أسباب الفاحشة ومحاورها الرئيسة (2)

سليمان بن حمد العودة

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ تخوف النبي الكريم من اللواط وتحذيره منه 2/ أهم الأسباب المؤدية للوقوع في اللواط 3/ إشارة لنقاط الضعف في المحاضن التربوية المختلفة 4/ أهم وسائل علاج هذه الظاهرة

اقتباس

سبق لنا بعض الحديث عن جريمة اللواط، وحَرِيٌّ بنا أن نستكمل الحديث عنها، ونعني بهذه الظاهرة التي تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من فعلها أشد التخوف، فقال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط" رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن وكيف لا نعني بهذه الظاهرة وندرس أسبابها ونبحث في أنسب الوسائل لعلاجها، ونجنب الناشئة مخاطرها والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يحشر اللوطي في قائمة الملعونين ..

 

 

 

 

إخوة الإسلام: سبق لنا بعض الحديث عن جريمة اللواط، وحَرِيٌّ بنا أن نستكمل الحديث عنها، ونعني بهذه الظاهرة التي تخوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من فعلها أشد التخوف، فقال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط" رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن.

وكيف لا نعني بهذه الظاهرة وندرس أسبابها ونبحث في أنسب الوسائل لعلاجها، ونجنب الناشئة مخاطرها والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- يحشر اللوطي في قائمة الملعونين، أي: المطرودين من رحمة الله، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: "ملعونٌ مَن سَبَّ أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن الطريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط" رواه أحمد وصححه الألباني.

فما هي أهم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في هذه الفاحشة، وكيف يقع الشباب ضحية لها؟ وقبل الحديث عن هذه الأسباب، أنبه إلى أمرين هامين:

أولا: إن هذه الأسباب لا يلزم توفرها كلها في الشاب حتى تقوده إلى هذه الجريمة المنكرة، بل وجود أحدها أو بعضها كفيل بجر الشاب من حيث يشعر أو لا يشعر إلى هذا المزلق الخطر، وهذا يستدعي الانتباه والاحتياط وسد كل منفذ أو وسيلة تقود للخطر، وعدم التهاون فمعظم النار من مستصغر الشرر.
ثانياً: إن هذا الحديث ليس موجها لأحد بعينه، ولا ينبغي لأحد أن يعفي نفسه من مسؤوليته، فالوقاية أنسب الوسائل للعلاج، ومقابلة المشكلة بحزم وعزم وجدية وصراحة أولى من تغافلها وإغضاء الطرف عنها، وتجاهل المشكلات لا يعنى عدم وجودها، ولا يسهم بكل حال في حلها.

إخوة الإيمان: يمكن حصر الأسباب المؤدية للوقوع في اللواط -حمانا الله وإياكم وذرارينا المسلمين- في أربع محاور رئيسة هي كما يلي: أولاً: البيت، ثانياً: المدرسة، ثالثاً: المجتمع، رابعاً: وسائل التأثير الأخرى. وكل واحدة من هذه وتلك تحتاج إلى بيان وتفصيل.

أولاً: أما البيت فهو اللبنة الأساسية والمنطلق الأول لتربية الشاب، وتسهم حالة الغنى المفرط أو الفقر المدقع في انحراف الشاب أحياناً، أما الغنى -غير المنضبط- فيوفر فيه للشاب كل وسائل الراحة واللهو واللعب دون تفريق بين الضار والنافع، فقد يوفر له من وسائل اللهو ما يثير غريزته، ويوفر له من المال ما لا يحسن التحكم فيه، ويوفر له سيارة ليس أهلاً لاستخدامها في أغراضها الصحيحة، فإذا اجتمع إلى الشاب مع ذلك صحة موفورة، وفراغ قاتل، مع حيوية الشباب وقلة تفكيره في العواقب، قادته هذه الأمور إلى عمل كل محظور ليس اللواط إلا واحداً منها.
إنَّ الشبابَ والفراغَ والجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ للمرءِ أيّ مفسده!

وبعكس ذلك تكون بيوت الفقراء حيث لا يجد فيها الشاب حاجته الأساسية، ولا تتوفر له أموره الضرورية، والمجتمع والجيران في غفلة عن حاجات جيرانهم، فيضطر الشاب للخروج بحثا عما يحتاجه، فيجد اللصوصَ المحترفين لاصطياده وإطماعه بتوفير كل ما يحتاج إليه فتنشأ العلاقات المشبوهة، ويقع الشاب في جريمة اللواط وغيرها من الفواحش والآثام.

ثانياً: كما تسهم حالة اليتم(لا سيما يتم الأب) في ضياع الشباب وانحرافهم أحياناً، إذ تعجز الأم عن متابعة بعض الأبناء، ولا تلتفت بقية البيوت لهذه النوعية من بيوت الأيتام: إما لعدم اهتمامهم، أو لانشغالهم، فيهيم هؤلاء الشباب على وجوههم، وتكون المقاهي والطرقات وأماكن التجمعات العامة موطنا لهم، وتتيح لهم هذه وتلك الاختلاط بغيرهم ممن يحسنون لهم القبيح، ويهونون عليهم العسير، فلا يستيقظ الشاب المسكين إلا وهو في شراك المجرمين، وضمن زمرة الفاسدين، وتكون جريمة اللواط واحدة من سلوكياته المنحرفة، وما خفي أعظم وأكبر.

ثالثاً: وأشد ضراوة وأثرا على الشباب يتم العلم والأدب كما قيل:
ليس اليتم الذي قد مات والده *** بل اليتيمُ يتيمُ العلمِ والأدبِ

وإذ كنا نشيد ببعض الأمهات اللائي يربين أبناءهن على الخير ويحرصن على سلوكياتهم من كل عفن، حتى وإن كان الآباء تحت الثرى، ونقدم التحية معطرة لأولئك الآباء الذين يعنون بأبنائهم ويهتمون بتربيتهم؛ فإننا نرثى لحال أولئك الآباء الأموات وإن كانوا في عداد الأحياء!.

هذه النوعية من الآباء التي لا تهتم بالأبناء، ولا تعيرهم من الاهتمام ما يستحقون، فهم إما مشغولون بتجارتهم، أو غارقون في لهوهم، أو على الأقل لا يهتمون كثيراً بأبنائهم ولا يسألون عن مدخل أبنائهم أو مخرجهم، ولا يعرفون مَن يوافقون، ولا بمن يتصلون، هؤلاء يسرح أبناؤهم ويمرحون كيف شاؤوا.

وإذا كان الصنف السابق يمكن أن يعطف عليهم المجتمع ليُتْمهم، فهؤلاء يتكل الناس على تربية واهتمام آبائهم فلا يعيرونهم كبير اهتمام، فينضمون إلى قائمة الضائعين، ولا يفيق الأب إلا حين يستدعى للغرامة أو للكفالة أو لأخذ التعهد! أو لإشعاره أن ابنه من نزلاء السجن لا قدر الله!.

رابعاً: تساهل البيوت بشكل عام في تربية الأبناء وتوجيههم وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم من آثار صحبة الأشرار، وعدم تشجيعهم على مصاحبة الأخيار، كل ذلك يجعل الأبناء مرتعاً خصباً لكل دعوة مهما كان سوءها، ولكل داع مهما كان مساره وخطره.

خامساً: وتسهم الخلافات الحادة بين الزوجين في ضياع الأبناء أحياناً، إذ ينشغلون في خلافاتهم عن تربية أبنائهم فينشأ الأبناء بعيداً عن رقابة الوالدين، ويفضلون العيش بعيداً عن أجواء البيت، وتكون هذه بداية الانحراف، لا سمح الله.

سادساً: وهناك أسلوبان مختلفان في التربية، وعلى طرفي نقيض، وربما أسهما في ضياع الشباب، الأول أسلوب التعنيف والتقريع والتوبيخ دائماً، وربما الضرب لأدنى سبب، وهذا يخلق شاباً كارهاً للبيت يبحث عن البديل ولو كان سيئاً، ويبحث عن الأصدقاء ولو كانوا غير أسوياء، وتبدأ حينها المشكلة.

والثاني أسلوب الثقة المفرط الذي يجعل البيت واثقاً بكل تصرفات الابن، محسناً الظن دائماً بكل حركاته، حتى وإن كان الشاب في مرحلة المراهقة وإن كان لديه بعض الملاحظات الجديرة بالاهتمام والمتابعة، بل وإن كان الشاب في هذه المرحلة محتاجاً إلى التوجيه والعناية، والكلمة الناصحة.
ومَن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها *** كفَى المرءَ نُبلاً أن تُعَدَّ مَعَايِبُهْ

فهذه الثقة المطلقة، وتفسير بعض سلوكيات الأبناء المثيرة على حسن الظن ربما قادت الشاب هي الأخرى إلى الانحراف، والبيت غافل عن هذا في البداية عاجز عن حلها في النهاية.

أيها الإخوة: إنما أطلت الحديث عن البيت لأهمية دوره، ولأنه قلعة التحصين الأولى إذا قدَّر الأبوان موقعهما، ولأن تأثيره في العملية التربوية مهم سلباً كان أو إيجاباً، وبقدر ما نشكر الله على اهتمام ويقظة البيوت لدورهم في استصلاح أبنائهم، فإنما أردنا بذلك التنبيه على بيوت لا زال أصحابها في غفلتهم سادرين وعن أبنائهم غافلين.

نسأل أن يصلح شأننا، وأن يهدي ضالنا، وأن يثبت هداتنا.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أيقظ بصائر المؤمنين لما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأعمى آخرين، فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.

أيها المسلمون: أما المدرسة فهي البيت الثاني للأبناء، يخرجون منها إلى مجتمع جديد، وتنشأ منها علاقات وصداقات، وهي كالبيت مكان للإصلاح والتربية إذا أحس القائمون عليها بواجبهم.

وتنشأ المشكلة على حين غفلة من المدرسين والمسؤولين في المدارس إذا فتحت العلاقات دون رقيب بين الصغار والكبار، ولم ترقب سلوكيات الطلاب باستمرار، وأتيحت الفرصة لخروج بعض الطلاب من المدرسة دون حاجة ملحة، أو تسرب إلى المدرسة شباب من خارجها قصدهم الاتصال بشباب المدرسة وعقد صلات معهم، أو وجد في المدرسة نماذج من المدرسين ليسوا على مستوى المسؤولية في أخلاقهم وسلوكياتهم، أو فرض على الطلاب في التربية البدنية ملابس تكشف عوراتهم، أو تصف بشكل مثير للفتنة ملامح أجسادهم.

وبشكل عام؛ فقلة التوعية في المدارس عن هذه السلوكيات، والغفلة عن متابعة حركات الطلاب في حال تجمعهم أو حال خلوتهم كل ذلك يسهم في خلق سلوكيات غير مهذبة عند الشباب، وقد يكون اللواط واحداً منها.

وكذا الغفلة عن مساءلة ومتابعة من يتأخرون صباحاً للمدرسة فيكونون خارج البيت وليسوا في المدرسة، أو من يتأخرون أو يتأخر عنهم أباؤهم بعد خروجهم من المدرسة فلا يصلون إلى بيوتهم إلا في نحر الظهيرة، فهذه كذلك تتيح لهم فرصة الاختلاط وتتيح للمتسكعين في الشوارع فرصة اصطيادهم، وعلى المدرسة والآباء أن ينتبهوا لهذا جيداً.

أما المجتمع فنعنى به أماكن التجمع الأخرى خارج إطار البيت والمدرسة، فالشارع مثلاً بيت لعدد من الشباب يقضون به كل أوقاتهم بعيداً عن رقابة الأهل ومتابعتهم، وإني لأعجب من أناس يتركون أبناءهم معظم الوقت يسرحون ويمرحون كيف شاؤوا في الشوارع والمقاهي والمطاعم ولا يسأل الأب أين ذهبوا ولا من خالطوا! وهل تُربي الشوارع الأبناء؟ بل وهل يأمن الأب على ابنه من فتن الأحياء؟.

إن هناك صنفاً من الشباب المراهقين شغلهم التجول الدائم بسياراتهم داخل الأحياء، فهل ترضى أيها الأب أن يكون ابنك فريسة لهؤلاء؟ ونوادي الحواري وتجمع الشباب بها لا تسهم في إصلاح الشباب بحال، بل هي موطن للريبة وسوء الخلق والنزاع والمشاجرة في أقل الأحوال، فاحذروها معاشر الآباء، وامنعوا أبناءكم عن المشاركة فيها.

والنوادي الكبرى التي تخلو من المربين المخلصين وتجمع أشتات الشباب الضائعين هم أعظم خطراً وأولى بالمنع والمراقبة من قبل المسؤولين.

ومناسبات الزواج في قصور الأفراح مكان بهجة وفرحة للأسرة الواحدة، ولكن ينبغي الحذر من مجيء شباب خارج إطار الأسرة لأغراض سيئة، وينبغي كذلك التنبه لعدم خلوة الشباب الكبار مع الصغار حتى ولو كانوا من أسرة واحدة، وتلك مواطن ينسى فيها الآباء أبناءهم.

وأماكن البيع والشراء للأحداث حري بمراقبة الأولياء والجهات المسؤولة، ويشير العارفون أن سوق الحمام –مثلاً- مكان للاختلاط والاحتكاك بين صغار الشباب وكبارهم جدير باليقظة والاهتمام والمتابعة.

إخوة الإيمان أيها الآباء: أيها المسؤولون، أما وسائل التأثير الأخرى فنعني بها تلك الوسائل التي تلعب دوراً في صناعة أفكار الشباب وتخاطب عقولهم وغرائزهم، فوسائل الإعلام المختلفة قادرة على الإسهام بشكل فاعل وجيد في صياغة عقول الشباب وتهذيب غرائزهم إذا وسد الأمر فيها إلى أهله من النصَحة والغيورين والمفكرين العقلاء.

وهي أداة هدم ووسيلة فساد إذا قام عليها مَن لا يحسنون اختيار موادها، واصطفاء برامجها، فتثير الصورة الفاضحة غريزة الشباب –ذكراناً وإناثاً- وتدعو المسلسلات الهابطة إلى احتراف الجريمة ومحاكاة الممثلين الساقطين، وتنشئ الدعايات والإعلانات الإعلامية الرخيصة حبًّا في الشباب للذي هو أدنى وينسون الذي هو خير، فجنّبوا معاشر الأولياء أبناءكم كل وسيلة تهدم الخلق والدين، وتثير الغرائز، وتعلم الشباب ما يضرهم.

والجمعيات المشبوهة –سواء كانت للرجال أو للنساء- والتي تعنى بتربية الشباب على الموسيقى والغناء وتجمع صغار الشباب إلى المراهقين في أعمارهم أو عقولهم، أو تلك التي تدرب الفتيات على الرقص وأنواع القص للشعور، والجديد من المكيجة ونحوها، كل هذه وتلك لا تسهم في استصلاح الفتيان والفتيات في وقت غدت الأمة فيه أحوج ما تكون إلى التربية الجادة والاستفادة من كل طاقة.

إخوة الإسلام هذه أبرز المحاور التي حضرتني، ولا يعني ذلك الحصر، بقدر ما يعني الإشارة.

وربما تساءل البعض: وما هي طرق العلاج؟ ولهؤلاء أقول: إن من أهم وسائل العلاج معرفة أسباب المشكلة، والوعي بها، والعمل على سد كل المنافذ المؤدية إليها.

وتبقى بعد ذلك وسائل أخرى للعلاج لا تخص هذه الظاهرة الخلقية فحسب، بل هي أساس لعلاج أي ظاهرة شاذة توجد عند الشباب أتعرض لها في الخطبة القادمة بإذن الله.

وأختتم الحديث بتنبيه مهم وهو أن حديثي في هذه الخطبة عن البيت أو المدرسة أو أمثالها لا يعني التقييم لها، وليس حديثاً عن رسالتها التربوية، وإلا لقلت غير هذا من الآثار الإيجابية لهذه المحاضن من محاضن التربية، لكنه حديث عن نقاط ضعف قليلة في بحر حسنات كثيرة أردت بها أن تكتمل جوانب التربية، وأن تسد الثغرات المهمة؛ حتى تكتمل لهذه المحاضن أداتها في التربية، ولئلا تؤتي الأبناء من ثغراتها السلبية.

ولست بمبالغ إذا قلت إن بعض البيوت قلعة من قلاع العلم والتربية والأدب، وعدداً من المدارس قمة شامخة في التربية والمتابعة والتعليم والتوجيه، ذلك من التحدث بنعمة الله، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11].

لكن الملاحظة الناصحة، والاستمرار في المتابعة لا تزيد البنيان إلا شموخاً، وعساها أن تكون موقظة لمواقع يكاد السوس أن ينخر فيها، ولبنيان يكاد أن تتصدع جدرانه. والله الهادي والموفق.

 

 

 

 

المرفقات

الفاحشة ومحاورها الرئيسة (2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات