أعور العين اليمنى

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2023-09-22 - 1445/03/07 2023-10-11 - 1445/03/26
عناصر الخطبة
1/فتنة المسيح الدجال 2/أعظم الفتن وأشنعها 3/سمات الدجال وصفاته 4/التمسك بالدين في وقت الفتن.

اقتباس

الدَّجَّال يدَّعي أولاً أنه وليٌّ من الأولياء، ثُمَّ يزداد شره وخطره فيدَّعي أنه نبي من الأنبياء، ثُمَّ يزداد شره وإثمه وكبره ويؤيَّد بأنواعٍ من الخوارق، ويدَّعي أنه رب العالمين، ورب العالمين ليس يخفى عَلَى المؤمنين، وَإِنَّمَا يخفى عَلَى المشركين والجاهلين والغافلين.

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله! فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإنَّ أجسادكم عَلَى النَّار لا تقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

 عباد الله! أتدرون أَيُّ الفتن أعظم من لدن آدم إِلَى أن تقوم الساعة؟ إنها فتنة المسيح الدَّجَّال، ولقد رقى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منبره، فذكر هذه الفتنة، وذكر أنَّها أعظم الفتن وأشنعها من لدن آدم إِلَى قيام الساعة، فقد أنذرهم نوح قومه، وأنذره موسى قومه، وكان أشد أنبياء الله تحذيرًا وإنذارًا منه نَبِيّنا مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

وإنه قَالَ للنَّاسِ: "ألَا وإنِّي أخبركم فيه بأمر لم يخبر به نبي أمته قط، ألَا إنه أعور العين اليمنى، وإن عينه كأنها عنبة طافئة، وإنَّ ربكم -عَزَّ وَجَلَّ- ليس بأعور"؛ أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-.

 

ففي هذه الجملة -يا عباد الله- أعظم الفوارق بين هذا المسيح الكذَّاب، بين هذا المسيح الدَّجَّال الَّذِي يدَّعي أنه رب العالمين، وبين ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وفيها إلماعة منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحثٌّ لأمته ألَّا ينخدعوا فيه وفي شره وفتنته.

 

فَهذا الدَّجَّال -يا عباد الله-! يدَّعي أولاً أنه وليٌّ من الأولياء، ثُمَّ يزداد شره وخطره فيدَّعي أنه نبي من الأنبياء، ثُمَّ يزداد شره وإثمه وكبره ويؤيَّد بأنواعٍ من الخوارق، ويدَّعي أنه رب العالمين، ورب العالمين ليس يخفى عَلَى المؤمنين، وَإِنَّمَا يخفى عَلَى المشركين والجاهلين والغافلين.

 

الله -جَلَّ وَعَلَا- لا يُمكن أن يُرى في الدنيا، ولكن الدَّجَّال يُرى في الدنيا، جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "واعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه حَتَّى يموت".

 

ولما طلب الكليم موسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أن يرى الله -جَلَّ وَعَلَا- كما في آية سورة الأعراف: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا)[الأعراف: 143]، موسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يُطِق اندكاك الجبل وغدوه ترابًا فخرَّ صعقًا، ولو كان غير موسى؛ لطار قلبه من جسده، لِمَ؟ لأنَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- لن يُرى في الدنيا، لا لخفائه سُبْحَانَهُ، ولكن لعجز الرائين أن يروه وأن يطيقوا ذلك ويتحملوه.

 

الدَّجَّال يُرى في الدنيا، وهو يدَّعي ربوبيته عَلَى النَّاس، وربي -جَلَّ وَعَلَا- لا يُمكن أن يُرى في الدنيا.

 

الدَّجَّال مخلوقٌ من أبوين، وربي -جَلَّ وَعَلَا- خالقٌ واحدٌ أحدٌ صمدٌ، لم يلد ولم يولد، ليس له والد وليس له ولد، وليست ليه صاحبة؛ لأنه متفردٌ بوحدانيته، متفردٌ بصمديته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

الدَّجَّال -يا عباد الله!- مسيخ في خلقته، ذميمٌ في شناعته، وربي -جَلَّ وَعَلَا- جميلٌ أجمل من كل جميل: "إنَّ الله جميلٌ يحب الجمال"؛ قاله النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

الدَّجَّال سيموت، وسيقتله عيسى ابن مريم -عليه وعَلَى أنبياء الله أفضل الصَّلَاة والسَّلام-، فإنَّ الدَّجَّال إذا ظهر، ونزل عيسى ابن مريم، خرج الدَّجَّال يعدو هاربًا منه، حَتَّى يدركه عيسى بباب لُد، في شمال بيت المقدس، فإذا رأى الدَّجَّال عيسى؛ انذاب كما ينذاب الملح في الماء، وقبل ذلك يعالجه عيسى برمحه، فيطعنه في لبته، فيرفع الرمح ويري النَّاس أثر دمه بأنه أراحهم من هذا الخبيث الكذَّاب الدَّجَّال الَّذِي فتنته أعظم الفتن من لدن آدم إِلَى قيام الساعة.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام: 158].

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده سُبْحَانَهُ وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا بربوبيته، وإيمانًا بألوهيته، واعترافًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد أو شكَّ أو كفر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سيد البشر، الشَّافِع المشفع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغُرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليل وأقبل عليه نهار وأدبر.

 

أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله! فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلَا- حق تقاته، واستمسكوا من دينكم الإسلام، ولا تزايدوا عَلَى إيمانكم ولا عقيدتكم مهما عظم البلاء، ومهما كثر الارتكان؛ فإنَّ الصابر والقابض عَلَى دينه في آخر الزمان كالقابض عَلَى الجمر، وله من الأجر كأجر خمسين من صحابة النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

ولا يتأتَّى هذا يا عباد الله! إِلَّا بإيمانٍ صادق، ومعرفةٍ بالله -جَلَّ وَعَلَا-، بما تعرَّف إلينا من أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وَالتَّوَسُّل إِلَى الله بها إيمانًا وعدًّا واحتسابًا ودعاءً بهذا يثبت المؤمن عَلَى إيمان، ولا يزيغ عند أدنى هلكة وأدنى فتنة.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أن الدَّجَّال كذَّاب في قيله، وكذَّاب ودجَّال في دعواه، أما ربي -جَلَّ وَعَلَا- فهو أصدق القائلين قيلاً وحديثًا: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)[آل عمران: 95]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)[النساء: 87]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)[النساء: 122].

 

الدَّجَّال -يا عباد الله- أعور العين اليمنى، والله -جَلَّ وَعَلَا- له عينان كريمتان عظيمتان، تليقان به جلالاً وقدسيةً وكمالاً؛ ولهذا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناصحًا أُمّته، محذرًا من فتنة هذا الخبيث وشره: "ألَا وإنِّي أخبركم فيه بأمر لم يخبر به نبي أمته قط، ألَا إنه أعور العين اليمنى، وإن عينه كعنبة طافئة، وإنَّ ربكم -جَلَّ وَعَلَا- ليس بأعور".

 

دلَّ عَلَى أنَّ الله له عينان كريمتان عظيمتان، تليقان بجلاله وعظمته، لا تشبهان أعين المخلوقين، كما أن صفاته -سُبْحَانَهُ- لا تشبه صفات خلقه، وكذلك ذاته لا تشبه بقيَّة الذوات -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].

 

الدَّجَّال يا عباد الله مكتوبٌ بين عينيه، أي: في جبينه: كافر، يقرؤها كل مسلم، كاتبٌ أو غير كاتب، أي: يحسن القراءة أو لا يحسنها، وَهذا من الآيات الَّتِي يُبِينها الله -جَلَّ وَعَلَا- لعباده إذا خرج عليهم الدَّجَّال.

 

وَهذا يا عباد الله! وَهذا طرفٌ من شره وفتنته، وهي من أسباب الوقاية منه، بِالتَّعَرُّفِ عَلَى الله -جَلَّ وَعَلَا- بما تعرَّف إلينا في أسمائه الحسنى وصفاته العلا في كلامه القرآن، وبما عرَّفنا به أعرف الخلق به، وهو نَبِيّنا مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سنته خير البيان، فاعرفوا ربكم بما تعرَّف به إليكم، وآمنوا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ولا يلتبسن عليكم هذا الخبيث الكذاب الدَّجَّال، فإنَّ النَّاس ما أسرع ما يندرجوا في فتنته؛ لأنهم في الفتن دونه أسرع ذيوعًا وانتشارًا فيها، ودخولاً وخوضًا فيها، حَتَّى ربما أنقص ذلك من دينهم ما أنقصه.

 

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر والبدعة وأهلها يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا في ديننا وأموالنا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ ما أنزلته فيه البركة، وفيه النفع العام يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

المرفقات

أعور العين اليمنى.doc

أعور العين اليمنى.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات