أفراح المؤمنين بالتوحيد

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ تنوع أسباب الفرح في الدنيا 2/ أعظم ما يفرح به المؤمن هدايته للإسلام 3/ انتشار مظاهر الشرك في توحيد العبادة 4/ الفرح بالطاعة وكراهية المعصية من علامات الإيمان 5/ أفراح المؤمنين في الدنيا التي يختصون بها عن غيرهم 6/ أفراح المؤمنين في الآخرة 7/ الحث على الثبات على الدين حتى الممات.

اقتباس

كيف للجُمَل أن تصف ذلك الفرح في ذلك الموقف العظيم الرهيب، يوم يقال لأهل الجنة: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت"، كيف للجمل أن تصف أفراح المؤمنين يوم يقال لهم: "يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدًا يريد أن ينجزكم إياه، فيقولون: ألم يبيض وجوهنا، ألم يدخلنا الجنة؟ فيدعون إلى رؤية وجه ربهم -عز وجل- فيكشف الحجاب عنه"، فلله ما أعظم سعادتهم! وما أشد سرورهم وابتهاجهم بهذا المشهد العظيم. كيف للجُمَل أن تصف أفراح المسلمين في الجنة وهم مع أزواجهم على سرر متقابلين نُزعت من قلوبهم الشحناء والبغضاء، يتزاورن ويتنعمون بما...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله -عز وجل- من أجلّ المقامات وأعظم الدرجات، وهي الوصية التي لا يُمل سماعها ولا تكررها فهي وصية ربنا -سبحانه وتعالى- لنا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131]، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين وأوليائه الصالحين إنه سميع مجيب.

 

أيها الإخوة في الله: يتفاوت الناس في أسباب الفرح في الدنيا؛ فهناك الفرح الطبيعي حيث الفرح بالمباحات من الدنيا كالفرح بالأولاد والصحة والمال والوظيفة، ونحو ذلك من الأمور التي يفرح بها كل أحد، وهناك نوع آخر من الفرح لا يفطن له إلا الموفقون من عباد الله -عز وجل- إنه فرح المؤمنين (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

 

فمن أعظم ما يفرح به المؤمن هدايته للإسلام، هذا الدين الذي اختاره الله لعباده ورضيه -سبحانه- لهم فلا يقبل من العباد دين سواه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

 

وكيف لا يفرح المسلم بانتسابه لهذا الدين وهو الطريق الوحيد الموصِّل لرضا الله -عز وجل- وجنته ونعيمه، فكل طرق التدين والتعبد التي يسلكها الناس في الدنيا كلها طرق ضلالة لا توصل إلى الجنة ونعيمها إلا طريق الإسلام وحده.

 

ولهذا كان من أعظم مِنَن الله على العبد أن اصطفاه من خلقه وشرفه بهذا الدين (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17].

 

كم من أناس اليوم يعيشون في دياجير الظلام يحاولون أن يملئوا الفراغ الروحي الذي يشعرون به في أي صورة من صور التعبد والتزين، لكنهم لم يوفقوا لذلك فهم في ضلالاتهم يعمهون، وعن الصراط المستقيم مبعدون.

 

وأنت أيها المسلم تتنعم بنعمة الهداية بهذا الدين العظيم، كم من أناسٍ شغلوا أنفسهم وأتعبوا أبدانهم وانقطعوا عن الدنيا يظنون ذلك عبادة وقربة، لكن ذلك لا ينفعهم شيئًا لأنه تعبد على غير دين الإسلام.

 

وفي مثل هؤلاء يقول الله -عز وجل- (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية: 2- 4].

 

فاحمد الله أيها المسلم على نعمة الهداية لهذا الدين، وتذكر قول الله -تعالى- في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم".

 

ومن أعظم ما يفرح به المسلم: هدايته للتوحيد الحق، وإفراد الله بالعبادة والسلامة من صور الشرك بالله -عز وجل-، فنعمة التوحيد من أجل النعم وأعظمها، فإن العبد إذا كان موحدًا لربه لا يصرف شيئًا من العبادة لغير مولاه مشمولاً من المغفرة والرحمة من ربه (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء..) [النساء:48].

 

فكل الذنوب سوى الشرك تحت مشيئة الله -عز وجل-، إن شاء غفرها الله لصاحبه ابتداءً، وإن شاء -سبحانه- عذَّب صاحبها بقدر ذنوبه، ثم أخرجه إلى الجنة؛ لأنه لا يخلد في النار موحِّد مفرد الله بالعبودية والطاعة.

 

كيف لا يفرح المؤمن بنعمة التوحيد، وهو يرى ويشاهد كثيرًا ممن ينتسبون للإسلام في هذا الزمن، ومع هذا يمارسون صور عديدة مناقضة للتوحيد، ويعملون عبادات شركية ضجت من هولها الأرض والسماء.

 

ألسنا نسمع ونشاهد في العالم الإسلامي فئامًا من الناس يشركون في توحيد العبادة مع الله غيره، فتراهم يقيمون المشاهد والأضرحة يطوفون حولها، ويتمسحون بجدرانها وأبوابها ونوافذها، ويطلبون من أصحابها الموتى قضاء الحاجات، وكشف الكربات وجلب المنافع، ودفع المضار يقفون عندها زرافات ووحدانًا في صور من الخشوع والخوف والرجاء الذي لا يجوز إلا لله -عز وجل-.

 

يقربون القرابين ويذبحون النذور تقربًا لأصحاب القبور عياذا بالله، بل وصل الحد ببعضهم إذا خُوِّف بالله لم يخف، وإذا خُوِّف بصاحب القبر والضريح ارتعدت فرائسه خوفًا وهولاً، يمتنع أحدهم بالحلف بصاحب الضريح كاذبًا ولا يحلف به إلا صادقًا تعظيمًا له، لكنه لا يتردد في الحلف بالله كاذبًا عياذًا بالله -عز وجل-.

 

فأي شرك أعظم مما يمارسه هؤلاء المنتسبون للإسلام، وأنت أيها المسلم تنعم بنعمة التوحيد لا تعبد إلا الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تطلب جلب النفع ودفع الضر إلا من الله، لا تتعلق إلا بالله، لا تتعلق لا بالأحياء ولا بالأموات؛ ليقينك بأن الله وحده هو المعبود الحق (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج:62].

 

تتعلق بالله وحده في جميع أحوالك؛ ليقينك التام بأن أصحاب القبور من الموتى لا يستطيعون جلب نفع لأنفسهم، ولا دفع ضر عنهم فكيف إذا كان ذلك لغيرهم!! (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر:14].

 

كيف لا يفرح المسلم بالهداية إلى التوحيد وهو يعلم أن الموحِّد موعودٌ في الدنيا بالأمن التام (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ – أي بشرك- أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

 

كيف لا يفرح المسلم بالهداية إلى التوحيد وهو يعلم أن الموحِّد موعودٌ في الآخرة بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد سأل أبو هريرة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه".

 

بل كيف لا يفرح المسلم الموحد وهو يعلم أن توحيده لربه من أعظم أسباب دخوله الجنة "من قال لا إله إلا الله خالصًا مخلصًا دخل الجنة".

 

ومن أعظم ما يفرح به المسلم في هذه الدنيا: متابعته للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يفعل من العبادات والطاعات إلا ما شرَعه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ليقينه بأن فيما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغُنية والكفاية، ويقينه بأنه لا طريق يوصِّل إلى رضا الله وجنته، وينجي من عذاب الله وناره إلا طريقًا واحدًا هو طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وكيف لا يفرح المسلم بمتابعته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعلم أن الأعمال كلها مهما عظُمت وتنوعت وكثرت لا تُقبل من صاحبها إلا إذا كانت موافقة لما شرعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنها إذا لم تكن كذلك فمآلها -مهما عظمت- إلى البطلان والسقوط، فـ"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي مردود عليه غير مقبول بل صاحبه مأزور غير مأجور.

 

كيف لا يفرح المسلم بطاعته واتباعه لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يعلم أن في ذلك حصول الرحمة حصول الهداية والرشد حصول الصلاح والنجاح والفلاح (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].

 

ومما يفرح به المسلم في هذه الدنيا أن يوفق لاغتنام أيام حياته وسني عمره في طاعة الله، والتزود من الأعمال الصالحات والقربات النافعات في زمن عمَّت فيه الغفلة واتسعت ظاهرة الإعراض عن الله -عز وجل-، واستحكمت فيه غربة الإسلام، ووقع ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس".

 

كيف لا يفرح المسلم بتوفيق الله -عز وجل- له بعمل الطاعة، وهو يعلم أن من أسباب دخول الجنة بعد فضل الله ورحمته التزود بالأعمال الصالحة (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف:72].

 

ومراتب المؤمنين في الجنة ومنازلهم فيها تتفاوت بتفاوت أعمالهم وطاعتهم لربهم -عز وجل-، فيا من وفقه مولاه بالمواظبة على الطاعات يحق لك أن تفرح وتُسر بهذه النعمة العظيمة التي لا تعدلها متع الدنيا كلها.

 

ومما يفرح به المسلم في دنياه أن يرزقه الله قلبًا يستعظم الذنب إذا وقع منه، ويخاف ويوجل من عاقبته ومآله، ويبادر إلى التوبة والإنابة منه، وكيف لا يفرح المسلم بذلك وهو يرى ويشاهد فئامًا من الناس استمرءوا المعصية، واستأنسوا المنكر، ألفت قلوبهم فعل ذلك، فلم تعد تنكره ولا تستعظمه، ومن ثَم لا تفكر في التوبة منه، عياذًا بالله -عز وجل-، والله -عز وجل- يبغض من كانت هذه حاله مع الذنوب والمعاصي، ويحب من عباده التوابين المتطهرين من أدران المعاصي والموبقات (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222].

 

أيها المسلمون: لا شيء أكثر فرح بالمسلم في هذه الدنيا بأن يعيش في دنياه عبدًا لربه متبعًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ملازمًا لطاعة مولاه إن أُعطي شكر، وإن أذنب استغفر، وإن ابتُلي صبر.

 

فنسأل الله -عز وجل- الذي مَنَّ علينا بالنعم قبل استحقاقها أن يرزقنا شكرها والمزيد منها؛ إنه على كل شيء قدير.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعدك فيا عباد الله! إذا كان ما سبق من النعم التي يفرح بها المسلم فإن من الواجب سؤال الدعاء الله الثبات على موجبات الفرح من الإسلام والتوحيد والاتباع والعمل الصالح؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من سؤال الله الثبات فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك".

 

فاحرص أيها المسلم يا من وُفِّق للإسلام والتوحيد يا مَن وُفِّق لاتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، يا من وُفِّق لعمل الصالحات والتزود بالقربات النافعات؛ احرص على الاقتداء بنبيك -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر من سؤال الله الثبات بصدق وإخلاص، وابتعد عن كل ما يعرِّض تلك النعم للزوال؛ فإننا في زمن والله كثرت شبهه وتعددت وسائل الإضلال والإغواء فيه.

 

أيها الإخوة المسلمون: هذه أفراح المؤمنين في الدنيا التي يختصون بها عن غيرهم، وأما أفراح المؤمنين في الآخرة فحدث ولا حرج عن أفراح المؤمنين في الآخرة حدث عن السرور والحبور، حدث عن الابتهاج، حدث عن الرضا والاطمئنان، وأنى للكلمات والجمل أن تقدر على وصف ذلك يوم يلقى المؤمن كتابه باليمين (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) [الحاقة: 19- 23].

 

كيف للجُمَل أن تصف ذلك الفرح في ذلك الموقف العظيم الرهيب، يوم يقال لأهل الجنة: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت"، كيف للجمل أن تصف أفراح المؤمنين يوم يقال لهم: "يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدًا يريد أن ينجزكم إياه، فيقولون: ألم يبيض وجوهنا، ألم يدخلنا الجنة؟ فيدعون إلى رؤية وجه ربهم -عز وجل- فيكشف الحجاب عنه"، فلله ما أعظم سعادتهم! وما أشد سرورهم وابتهاجهم بهذا المشهد العظيم.

 

كيف للجمل أن تصف أفراح المسلمين في الجنة وهم مع أزواجهم على سرر متقابلين نُزعت من قلوبهم الشحناء والبغضاء، يتزاورن ويتنعمون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 

كيف للجمل أن تصف أفراح المؤمنين في الجنة، وهم في صحبة سادات خلق الله من الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين، وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17].

 

هذه هي الأفراح الحقيقية من أرادها سلك الطرق الموصلة إليها؛ فإن أفراح المؤمنين في الآخرة لا تتحقق بمجرد الأحلام والأماني، وإنما لا بد من العمل الصالح وبذل الأسباب، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة.

 

فنسأل الله بمنّه وكرمه أن يتفضل علينا بما يكون سببًا لتحقيق رضاه وسببًا لدخول جنته إن ربي رحيم ودود.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صل وسلم وبارك...

 

 

المرفقات

المؤمنين بالتوحيد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات