اقتباس
وهذا جهل كبير بطبيعة التدرج، فالتدرج منهج مرحلي، وطريقة دعوية، لا تنسخ كأحكام الحلال والحرام المعرضة للنسخ. كما إنه لا دليل على نسخ التدرج لمن يحتاجه، ودعوى تمام الشريعة لا تتعارض مع بقاء سنة التدرج في بعض الأحوال، ومع بعض...
خلال المائتي سنة الماضية، ومنذ دخول الاحتلال الأوروبي بلاد الإسلام وإقصائه للشريعة الإسلامية من حياة المسلمين بالقوة الخشنة تارة والناعمة تارة أخرى، والمصلحون والمخلصون يحاولون استعادة الحكم الإسلامي الراشد بشتى السبل، وعبر هذه السنوات الطويلة قامت عشرات المحاولات لبناء الدولة الإسلامية من جديد واستعادة الهوية المركزية للأمة بعد سلبها، ولكن للأسف لم تكلل هذه المحاولات –رغم كثرتها وإخلاص أصحابها– بالنجاح، لا لكيد وتآمر أعداء الإسلام لإجهاضها فحسب؛ ولكن لأن غالبية هذه المحاولات لم تراعي الأسس الازمة لتحقيق النجاح، وكان الاستعجال هو السمة الغالبة على معظم هذه المحاولات، والتعامل السطحي والفطير مع إشكاليات وأزمات المجتمعات الإسلامية، كلاهما السبب الرئيس لإجهاض تلك الحركات والدعوات المخلصة.
فأنّا لواقع ملتبس مليء بالغيوم والمنكرات والمفاسد الراسخة والمتجذرة لسنوات طويلة أن يتغير أو يزول في ليلة وضحاها؟! وأنّا لشعوب نمت وتربت وترعرعت في بيئة بعيدة عن الإسلام الصحيح أن تنسلخ فجأة من كل إرثها التقليدي وطقوسها الشعبية ومعتقداتها البالية؟!
واليوم سوف نتكلم عن واحدة من أهم أسس نجاح الدعوات ألا وهي: "التدرج في تبليغ الدعوة" بحيث لا يلقي إلى المدعو بالأوامر والنواهي جملة واحدة؛ وذلك لتتقبل نفسه ما يلقى إليه؛ فلا يجد حرجاً في الأخذ بها وتطبيقها بعد ذلك.
فالتدرج سنة كونية، وشرعية؛ لأنها تتوافق والفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ فإن طبيعة البشر، تأبى قبول الأحكام جملة واحدة، أو الامتناع عن المحرمات مرة واحدة، وذلك لما ألفته النفس واعتادت عليه من العادات في جاهليتها، واستثقال ما هو جديد من العبادات، لذلك يصعب على النفس ترك ما ألفته من تلك العادات، ويشق عليها تجنب ما اعتادته من الشهوات، دفعة واحدة، لذلك جاءت سنة التدرج الشرعية، موافقة تماماً لسنة الله الكونية.
أولاً: التدرج لغة واصطلاحاً
التدرج في اللغة مشتق من فعل "درج" بمعنى المشي والمضي فيه، يُقال: درج الرجل ويدرج دروجًا ودرجانًا؛ أي مشى، ودرج الصبي: أخذ في الحركة، ومشى قليلًا أوّل ما يمشي، ودرَجت الريح: مرت مرًّا هينًا، وأما درَّج بتشديد الراء فمعناها التأنِّي في تناول الشيء أو بلوغه، ودرَّج فلانًا إلى الشيء: أدناه منه قليلًا قليلًا وعوّده إياه، ويُقال: (درَّجه): جعله درجات. والدَّرَجة: المرقاة، والدرجة واحدة الدرجات، وهي الطبقات من المر%
إضافة رد