أعمال تدخل الجنة

أسامة بن عبدالله خياط

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ مطمَحُ آمال المتقين وغايةُ مقصِد الأوَّابين 2/ سمات نعيم الجنة 3/ كيف الوصول إلى الجنة؟ 4/ نماذج من الأعمال الصالحة التي تُدخل الإنسان الجنة 5/ فضائل الإصلاح بين المسلمين.

اقتباس

أن يقدَمَ العبدُ على ربِّه يوم القيامة مُوحِّدًا إياه، عابدًا له وحدَه، بصرفِ أنواعِ العبادةِ كلِّها له - سبحانه -؛ من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ، وتوبةٍ وإنابةٍ وخضوعٍ وخشوعٍ، وخشيةٍ ورجاءٍِ ومحبَّةٍ وذبحٍ ونذرٍ، واجتنَبَ الشركَ وكل ما حرَّم الله عليه، وفي مُقدِّمة ذلك الدمُ الحرامُ فلم يُصِب منه شيئًا، وسمِعَ وأطاعَ لوليِّ الأمر المُسلم في منشَطِه ومكرَهِه، وعُسرِه ويُسرِه، وأَثَرَةٍ عليه فإنه يُثابُ على ذلك بأن يدخُل من أيِّ أبوابِ الجنَّة شاء...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس للمتقين نُزُلاً، ويسَّر لهم سُبُلَها فجعلَها للسالِكين منهم ذُلُلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل لعباده في الجنة من النعيم المُقيم ما لا يبغُون عنه حِوَلاً، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه الداعِي إلى سبيلِ ربِّه قولاً وعملاً، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا نرجُو بها ما هو خيرٌ ثوابًا وخيرٌ أمَلاً.

 

أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله -، وتزوَّدوا ليوم المعاد بخير زادٍ؛ فالسعيدُ من تزوَّد من دُنياه لأُخراه، واتَّقَى اللهَ مولاه، وسلكَ إليه سبيلَ كل مُخبِتٍ أوَّاه.

 

عباد الله: مطمَحُ آمال المتقين، وغايةُ مقصِد الأوَّابين، ومُنتهَى أمانِي المُخبِتين: النظرُ إلى وجه الربِّ الكريم في جناتِ الفردوس مُنعَّمين، مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، في نعيمٍ مُقيمٍ هو حُسنُ المآب الذي وعدَ الله به عبادَه في قولِه - عزَّ اسمُه -: (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) [ص: 49- 54].

 

إنه النعيمُ المُقيمُ الذي أخبرَ عنه الصادقُ المصدوقُ - الذي لا ينطِقُ عن الهوى - بقولِه - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «قال الله - عز وجل -: أعدَدتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذنٌ سمِعَت، ولا خطَرَ على قلبِ بشر، مِصداقُ ذلك في كتاب الله: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17]» (أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -).

 

وأخبرَ عنه أيضًا بقولِه في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلمٌ في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَقابُ قوسِ أحدِكم في الجنة خيرٌ مما طلَعَت عليه الشمسُ أو تغرُب».

وفي "صحيح الإمام البخاري - رحمه الله -" من حديث سهلِ بن سعدٍ الساعدي - رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «موضِعُ سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها».

 

وإذا كانت الجنةُ مُفتَّحةَ الأبواب للمتقين إكرامًا من الله -تعالى- ومزيدَ تفضُّلٍ منه وإنعامٍ، وإشارةٍ إلى تصرُّفهم وذهابِهم وإيابِهم، وتبوُّؤهم في الجنة حيث شاؤُوا، ودخول الملائِكة عليهم كل وقتٍ بالتُّحَف والألطافِ من ربِّهم، ودخول ما يسُرُّهم عليهم كل وقتٍ.

 

وهي إشارةٌ أيضًا إلى أنها دارُ أمنٍ لا يحتاجُون فيها إلى غلقِ الأبواب، كما كانُوا يحتاجُون إلى ذلك في الدنيا؛ فإن من أبلَغِ ضُروبِ الإكرام - يا عباد الله - وأجلِّها: أن يُدعَى المُنعَّمون المُكرَّمون إلى دخول الجنة من أيِّ أبوابِها شاؤُوا.

 

جاء هذا في بيانِ الجزاء الضافِي والأجر الكريم الذي جعلَه الله لأعمالٍ عمِلُوها، مُخلِصين لله فيها، مُتابِعين مُقتَدين فيها برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

وفي الطَّليعةِ من ذلك: أن يقدَمَ العبدُ على ربِّه يوم القيامة مُوحِّدًا إياه، عابدًا له وحدَه، بصرفِ أنواعِ العبادةِ كلِّها له - سبحانه -؛ من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ، وتوبةٍ وإنابةٍ وخضوعٍ وخشوعٍ، وخشيةٍ ورجاءٍِ ومحبَّةٍ وذبحٍ ونذرٍ، واجتنَبَ الشركَ وكل ما حرَّم الله عليه، وفي مُقدِّمة ذلك الدمُ الحرامُ فلم يُصِب منه شيئًا، وسمِعَ وأطاعَ لوليِّ الأمر المُسلم في منشَطِه ومكرَهِه، وعُسرِه ويُسرِه، وأَثَرَةٍ عليه.

 

فإنه يُثابُ على ذلك بأن يدخُل من أيِّ أبوابِ الجنَّة شاء، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه الإمام أحمدُ في "مسنده"، وابن ماجه في "سننه" بإسنادٍ صحيحٍ، عن عُقبة بن عامر الجُهنيِّ - رضي الله عنه -، أنه قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس من عبدٍ يلقَى اللهَ - عز وجل - لا يُشرِكُ به شيئًا، ولم يتندَّ بدمٍ حرامٍ، إلا دخلَ من أيِّ أبوابِ الجنةِ شاء».

 

وفي "المسند" للإمام أحمد بسندٍ حسنٍ، عن عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عبَدَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا، فأقامَ الصلاة، وآتَى الزكاة، وسمِعَ وأطاع؛ فإن الله تعالى يُدخِلُه من أيِّ أبوابِ الجنة شاء، ولها ثمانيةُ أبواب ..» الحديث.

 

ومن ذلك: ما جاء في "الصحيحين" من حديث عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه -، أنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأن مُحمدًا عبدُه ورسولُه، وأن عيسَى عبدُ الله وابنُ أمَتِه، وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حقٌّ، وأن النارَ حقٌّ؛ أدخلَه الله من أيِّ أبوابِ الجنة الثمانية شاء».

 

وفيه - كما قال أهلُ العلم بالحديث -: دلالةٌ على فضلِ هذه الشهادة العظيمة؛ وما ذلك إلا لأن هذه الشهادة تقتَضِي قِيامَ الشاهِد بما عليه من الحق، واستقامَتَه على ذلك؛ إذ الشهادةُ الصادقةُ تقتَضِي العملَ بما أوجبَه عليه الله ورسولُه.

 

فإن نكَصَ على عقِبَيه، وأصرَّ على المعصية، وتجافَى عن الطاعة؛ كان ذلك دليلاً بيِّنًا على خلَلٍ في شهادتِه، ونقصٍ في عهدِه والتِزامِه.

 

وما جعل الله عليه هذا الثوابَ العظيمَ أيضًا: أن يتوضَّأَ المُسلمُ، فيُحسِنُ وضوءَه باستِيفاءِ أركانِه وواجِباتِه وشُروطِه وسُنَنه وآدابه، ثم يُعقِبُ ذلك بالشهادتَين ويقول: «اللهم اجعَلني من التوابين، واجعَلني من المُتطهِّرين».

 

فقد أخرج الترمذي في "جامعه" بإسنادٍ صحيحٍ، عن أمير المؤمنين الفاروق عُمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، اللهم اجعَلني من التوابين، واجعَلني من المُتطهِّرين؛ فُتِحَت له ثمانيةُ أبوابِ الجنة يدخُلُ من أيِّها شاء».

 

ووعدَ الله بهذا الجزاء أيضًا: من تجهَّمَت له الأيام، ونزَلَ به قضاءُ الله تعالى بقبضِ ثلاثةٍ من ولدِه، هم ثمراتُ فؤادِه، وفلَذَاتُ كبدِه، ورياحِينُ حياتِه، لم يبلُغ أحدٌ منهم سنَّ التكليفِ الشرعيِّ، فكان عند الله من المُكرَمين بهذا الإكرام؛ لقاءَ صبره على قدَرِ الله، واحتِسابِه الأجر على مُصابِه، رجاءَ حُسن العاقبة فيه، وجميل الموعودِ عليه الوارِد في الحديث الذي أخرجَه الإمام أحمد في "مسنده"، وابن ماجه في "سننه" بإسنادٍ حسنٍ، عن شُرحبِيل بن شُفعة، أنه قال: لقِيَني عُتبةُ بن عبدٍ السُّلَميُّ، فقال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من مُسلمٍ يموتُ له ثلاثةٌ من الولَد لم يبلُغُوا الحِنثَ؛ إلا تلقَّوه من أبوابِ الجنةِ الثمانية من أيِّها شاءَ دخل».

 

وفي "مسند الإمام أحمد" أيضًا، و"سنن النسائي" بإسنادٍ صحيحٍ، عن مُعاوية بن قُرَّة، عن أبيه - رضي الله عنه -، أنه قال: أن رجُلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابنٌ له، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «أتُحبُّه؟». فقال: أحبَّك الله كما أحبُّه، فمات - يعني الابن -.ففقَدَه النبي - صلى الله عليه وسلم - - فقَدَ أباه -، فسألَ عنه، فجاء فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «أما يسُرُّك ألا تأتِيَ بابًا من أبوابِ الجنةِ إلا وجدتَه عنده يسعَى يفتَحُ لك؟».

 

وجعل الله للمرأة الصالِحة نصيبًا موفورًا من هذا الموعود؛ جزاء ما استَجابَت لله فأطاعَته، بالمُحافَظة على ما افترَضَه عليها من الصلوات الخمسِ فأحسَنَت أداءَها، وصامَت فريضةَ الله في شهر رمضان، وأدَّت ما لزوجِها من حقوقٍ عليها، فأطاعَته بالمعروف، وحفِظَته في نفسِها ومالِه، فلم تخُنْه فيما ائتَمَنَها عليه، مُبتغِيَةً بذلك وجهَ ربِّها، عامِلةً في كل شأنِها بما يُرضِيه، واستحقَّت عنده - سبحانه - هذا الجزاءَ الذي جاء في الحديث الذي أخرجَه ابن حبَّان في "صحيحه" بسندٍ صحيحٍ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحصَّنَت فرْجَها، وأطاعَت زوجَها؛ قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أيِّ أبوابِ الجنة شِئتِ». فلَهنيئًا لها ولهؤلاء العامِلين من قبلِها.

 

عباد الله:

إن مدارَ هذه الأعمال الوارِدة في هذه النصوصِ النبوية الكريمة، إن مدارَها وروحَها وأساسَها طاعةُ الله ورسولِه، فأطيعُوا اللهَ ورسولَه - يا عباد الله -، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71].

 

نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبِه.

 

أما بعد، فيا عباد الله:

إن الإصلاحَ بين المُتنازِعين، والتقريبَ بين المُختصِمين من الإخوة في الدين بابٌ من أعظمِ أبوابِ الخير الذي يُحبُّه الله ورسولُه، ويدعُو إليه، ويحُثُّ عليه بأبلَغ عبارة، وألطَف إشارة، مع جميلِ الموعود عليها؛ حيث قال - سبحانه -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]، وقال - عزَّ من قائل -: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].

 

ومعناه - كما قال ابنُ جريرٍ - رحمه الله -: "لا خيرَ في كثيرٍ من نجوَى الناس - يعني: كلامَهم جميعًا - إلا من أمَرَ بصدقةٍ، أو معروفٍ، والمعروفُ هو كلُّ ما أمَرَ الله به أو ندَبَ إليه من أعمال البرِّ والخير، أو إصلاحٍ بين الناس، وهو الإصلاحُ بين المُتبايِنين أو المُختَصِمين بما أباحَ الله الإصلاحَ بينهما؛ ليتراجَعَا إلى ما فيه الأُلفةُ واجتماعُ الكلِمة، على ما أذِنَ الله وأمَرَ به".

 

"ثم أخبرَ - جلَّ ثناؤُه - بما وعدَ من فعلَ ذلك فقال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) أي: فسوفَ نُعطِيه جزاءً لما فعلَ من ذلك أجرًا عظيمًا، ولا حدَّ لمبلَغ ما سمَّى الله عظيمًا يعلمُه سِواه". اهـ كلامُه.

 

وجعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لإصلاحِ ذاتِ البَين منزلةً رفيعةً، ومقامًا كريمًا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أُخبِرُكم بأفضَلِ من درجَة الصيام والصلاة والصدقة؟». قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاحُ ذاتِ البَين»، قال: «وفسادُ ذاتِ البَين هي الحالِقة»؛ أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"،والترمذي في "جامعه" بإسنادٍ صحيحٍ.

 

والحالِقَة هي: الخصلةُ التي من شأنِها أن تحلِقَ الدينَ وتستأصِلَه كما يستأصِلُ المُوسَى الشعَرَ.

 

وفي الحديث: حثٌّ وترغيبٌ في إصلاحِ ذاتِ البَين، واجتِنابِ الإفسادِ فيها؛ لأن الإصلاحَ سببٌ للاعتِصام بحبلِ الله، وعدم التفرُّق بين المُسلمين. وفسادُ ذاتِ البَين ثُلمةٌ في الدين؛ فمن تعاطَى إصلاحَها ورفعَ فسادَها نالَ درجةً فوقَ ما ينالُه الصائِمُ القائمُ المُنشغِلُ بخُويصَة نفسِه.

 

هذا، وقد وفَّق الله وليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - إلى الأخذِ بهذا النهجِ الإسلاميِّ السَّديد، في الإصلاحِ بين الإخوة، فتولَّى أمرَ الإصلاحِ بين البلدَين العربيَّين المُسلِمَين: مصرَ وقطرَ، ورعَى جهودَ الوساطَة الخيِّرة بينهما. فكان سعيُه مشكورًا، وعملُه - إن شاءَ الله - عملاً صالِحًا مبرورًا.

 

نسألُ الرحمنَ الرحيم ربَّ العرش الكريم أن يتقبَّلَه منه، وأن يُعظِمَ له الأجر، ويُجزِلَ المثوبَةَ، ويُحسِنَ الجزاءَ بمنِّه وكرمِه، إنه أكرمُ مسؤول.

 

كما نسألُه - سبحانه - أن يجزِيَ قادةَ هذَين البلدَيْن العزيزَين خيرَ الجزاء، وأن يُثيبَهم أحسنَ المثوبَة على ما أبدَوه من استِجابةٍ جميلةٍ لا ريثَ فيها ولا إبطاء، ومن تعاوُنٍ كريمٍ يدلُّ على خُلُقٍ رضِيٍّ وحسٍّ صادقٍ قويٍّ، ورغبةٍ في الخيرِ لا حدودَ لها، وأملٍ بإعادة المياه إلى مجارِيها.

 

حِرصًا على المصالِح العُليا للأمة عامَّةً، وللبلَدَين العربيَّين المُسلمَين خاصَّةً، ولإرساء قواعد يُحتَذَى بها في سبيل إنهاء الخُصومَات، وإهالَة الترابِ على الخِلافات بين الإخوة في الدين، وإعادة رُوح المودَّة والتصافِي والتآخِي الذي يُحبُّه الله ويأمرُ به، ويحُثُّ عليه، ويعِدُ العامِلين عليه وإحيائِه والحفاظِ عليه بالأجر العظيم، والثوابِ الحسن، والدرجات العُلَى.

إنه - سبحانه - أكرمُ من أعطَى، وأجودُ من أثابَ، وأسخَى من وهَب.

 

فاتقوا الله - عباد الله -، واعمَلوا على الدوامِ على إصلاحِ ذاتِ البَين بين الإخوة في الدين.

وصلُّوا وسلِّموا على خاتَم النبيين، وإمام المُرسَلين، ورحمةِ الله للعالَمين؛ فقد أُمِرتُم بذلك في الكتاب المُبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أكرمَ الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

 

اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضَى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العبادِ والبلادِ يا مَن إليه المرجعُ يوم المعاد.

اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

 

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.

 

اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين.

 

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.

 

اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.

 

اللهم احفظ المُسلمين في كل ديارِهم، اللهم احفَظهم في العراق، وفي اليمن، وفي سُوريا، وفي مصر، وفي ليبيا، وفي إفريقيا الوسطَى، وفي الصومال، وفي جميع الديار والأمصار يا رب العالمين.

 

اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وقِنا وإياهم شرَّ الفتن، اللهم قِنا وإياهم شرَّ الفتن ما ظهر منها وما بطَن يا رب العالمين.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

 

وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات

تدخل الجنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات