أسباب الطلاق الزوجية: أسباب موصلة للطلاق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2023-01-20 - 1444/06/27 2023-02-28 - 1444/08/08
عناصر الخطبة
1/بعد الزوجين أو أحدهما عن الله موصل للطلاق2/فشو المنكرات في البيت سبيل إلى الطلاق3/قرناء السوء من أسباب الطلاق4/عدم القناعة بشريك الحياة من دوافع الطلاق5/الأمراض الجسدية والنفسية من أسباب الطلاق6/نصائح وتوجيهات للزوجين.

اقتباس

نَقُولُ لِكُلِّ زَوْجَةٍ وَزَوْجٍ: مَا دَامَ أَنَّكَ سَلَكْتَ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ فِي الِاخْتِيَارِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَغَيَّرَ لَدَيْكَ الْقَنَاعَةُ لِحُصُولِ طَارِئِ الْقُصُورِ، وَقِلَّةِ التَّمَامِ؛ فَالزَّوْجَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ كَامِلَةَ الْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ؛ فَفِيهَا نَقْصٌ وَتَمَامٌ، وَالزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ كَذَلِكَ لَيْسَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْحَيَاةَ الزَّوْجِيَّةَ شَرَاكَةٌ حَيَاتِيَّةٌ، تَطْرَأُ عَلَيْهَا الْمُكَدِّرَاتُ، وَتَنْتَابُهَا الْخِلَافَاتُ، وَتَتَوَافَرُ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ لِفَصْمِ عُرَى هَذِهِ الرَّابِطَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْوَثِيقَةِ، غَيْرَ أَنَّ الدِّينَ وَالْعَقْلَ وَالْحِكْمَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْحَمِيدَةَ تَرُدُّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ خَائِبَةً، وَتُحَافِظُ عَلَى حِصْنِ الزَّوْجِيَّةِ الْعَتِيدِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَهُنَاكَ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ تُوَصِّلُ إِلَى الطَّلَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، يَنْبَغِي لَنَا مَعْرِفَتُهَا لِتَوَقِّيهَا، وَالْحَذَرِ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِهَا، عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْقَائِلِ:

عَرَفْتُ الشّرَّ لَا لِلشَّرِّ ** لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ

وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ ** مِنَ النَّاسِ يَقَعْ فِيهِ

 

فَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الطَّلَاقِ: بُعْدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَالْقُرْبُ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- سَعَادَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمَغْنَمٌ كَبِيرٌ يُلْقِي بِظِلَالِهِ الْوَارِفَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى حَيَاةِ الْإِنْسَانِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.

 

لَكِنْ حِينَ يَكُونُ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعِيدًا عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى- فَإِنَّ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ وَالْخِذْلَانَ سَتَسْتَوْلِي عَلَى حَيَاتِهِ، فَيَعِيشُ مَعِيشَةً ضَنْكًا، وَلَا يُوَفَّقُ فِي قَرَارَاتِهِ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُ.

 

وَهَذِهِ عَاقِبَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِلذُّنُوبِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الرُّومِ: 41].

 

وَمِنَ الْفَسَادِ الطَّلَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَفَكُّكِ الْأُسْرَةِ، وَالنَّدَمِ الشَّدِيدِ عَلَى هَذَا الْفِرَاقِ، وَصَدَقَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشُّورَى: 30].

 

وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الطَّلَاقِ: فُشُوُّ الْمُنْكَرَاتِ فِي الْبَيْتِ؛ مِنَ اخْتِلَاطِ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَيَعْظُمُ خَطَرُ ذَلِكَ عِنْدَ غِيَابِ الزَّوْجِ، وَهَذَا بِدَوْرِهِ سَيَسُوقُ إِلَى نَظَرِ الرِّجَالِ إِلَى النِّسَاءِ، وَنَظَرِ النِّسَاءِ إِلَى الرِّجَالِ، وَقَدْ يُوصِلُ ذَلِكَ إِلَى الْفَاحِشَةِ، وَمَتَى عَلِمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِقِيَامِ زَوْجِهِ بِذَلِكَ حَصَلَ الطَّلَاقُ.

 

وَقَدْ يَسُوقُ إِلَى التَّعَلُّقِ وَالْغَرَامِ وَالْإِعْجَابِ وَطُولِ النَّظَرَاتِ، وَرُبَّمَا تَجْرِي بِسَبَبِهِ مُرَاسَلَاتٌ وَعَلَاقَاتٌ، وَهَذَا يُوصِلُ كَذَلِكَ إِلَى الطَّلَاقِ إِذَا تَبَيَّنَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: "وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ".

 

فَاحْمَدُوا اللَّهَ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- عَلَى نِعْمَةِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي حَرَّمَتْ هَذَا الْمُنْكَرَ؛ حِفَاظًا عَلَى الدِّينِ، وَعَلَى الْأَعْرَاضِ، وَعَلَى رَابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الطَّلَاقِ: قُرَنَاءُ السُّوءِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَثَرُ الْجَلِيسِ عَلَى جَلِيسِهِ، وَالرَّفِيقِ عَلَى رَفِيقِهِ؛ فَإِنَّ الطَّبَائِعَ نَقَّالَةٌ، فَكَيْفَ إِذَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ إِغْرَاءٌ وَتَرْغِيبٌ!

 

عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

فَكَمْ مِنْ زَوْجٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الَّتِي لَا يُطَلَّقُ مِثْلُهَا بِسَبَبِ جَلِيسِهِ الَّذِي قَدْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ، أَوْ يَنْحَرِفُ بِأَخْلَاقِهِ، أَوْ يَدْعُوهُ إِلَى طَلَاقِهَا!

 

وَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بِسَبَبِ جَلِيسَاتِ السُّوءِ اللَّاتِي جَعَلْنَهَا تَتَمَرَّدُ عَلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا، أَوْ تَتَسَخَّطُ عَيْشَهَا مَعَهُ، أَوْ أَغْرَيْنَهَا بِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْبَيْتِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ بِدُونِ رِضَا زَوْجِهَا أَوْ إِذْنٍ مِنْهُ!

 

وَمَتَى مَا حَصَلَ الطَّلَاقُ انْتَبَهَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ إِلَى خَطَرِ جَلِيسِ السُّوءِ، وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ.

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْفُضَلَاءُ: وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الطَّلَاقِ: عَدَمُ الْقَنَاعَةِ بِشَرِيكِ الْحَيَاةِ؛ إِنَّ الْقَنَاعَةَ سَعَادَةٌ وَرَاحَةٌ، وَلَوْ مَعَ الْعُيُوبِ وَالْقِلَّةِ، وَتَرْكُهَا شَقَاءٌ وَعَنَاءٌ وَلَوْ مَعَ السَّلَامَةِ وَالْكَثْرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَقَدْ حَثَّ الْإِسْلَامُ كُلًّا مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى تَحْصِيلِ قَنَاعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ عَبْرَ وَسَائِلَ؛ مِنْهَا النَّظَرُ وَالرِّضَا عِنْدَ الْخِطْبَةِ؛ مِنْ أَجْلِ حُصُولِ الْقَنَاعَةِ بِشَرِيكِ الْحَيَاةِ؛ فَمَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ الشَّرْعِيَّ الصَّحِيحَ امْتَدَّتْ حَيَاتُهُ الزَّوْجِيَّةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

غَيْرَ أَنَّكُمْ قَدْ تَجِدُونَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- بَعْضَ مَنْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ تَتَغَيَّرُ لَدَيْهِ الْقَنَاعَةُ بِأَسْبَابٍ طَارِئَةٍ تَجْعَلُهُ يَكْرَهُ الْعَيْشَ مَعَ شَرِيكِ حَيَاتِهِ، وَيُفَضِّلُ الِانْفِصَالَ عَنْهُ، لَوْلَا عَوَامِلُ قَدْ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ.

 

لِهَذَا نَقُولُ لِكُلِّ زَوْجَةٍ وَزَوْجٍ: مَا دَامَ أَنَّكَ سَلَكْتَ الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ فِي الِاخْتِيَارِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَتَغَيَّرَ لَدَيْكَ الْقَنَاعَةُ لِحُصُولِ طَارِئِ الْقُصُورِ، وَقِلَّةِ التَّمَامِ؛ فَالزَّوْجَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ كَامِلَةَ الْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ؛ فَفِيهَا نَقْصٌ وَتَمَامٌ، وَالزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ كَذَلِكَ لَيْسَ خَالِيًا مِنَ الْعُيُوبِ وَالْقُصُورِ، فَفِيهِ كَمَالٌ وَنَقْصٌ، فَاقْنَعْ –أَيُّهَا الزَّوْجُ- بِزَوْجَتِكَ، وَلْتَقْنَعْ زَوْجَتُكَ بِكَ، وَإِيَّاكُمَا مِنْ تَرْكِ الْقَنَاعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُوصِلُ إِلَى الطَّلَاقِ، وَتَكْدِيرِ الْعَيْشِ الزَّوْجِيِّ السَّعِيدِ.

 

وَلْيَحْذَرِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الطَّمَعَ فِي شَرِيكٍ آخَرَ، وَالْأَسْبَابُ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ فَإِنَّ النَّفْسَ إِذَا طَمِعَتْ جَاعَتْ، وَإِذَا قَنَعَتْ شَبِعَتْ، قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "الطَّمَعُ فَقْرٌ، وَالْيَأْسُ غِنًى".

 

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَالنّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا ** وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ

 

وَلْيَدْعُ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ بِالْقَنَاعَةِ إِذَا بَدَرَتْ بَادِرَةُ طَمَعٍ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو: "اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحْمِيَ بُيُوتَنَا مِنَ التَّصَدُّعِ وَالشِّقَاقِ، وَأَنْ يُجَنِّبَهَا أَسْبَابَ الشَّقَاءِ وَالطَّلَاقِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الطَّلَاقِ: الْأَمْرَاضُ الْجَسَدِيَّةُ وَالنَّفْسِيَّةُ.

فَالْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ لَا يَسْلَمُ مِنَ الْأَسْقَامِ، وَلَا يَبْقَى بَعِيدًا عَنِ الْأَوْجَاعِ وَالْآلَامِ، وَالزَّوْجُ قَدْ يَمْرَضُ جَسَدِيًّا أَوْ نَفْسِيًّا، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، فَمِنَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ: أَنْ يَصْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَتَصْبِرَ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى يَمُنَّ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالشِّفَاءِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19].

 

غَيْرَ أَنَّنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ-  نُلَاحِظُ -فِي هُجُومِ الْأَمْرَاضِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ- صِنْفَيْنِ مِنَ النَّاسِ: صِنْفٌ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ يَصْبِرُ عَلَى مَرَضِ شَرِيكِهِ صَبْرًا جَمِيلًا، وَيُبْدِي مِنْ صُوَرِ التَّضْحِيَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ مَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حُبِّهِ وَإِخْلَاصِهِ، وَفِي الشَّدَائِدِ يُعْرَفُ النَّاسُ، وَتَظْهَرُ الْأَخْلَاقُ وَالصِّفَاتُ.

 

وَصِنْفٌ آخَرُ يَتَبَرَّمُ بِالسَّقَمِ، وَيَتَضَجَّرُ مِنَ الْأَلَمِ، وَيُظْهِرُ سَيِّءَ الطِّبَاعِ، وَضِيقَ الْأَخْلَاقِ، فَيَزِيدُ مَرَضَ شَرِيكِهِ مَرَضًا، وَقَدْ يَفْقِدُ صَبْرَهُ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْمَرَضِ، فَيُطَلِّقُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ فِي شِدَّةِ أَلَمِهَا، أَوْ تَطْلُبُ الْمَرْأَةُ الطَّلَاقَ أَوِ الْخُلْعَ وَزَوْجُهَا فِي أَشَدِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا.

 

فَأَيْنَ ذَهَبَ الْوَفَاءُ، فِي دِيَاجِي الْعَنَاءِ، وَأَيْنَ حَلَاوَةُ عِشْرَةِ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، فِي مَرَارَةِ الْأَسْقَامِ النَّازِلَةِ؟

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَامُ: نَقُولُ لِكُلِّ الْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ: إِذَا أَرَدْتُمُ اسْتِمْرَارَ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ السَّعِيدَةِ، وَالْبُعْدَ عَنِ الْفِرَاقِ الزَّوْجِيِّ الْحَزِينِ؛ فَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَاعْمُرُوا بُيُوتَكُمْ بِالْخَيْرَاتِ، وَجَنِّبُوهَا سَيِّءَ الْمُنْكَرَاتِ، وَاحْذَرُوا جُلَسَاءَ السُّوءِ؛ فَإِنَّهُمْ بَوَّابَةُ الشَّقَاءِ، وَطَرِيقُ الْعَنَاءِ، وَمِفْتَاحُ الطَّلَاقِ، وَدَرْبُ الْفِرَاقِ؛ لِهَذَا لِيَخْتَرِ الزَّوْجُ الْجُلَسَاءَ الصَّالِحِينَ، وَلْتَخْتَرِ الزَّوْجَةُ الْجَلِيسَاتِ الصَّالِحَاتِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ).

 

وَاعْتَبِرُوا بِالْوَاقِعِ الْأَلِيمِ لِلْبُيُوتِ الَّتِي قَضَى الطَّلَاقُ عَلَى سَعَادَتِهَا، وَأَوْدَى بِهَا إِلَى شَتَاتِهَا، حِينَ أَعْرَضَ بَعْضُ أَهْلِهَا عَنِ النَّهْجِ الصَّحِيحِ لِلْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعَمِّرَ بُيُوتَنَا بِالْوِفَاقِ، وَأَنْ يُبْعِدَ عَنْهَا عَوَامِلَ الِانْدِثَارِ وَالْفِرَاقِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

أسباب الطلاق الزوجية أسباب موصلة للطلاق.doc

أسباب الطلاق الزوجية أسباب موصلة للطلاق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات