أسباب السعادة الزوجية

خالد بن سعود الحليبي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهداف الزواج ومقاصده 2/ خطوات السعادة الزوجية ووسائلها

اقتباس

ليلة الزفاف وهي الليلة الأولى التي تؤسس فيها هذه الأسرة الجديدة، فإذا كانت في مرضاة الله، ووفق سنة رسوله –صلى الله عليه وسلمَ- فليبشر الزوجان بالخير والبركة في حاضرهما وفي مستقبل أيامهما -بإذن الله-، وإن كانت ليلة الزفاف ليلة حافلة بما...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وأسأله المزيد من فضله وكرمه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-، ممتثلين أمر بارئكم -تعالى- الذي قال في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 

أيها الأحبة في الله: سؤال قد يفاجئ النفس السابحة في فلك الأمل، سؤال يقول: لماذا تزوجت؟ هل هو متعة وشهوة جسدية فحسب؟ أم هو سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة الأولاد؟ أم هو فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ؟ أم هو فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد المؤمنين؟

 

سؤال: أرجو أن يكون دافعًا للبحث عن أولى الخطوات التي يجب أن يراعيها الشباب عند عزمهم على القيام بهذا المشروع الضخم في حياتهم.

 

إن الإجابة عن هذا السؤال سوف تأتي في صور عديدة؛ فمنها: حديث رسولنا -صَلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج" [متفق عليه].

 

فمن أجل أهداف الزواج: قصر النظر على الزوجة، ومنعه من نظر الشهوة إلى سواها؛ لتطمئن النفس، وترتاح من التلهف والركض خلف صورة كل حسناء، فما يجني من يطلق لعينيه النظر المحرم إلا الحسرة في الدنيا والآخرة؛ فلا سبيل إلى إطفاء نار الشوق المشبوه في الدنيا إلا في إطار الرذيلة، وهو في الآخرة إثم وخطيئة تنتظر الحساب والعقاب ما لم يتدارك المولى صاحبها بالرحمة والغفران.

 

ويتحقق هذا الهدف بصورة متكاملة إلى حد كبير حين ترضي صورة الزوجة زوجها، ولذلك أمر الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- بالنظر إلى المخطوبة، في حشمة بحضور أهلها، فقال لأحد أصحابه: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

والجمال نسبي في كل بلد، وذوقي في نظر كل رجل، والعاقل من يختار الجمال في إطار السموات الأخرى التي تتمتع بها المخطوبة، فالرسول -صَلى الله عليه وسلم- يقول: "تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" [متفق عليه].

 

فربما تجاوز الرجل عن المثالية التي يبحث عنها في الشكل، بسبب دين المرأة وخُلُقها.

 

والهدف الآخر هو: تحصين الفرج عن الوقوع في أي سبيل غير الزواج الشرعي مهما كانت صورته؛ امتثالاً لقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 5 - 7].

 

ومن الأهداف أيضًا: إنجاب الذرية، وتكوين الأسرة، فالرسول -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم" [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

 

وهو هدف مرهون بالرزق الذي قسم للإنسان ليس لأحد فيه فضل يعود إلى ذاته إلا لله -تعالى- فهو: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى: 49 - 50].

 

وهل هناك هدف آخر من الزواج، هو ما أشار إليه المولى -تبارك وتعالى- في قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

 

هذا الهدف السامي إذا قرنته بالأهداف السابقة وجدته أكثر الأهداف مصاحبة لك، وأقربها إلى قلبك وعقلك، وأهمها في حياتك، فلن يكون هناك غضّ للبصر، ولا تحصين للفرج، ولا أولاد صالحو النفسيات ما لم يتحقق هذا الهدف، وهو السكن النفسي، والاستقرار الشعوري، حين تمتزج الروحان، ويتقارب المزاجان، وتتوحد الأهداف والغايات، ويحن الزوج على زوجه، وتتحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها، فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والأمن عند الخوف، والبشاشة عند الضيق، والأنس عند الوحشة، والألفة بعد الفرقة، إنها علاقة لا مثيل لها بين إنسانين، علاقة عميقة الجذور بعيدة الآماد، أشبه ما تكون بصلة المرء بنفسه كما بينها كتاب الله -تعالى- بقوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 178].

 

هذا الهدف بكل أسمائه وسماته هو ما يبحث الإنسان عنه ويسميه السعادة، ونخصه هنا بالسعادة الزوجية، فكيف تتحقق؟

 

إن أولى الخطوات: هي النية الصالحة في الإقدام على هذا المشروع، وأن الهدف منه عبادة الله بما شرع طلبًا لرضاه، وإنشاء بيت مسلم كل ما فيه وفق الهدي الذي أتى به البشير المصطفى -صَلى الله عليه وسلم-، فلا نية لمخالفة شرعية، ولا إعداد مسبقًا لها بأي لون من ألوان المنكرات.

 

ومن ثَم التوجه إلى الله -تعالى- بأن يوفقه ويهديه لكل ما يحب ويرضى، وأن يسدد خطاه ولا يكله إلى نفسه.

 

والخطوة الثانية: هي الاختيار كما أشرت سابقًا بمقاييس مختلفة، وأُضيف إليها هنا الاهتمام ببيت المرأة الذي جاءت منه، فيروى عن الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- أنه قال: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" [والحديث أخرجه الديلمي وضعفه الألباني].

 

والخطوة الثالثة: ليلة الزفاف وهي الليلة الأولى التي تؤسس فيها هذه الأسرة الجديدة، فإذا كانت في مرضاة الله، ووفق سنة رسوله –صلى الله عليه وسلمَ- فليبشر الزوجان بالخير والبركة في حاضرهما وفي مستقبل أيامهما -بإذن الله-، وإن كانت ليلة الزفاف ليلة حافلة بما يسخط الجبار -تعالى-، فأي بركة في زواج يبدأ بمعصية؟ وإن منكرات الأفراح في أيامنا هذه كثيرة، ولا سبيل إلى تعدادها، ولكني أشير إشارات سريعة إلى بعضها لأذكر الناسي، وأشد على يد المتردد في تركها بسبب ضغط المجتمع، فمن أبرزها: مظاهر الإسراف في الملابس أو الزينة في الصالات والفنادق، وفي الأطعمة بحيث تزيد أضعافًا عن حاجة ضيوفه، أو في أنواعها وأشكالها، ثم إهمال تصريف ما يتبقى منها، مع وجود جمعية البر التي لا تطلب سوى مكالمة هاتفية لتقوم بعد ذلك بإيصال ما يتبقى من الطعام إلى فقراء البلد المحتاجين وإدخال السرور عليهم، ولعلها تكون صدقة مقبولة تكون بركتها على هذا الأسرة الناشئة.

 

ومن منكرات الأفراح كذلك: تخلع النساء، وإبراز مفاتنهن بصورة مثيرة للغرائز، نافرة عن طبيعة مجتمعنا المحافظ.

 

ومنها: تجاوز الحد الشرعي في ضرب الدفوف، والذي شرعه الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- للنساء في الأفراح، إلى أن يتحول إلى فرقة موسيقية تعزف بالآلات المحرمة، وهي ما سوى الدفّ أو ما نسميه الطار، والغناء الفاحش المحرّك للشهوات، ووصول أصوات المغنيات إلى صالات الرجال، وما يصاحب ذلك من رقص مثير للغرائز، مسقط للمروءة.

 

أخي الشاب: لا تجعل رضا الناس مقدمًا على رضا الله -تعالى-، فإن التوفيق الذي ترجوه في زواجك لا يملكه إلا الله -تعالى-، وليكن لك فيمن سبقك عبرة، فكم عُرس أُقيم دون مراعاة حرمات الله كانت نهايته مأساة ذهب ضحيتها فتاة بقيت دون زواج، وشاب تحطمت نفسيته في أولى خطوات حياته الاجتماعية، وربما طفل أو طفلة وُلدت بعيدة عن أبيها بسبب الفراق المبكر. فاتق الله واحرص على ما يرضيه فالعاقل من اتعظ بغيره.

 

ولتحرص إذا لقيت امرأتك أن تطبق قول النبي صَلى الله عليه وسلم-: "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا فليأخذ بناصيتها، وليسم الله -عز وجل-، وليدع بالبركة، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" [رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].

 

ثم صل معها ركعتين.

 

بارك الله لكل من أراد العفاف في زواجه، ورزقه الذرية الطيبة.

 

عباد الله: أكثروا من الاستغفار فهو مفتاح من مفاتيح السعادة ورضا الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ألّف بين أولي القلوب المؤمنة، وأعانهم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-.

 

واعلموا أن السعادة بيد الله يهبها لمن يشاء، وإنما الإنسان يبذل لها الأسباب، وهذه هي الخطوة الرابعة من خطوات السعادة الزوجية: تحصين البيت من الشيطان الرجيم، فإن الله -تعالى- كشف لنا علاقة هذا المخلوق بنا، فقال في كتابه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6] ومهمته في هذه الحياة مقصورة على إضلالنا وإغرائنا بطريق الشقاء، فهو إذن من أبرز أسباب بعد السعادة عن عُشّ الزوجية الحاني. إنه حريص على زرع الفتنة والشقاق بين الزوجين المسلمين، ويتحول الود إلى كُرْه وعداوة، والرحمة إلى مكر وعذاب؛ حتى إن أكثر ما يفرحه حين تندلع شرارة الخلاف بينهما، فيأتي بخيله ورَجْله لينفخ فيها فتكون نارًا ولا يرتاح إلا حين تنفصم العرى الوثيقة، ويتم الفراق لا قدر الله.

 

فكيف نحصن بيوتنا وأسرنا وأولادنا وهم في عالم النطف من الشيطان الرجيم، من ذلك: قراءة الذكر عند دخول البيت كما قال الحبيب المصطفى -صَلى الله عليه وسلم-: "إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا، ثم يسلم على أهله" [رواه أبو داود وصححه الألباني].

 

وثمرة ذلك مع ذكر الله -تعالى- على الطعام والشراب ما بينه الرسول -صَلى الله عليه وسلم- في قوله: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان -أي لإخوانه الشياطين- لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله -تعالى- عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء" [رواه مسلم].

 

فكيف يا أخي ببيت يعشش فيه الشياطين أن يسعد ويهنأ ولو فُرش بالذهب والحرير؟!

 

ومن التحصينات: كثرة قراءة القرآن في البيت، فإن من الثابت أن الملائكة تحضر للاستماع للقراءة، ولا سيما سورة البقرة التي يقول فيها الرسول -صلى الله عليه وسلَم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة" [رواه مسلم].

 

ومما يحصن البيت من الشيطان: تطهيره من صوت إبليس، يقول الله -تعالى-: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [الإسراء: 64] قال مجاهد وهو من أئمة التفسير المعتبرين: صوت الشيطان الغناء.

 

وإذا نادى الشيطان في بيت اجتمع عليه جنوده من كل مكان فعاثوا فيه الفساد، وأوقعوا فيه الشقاق والبغضاء والشحناء، بل واتخذوه مسكنًا ومأوى، وانظر إلى المفتونين بالغناء هل جلب لهم سعادة أو أراح لهم بال، إنه كالخمرة التي تذهب عقل صاحبها فترة مؤقتة فيتوهم أنه سعيد، وهو في الواقع غدا أضحوكة العقلاء، ولعبة السفهاء.

 

فكيف بمن يجهز لليلة العمر أغنية خليعة بدلاً من ذكر الله -تبارك وتعالى-، فيا للفرق بين شؤم المعصية، وبركة الطاعة؟

 

وإذا جمَّلتَ بيت الزوجية أو حتى مكتبك أو سيارتك بما شئت من التحف والصور في غير إسراف، فاحذر أن يكون من بينها صورة لأحياء أو تماثيل، فعن عائشة -رضي الله عَنها- أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ قال: "ما بال هذه النمرقة؟" فقالت: اشتريتها لنقعد عليها ونتوسدها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة" [متفق عليه].

 

ويستثنى من الصور ما لا روح له كالأشجار والجمادات.

 

ومن التحصينات المهمة للبيت عن الشيطان الرجيم: المعاملة الطيبة الحسنة بين الزوجين، فإنها تقويض لكل ما يبنيه الشيطان بينهما من عداوة وبغضاء، فقد جاء في مسلم حديث لرسولنا -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ"، قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ: "فَيَلْتَزِمُهُ" [رواه مسلم].

 

فما أقبح وما أمرَّ ضمة الشيطان لأوليائه، التي لا تنبت إلا على أشلاء فراق الزوج لزوجته! ولا شك أن التفريق بين الزوجين هدم للمجتمع من أساسه، وهو من أهم أهداف الشيطان الرجيم.

 

والكلمة الطيبة صدقة فكيف بين الزوجين، بل عليهما أن ينتقيا أجمل الكلام وأعذبه وأرقه ليبعدا عنهما تسلط الشيطان، يقول الله -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء: 53].

 

والكلمة الجميلة؛ تشرح الصدر، وتديم الألفة، وتزيد السعادة بين الزوجين، وتحقق السكن المرجو من الزواج، وتقوي أواصر المودة، ووشائج الرحمة والمحبة والعشرة بينهما.

 

ولأن الشيطان حريص على السيطرة على الإنسان منذ بداية حياته، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- أمرنا بأن نحصن الولد عند مظنة تخلقه، فقال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله -أي أراد ذلك- قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبدًا" [متفق عليه].

 

وإذا رُزق الزوجان بالأولاد فعليهما أن يعوذانهم في الصباح والمساء بمثل قوله صلى الله عليه وسلمَ: "أعيذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" [رواه البخاري].

 

والخطوة الخامسة من خطوات السعادة الزوجية: تربية البيت على الطاعة، فإن الرجل والمرأة إذا تربيا على الإيمان والصلاح فإنهما يكونان أبعد الناس عن الرعونة في الخلق، والبذاءة في اللسان، والظلم في طلب الحق، وهي أُسس التفاهم بين الإنسان وأخيه الإنسان، ومن صور التربية على الإيمان هذه الصورة الرائعة التي نقلها لنا حبيبنا -صلى الله عليه وسلمَ- في قوله: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضح في وجهها -أي رش عليها الماء رشًّا رقيقًا غير مؤذٍ ولا مروع-، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء" [رواه أبو داود وصححه الألباني].

 

أيها الأحبة في الله: إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة دنيوية ولا شهوانية بهيمية، إنها علاقة روحية كريمة، وحينما تصح هذه العلاقة وتصدق هذه الصلة فإنها تمت إلى الحياة الآخرة بعد الممات: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) [الرعد: 23].

 

وأما الخطوة الأخيرة في هذا المقام: احترام كل من الزوجين للآخر، والتعاون على السراء والضراء، والطاعة المبصرة من الزوجة لزوجها، ف "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

 

هذا في مقابل قول الرسول -صلى الله عليه وسلمَ-: "استوصوا بالنساء خيرًا" [رواه مسلم].

 

هذه بعض ما تيسر من خطوات في سبيل الوصول إلى المأمول من السعادة الزوجية التي لا يمكن أن تتحقق في الملبس أو المطعم أو المسكن أو في التنزه، فكل هذه أسباب جانبية لا يمكن أن تنفع إذا لم تكن من خلال تلك الخطوات الإيمانية.

 

أسعد الله كل مؤمن ومؤمنة يريدان العفاف بزواجهما دنيا وآخرة، ورزقهما الذرية الطيبة المباركة.

 

ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير سيدنا ونبينا محمد كما أمركم الله -جل وعلا- بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق، وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

السعادة الزوجية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات