أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟

خالد بن سعود الحليبي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الخلق والآفاق
عناصر الخطبة
1/ قراءة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لسورة الغاشية في الجمع والأعياد 2/ أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل والبنيان الخارجي 3/ أروع وصف للجمل 4/ التداوي بألبان وأبوال الإبل بين السنة النبوية والطب الحديث 5/ مكونات حليب الإبل وفوائده

اقتباس

أنا الجمل أحمل الأحمال الثقال، وأقطع بها المراحل الطوال، وأكابد الكلال، وأصبر على مر النكال، ولا يعتريني من ذلك ملال، ولا أصول صولة الإدلال، بل أنقاد للطفل الصغير، ولو شاء الله لاستصعبت على الأمير الكبير، فأنا الذلول، وللأثقال حمول، لست بالخائن ولا الغلول، ولا الصائل عند الوصول، أقطع في الوصول ما يعجز عن الفحول، وأصابر...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الخالق العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البر الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله النبي الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فأوصيكم -عباد الله- بتقوى الله وطاعته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 1.2].

 

أيها الإخوة المؤمنون: في كل عصر ومصر سيظل قولُ المولى -عز وجل-: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53] منارةً للعلم والتحدي القرآني المستمر، للدلالة القاطعة على صدق الرسالة، وعظمة الخالق -عز وجل-، بل إن كثيرًا من الآيات العظيمة التي كانت بين عيني العربيّ العفوي الذي أنزل القرآن وهو شاهد بأمّ رأسه، كشف الله -تعالى- من أمرها على تعاقب الأيام والدهور ما يزيد الآية إبهارًا وإعجازًا وعظمة.

 

ولن نستطيع أن نُحيط بآية واحدة في خطبتي جمعة، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، لقد لحظنا الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- كيف زيّن الْجُمَع والأعياد بقراءة سورة الغاشية، وتظل آياتها القصار تقرّع قلوبنا وتذكّرها، بل تلفت أبصارنا وبصائرنا إلى آيات خلق الله الكونية، فيقول الله -تعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية: 17- 21].

 

ولكن العجيب أن الله -تعالى- في هذه الآيات الكريمة يخص الإبل من بين مخلوقاته الحية، ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السموات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلاً إلى الإيمان الخالص بقدرته وبديع صنعه، وهو الذي قال في آية أخرى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57]، إنها لفتة ليس عادية، أو ليس جديرًا بنا أن نتفكر فيما أمرنا الله أن نتفكر فيه؟

 

فلنبدأ إذًا من الشكل الفريد الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من الآيات البيانات التي تأخذ بالألباب، واسمحوا لي أن نتخيل الإبل كأننا نراها؛ كما صوّرها العلامة زكريا القزويني 600 - 682هـ، في مخطوطته الطريفة "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات"؛ حيث قال: "الإبل من الحيوانات العجيبة وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم إياها، وهو أنه حيوان عظيم الجسم، شديد الانقياد، ينهض بالحمل الثقيل ويبرك به، وتأخذ بزمامه فأرة وتقوده إلى حيث شاءت، ويتخذ على ظهره بيت يقعد الإنسان فيه مع مأكوله ومشروبه وملبوسه والوسادة والملحفة والنمرقة كما في بيته، ويتخذ للبيت سقفًا وهو يمشي بكل هذه، وبهذا قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17].

 

وربما تصبر على الماء عشرة أيام، وإنما طولت رقبته ليستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل "وكأن القزويني هنا يقصد تطبيق قانون القوة في ذراعها تساوي المقاومة في ذراعها، فإذا كان محور الارتكاز عند التقاء أقدامه بجسده، فإن حاصل ضرب وزن الرأس في طول الرقبة يُعادل الحمل في المسافة القصيرة بينه وبين محور الارتكاز عند أقدامه الأمامية، وتضاف إلى ذلك معاونة الأقدام الخلفية للجمل ورفعه إلى أعلى".

 

وهذا ذكاء للقزويني في فهم الشكل الظاهري للجمل، لم ير مثله من قبل في علماء الشكل الظاهري للحيوان المتخصصين.

 

ثم يستطرد القزويني الذكي في وصف أهمية طول رقبة الجمل فيقول: وينال الأرض -أي: بطول رقبته- يرعى منها حالة قيامه لتكون الرقبة مناسبة للقوائم، وليبلغ مشفره سائر جسده يحكه به.

 

والشقشقة التي يخرجها لم تُعرف أي شيء هي، وقد يجتر والشقشقة خارجه، وإذا نهشته حية يأكل السرطان "القبقب - الكابوريا" تزول عنه غائلة السم.

 

قال: قال ابن سينا: بهذا عُرف أن السرطان نافعٌ لنهش الحية.

 

فالأذنان صغيرتان قليلتا البروز، فضلاً عن أن الشعر يغطيها من كل جانب ليقيها من الرمال التي تحملها الرياح، وكما أن لها القدرة على الانثناء خلفًا والالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية.

 

منخرا الإبل، كذلك المنخران يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية مما يسمح للجمل أن يغلقهما لمن أمام ما تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.

 

عينا الإبل، إن لعيني الجمل رموشًا ذات طبقتين مثل الفخ بحيث تدخل الواحدة بالأخرى، وبهذا فإنها تستطيع أن تحمي عينها وتمنع دخول الرمال إليه.

 

ذيل الإبل، وذيل الجمل يحمل كذلك على جانبيه شعرًا يحمي الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح والتي كأنها وابل من طلقات الرصاص.

 

قوائم الإبل، أما قوائم الجمل فهي طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار، كما أنها تساعده على اتساع الخطوات وخفة الحركة، وتتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة سواه ويجعله جديرًا بلقب "سفينة الصحراء".

 

فما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلى لارتياد الصحاري، وقد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحوًا من خمسين أو ستين كيلو مترًا في اليوم الواحد، ولم تستطع السيارات بعدُ منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبَّدة.

 

عنق الإبل، لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإبل ذوات أعناق مرتفعة حتى تتمكن من تناول طعامها من نبات الأرض، كما أنها تستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين مصادفتها، هذا فضلاً عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعًا عن الأقذاء ويساعد الجمل على النهوض بالأثقال.

 

وحين يبرك الجمل للراحة أو يُنَاخ ليُعَدّ للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله، ويرتكز بمعظم ثقله على كلكله، حتى إنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحنًا.

 

وهذه الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب، حيث إنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمل الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيرًا ما لا يجد الجمل سواها مفترشًا له، فلا يبالي بها ولا يصيبه منها أذى، والجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزودًا بهذه الوسائد المتغلظة، فهي شيء ثابت موروث، وليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة.

 

معدة الإبل، وأما معدة الإبل فهي ذات أربعة أوجه وجهازه الهضمي قوي بحيث يستطيع هضم أي شيء بجانب الغذاء كالمطاط مثلاً في الأماكن الجافة.

 

إن الإبل لا تتنفس من فمها ولا تلهث أبدًا مهما اشتد الحر أو استبد بها العطش، وهي بذلك تتجنب تبخر الماء من هذا السبيل.

 

تنظيم جسم الإبل للحرارة، يمتاز الجمل بأنه لا يفرز إلا مقدارًا ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحارة بين الليل والنهار.

 

إن جسم الجمل مغطى بشعر كثيف وهذا الشعر يقوم بعزل الحرارة ويمنعها من الوصل إلى الجلد تحتها، ويستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة نحو سبع درجات كاملة دون ضرر، أي بين 34م و41 م، ولا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41م ويكون هذا في فترة قصيرة من النهار، أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد قطرة ماء، وهذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة لترات كاملة من الماء، ولا يفوتنا أن نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجمل وبين نظيرتها عند جسم الإنسان الذي ثبتت درجة حرارة جسمه العادية عند حوالي 37م، وإذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع، وربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل "34م و41م".

 

إنتاج الإبل للماء، يقوم الجمل بإنتاج الماء والذي يساعده على تحمل الجوع والعطش وذلك من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها.

 

ومن حكمة خلق الله في الإبل: أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيرًا للغاية يفوق أي حيوان آخر، وهنالك أسرار أخرى عديدة لم يتوصل العلم بعد إلى معرفة حكمتها ولكنها تبين صورًا أخرى للإعجاز في خلق الإبل كما دل عليه البيان القرآني.

 

حليب الإبل، أما لبن الإبل فهو أعجوبة من الأعاجيب التي خصها الله –سبحانه- للإبل حيث تحلب الناقة لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يوميًا، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5 - 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230 - 260 كجم.

 

ويختلف تركيب لبن الناقة بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها كما يختلف من ناقة لأخرى، وكذلك تبعًا لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة والنباتات الرعوية التي تقتاتها والمياه التي تشربها وكمياتها، ووفقا لفصول السنة التي تربى بها ودرجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها والعمر الذي وصلت إليه هذه الناقة وفترة الإدرار وعدد المواليد والقدرات الوراثية التي يمتلكها الحيوان ذاته، وطرائق التحليل المستخدمة في ذلك.

 

وعلى الرغم من أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية، سواء لصغر الناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن، فإنها من جانب آخر تشير وتدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل وبشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلاً للحمرة، وهو عادة حلو المذاق لاذع، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحًا، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه، وترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف والنبات التي تأكلها الناقة والمياه التي تشربها.

 

ومن عجائب لبن الإبل: أن محتوى اللاكتوز في لبن الناقة يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار وحتى في كل من الناقة العطشى والنوق المرتوية من الماء.

 

وهذا لطف من العلي القدير فيه رحمة وحفظ للإنسان والحيوان، إذ إن اللاكتوز "سكر اللبن" سكر هام يستخدم كمليّن وكمدّر للبول، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع.

 

وفضلاً عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل، فإن لها استخدامات وفوائد طبية عديدة تجعله جديرًا بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق، وهذا من فضل الله العظيم وفيضه العميم.

 

وهكذا نجد أن الآية الكريمة: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17] تمثل نموذجًا لما يمكن أن يؤدي إليه العلم بكافة مستوياته الفطرية والعلمية، وليس في نصّها شيء من حقائق العلوم ونظرياتها وإنما فيها ما هو أعظم من هذا فيها مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق بذلك التوجيه الجميل من الله العليم الخبير بأسرار خلقه.

 

هذه بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل من ناحية الشكل والبنيان الخارجي، وهي خصائص يمكن إدراكها بفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل على قدرة الخالق.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم.

 

أقول قولي هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- من أطرف ما قرأت عن الجمل في الكتب والمخطوطات الإسلامية: ما قاله سعيد سليمان عاذرة في كتابه: "الإبل" على لسان الجمل قال: قال الجمل: "أنا الجمل أحمل الأحمال الثقال، وأقطع بها المراحل الطوال، وأكابد الكلال، وأصبر على مر النكال، ولا يعتريني من ذلك ملال، ولا أصول صولة الإدلال، بل أنقاد للطفل الصغير، ولو شاء الله لاستصعبت على الأمير الكبير، فأنا الذلول، وللأثقال حمول، لست بالخائن ولا الغلول، ولا الصائل عند الوصول، أقطع في الوصول ما يعجز عن الفحول، وأصابر الظلماء في الهواجر، ولا أحول، فإذا قضيت حق صاحبي، وبلغت مآربي، ألقيتُ حبلي على غاربي، وذهبت في البوادي أكتسب الحلال زادي، فإن سمعت صوت حادٍ سلمت إليه قيادي، وأوصلت فيه شهادي، وطلقت طيب رقادي، ومددت إليه عنقي لبلوغ مرادي، فأنا، إن ضللت فالدليل هاد، وأنا المسخر لكم" ا.  هـ.

 

وهي أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء لأنه ليس هناك أعظم منه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعَلِيّ -رَضي الله عنه-: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم" وهي الإبل الحمر [والحديث متفق عليه].

 

إن الإبل حيوانات عظيمة الخلق، في معيشتها أسرار، وفي خلقها إعجاز كبير، ولها سلوكيات نادرة وطبائع غريبة قد لا تتوفر في أي مخلوق حي آخر.

 

أيها الإخوة: عادة ما يكون مسار العلاج عند الإنسان بدءًا من الاكتشاف ثم التجارب الطبية المعملية تليها التجارب على حيوانات التجارب ثم على الإنسان.

 

بينما في الطب النبوي نبدأ من الإنسان ثم على حيوانات التجارب ثم التجارب العملية لاكتشاف الأسرار والمعلومات الطبية.

 

وهنا السؤال يطرح نفسه: هل النبي -صلى َالله عليه وسلم- كان عنده معمل تجارب أو حيوانات تجارب؟ بل كيف اكتشف الدواء من أبوال الإبل وغيرها.

 

وبول الإبل فيه إشارة في القرآن الكريم، قال الله -سبحانه وتعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس: 71 – 73].

 

فالشاهد كلمة: (مَشَارِبُ) وهي بالجمع، قال ابن كثير: (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ) أي من الألبان والأبوال لمن أراد التداوي، لماذا الإبل من بين سائر الحيوانات؟ قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [الغاشية: 17 - 20].

 

فالذي تجدر الإشارة إليه في هذا النسق القرآني المعجز هو البدء بلفت أنظارنا إلى قدرة الله في خلق الإبل قبل الإشارة إلى الإعجاز في رفع السماء ونصب الجبال وتسطيح الأرض، وكلها آيات في الخلق والإيجاد والتكوين.

 

وفي هذه الآيات يتجلى خلق الرحمن -سبحانه وتعالى-، ويطلب منا الله -سبحانه وتعالى- أن ننظر إلى الإبل ونبدأ في دراستها وما يمكن أن نستفيد منها، وصدق حبيبنا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلمَ- في حديثه: "مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا"، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ أَنّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ -صلى الله عليه وسلمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ اللّقَطَةِ؟ فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمّ عَرّفْهَا سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإلاّ فَشَأْنَكَ بِهَا" قَالَ: فَضَالّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذّئْبِ"، قَالَ: فَضَالّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشّجَرَ، حَتّىَ يَلْقَاهَا رَبّهَا" [رواه مسلم].

 

قوله صلى الله عليه وسلمَ: "معها سقاؤها" فمعناه أنها تقوى على ورود المياه وتشرب في اليوم الواحد وتملأ كرشها بحيث يكفيها الأيام، وأما حذاؤها وهو أخفافها لأنها تقوى بها على السير وقطع المفاوز، فسبحان الله القائل: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية: 17].

 

أيها الأحبة: التداوي بألبان وأبوال الإبل سنة نبوية ومعجزة طبية؛ فعن أنس بن مالك -رَضي الله عنه- قال: "إن ناسًا من عرينة قدموا على رسول الله المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله: "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها" ففعلوا فصحوا إلى آخر الحديث الذي [رواه البخاري برقم: 5361، ومسلم برقم: 1671].

 

خلاصة القصة: أن جماعة من الرجال أسلموا ونزلوا ضيوفًا على رسول الله بالمدينة فاجتووا المدينة أي أصابهم المرض قال المفسرون الجوي داء من الوباء وهو يصيب الجوف كما في إحدى روايات الحديث "فعظمت بطونهم" أي نتج عنه انتفاخ البطن "الاستسقاء" ومن ظاهر الأحاديث أنه كان بهم هزال شديد واصفرار في اللون، وهذا كله قد يكون ناتج عن مرض كبدي وربما كان معهم أمراض أخرى فوصف لهم رسول الله الدواء بأن يشربوا ألبان وأبوال الإبل ففعلوا فصحوا وبرئوا.

 

أما مكونات حليب الإبل وفوائده من واقع الأبحاث فقد تحدث الدكتور عبد العاطي كامل "رئيس بحوث الأبقار بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية" عن دراسة له قال: إنه أثبت أن ألبان الإبل تحتوي على سكر اللاكتوز "وهو سكر له مفعول مدر للبول" مؤكدًا أن هذا السكر يتم امتصاصه في الأمعاء الدقيقة للإنسان ويتحول بفضل أنزيم الأكتيز إلى سكر الجلوكوز والعجيب من هذا النوع من السكر إنه يتم امتصاصه ببطء في الدم ليمنع تزايد تراكم الجلوكوز وهو الأمر الذي يحمي الإنسان من الإصابة بمرض السكر ويكون بالتالي مفيد جدًا لمرضى السكر ويؤكد أيضا أن ألبان الإبل تحتوي كذلك على أقل نسبة دهون مقارنة بألبان الحيوانات الأخرى لذلك فإن انخفاض نسبة الدهون في ألبان الإبل يعطيها مميزات غذائية أخرى مهمة للغاية لا سيما لأصحاب أمراض الكبد مشيرًا إلى أنه بمقارنة دهون لبن الإبل بالألبان الأخرى أتضح أنه يحتوي على أحماض دهنية قصيرة السلسلة علاوة على أن لبن الإبل تكمن أهميته في تركيزاته العالية من الأحماض الدهنية سريعة التمثيل خاصة حامض الملينوليلك والأحماض الدهنية غير المشبعة وهي الأنواع المعروفة بضرورتها في غذاء الإنسان للمحافظة على صحته وحيويته بالإضافة إلى أن ألبان الإبل تحتوي على أحماض أمينية أكبر بكثير من الألبان الأخرى.

 

وجاء في أكثر من مصدر إعلامي أن مجمع زايد الحكومي لبحوث الأعشاب والطب التقليدي في أبو ظبي قد أجرى دراسة علمية أظهرت إمكانية تطوير مضاد حيوي من حليب الإبل يقضي على حمى الوادي والإيدز والسل وداء الكبد الوبائي وغيرها من الأمراض ونسب للدكتور ناجي مدير عام المجمع قوله إن الإبل هي الحيوانات الوحيدة التي تملك جهاز مناعة شاذ ومميز عن القاعدة الأساسية لنظام المناعة المتعارف عليه لدى الحيوانات الأخرى مشيرًا إلى أن جهاز مناعة الإبل يحتوي على حقل مناعي واحد هو السلسلة الثقيلة ويخلو من السلسلة الخفيفة وأوضح أن السلسلة الثقيلة تحتوي على قوة ربط وموازنة فريدة من نوعها.

 

ويري الباحثون أن حليب الإبل يحتوي على خلاصات تنشط الكبد وتحرض على خروج المادة الصفراوية من الحويصلة الصفراوية وأن قيمة حليب الناقة أيضا تكمن في التركيز العالية للحموض الطيارة وبخاصة حمض اللينوليلك والحموض المتعددة غير المشبعة الأخرى والتي تعتبر ضرورية من أجل تغذية الإنسان وخصوصًا في تغذية الأشخاص المصابين بأمراض القلب ويعد حليب الإبل غني بفيتامين ج أو ما يسمى بحمض الأسكوربيك ولذا ينصح بإعطاء حليب الإبل للنساء الحوامل والمرضعات والمصابين بمرض الإسقربوط ومن أهم مزايا حليب الإبل أنه يتميز دون غيره من الألبان الأخرى بامتلاكه لمركبات ذات طبيعة بروتينية كالأزوزيم ومضادات التخثر ومضادات التسمم ومضادات الجراثيم والأجسام المانعة الأخرى ولذا فحليب الإبل أقل إصابة بالحمى المالطية من كل أنواع الحليب الأخرى.

 

ويقول الدكتور أحمد سليمان خبير الإنتاج الحيواني بصندوق دول الكمنولث: إن حليب الإبل يتفوق عن غيره بمحتواه العالي من أملاح الكالسيوم والماغنسيوم والبوتاسيوم والصوديوم بالإضافة إلى أنه غني أيضًا بأملاح الحديد والمنجنيز والنحاس والزنك والعناصر المعدنية الدقيقة الأخرى مما يضيف له مزايا علاجية جيدة لمن يعانون من فقر الدم وضعف النظام ويعتبر حليب الإبل غني بفيتامين ب2 وب 12 وهي فيتامينات هامة ويعتبر فيتامين ب2 على الصورة البسيطة أو المعقدة هام جدًا فيما يتعلق بالتعاملات الكيميائية الخاصة بالتمثيل الغذائي للمواد الكربوهيدراتية وتحسن النمو وتساعد على ليونة الجلد واختفاء الاحتقان الموجود حول العين أما فيتامين ب12 فهو يعتبر العامل المضاد للأنيميا الخبيثة وهذا الفيتامين يحتوي على الكوبالت لذلك يسمي بالسيانوكابالت أميني وهي مركبات لها تأثيرات بيولوجية في الجسم ويحتوي بروتين حليب الإبل علي ثلاثة أنواع من الجلوبيولين هي -الفاجلوبيولين وبيتاجلوبيولين وجاماجلوبيولين وهذه الأنواع الثلاثة موجودة غالبًا في جميع البروتينات الموجودة في جميع ألبان الحيوانات الأخرى إلا أنها تختلف فيما بينها في التركيب النسبي ويتميز حليب الإبل بارتفاع النوع جاماجلوبيولين وهو الذي يعزى إلى دوره في تقوية جهاز المناعة لشاربي حليب الإبل وعلاج كثير من الأمراض المرتبطة بخلل أو ضعف في جهاز المناعة.

 

ولقد جاء في ال "بي بي سي" وجريدة "يديعوت إحرنوت" الإسرائيلية أن "البروفيسور رينوفين يغيل" الذي يعمل بجامعة بن غريون في بئر سبع وبمشاركة طاقم من الأطباء قاموا بدراسات وأبحاث على حليب الإبل وأن هناك اكتشافات مثيرة جدًّا فيما يتعلق بالتركيبة الكيماوية لحليب الإبل الذي يشبه حليب الأم أكثر مما يشبه حليب البقر.

 

ويقول "البروفيسور غيل": إن حليب الإبل يحتوي على كمية قليلة من حليب اللاكتوز والدهون المشبعة إضافة على احتوائه على كمية كبيرة من فيتامين سي والكالسيوم والحديد وهو ما يجعله ملائم للأطفال الذين لا يرضعون ويضيف الأطباء اليهود أن حليب الناقة غني ببروتينات جهاز المناعة لكنه لا يحتوي على البروتينين الاثنين المعروفين بحساسيتهما ولذلك فهو ملائم لمن لم يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب، ومازال البروفيسور غيل يتحدث عن المزايا العلاجية لحليب الإبل فيقول - أن حليب الإبل يحتوي على مواد قاتلة للجراثيم ويلائم من يعانون من الجروح وأمراض التهاب الأمعاء كما يوصي به لمن يعانون الربو أو من يتلقون علاجًا كيماويًا لتخفيف حدة الأعراض الجانبية كما يوصي به لمرضى السكري والمرضى الذين يعانون من أمراض تتعلق بجهاز المناعة مثل مرض اللوبوس حين يبدأ الجسم بمهاجمة نفسه.

 

ويستمر "البروفيسور غيل" فيقول: أوصي من يعانون من هذه الأمراض أن يحاولوا شرب كاسين من هذا الحليب يوميا ويزيد الكميه وفق حاجته.

 

إن تركيبة بول الإبل "تحليل بي اتش" كانت بصورة عمومية قلوي جدًا عكس البول البشري فهو حمضي لاذع وأن اللاكتروايت والعناصر التابعة إذا ما قورنت بين مختلف الحيوانات التي ترعي بالعشب وجد أنها تحتوي علي كمية كبيرة من البوتاسيوم وكميات قليلة من الصوديوم وعندما تتم مقارنة بول الإبل مع أبوال الأبقار والماعز والبشر نجد أن المغنسيوم في بول الإبل أعلى من البول البشري وإن التركيز للعوامل الأخرى يختلف بصورة كبيرة جدًا بين كل الأصناف وكان محتوى البولينا والبروتينات الزلالية عالية جدًا إذا ما قورنت بالبشر فإن الحامض البولي أقل وأن هذا هو الذي يلعب دورًا أساسيًا في تحسين توازن الألكترولايت لمرضى الاستسقاء ولعل هذا يوضح التبادل الحاصل في بول الإبل بين السوائل المختلفة الكثافة بعضها عن بعض حتى يحدث التجانس في التركيبة وهذا ربما يوضح أيضًا التأثير المدر للبول لمن يشرب بول الإبل وكذلك الزيادة المتكررة لحركة تفريغ الأمعاء التي تجعلهم أفضل حالاً وأحسن نشاطًا.

 

وقد عقدت جامعة الجزيرة ندوة تحدث فيها الأستاذ الدكتور أحمداني عميد كلية المختبرات الطبية بالجامعة أوضح فيها أن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض من مرضى الاستسقاء وأمراض الكبد يوميًّا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها حتى يكون مستساغًا وبعد خمسة عشر يومًا من بداية التجربة كانت النتيجة مذهلة للغاية حيث انخفضت البطون لوضعها الطبيعي وشفوا تمامًا من الاستسقاء لأن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم وبول الإبل غني بالاثنين معًا، وقد شفوا من تليف الكبد بعد أن استمروا في شرب البول شهرين آخرين، ولا شك أن كثير من قبائل البدو يشهدوا بهذه النتائج من واقع حياتهم وأسلوب معيشتهم الذي لا يخلوا من العلاج بحليب الإبل وأبوالها والتي استمدوها من الهدي النبوي المصحوب مع الفتوحات الإسلامية لهذه البلاد ولا يسعنا إلا أن نقول أنه مازال الطب النبوي بشتى عناصره ينفرد بالصدارة والقمة لجميع ما وصل إليه الإنسان من دواء ولا شك أن هذا من معجزات النبوة وإقامة الحجة على العالمين.

 

وأخيرًا: نوجه سؤال إلى كل مسلم ومسلمة: إذا أصبت بمرض ما وعرضوا عليك الاستشفاء بالطب النبوي أو بغيره من أنواع طبية أخرى فماذا ستختار؟

 

ولا شك أن كل إجابة ستحمل في طياتها معاني وعقائد متباينة.

 

اللهم أصلح لنا ذرياتنا، وأصلح بهم، واهد لنا أحبابنا، واهد بهم، واحفظهم من كل سوء يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم أعز دينك، وانصر عبادك، واخذل أعداء دينك، وهيئ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر وتُحفظ فيه حدودك.

 

اللهم أصلحنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل عملهم فيما يرضيك ويعز دينك.

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تهب لنا قلوبًا لينة، تخشع لذكرك وشكرك، وتطمئن لذكرك، وألسنة تلهج بشكرك.

 

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

 

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

المرفقات

ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات