أعمال توجب الكفر

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الكفر منه اعتقادات وأقوال وأفعال 2/كفر الاعتقاد وأمثلته 3/الكفر العملي وأمثلته 4/الكفر بالقول وصور منه.

اقتباس

ومن الكفر بالقول: الاستهزاء بالقرآن، أو بآية من آياته، أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو السخرية بأسماء الله -تعالى-، أو وعده بالجنة أو النار؛ فالسخرية والاستهزاء بشيء مما سبق، ولو على سبيل المزاح؛ هو كفر لأنَّه...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

 

أيها المؤمنون: كما أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، فكذلك الكفر منه ما هو اعتقادٌ بالقلب، ومنه أفعال بالجوارح، ومنه أقوال باللسان؛ ولذلك فعلى المسلم أن يكون أشد حذراً من أن يفعل فعلاً، أو ينطق بكلمة يكون به خسرانه في الدنيا والآخرة؛ فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا"(رواه مسلم)، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يبيع دينه بعرض من الدنيا؛ وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا".

 

أيها الأحبة: ولتقريب الصورة إلى الأذهان يمكن تقسيم الكفر الأكبر إلى ثلاثة أقسام، ومع كل قسم سنذكر أمثلة عليه، وهي:

القسم الأول: الكفر بالاعتقاد: ويكون بمجرد الاعتقاد بالقلب بما يضاد الإيمان ويناقضه من اعتقادات فاسدة باطلة، وإن لم يتكلم صاحبه أو يفعل شيئًا، وأمثلته كثيرة نذكر منها:

الجَحْد أو الشك في وجود الله -تعالى-، أو في ربوبيته، أو أُلوهيته، أو أسمائه وصفاته، أو أن يعتقد أنه لا بأس أن يُدعى مع الله غيره، أو يستغاث به من دون الله -تعالى-، قال القاضي عياض -رحمه الله-: "كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله أو مع الله فهي كفر"، وقال أيضاً: "وكذلك من اعترف بإلهية الله ووحدانيته، ولكنه اعتقد أنه غير حي، أو ادعى له ولدًا، أو صاحبة، أو والدًا، أو أن معه في الأزل شيئًا قديمًا غيره، أو أن ثم صانعًا للعالم سواه، أو مدبرًا غيره، فذلك كله كفرٌ بإجماع المسلمين".

 

ومن كفر الاعتقاد: التكذيب أو الشك في رسالة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وجحدِ عموم رسالته، وختمِه للنبوة، أو الشك في شيء معلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ كالشك بوجوب وفرضية ركن من أركان الإسلام الخمسة، أو أركان الإيمان الستة، أو الغيبيات؛ كالجنَّة، أو النَّار، أو الثواب والعقاب، أو الجن أو الملائكة.

 

ومن كفر الاعتقاد: إنكار حرف من القرآن، أو اعتقاد زيادة حرف فيه، قال -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[البقرة: 2]، قال الأمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري -رحمه الله-: "واعلم -رحمك الله- أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمنا حتى يصير كافرا إلا أن يجحد شيئا مما أنزله الله -تعالى-، أو يزيد في كلام الله أو ينقص أو ينكر شيئا مما قال الله -عز وجل-"، وقال الإمام النَّوَوِيُّ -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر".

 

ومن كفر الاعتقاد: الإيمان بشريعة غير الإسلام، واعتقاد صلاحيتها للبشر، قال -سبحانه-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19]، وقال -سبحانه-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].

 

ومن كفر الاعتقاد: الإيمان بحلول الله -تعالى- في خلقه، أو وصف الله بصفة يجب تنزيهه عنها؛ كالشريك، أو الزوجة، أو الولد، فكل ذلك مناقض للقرآن، ويضاد تعظيم الله -تعالى-، (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)[مريم: 88 - 92].

 

ومنه: اعتقاد أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئًا مما أوحى الله -تعالى- إليه، وهو مأمور بتبليغه للأمة، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، فهذه الآية أصل في كمال الدين، ولا يكمل الدينُ إلا بتمام البلاغ النبوي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أُمر ولم يكتم منها شيئا؛ فإن كتمان ما أنزله الله إليه يناقض موجب الرسالة"، وقال الإمام بن حزم: "اعلموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها، ... ومن قال هذا فهو كافر".

 

أيها الإخوة: والقسم الثاني مما يكفر به الإنسان: هو الكفر بالفعل أو الردة الفعلية، ومن الأمثلة عليه:

الاستهانة بالمصحف الشريف، أو إلقاؤه في القاذورات، أو دوسه بالقدم، وهكذا لو فعل أمثال هذه الأشياء بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال القاضي عياض -رحمه الله-: "واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفاً منه أو آية أو كذب به أو بشيء منه... فهو كافر عند أهل العلم بإجماع"، وقال الشيخ أبو بكر محمد الحُسيني الحُصني الشافعي -رحمه الله-: "وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس، وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله -تعالى-، أو بأمره أو وعيده أو قراءَة القرآن على ضرب الدف".

 

معاشر المسلمين: ومن الكفر بالفعل: الطواف بقبور الأولياء والصالحين، وعبادة أهلها، وسؤالهم حاجتهم، والتقرب إليهم، ودعاؤهم من دون الله، وطلب الحوائج منهم، ومنه الذبح لغير الله -تعالى- بنيَّة التقرب إليهم، فكل تلك عبادات لا يجوز صرفها لغير الله -تعالى-، قال -سبحانه-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)[الأحقاف: 5-6]، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "من طاف بالأضرحة يدعو صاحب القبر، ويستغيث به، ويستنجد به، فهو مشرك شركاً أكبر، وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة:72]".

 

ومن الكفر الفعلي: الحكم بغير ما أنزل الله؛ جحودًا لشرع الله، أو استحلالاً لحكم البشر، وتطبيقه والإلزام به؛ فمن شرع حكمًا غير حكم الله -تعالى-، أو بدله، أو عطل شرع الله -تعالى- وحكمه في عباده، واستبدل له حكمًا طاغوتيًا وحكم به فقد كفر، قال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: 44]، وقال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 60]، قال السعدي -رحمه الله-: "فكيف يجتمع هذا والإيمان؟ فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور؛ فمَنْ زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك. وهذا من إضلال الشيطان إياهم".

 

ومن الكفر الفعلي: تعلم السحر؛ لقوله -تعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)[البقرة: 102]، قال حافظ حكمي -رحمه الله-: "وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه، أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس؛ إذ لا فرق بينه وبينهم... ولهذا قال تعالى في الملكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ). فبين -تعالى- أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أو لا".

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، ومن تبعه، وبعد:

 

أيها المسلمون: القسم الثالث مما يكفر به الإنسان: الكفر بالقول، ومن الأمثلة عليه:

سب الله -تعالى- أو نسبة العيب إليه، أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أحد رسله -عليهم السلام- أو سب دين الإسلام؛ عياذاً بالله.

 

والإيمان بالله مبني على التعظيم والإجلال للرب -عزّ وجلّ-، ولا شك أن سب الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم، ولا ريب أن سب الله عزّ وجلّ يُعد أقبح وأشنع أنواع المكفِّرات القولية، وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله، فإن السب كفر من باب أولى. يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "إن سب الله أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم- كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده"، وقال القاضي عياض -رحمه الله-: "لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم".

 

ومن الكفر بالقول: الاستهزاء بالقرآن، أو بآية من آياته، أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو السخرية بأسماء الله -تعالى-، أو وعده بالجنة أو النار؛ فالسخرية والاستهزاء بشيء مما سبقر-ولو على سبيل المزاح- هو كفر؛ لأنَّه يدخل في باب الاحتقار والاستخفاف بما هو معظم مقدس، مما يجعل التلفظ بتلك الأقوال ردة عن الإسلام، قال -تعالى-: (قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 64-66].

 

عباد الله: يجب على من وقع منه شيء من الكفر؛ اعتقاداً، أو قولاً، أو فعلاً النطق بالشهادتين فورًا، والاستغفار والندم، والعزم على أن لا يعود لمثله أبدًا، فإن مات على ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72].

 

ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

المرفقات

أعمال توجب الكفر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات