عناصر الخطبة
1/ مفهوم البركة في الرزق. 2/ الرزق مقسوم لكنه يتطلب السعي. 3/ أسباب جلب البركة في الرزق. 4/ صور البركة في الرزق.اقتباس
كلمة التسوُّل تُقابل الشَّحَاذة، وهي حِرْفَةُ السائلِ الْمُلِح، كما وَرَدت في القرآنِ والسُّنةِ بلفظِ: (الْمُلْحِف) و(السائل)، قال -تعالى-: (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافَاً)، وقال -تعالى-: (وأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَر)؛ فالتَّسَوُّلُ إذن: هو...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ للهِ المحمودِ الغنيّ الحميدِ، الإلهِ المعبودِ العليِّ المجيد، الحيُّ القيُّومُ الوليُّ الرَّشيدُ، الأولُ الآخِرُ الْمُبدئُ الْمُعيدِ، الظاهرُ الباطنُ كلُّ مَن في السماواتِ والأرضِ له عبيدٌ، له ما في السماواتِ وما في الأرضِ وما بينهما وهو على كل شيءٍ شهيد، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ شهادةً نرجو أن نبلُغَ ببركاتِها فوقَ ما نُريدُ، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيِّنا محمداً خاتمُ الأنبياءِ والرُّسُلِ وسيِّدُ العبيدِ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه دائماً في كلِّ زَمَنٍ أُفرِدَ بالتضعيفِ والتجديد.
أما بعد:
فيا أيها الناسُ: اتقو الله الذي جَعَلَ رِزْقَهُ يَسَعُ كُلَّ حَيٍّ مِن مخلوقاتِه؛ فقد رَزَقَكَ وكَتبَ رِزْقَكَ، حيثُ أرسلَ إليكَ الْمَلكَ وأَنتَ في بَطْنِ أُمِّكَ، وأمرَهُ بكتبِ رِزْقِكَ وأَجَلِكَ وعَمَلِكَ وشقيّ أو سعيد، والحديث رواه مسلم.
ورِزْقُكَ سيَطْلُبُكَ كما يَطْلُبُكَ أَجَلُكَ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ” رواه البزَّار وصحَّحه، وقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ” الحديث رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبيُّ.
ولِحِكْمَةٍ أرادها اللهُ جَعَلَ هذا التقديرَ والتقسيمَ للأرزاقِ خافياً عليكَ مُغَيَّباً عنكَ، قال -تعالى- وتقدَّس: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ).
كما شاءت إرادتُه جلَّ وعلا أن جَعَلَ الْمَال مُحبَّباً إلى نفسِك: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا).
ولا شكَّ أن في الْمَالِ خيرٌ لَكَ إنْ أحسَنتَ استعمالَه فيما يُرضي الله؛ فقد سَمَّاه اللهُ خيراً، فقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “نِعْمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ” رواه الإمام أحمد وصحَّحه العراقي.
فالْمَالُ خيرٌ وصالِحٌ لازمٌ لقضاءِ مَصالِحِكَ في مَعاشِكَ ومَعادِكَ، وهو وسيلةٌ لأداءِ كثيرٍ من عباداتِكَ مِن حَجٍّ وعُمرةٍ وزكاةٍ وصدَقَاتٍ ونفقاتٍ وكفَّاراتٍ ونُذورٍ وصلةِ أرحامِكَ والنفقةِ على أزواجِكَ وعيالِك، وغيرِها مِن الْمصالِح.
والرِّزقُ وإنْ كان مكتوباً بقضاء اللهِ -عزَّ وجلَّ- إلاَّ أنه -سبحانه- جَعَلَ له أسباباً، ولذا أَمَرَكَ اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- بالسَّعْيِ في طلَبِ الرِّزقِ أخذاً بالأسباب، للازديادِ مِن الخيرِ وحصولِ البركةِ في المالِ، فتَكُفَّ وجْهَكَ عن سُؤالِ الناسِ وتجتنبَ ذُلَّ الحاجةِ والعَوَزِ في معيشتكَ، وحتى يكون سعيُكَ في طلبِ الرِّزقِ حَسَناً مُباركاً فيهِ رابحاً مشكوراً عليهِ؛ فقد أرشدكَ اللهُ ورسولُه إلى دخول بُيوتِ الرِّزق وحُصول البركةِ مِن أبوابها، وفعلِ الأسبابِ الجالبةِ لها، إذن سيكون حديثنا عن البركةِ في الرزِّقِ، والأسباب الجالبة لَها في الكتابِ والسُّنة.
عباد الله: البرَكَةُ هي النَّمَاءُ والزِّيادةُ والسَّعادة، وبنحو ذلك قال ابن منظور، وقال الزَّجَّاج: “معنى البركة الكثرة في كل ذي خيرٍ” انتهى، وقال ابن كثير: “(تبَارَكَ)، تفاعلٌ مِن البركَةِ الْمُستقِرَّةِ الثابتةِ الدائمةِ” انتهى، وخُلاصةُ أقوالِ أهلِ العلِم أن البركة هي النماءُ والزِّيادةُ مِن الخير، مع ثبوت هذا الخيرِ واستقرارِه ودَوَامهِ واستمرارِه عند صاحبه، والله أعلم.
ومن الْمُهمِّ أنْ تعلم أيضاً -يا عبدَ اللهِ- أن البركة في الرِّزقِ الحلالِ قد تكونُ جليَّةً وقد تكون خفيَّةً، كما قد تكونُ أُخروية؛ فالجليةُ: ككثرةِ الرِّزقِ وتيسيرِ الحصول عليهِ، والْخفيَّة: قد تكون بدفع الْمُضرَّاتِ والْجوائح والآفات عن رِزقكَ، وعدم تعرضك للحوادث المروريةِ مثلاً أو الأمراضِ الخطيرة، وقد أَلْمَحَ النوويُّ وغيرُه بأن الغَنَمَ أو الأنعام إذا أنتجت الإناث فهذا مِن البركة الْخَفيَّةِ لأنها تنمو وتتضاعف، وإذا أنتجت الْخِراف أو الذكور فهذا مِن الْمَحْق الْخَفي، والله أعلم.
عباد الله: أولُ الأسبابِ الجالبةِ للبرَكَةِ في الرِّزقِ: تقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-: قال تباركَ وتقدَّس: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا- وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللهِ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ” رواه الإمام أحمد وصحَّحه محققو المسند؛ فيوسف عليه السلام لَما تَرَكَ امرأةَ العزيزِ للهِ رزَقهُ الله التمكين في الأرض، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً أُطْعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ اللهَ يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقًا في الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ” رواه مسلم، وقال تباركَ وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ).
ثانياً: التقرُّبُ إلى الله بالطاعاتِ: قال الله في الحديث القدسي: “يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنىً وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وإِلا تَفْعَلْ مَلأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً ولَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ” رواه الترمذي وحسَّنه.
ومن أعظمِ الطاعات: الصلاة: قال تباركَ وتقدَّس: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، قال ابن كثير: “قوله: (لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ)، يعني: إذا أقمتَ الصلاةَ أتاكَ الرِّزقُ مِن حيثُ لا تَحتسب” انتهى.
وعنْ حُذيفةَ قالَ: “كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى” رواه أبو داود وحسَّنه ابن حجر، و قولُه: “إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ”: قال ابن الأثير: “أيْ: إذا نَزَلَ بهِ مُهمٌّ أوْ أصابَهُ غَمٌّ” انتهى، قال ابن القيم: “فالصَّلاةُ مِن أكبرِ العَوْنِ على تحصيل مصالح الدُّنيا والآخرة، ودفعِ مفاسد الدُّنيا والآخرة، وهي منهاةٌ عن الإثم، ودافعةٌ لأدواء القلوب، ومَطْرَدةٌ للدَّاءِ عن الْجَسَدِ، ومنوِّرةٌ للقلب، ومُبيِّضةٌ للوجه، ومُنشِّطةٌ للجوارح والنَّفس، وجالبةٌ للرِّزق، ودافعةٌ للظُّلم، وناصرةٌ للمظلوم” انتهى.
ومن أعظم الطاعاتِ الجالبةِ للبركةِ في الرِّزقِ: الْمُتابعةُ بين الحجِّ والعُمْرةِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؛ فإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ” رواه الترمذيُّ وصحَّحه.
ومن الطاعات: الزكاةُ وما يتبعها من صدقاتِ وصلةِ أرحامٍ: قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلاَّ لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ” رواه أبو داود وصحَّحه النووي، وقال -سبحانه-: (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، قال القرطبي: “أَيْ يُنَمِّيهَا في الدُّنْيَا بِالْبَرَكَةِ وَيُكْثِرُ ثَوَابَهَا بِالتَّضْعِيفِ في الآخِرَةِ” انتهى.
وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ” رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا” متفق عليه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ” رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ” متفق عليه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ؛ فإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ في الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ في الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ في الأَثَرِ” رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي.
ثالثاً: التوكُّل على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة: وحقيقة التوكّل هو اعتماد قلبك على الله -تعالى- في حصول ما ينفعك في دينك ودنياك، ودفع ما يضرك في دينك ودنياك، مع أخذ بالأسباب المشروعة، قال تباركَ وتقدَّس: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا- وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا” رواه الإمام أحمد وصحَّحه أحمد شاكر، وعَنْ حَبَّةَ وَسَوَاءٍ ابْنَيْ خَالِدٍ قَالا: دَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُعَالِجُ شَيْئًا، فَأَعَنَّاهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: “لا تَيْأَسَا مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزَّزَتْ رُءُوسُكُمَا؛ فإِنَّ الإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ، ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-” رواه ابن ماجه وحسَّنه ابن حجر.
رابعاً: التسميةُ باللهِ في كلِّ شيء: قال -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَقْطَعُ” رواه الخطيب وحسَّنه النووي، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ” رواه الترمذي وصحَّحه.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.
أمَّا بعدُ: “فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ”.
عباد الله: مِن الأسباب الجالبة للرِّزق: خامساً: مُلازَمةُ ذكرِ اللهِ ودُعائه: جاء في وصية نوح لابنيه عند احتضاره: “وَآمُرُكُمَا بسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ؛ فإِنَّهَا صَلاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ” رواه الإمام أحمد وصحَّحه العراقي.
سادساً: شُكْرُ اللهِ وحَمْدِه: قال تباركَ وتقدَّس: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)، والشكر؛ كما قال ابن القيم: “هُوَ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا. وَعَلَى قَلْبِهِ: شُهُودًا وَمَحَبَّةً، وَعَلَى جَوَارِحِهِ: انْقِيَادًا وَطَاعَةً”، وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- “كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا، شُكْرًا لِلَّهِ تبارك وتعالى” رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “فَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ وكَرَامَتِهِ” رواه أبو داود وصححه الذهبي.
سابعاً: التوبة والاستغفار، قال -تبارك وتعالى- عن قول هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِين)، وقال -تعالى- عن قول نوح لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا- يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا- وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنِ أكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” رواه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر.
ثامناً: السعيُّ في الكسبِ أخذاً بالأسباب؛ فالحصول على المال يحتاج إلى سعي، قال -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)، وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور)، وقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ” رواه الإمام أحمد وصححه الذهبي، ومما يُستجلب به البركة في المال: الصدق والأمانة، قال -صلى الله عليه وسلم-: “الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ فإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا” متفق عليه، وأيضاً: البُكور في طلب الرزق وكسبه، عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا”، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ” رواه الترمذي وحسَّنه.
تاسعاً: القناعة والعفاف والإجمالُ في الطلب أي عدم التشوُّف والحِرص: عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يدعو: “اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وبَارِكْ لِي فِيهِ، واخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ” رواه الضياء وحسنه ابن حجر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ؛ فمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ” رواه البخاري، وقد سبق الحديث عن القناعة وعن كيفية تربية الأولاد على القناعة في خطبتين في العام الماضي.
عاشراً: الاقتصادُ في المعيشة وحُسنُ التدبير وعدم التبذير: قال -تعالى-: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين)، وقال تباركَ وتقدَّس: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ما عالَ مَن اقتصد” رواه الإمام أحمد وضعفه محققو المسند؛ فحُسن التدبير والاقتصاد في المعيشة يمنع بإذن الله من الفقر ويجلبُ الرزق وتحصلُ معه البركة.
الحادي عشر: اتباعُ السُّنة؛ فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أعمالٍ تكون فيها مَظِنة البركة في المال، كاقتناء الخيل، قال -صلى الله عليه وسلم-: “البركة في نواصي الخيل”، “الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة” رواهما البخاري، وقال -صلى الله عليه وسلم- لأم هانئ: “اتخذي غنماً فإن فيها بركة”، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “الإبل عِزٌّ لأهلها، والغنم بركة، والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة” رواهما ابن ماجه وصححهما البوصيري، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه” رواه الترمذي وحسَّنه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “تسَّحَرُوا فإنَّ في السّحُورِ بركة” رواه البخاري.
رزَقَنا اللهُ الهُدى والتقى والعَفافَ والغِنى، آمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم