أعظم ما يتمنى الشيطان من إغواء بني الإنسان

عمر القزابري

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ الحاجة للعلم والبصيرة للاحتراز من الشيطان 2/ الكفرُ والشرك هدف الشيطان الأسمى 3/ قصة استدراج الشيطان لبرصيص من العبادة إلى الكفر 4/ التحذير من البدع غاية الشيطان بعد الشرك.

اقتباس

نواصل رحلة التحرز والتحوط من الشيطان الرجيم، هروبا من كيده ومكره، وفرارا من حبائله، ونزولا بساحة أرحم الراحمين، حيث السكينة وحيث الأمان.

 

 

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالمـــُلك الأعزِّ الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا وراءه مَرْمَى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدُّسًا لا عُدْمًا، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما. 

وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم عُربًا وعجمًا، أزكاهم محتدًا ومَنْمَى، وأشدهم بهم رأفة ورُحمى، حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وزكَّاهُ روحًا وجسمًا، وآتاه حِكمة وحُكمًا، فآمن به وصدَّقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

معاشر الصالحين: نواصل رحلة التحرز والتحوط من الشيطان الرجيم، هروبا من كيده ومكره، وفرارا من حبائله، ونزولا بساحة أرحم الراحمين، حيث السكينة وحيث الأمان.

إننا اليوم -أيها الأحباب- نعيش في زمن تنوعت وتعددت فيه مداخل الشيطان، وصار العبد يحاول بكل قوة أن يجد قوة دافعة تدفعه ليرقى وينأى بنفسه عن كيد الشيطان، وقل ما يجد تلك القوة الدافعة؛ لأن أغلب الناس وقعوا في الشراك والحبال، إلا من رحم الله الكبير المتعال.

وإن أكبر همّ للموصولين بالله هو الوصول إلى رضا الله، وطَرق كل الأسباب الموصلة إلى هذا الغرض السامي النبيل، ولا سبيل إلى ذلك أبداً إلا بالتخلص والتحرز من الشيطان الرجيم الصاد عن سبيل الله، ويحتاج ذلك إلى العلم، وإلى البصيرة، وإلى الأعوان الصادقين؛ والعلم والبصيرة لا يمكن تحصيلهما أبدا إلا من كتاب الله، وسنة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

دعك من الأهواء، ودعك من قال فلان وقال علان...
العلم قال اللهُ قال رسولُهُ *** قال الصحابةُ ليس بالتمْوِيهِ
ما العلمُ نَصْبُكَ للخِلافِ سفاهةً *** بين النَّبِيِّ وبين رأيِ فَقِيه

نعم؛ هذا هو المسلك، وهذا هو الحل، وهذا هو الملجأ والمخرج؛ أما الأهواء والضلالات والخرافات والانحرافات فأمارات دالة على الوقوع في حبائل الشيطان، قال -تعالى- (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].

هذا أمر إلهي بأن نتخذ الشيطان عدواً، وإخبار من لدنه-سبحانه وتعالى- بأن الشيطان عدو؛ وكونه عدوا يستلزم منا الحرص، ومن علامات هذا الحرص أن نعرف مداخله ومخارجه ومكره، ولا يمكن ذلك إلا إذا استعملنا منظار الكتاب والسنة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وسنتي".

يقول الإمام مقاتل بن سليمان -رحمه الله- في تفسيره: "... فعادوه بطاعة الله -عز وجل-"، ثم قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) أي إنما يدعو شيعته إلى الكفر بتوحيد الله -عز وجل- ليكونوا من أصحاب السعير"

إذاً؛ فأعظم ما يطمح إليه الشيطان منك صرفك عن التوحيد وإيقاعك في الشرك والكفر عياذا بالله، بل إن غاية الأماني عند الخسيس أن يجعل العبد يشرك بالله، وقد يجعل العبد يشرك بالله من حيث لا يشعر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل".

يشتغل الشيطان على هذه الغاية، فإذا ما أدركها تبرأ من الواقع فيها، قال -تعالى- (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16].

ذكر الإمام ابن جرير وابن كثير والبغوي وابن الجوزي وابن القيم في تفسير هذه الآية من سورة الحشر قصة رهيبة، إنها قصة عابد من بني إسرائيل يقال له برصيص.

هذا العابد كان من أعبد أهل زمانه، وكان هناك في بلدته ثلاثة من الإخوة، وكانت لهم أخت وكانت بكراً، فلما أرادوا الخروج للقتال والغزو قالوا: لا نأمن أن نترك أختنا إلا عند عابد بني إسرائيل، وذهبوا بأختهم إلى هذا العابد وألحوا عليه حتى قبل هذا العابد ذلك، وقال: ولكن لا تجعلوها معي، اجعلوا لها خلوة إلى جانب خلوتي، وصومعة إلى جوار صومعتي؛ فصنعوا لها ما أراد العابد، وانصرفوا إلى حال سبيلهم.

وجاء الشيطان إلى هذا العابد ليلعب معه لعبة قذرة، لعبة الاستدراج، وحذارِ من استدراجه! فإنه استدراج يوقع في الاعوجاج والعنت والفحشاء والمنكر، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النور:21].

مثل أن يأتي الشيطان أحد الشباب اليوم فيقول له: حفاظا على الدعوة، وحفاظا على الإسلام، احلق لحيتك؛ فإنك إن حلقتها استطعت أن تتحرك بين الناس بدعوتك، وقبِلك الناس، وما عارضك أحد، ويزيدك فيقول: الإيمان في القلب، وهذه الشكليات لا معنى لها. وكأن الصحابة الذين لم يكونوا أبدا حالقين لحاهم لم يعرفوا أن الإيمان في القلب!.

يذهب إلى المرأة ويقول لها: لا تلبسي الحجاب فإنك إن تلبسيه فسوف لن يلتفت إليك أحد، ولن تتزوجي، وتساعدها الأم على ذلك، وإذا ما أمرها أحد بالحجاب أوحى الشيطان إليها أن تقول: لم أقتنع بعد! أو: غطاء الرأس يضر بالشعر، أو ما شابه ذلك، وكل ذلك من حيله ومكره: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب:36].

يذهب الشيطان إلى صاحب الكرسي والمنصب ويقول له: اعلم أنك بعد قليل راحل وستترك هذا الكرسي لغيرك، فهيا اسرق وانهب نهبا وانهش نهشا، ولا تترك الفرصة تضيع حتى تستطيع أن تعيش بعد ذلك، فيستجيب المسكين فيسرق وينهب ويضيع حقوق العباد، وفي الآخر ينتهي به المطاف إما في سجن أو في ضنك وضيق وتسلط زوجة وأولاد؛ فإن نجا من هذه وتلك لم ينجُ يوم الوقوف والعرض على الله: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].

يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أيما عبد أو أمة استرعاه الله رعية فمات وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

ذهب الشيطان إلى هذا العابد يمنيه في الأجر ويعظم له الثواب ويقول له: ما ضرك لو أنك قدمت إليها الطعام إلى باب صومعتها وانتظرتها حتى تخرج؟ لأنه ربما مر سبُعٌ أو غير ذلك فأكل الطعام! فقال: لا شيء في ذلك.

فأخذ الطعام هذا العابد ووقف على باب صومعتها ولم ينظر، ومرة أخرى كذلك، وثالثة أيضا، وفي الرابعة نظر إليها.

فذهب إليه الشيطان بعد ذلك فقال: ما ضرك لو أنك تقدمت بالطعام إلى داخل صومعتها، أتخشى على نفسك وأنت التقي الورع؟!.

فأخذ العابد الطعام وذهب إليها في صومعتها، واستمر على ذلك فترات طويلة؛ لأن الشيطان -أخزاه الله- يصبر على فريسته طويلا خاصة إذا كانت قوية الإيمان، فدخل العابد معها إلى صومعتها وخرج.

فقال له بعد ذلك: ما ضرك لو أنك جلست معها فإنها مكثت فترة طويلة لا تسمع ولا تكلم أحدا، فهيا اجلس معها، ذكِّرها بالله، انصحها، ما يضرك بذلك؟! فجلس معها وكلمها.

وبعد ذلك ذهب إليه الشيطان وقال: ما ضركما لو أكلتما معا؟ فأكل معها، فمست يده يدها، بعد ذلك جاءه الشيطان فأوقعها في قلبه وزينها له، فقبّلها.

إنها المداخل والسبل والطرق، وسبق معنا في الخطبة الماضية أن النساء من أعظم وسائل عدو الله في الفتة والإغواء.

ثم بعد ذلك، والكل يعلم ما بعد ذلك، زنى بها والعياذ بالله، فظهر الحمل، ووضعت ولدها من الزنا، فجاءه الشيطان بعد ذلك وقال: لقد افتضح أمرك، أتترك ولداً من الزنا؟ فما الذي ستقوله لإخوانها حينما يحضرون؟ فقال: ماذا أصنع؟ قال: اقتل ولدها حالا، فقتل ولدها.

وبعد فترة ذهب إليه وقال: أتظن أنها لن تخبر عنك، ولن تحدث بما صنعت بها وبولدها؟ قال: إذاً؛ ماذا أصنع؟ قال: اقتلها، فقتلها! زنى بها، وقتل ولدها، وقتلها!.

وعاد إخوتها، فترك الشيطانُ العابدَ وذهب إلى إخوتها وقال لهم: اعلموا أن العابد زنى بأختكم، وقتل ولدها وقتلها.

فذهب الثلاثة إلى هذا العابد وقالوا: افتح لنا قبرها، فوجدوا أختهم قد قتلت وزُني بها، وولدها إلى جوارها .

فجروه على وجهه، وصلبوه على خشبة، وترك الشيطانُ الإخوة وذهب إلى برصيص مرة أخرى، قال له: يا هذا، ألا تعلم مَن أنا؟ أنا الشيطان، أنا الذي أوقعت الفتنة في قلبك، ثم جعلتك تزني بها، ثم جعلتك تقتل ولدها، ثم جعلتك تقتلها؛ وأنا الذي أستطيع أن أخلصك مما أنت فيه!.

قال: خلصني، قال: لا، إلا بشروط، قال: ما هي شروطك؟ قال: أن تكفر بربك وتسجد لي من دون الله، فقال له العابد: لو سجدت لك وكفرت بربي تخلصني مما أنا فيه؟ قال: نعم أخلصك. (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [النساء:120].

فكفر العابد بربه وسجد للشيطان، فنظر إليه الشيطان وهو يولي هاربا ويقول: (إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16]، قال -تعالى-: (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ) [الحشر:17].

هكذا -أيها الأحباب- مداخل الشيطان، يزين إليك الشبهة على أنها حق واضح وضوح الشمس في ضحاها، ويجعل في قلبك الشهوة حسنة حسن القمر إذا تلاها، والمعصوم من عصمه الله.

جعلني الله وإياكم ممن ذُكِّرَ فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرا وجهرا، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي حذرنا من الشيطان وكيده، ودلنا على سبل النجاة من غوايته ومكره، نحمده على هدايته، ونستعينه على عبادته، ونصلي ونسلم على صفيه وحبيبه من خلقه، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أيها الأحباب: إن الباب الذي يلي باب الشرك من حيث الأهمية عند الخسيس لعنه الله، باب البدع، فلا تستهينوا بأمر البدع، فإن البدع -كما يقول أهل العلم- أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي.

إن البدعة خطرها عظيم، وضررها جسيم، فيا من تقعون في البدع وتظنون أنكم على خير، فوالله ما أنتم إلا على شفا جرف هار! قفوا وأعرضوا أعمالكم على الشرع؛ هل أنتم موافقون متبعون لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أم أنتم موافقون لهوى الشيطان وشرعه؟.

إن البدع أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي؛ لماذا؟ لأن المبتدع وهو في بدعته يظن أنه على خير وأنه على هدى، أما العاصي فإنه يدرك ويعرف أنه مخطئ، وربما كان يبكي من الندم على المعصية ويسأل ربه النجاة .

ثم إن في البدعة تكذيبا بالقرآن؛ لقوله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة:3]، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما مات إلا بعد أن بين لنا هذا الدين، ووضحه لنا، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فإن البدعة أمر مستحدث في الدين لم يكن على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا الصحابة -رضي الله عنهم-، قال يحيى بن اليمان: "سمعت سفيان الثوري يقول: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها".

ومن مكر الشيطان بأهل البدع والأهواء الذين يتمسحون بأشياخهم ويظنون فيهم الكمال أنك إذا قلت لهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالوا: وقال شيخنا سيدي فلان أو سيدي علان، يعارضون به قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وليس بعد هذا الغباء غباء!.

ورحمة الله على الإمام ابن القيم حيث قال:
إن قلتَ قال اللهُ قال رسولُهُ *** همزوك همْزَ المنكِر المتغالي
أو قلتَ قدْ قال الصحابة والأُلَى *** تبِعوا لهم في القول والأعمال
أو قلتَ قال الشافعيُّ وأحمدٌ *** وأبو حنيفةَ والإمامُ العالي
صدُّوك عن وحي الإله ودينه *** واحتالوا على حرام الله بالإحلال
يا أمة لعِبَتْ بدين نبيها *** كتلاعُبِ الصبيانِ في الأوحال
حاشا رسول الله يحكم بالْهَوَى *** والجهل! تلك حكومةُ الضُلَّال

فيا أصحاب البدع، يا من تغنون وترقصون للبدع، يا من تبكون وتندبون، يا من تصرخون، يا من تخترعون من الأوراد ما لم يأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يا من تزيدون في الشرع ما ليس منه، يا من تدعون رؤية الملائكة والنبيين عيانا نهارا جهارا، يا من تشنون الحروب والفتن وتعلنون العداوات على أصحاب السنن، إني لأعجب لحالكم؛ لماذا هذا الإصرار على البدع؟! لماذا هذا الإصرار على الباطل؟.

يا صاحب البدعة: اعلم أنك متهِم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنقص، يا صاحب البدعة، اعلم أنك مكذِّب لقول الله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، فما لم يكن دينا على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة فلن يكون اليوم دينا.

قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق إلى ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه" رواه أبو داود وأحمد والدارمي والحاكم وحسنه الألباني.

قال أبي بن كعب -رضي الله عنه-: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبد على سبيلٍ وسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار، وإن اقتصاداً في سبيل سُنة خير من اجتهاد في خلاف".

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة عبادة"، جعل مجرد النظر إلى صاحب السنة عبادة .

قال الإمام الأوزاعي -رحمه الله-: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكُفَّ عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".

وقال سفيان الثوري يوما ليوسفَ بن أَسْبَاطٍ: "يا يوسف، إذا بلغك عن رجل بالمشرق أنه صاحب سنة فابعث إليه بالسلام، وإذا بلغك عن آخَر بالمغرب أنه صاحب سنة فابعث إليه بالسلام، فقد قل أهل السنة والجماعة". يقول هذا عن زمانه، فماذا نقول اليوم عن زمان كثرت فيه البدع والخرافات والشطحات؟!.

قال معتمر بن سليمان: "دخلت على أبي وأنا منكسر حزين فقال لي: مالك؟ قلت: مات صديق لي، فقال: على السنة؟ قلت نعم، قال: تحزن عليه؟!"، يعني قالها مستنكرا.

وقال سفيان الثوري: "استوصوا بأهل السنة خيرا؛ فإنهم غرباء".

أيها الأحباب: إن من المصائب العظمى التي تصرف العبد عن ربه وتحقق غاية الشيطان منه البدع والأهواء والخرافات، ولذلكم وجب على كل راغب في نجاته وسلامته أن يحتاط من دعاة البدع وأصحاب البدع الذين يشرعون في دين الله ما ليس منه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"...

قال الليث بن سعد -رحمه الله-: "لو رأيت صاحب بدعة يمشي على الماء ما قبلته"، قال الشافعي معلقا: "لو رأيته يمشي على الهواء ما قبلته".

هكذا كانوا علماء حكماء، الميزان عندهم هو الكتاب والسنة، لا ينافقون ولا يداهنون ولا يتلونون، وهذا الثبات الذي نسأل الله أن يرزقنا إياه، وأن يميتنا عليه، لقد رأى عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى قوماً يسجدون في مسجد بعد المغرب وفيهم رجل يقول: كبروا الله كذا وكذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوا الله كذا وكذا، فأتاهم فقال: أنا عبد الله بن مسعود، "وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ! لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، أَوْ لَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- عِلْمًا"، ثم قال: "عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالا لَتَضِلُّنَّ ضَلالا بَعِيدًا".

أيها الكرام: لقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن طائفة من أمته ستبقى على العهد لا تغير ولا تبدل، ألا يسركم أن تكونوا منهم؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"، وقال كذلك: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

هؤلاء هم الذين ثبتوا على منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم تستبد بهم الأهواء، ولم تغرهم الضلالات، ولم تأخذهم العواطف ذات اليمين وذات الشمال، بل ثبتوا، الدليل مطلبهم والاتباع منهجهم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمامهم وقائدهم.

مَن جاءهم بشيء ليس له أصل ولا دليل ردوه عليه كائناً مَن كان، كبيرا أو صغيرا، غنيا أو فقيرا، عظيما أو حقيراً، لا يداهنون، ولا يجاملون، يدعون الناس بالحسنى، ويسلكون مسلك النصح، مع الرفق بالخلق، والوقوف مع الحق.

يكرهون البدع ويمقتون أصحابها، ويكرهون شيوخها، وهذا عندهم من الدين، ومن التقرب إلى رب العالمين.

أما أهل البدع فإن الشيطان تمكن من قلوبهم وعقولهم، يروون الباطل، ويسمعون الخرافات التي لا يقبلها عقل، ولا يقرها نقل، فتجدهم يتمايلون ويبكون ويدافعون وينافحون وهذا من مكر الشيطان وتسويله لعنه الله.

وقد رأينا في زمننا من يزعم رؤية الملائكة والأنبياء يقظة لا مناما، ويوهم الناس بذلك، ولا مَن ينكر، ولا من يعلق! وهذا -كما سبق معنا- من مكر الشيطان وإيهامه عليه لعنة الله.

قال ابن الجوزي -رحمه الله- يتحدث عن زمانه، قال: "وقد رأينا في زمننا من يشير إلى الملائكة ويقول: هؤلاء ضيف مكرمون"، يوهم أن الملائكة قد حضرت، ويقول لهم: تقدموا إِليّ.

وأخذ رجل فِي زماننا -أي: في زمن ابن الجوزي- إبريقا جديدا فترك فيه عسلا فتشرب فِي الخزف طعم العسل، واستصحب الإبريق فِي سفره، فكان إذا غرف به الماء من النهر، وسقى أصحابه وجدوا طعم العسل. وما فِي هؤلاء من يعرف اللَّه ولا يخاف فِي اللَّه لومة لائم، نعوذ بالله من الخذلان. اهـ.ـ
اللهم أصلح أحوالنا، واجعل بطاعتك اشتغالنا، وإلى الخير مآلنا...

 

 

 

 

المرفقات

ما يتمنى الشيطان من إغواء بني الإنسان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات