًا أو أجنبيًّا، وكذلك يدخُل في كافل اليتيم كفالة الأيتام عن طريق الجمعيات الخيرية الموثوقة، هنيئا لم أعان يتيمًا أو كفل يتيمًا أو أحسن إلى يتيم، هنيئًا لمن مسح دمعة يتيم أو أدخل البسمة على يتيم.

 

يا كافلَ الأيتامِ، كأسُكَ أصبحتْ *** مَلأَى، وصار مزاجُها تسنيما

ما اليُتْمُ إلاَّ ساحةٌ مفتوحةٌ *** منها نجهِّز للحياةِ عظيما

 

اليتيم مصدر من مصادر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة لماذا؟ لأنه مصدر غني بالحسنات، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إلا لِلَّه؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ".

 

اليتيم دواء لعلاج قسوة القلب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلى رَسُولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَه: "إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم".

 

اليتيم من أسباب المغفرة ودخول الجنة -بإذن الله-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَبَضَ يَتِيمًا مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ إلى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، إلا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ لَه".

 

فالله الله في حقوق اليتامى وأكل أموالهم، انتبهوا واحذروا، فإنما هي نار في بطون آكليها؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

 

عباد الله: قد يتعرض اليتيم بسبب ضَعفه إلى أن يكون عرضة لأكل ماله بالباطل، وقد يكون من يتسلط عليه أقرب الناس إليه وهو الوصي، ومن صور أكل أموال اليتامى ظلمًا:

عدم المُحافظة على مال اليتيم، وتسليمه لليتيم ناقصًا، أو ضم مال اليتيم إلى مال الوصيِّ؛ لِقولهِ -تعالى-: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)[النساء: 2].

 

من الصور: الاقتراب من ماله لغير فائدة أو إتلافها، وعدم استثمارها بالطريقة التي تعود عليه بالفائدة.

 

ومن الصور: الانتفاع به، كأن يشتري الولي لنفسه بيتًا أو غيره، أو يشتري منه لليتيم ما لا ينتفع به، والقيام بإسرافه وتبذيره.

 

أيضًا من الصور: حبس الوصي لميراث اليتامى، وعدم تقسيم وإعطاء الأيتام حقهم، فقد يكون الأيتام فقراءَ ويعيشون على صدقات المحسنين، أو قد يكونون في حاجة لإصلاح بيتهم القديم أو ترميمه أو للنفقة عليهم، وعلى متطلبات الدراسة وغيرها من صعوبات الحياة، ولديهم إرث حابسه عنهم الأخ الأكبر أو العم، أو أي أحد من الأوصياء متمسك به؛ لأنه ينتفع منه مثل: أرض زراعية، فتجد الوصي يزرع فيها ويؤجر بعضها طول السنين يستمتع بها دون بقية الورثة وخاصة الأيتام، وقد يموت بعض الورثة ولم يذق حلاوة نصيبه من الميراث مع حاجته الماسة إليه.

 

فكل من يحرم الأيتام والفقراء حقوقهم أو يأكل ويشرب من أموالهم، فإنما يدخل في بطنه وبطون عياله نارًا تتأجج، وسيحاسب يوم القيامة عليه حسابًا عسيرًا، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].

 

 

المرفقات

أكل مال اليتيم ظلمًا.doc

أكل مال اليتيم ظلمًا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات