أسباب انشراح الصدر (3) الاستخفاف بالملائكة والاستهزاء بهم

عمر القزابري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/ خطورة الاستخفاف بالدين والسخرية منه 2/ حكم الاستخفاف بالملائكة أو الاستهزاء بهم 3/ سمات الملائكة وخصائصهم 4/ علاقة الملائكة بالبشر في الحياة وعند الممات 5/ نماذج من الأعمال التي تصلي الملائكة على صاحبها 6/ عاقبة السخرية والاستخفاف

اقتباس

السخرية من الملائكة والاستخفاف كفر، وسبب موجب لسخط الله وعداوته للمستهزأ بهم والمنتقص من قدرهم وما أكثر ما يرد على ألسنة المسلمين اليوم من نكت تسخر من الملائكة وما أكثر ما نسمع وما نرى من أفلام تصور الملائكة بل هناك أفلام تعنون باسم الملائكة، فنسأل الله أن يهدي المسلمين وأن يرزقهم الأدب وتعظيم حرمات الله ..

 

 

 

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..

معاشر الصالحين: نواصل الحديث حول موضوع السخرية والاستخفاف من الدين باعتباره ناقضًا من نواقض لا إله إلا الله، وذلك في طريق بحثنا عن انشراح الصدر والذي يعتبر التوحيد أول وأعظم وأهم أسبابه..

وأشرنا في الخطبة الماضية إلى مسألة الاستخفاف بالله جل وعلا والاستخفاف بالأنبياء عليهم السلام، وذكرنا بعض ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أئمة الأمة مما يبين خطورة هذا المسلك وكفر سالكه جادًّا أم هازلاً، عياذا بالله..

ونصل اليوم إلى مسألة الاستخفاف بالملائكة، فقد اتفق الفقهاء على أن من استخف بملك من الملائكة مثل وصفه بما لا يليق أو سبه أو عرض به أو انتقص منه كفر، قال تعالى (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 97- 98]، نزلت هاتان الآيتان ردًّا على اليهود لما سخروا من الملائكة ولاسيما جبريل عليه السلام وزعموا أن عداوتهم له هو السبب الذي حال دون اعتناقهم الإسلام بحجة أن جبريل ينزل بالحرب والهلاك، فرد الله تعالى عليهم بأن من عاد منهم جبريل أو غيره من الملائكة فقد عاد الله تعالى ومن عاد الله تعالى فقد كفر..

إذًا فإن السخرية من الملائكة والاستخفاف كفر، وسبب موجب لسخط الله وعداوته للمستهزأ بهم والمنتقص من قدرهم وما أكثر ما يرد على ألسنة المسلمين اليوم من نكت تسخر من الملائكة وما أكثر ما نسمع وما نرى من أفلام تصور الملائكة بل هناك أفلام تعنون باسم الملائكة، فنسأل الله أن يهدي المسلمين وأن يرزقهم الأدب وتعظيم حرمات الله..

ثم إن هناك آية لو وعاها المسلمين ولو وقفوا عندها لذابوا خجلاً وحياء وازداد حبهم لملائكة الرحمن وتعظيمهم لهم، قال الله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [غافر: 7- 9].

يا الله.. يا لها من آيات تقطر رحمة وأدبًا وحبًّا، أبعد هذا تطيب نفس مسلم صادق أن يسخر من الملائكة أو يسيء إليهم؟!

أخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُذن لي أن أحدّث عن مَلَك قد مرقت رجلاه الأرض [أي دخلت في الأرض] السابعة السفلى والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت وأين تكون».

وأخرج أبو داود وجماعة بسند صحيح عن جابر بلفظ «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام».

قال مطرف بن عبد الله بن الشخير "أنصح عباد الله للمؤمنين: الملائكة، ثم تلا هذه الآية (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) [غافر: 8] وأغش عباده للمؤمنين: الشياطين".

فأنت -أيها العبد- سادر في غفلتك، منهمك في غيك والملائكة تدعو لك، وتستغفر لك وتسأل الله لك الجنة، ويقول تعالى في بيان فضل الملائكة (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]، قال ابن كثير رحمه الله معلقًا على الآية "أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من الأسواء والحادثات".

وقال كعب الأحبار: "لو تجلَّى لابن آدم كلُّ سهل وحَزْن، لرأى على كلّ شيء من ذلك شياطين لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذُبُّون -أي يدافعون ويدفعون- عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذنْ لتُخُطِّفتم".

وقال أبو مجلز: "جاء رجل من مراد [قبيلة اسمها مراد] إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي فقال: احترس فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبين قدر الله".

قال تعالى: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) [الطارق: 4] قال ابن كثير رحمه الله: "أي كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات".

بل إن الملائكة لهم دورهم في تكوين الإنسان، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وكل الله بالرحم ملكًا فيقول: أي ربي نطفة، أي ربي علقة، أي ربي مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال: أي ربي ذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد، فما الرزق فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه».

والملائكة يحركون بواعث الخير في نفوس العباد فقد وكل الله بكل إنسان قرين من الملائكة وقرين من الجن، فالملك يحث على الخير ويرغب فيه وقرين الجن يأمر بالشر ويرغب فيه..

عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة: فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد من ذلك شيء فليعم أنه من الله وليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة: 268]».

واستمع -يا رعاك الله- للحديث التالي كي تعرف كي يتسابق القرين الجني والقرين الملكي على توجيه الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَوَى الرَّجُلُ إِلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: اخْتِمْ بِخَيْرٍ وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: اخْتِمْ بِشَرٍّ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ ثُمَّ نَامَ بَاتَ الْمَلَكُ يَكْلَؤُهُ [يحفظه ويحرسه] فَإِنِ اسْتَيْقَظَ، قَالَ: الْمَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ، افْتَحْ بِشَرٍّ: فَإِنْ قَالَ: فإذا قال العبد الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد موتها ولم يمتها في منامها, الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه» رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» رواه البخاري ومسلم.

ولكل عبد عند فراق الدنيا مع الملائكة شأن وأي شأن، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام: 61]، فإن كان من المجرمين المكذبين انتزعت الملائكة روحه نزعًا شديدًا عنيفًا بلا رفق ولا هوادة، قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام: 93].

أما المؤمنون الصادقون المعظمون لحرمات الله، فإن الملائكة تنزع أرواحهم نزعًا رقيقًا خفيفًا، بل إن الملائكة تبشر هذا المؤمن بشارة عظيمة تزول معها أحزانه وينمحي على إثرها خوفه وهلعه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ [يعني عند الاحتضار] أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 31]. فيا لها من بشارة وما أعظمها وأجلها، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها وأصحابها..

ومما يدل كذلك على علاقة الملائكة بالمؤمنين وحبهم إياهم ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» رواه البخاري ومسلم.

بل إن الملائكة يصلون على المؤمنين، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 43].

قال أبو العالية: "والصلاة من الله ثناؤه على العبد عند ملائكته"، وقال غيره: "الصلاة من الله عز وجل الرحمة"، ولا تنافي بين القولين. وأما الصلاة من الملائكة بمعنى الدعاء للناس والاستغفار لهم، فأين الأمة اليوم من هذه المعاني؟! العالم العلوي يهتز من أجلك، ملائكة تدعو، وملائكة تستغفر..

وأنت -أيها المسلم- أين؟ لعلك معذور فإن المباريات على أشدها-!! وهذه الفرق -فرق الكرة- تتأهل للنهاية ونحن لا نتأهب للنهاية، العالم فوقك تهتز والمقاهي عندنا تهتز من الصراخ والهراء والهباء والضياع والمنادي ينادي حي على الفلاح والناس مع الغفلة والصياح فمتى نفيق يا عباد الله !!

أوجه هذا الكلام أولا لنفسي المقصرة غفلة وضياع وذنوب وآثام أبهذا نطلب العزة؟ أبهذا ننصر إخواننا بالشام؟ ألم نقل لكم فيما مضى أننا لسنا مؤهلين لنصرة إخواننا في الشام فذاك شرف لم نستحقه بعد..

جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكرى وأخلص عمله لله سرًّا وجهرًا، آمين.. آمين، والحمد لله رب العالمين..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي قرب من شاء كما شاء وأقصى، وتمت كلماته فلا ترى لها نقدًا ولا نقصًا وأحاط علمه بالكائنات كلها وأحصى وتكاتف جوده، فنعمه لا تُحد ولا تُحصى، والصلاة والسلام على رسول الله الذي دلَّ على الخير وبه وصى وكان بكل الخيرات مختصًّا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فازوا بحبه وقربه ومن صار على نهجهم إلى يوم وعيدهم ووعده..

معاشر الصالحين: قلنا إن الملائكة تصلي على المؤمنين وسنذكر نماذج من الأعمال التي تصلي الملائكة على صاحبها، منها:

معلم الناس الخير: كل من يعلم الناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وعلى رأسهم العلماء والدعاة إلى الله الذين يدلون الناس على الطريق ويقيمون أمامهم شواهد التحقيق، روى الترمذي في سننه عن أبي إمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» رواه الترمذي.

من الأعمال كذلك التي تصلي الملائكة على صاحبها: انتظار صلاة الجماعة: الذين ينتظرون الصلاة تصلي عليهم الملائكة وتدعو لهم وتستغفر لهم، وهذا يجعل العبد يتحمل حتى وإن تأخر الإمام على ألا يتخذ الإمام هذا الأمر مسوغًا للتأخير فإن الناس ورائهم مصالح وارتباطات وحاجات وخير الأمور الوسط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث» رواه مسلم.

من الناس الذين تصلي عليهم الملائكة كذلك الذين يصلون في الصف الأول، فقد جاء في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول»، وفي سنن النسائي «على الصفوف المتقدمة»، وفي سنن ابن ماجة من حديث البراء وحديث عبدالرحمن بن عوف «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول».

كذلك الذين يسدون الفرج بين الصفوف فهذا أمر يجب على المسلمين أن ينتبهوا إليه، فكثيرا منهم يتهاون في هذا الأمر فلا يكملون الصف ويتركون كذلك الفرج كسلا وربما غفلة عما في ذلك من الأجر العظيم الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة» رواه ابن ماجه، فهل يترك هذا الفضل إلا غافل أو متهاون..!!

من الذين تصلي عليهم الملائكة كذلك: الذين يتسحرون، وهذا أمر يضيعه كثير من الناس كذلك تجد بعض الناس يسهرون فإذا جاء وقت السحور لا يقومون لا لسحور ولا لصلاة، فأي صيام هذا وأي غفلة هذا !!

فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وملائكته يصلون على النبي المتسحرين» رواه ابن حبان وصححه الألباني.

من أعظم الأعمال كذلك التي تصلي الملائكة على صاحبها: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر كذلك فرطنا فيه وتهاونا فيه في غمرة الفتن والانشغالات فقد روى الإمام أحمد في مسنده والضياء المقدسي في المختارة عن عامر بن ربيعة بإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليّ فليقل العبد من ذلك أو ليكثر» والحديث صححه الألباني.

من الأعمال العظيمة كذلك التي تصلي الملائكة على صاحبها: عيادة المرضى، وهي كذلك من جملة ما ضيع وفرط فيه بسبب الانشغال بالدنيا، فقد روي أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، واستمعوا إلى هذا الفضل العظيم «ما من رجل يعود مريضا ممسيا [يعني في المساء] إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح وكان له خريف في الجنة» يعني حدائق «ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة» والحديث صححه الألباني.

قد يتساءل الواحد منا: هل لصلاة الملائكة لعينا من أثر؟ يقول ربنا جل وعلا (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [الأحزاب: 43]، تفيد الآية أن ذكر الله لنا في الملأ الأعلى ودعاء الملائكة المؤمنين واستغفارهم لهم له تأثير في هدايتنا وتخليصنا من ظلمات الكفر والشرك والذنوب والمعاصي إلى النور الذي يعني الاستقامة، هذا النور الذي ينعكس على الأفعال والأقوال والأشخاص.

والملائكة -أيها الأحباب- يؤمنون على دعاء المسلمين وبذلك يكون الدعاء أقرب إلى الإجابة ففي صحيح مسلم وسنن ابن ماجة عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك كلما دعا له بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل».

ولما كان الدعاء المؤمن عليه حري بالإجابة فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يدعو على نفسه بشر ولا على أولاده وبلا مناسبة كم من الأولاد تحطموا ودمرت حياتهم بسبب دعوة من الأب أو الأم في لحظة غضب فمن كان لا بد داعيًا فليدعو بخير وليدعو بالصلاح والرشاد.. ففي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون».

والملائكة يلتمسون مجالس الذكر والعلم وحلق الذكر ويحفون أهلها بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».

والملائكة تتواضع رضا وإجلالا لطالب العلم فتضع أجنحتها له تواضعا ورضا، وهذا يبين منزلة العلم وشرف أهله وطالبيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع» رواه الترمذي.

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين قصة عجيبة تبين عاقبة السخرية والاستخفاف، فقد سمع رجل هذا الحديث في مجلس من مجالس العلم فقال ساخرا لمن بجانبه: غدا سألبس حذاء به مسامير حتى أذي أجنحة الملائكة.. فجاء في الغد وقد لبس حذاء به مسامير قال: فأنتنت رجله ودخلت المسامير في رجله وما هي إلا أيام حتى انتفخت ورأى الأطباء قطعها وبترها.. وتلك عاقبة الاستهزاء والسخرية عياذًا بالله.

والملائكة يحضرون صلاة الجمعة وهم معنا الآن يحضرون يسجلون بعض أعمال العباد يسجلون الذين يؤمون الجمع الأول فالأول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأولى فالأول فإذا خرج الإمام [يعني صعد إلى المنبر] طووا صحفهم وجلسوا يستمعون الذكر» متفق عليه.
يا له من تشريف لو صادف حضور قلب وفهم حقيقة!!

ومن الملائكة من ينزل من السماء حين يُقرَأ القرآن ففي صحيح مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفض فإذا سحابة قد غشيت قال: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اقرأ فلان فإنها السكينة تنزلت عند القرآن أو تنزلت بالقرآن»، إذًا فالقرآن طلب لنزول السكينة وغيره من اللهو والرقص سببًا لرفعها أو لمنع نزولها، وما أحوجنا إلى السكينة في دنيا الاضطراب، في دنيا الاكتئاب، في دنيا القلق.

وهناك -أيها الأحباب- ملائكة يبلغون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمته السلام، فقد روى النسائي والدارمي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».

والملائكة يحمون وينصرون الصالحين ويفرجون كربهم بأمر الله، وقد يكون من هذا ما حصل لرجل ذكر ابن كثير خبره عند تفسيره لقوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل: 62] قال: ذكر الحافظ بن عساكر في ترجمة رجل قال: قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي [يسافر من أجل قضاء حاجات] من دمشق [نسأل الله أن يفك أسرها] إلى بلد الزبداني فركب معي ذات مرة رجل فمررنا على بعض الطريق على طريق غير مسلوكة فقال لي: خذ في هذه [أي الطريق] فإنها أقرب، فقلت لا خبرة لي فيها، فقال بل هي أقرب فسلكناها..

فانتهينا إلى مكان وعر ووادي عميق وفيه قتلى كثيرة فقال لي امسك رأس البغل حتى أنزل فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه وسل سكينًا معه وقصدني ففررت من بين يديه وتبعني فناشدته الله وقلت خذ البغل بما عليه فقال هو لي وإنما أريد قتلك فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل فاستسلمت بين يديه وقلت إن أريد أن تتركني أصلي ركعتين.. فقال عجل، فقمت أصلي فأُرتج علي القرآن [أغلق لم يدري ماذا يقرأ] فلم يحضرني منه حرف واحد فبقيت واقفا متحيرًا وهو يقول: هيه أفرغ..

فأجرى الله سبحانه وتعالى على لساني قوله سبحانه وتعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربه فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده فخر صريعًا فتعلقت بالفارس وقلت بالله من أنت؟ فقال أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالما..

اللهم أصلح أحوالنا..

 

 

 

 

المرفقات

بالملائكة والاستهزاء بهم1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات