عناصر الخطبة
1/انقضاء شهر رمضان 2/رب رمضان هو رب سائر الشهور 3/بئس الخلق لا يعرفون الله إلا في رمضان 4/أحوال الناس بعد شهر رمضان 5/المداومة على الطاعة بعد شهر رمضان.اقتباس
إنَّ رب رمضان هو رب غيره من الشهور، وإنَّ ربكم المعبود في رمضان هو المعبود في غيره من الشهور والأيام، وبئس العبد الَّذِي لم يعرف الله ولا كلامه، ولا الصَّلَاة ولا العبادة إِلَّا في رمضان! ثُمَّ إذا خرج منه رمضان عاد إِلَى ما كان في غيِّه ولهوه ولعبه!..
الخطبةُ الأولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: انقضى رمضان بما أودعتموه فيه من عملكم وتقواكم، وبما فرَّط فيه المفرطون، وسابق إليه المسابقون، وثابر فيه المثابرون، فماذا بعد ذلك؟
إنَّ رب رمضان هو رب غيره من الشهور، وإنَّ ربكم المعبود في رمضان هو المعبود في غيره من الشهور والأيام، وبئس العبد الَّذِي لم يعرف الله ولا كلامه، ولا الصَّلَاة ولا العبادة إِلَّا في رمضان! ثُمَّ إذا خرج منه رمضان عاد إِلَى ما كان في غيِّه ولهوه ولعبه!
إذا نظرنا إِلَى هذَا -يا عباد الله- فإنَّ النَّاس في هذَا عَلَى أصنافٍ شتَّى، فمنهم -وهم الموفَّقون- من سابقوا وثابروا في رمضان، ثُمَّ لمَّا انقضى رمضان استقبلوا العمل الصالح، واستمرا عَلَى ما كانوا فيه من المجاهدة والمثابرة، فيا سعدهم! ويا حظهم! لأن ربهم المعبود هو في رمضان وفي غيره.
ومنهم -يا عباد الله- صنفٌ ثاني مازال في لهوه وإسرافه، وتفريطه في رمضان، وازداد ذلك بعده؛ فإنه لم يزده في رمضان، لم يزده رمضان من الله إِلَّا بُعْدًا، شياطينه معطلة، لكن هواه منطلق، وهواه مستفرغٌ في غيه ولعبه؛ وهؤلاء المسرفون وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، هدانا الله وَإِيَّاكُمْ وإيَّاهم إِلَى الحقِّ والسبيل.
وصنفٌ ثالثٌ -يا عباد الله- عبدوا واجتهدوا في رمضان، فلمَّا فرغوا من رمضان؛ رجعوا إِلَى ما كانوا فيه من عوائدهم، رجعوا إِلَى شهواتهم، رجعوا إِلَى إسرافهم وتفريطهم، في رمضان بادروا إِلَى الفضائل، وبعد رمضان رجعوا إِلَى ما هم فيه من تضييع هذِه الفضائل، تركوا المستحبات، وتركوا المسابقة إِلَى رضوان الله، وما هذَا والله بحق، ولا هو والله من عمل المؤمنين، ولا من استقبل عملاً صالحًا إِلَّا أن يستمر عَلَى مثله، وأن يعاود إِلَى ما كان من جنسه.
أين أنت يا عبد الله من القرآن؟ قرأته في رمضان، فكيف حزبك منه بعد رمضان؟ أين أنت من النَّوافِل؟ قمت رمضان، صليت التراويح مع المسلمين، وبعد رمضان هل انتهى قيام اَللَّيل؟ هل انتهت الفضائل وَالنَّوافِل؟ هل انتهت الصدقات؟ سل نفسك هذَا السؤال، واعلم أنَّك فيما أنت فيه من المجاهدة، وأنت فيما أنت فيه من اللهو والغي، وكُنْ بين ذلك، كُنْ بين ذلك محاسبًا، وكُنْ بين ذلك مراقبًا، وكُنْ بعد ذلك إِلَى الله -جَلَّ وَعَلَا- مقبلاً تائبًا.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعي إِلَى رضوانه، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم، وأحبَّهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
إنَّ من لُطف الله -عَزَّ وَجَلَّ- ورحمته بكم -أَيُّهَا المؤمنون- أنه لمَّا شرع لكم فرائضه سنَّ لكم من جنسها نوافل تكمِّل خللها، وتسدّ نقصها، كما يأمر -جَلَّ وَعَلَا- بذلك ملائكته يوم القيامة، إذا حاسبوا العباد عَلَى فرائضه من صلاةٍ وصدقة، من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ.
يقول -جَلَّ وَعَلَا-: "انظروا هل لعبدي من نوافل؟ فأكملوا له ما كان من خلله وما كان من نقصه"، فتنظر الملائكة في صحائف أعمالكم: هل لكم نوافل من صيامكم؟ هل لكم نوافل من صدقاتكم؟ هل لكم نوافل من صلواتكم ومن حجكم وعمرتكم؟ فكان في هذَا تسديد الخلل وتكميل النقص، ثُمَّ بعد ذلك المآل إِلَى جنَّات عدن -نسأل الله الكريم الواسع من فضله-.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من صام رمضان، ثُمَّ أتبعه ستًّا من شوال؛ كان كمن صام الدهر"؛ فَهذِه الستُّ من الشوال هي كالراتبة البعدية لهذِه الفريضة، فريضة صيام رمضان، كما أن الظهر والمغرب والعشاء، هذِه الصلوات المفروضة شُرع لكم نوافل بعدية بعدها تكميلاً لهذِه الفريضة، ألَا فاستمروا عَلَى العمل الصالح، وبادروا إِلَى هذِه النَّوافِل، وأمِّلوا بربكم خيرًا.
واعلموا أنَّ ثواب الصِّيَام عند الله ثواب مدّخر، فإنَّ "من صام يومًا في سبيل الله؛ باعد الله بينه وبين نار جهنَّم سبعين خريفًا"؛ كما جاء ذلك في الصحيحين عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من حديث أبي سعيد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر والبدعة وأهلها يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا في ديننا وأموالنا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ ما أنزلته فيه البركة، وفيه النفع العام يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم