أعظم حادث في التاريخ

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-07-03 - 1445/12/27
التصنيفات:

 

عارف التوام

 

لنلج أعماق التاريخ ناظرين إلى حوادثه بعيون ملؤها البصيرة والنزاهة دون أن نستمع للعاطفة قولاً خشية أن ترينا الحسَنَ سيئاً والسيئ حسناً، مدققين في تلك الحوادث لنستخرج أهم حادث وقع منذ فجر التاريخ إلى الآن، ونسجله بمداد التقدير في صفحات التاريخ الذهبية، معجبين بما أدى إليه من نتائج جليلة وآثار خالدة.

 

دوّن المؤرخون أحوال الأمم والدول والشعوب في ثلاثة أدوار من التاريخ، بينوا الأحوال والأطوار التي عرضت لتلك الأمم في هذه الأدوار، وجعلوا لكل دور مبدأ حددوه بحادثة عظيمة نشأ عنها انقلاب في شكل النظام العالمي وتحويل في مجرى السياسة وهذه الأدوار هي:

القرون القديمة والمتوسطة والأخيرة ويعقبها دور العصر الحاضر الذي جعلوا مبدأه الانقلاب الكبير عام 1789م، نظراً لتأثيره الفذ العالمي في نظرهم ويمتاز كل دور عن غيره بمميزات خاصة به، تختلف بنتائجها عن غيره من حيث الحركة الفكرية والأنظمة الاجتماعية والحياة الإنسانية وغير ذلك.

 

فتبتدئ القرون الأولى بتكون الجماعات؛ أي بانتقال الفرد من حالة الفردية إلى الحالة الاجتماعية وتنتهي بسقوط دولة روما الغربية على يد «ادوآكر»odoacre رئيس قبائل الهرول من برابرة الجرمن عام 476ب.م  و146ق.هـ حيث تبدأ القرون الوسطى التي تنتهي بسقوط فروق أي «القسطنطينية» على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453 م و758هـ. فإذا راجعنا تاريخ القرون القديمة رأينا مدنية واحدة فاقت لمدة من ذاك الدور مدنيات معاصريها من الأمم، ولم نر قط مدنيتين في زمن واحد قطعتا مراحل التقدم على التساوي بل سادت في تلك الأزمان مدنيات متتابعة لأمم أسست حكومات متنوعة حتى وصلت إلى درجة من درجات المجد، وحينما اختلت اخلاقها وانهار ركن العدل فيها استولت عليها امة اخرى وتبوأت اريكة السيادة فيها.

 

تعد حضارة المصريين - مثلاً - من أقدم الحضارات لأنها تعود إلى ما قبل المسيح عليه السلام بآلاف السنين وتنتهي في 525ق. م. وأكبر شاهد عليها مما لم يزل موضع إعجاب العالم في يومنا هذا هو الأهرام والمسلات والخط الهيروغليفي والآثار التي اكتشفت في «الأقصر» بما فيها قبر «توت غنخ آمون» أحد الفراعنة المصريين القدماء.

 

ويلي تلك المدنية مدنية الآثوريين والكلدانيين والفينيقيين الذين خلفوها لأمة الفرس المستولية عليهم والبانية أساس دولتها على أنقاضهم.

 

ولما أفل نجم مدنية الفرس طلع نور مدنية اليونانيين التي انتقلت إلى الرومان.

 

وإذا تتبعنا الوجهة التي سارت نحوها المدنية القديمة وجدناها على ما يظهر نشأت من وادي النيل متجهة نحو البحر ففينيقيا فاليونان، ولكن ظهرت في القرون الوسطى مدنية زاهرة ليست كالحضارات القديمة، ذات مزايا جليلة اختصت بها، وضع أسسها في جزيرة العرب سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ولم تمض مدة وجيزة إلا وعمَّت أنحاء الكرة الأرضية بسرعة عجيبة وظفر باهر.

 

وفي منتهى القرون الوسطى تجلت مدنية جديدة غربي أوروبا وانتقلت منها إلى إنكلترا, ولم يبدأ القرن التاسع عشر حتى ظهرت ألمانيا ومدنيتها.

 

وقد اعتبر علماء التاريخ سقوط دولة روما الغربية وضياع استقلالها منها مبدأ للقرون الوسطى نظراً لانقسام هده الدولة العظيمة إلى عدة حكومات سياسية جديدة لا تشبه بإدارتها ادارة مصدرها روما ولا ادارة من سبقها من الدول.

 

انقرضت امبراطورية روما، وتأسس على أنقاضها حكومات متعددة، وعَدَّ المؤرخون هذه الحادثة مبدأ للتاريخ، على أن الحادث العظيم الذي ظهر في القرون الوسطى والذي كان يجب أن يعتبر مبدأ للتاريخ دون سواه هو الهجرة النبوية بنتائجها العالمية التي لا تعدلها نتائج إصلاح مهما كان عظيما. ولئن غفل المؤرخون الغربيون عن حادث الهجرة العظيم فينبغي أن لا نجاريهم في زعمهم الذي ذهبوا إليه، وأن امراً عظيما كهذا يجب أن لا تبت فيه فئة من مؤرخي الغرب وحدها وتفرضه في التاريخ فرضا, ولئن فعلت ذلك في زمن ذهل الغربيون فيه عن آثار الدين الإسلامي وفضله الإنساني فيجدر الرجوع عن خطأ ارتكبوه صوناً للحقيقة والتاريخ من زعمٍ ليس له مبرر للرجحان معقول إزاء فجر الهجرة الذي أشعت أنواره على العالم بأسره.

 

وإني لآمل أن يعنى بهذه الفكرة علماؤنا ومؤرخونا والمستشرقون المنصفون حتى تعدل هذه الناحية الخطيرة في التاريخ وأرجو أن أدلي بما لدي في هذا الصدد من الحجج في العدد الآتي.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات