أساليب تربوية (9) التعلم الفعال للأولاد

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-12-31 - 1443/05/27 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/مفهوم التعلم الفعال2/التعلم الفعال وأثره في بناء شخصية أطفالنا وتوجيه سلوكهم 3/أساليب التعليم الفعال في تعليم الأبناء 4/احتياجات التعليم الفعال وأدواته 5/ثمرة التعليم الفعال للأبناء.

اقتباس

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تُرَاكُمْ تَتَسَاءَلُونَ: وَمَا كُنْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ؟ وَنَقُولُ: التَّعَلُّمُ الْفَعَّالُ هُوَ طَرِيقَةٌ فِي التَّعَلُّمِ غَيْرُ تَقْلِيدِيَّةٍ، لَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلْقِينِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ لِلْأَوْلَادِ، بَلْ تَعْتَمِدُ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةً مُتَجَدِّدَةً فِي التَّعَلُّمِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: أُمْنِيَةُ كُلِّ أَبٍ وَكُلِّ أُمٍّ أَنْ يُجِيدَا تَعْلِيمَ أَوْلَادِهِمَا، وَأَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُمَا بِأَوْلَادِهِمَا مُهَذَّبِينَ مُتَعَلِّمِينَ مُثَقَّفِينَ قَدْ حَوَوْا مِنَ الْعُلُومِ أَجَلَّهَا وَمِنَ الثَّقَافَاتِ أَنْقَاهَا وَاسْتَوْعَبُوا خُلَاصَةَ الْحَضَارَاتِ وَجَمَعُوا شَتَاتَ الْفُنُونِ وَأَطْرَافَ الْبَيَانِ... هَذِي أُمْنِيَةُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُرَبِّينَ، فَهَلْ هُنَاكَ طَرِيقَةٌ لِتَحْقِيقِهَا؟! نُجِيبُ: لَعَلَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةٍ لِفِعْلِ ذَلِكَ هِيَ مَا يُعْرَفُ فِي زَمَانِنَا بِ "التَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تُرَاكُمْ تَتَسَاءَلُونَ: وَمَا كُنْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ؟ وَنَقُولُ: التَّعَلُّمُ الْفَعَّالُ هُوَ طَرِيقَةٌ فِي التَّعَلُّمِ غَيْرُ تَقْلِيدِيَّةٍ، لَا تَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلْقِينِ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ لِلْأَوْلَادِ، بَلْ تَعْتَمِدُ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةً مُتَجَدِّدَةً فِي التَّعَلُّمِ، فَمِنْهَا: الْمُشَارَكَةُ النَّشِطَةُ مِنَ الْأَوْلَادِ لِلْوَالِدَيْنِ وَلِلْمُعَلِّمِينَ فِي الِاسْتِنْتَاجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَمِنْهَا اسْتِخْدَامُ الْوَسَائِطِ التَّعْلِيمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ مِنْ حَوَاسِيبَ وَهَوَاتِفَ وَأَجْهِزَةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ، وَمِنْهَا الْأَنْشِطَةُ الْحَيَّةُ مِنْ رِحْلَاتٍ إِلَى الْأَمَاكِنِ التَّارِيخِيَّةِ -مَثَلًا- عِنْدَ دِرَاسَةِ حَدَثٍ تَارِيخِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِهَا، أَوْ إِلَى مَسْجِدٍ عِنْدَ تَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ...

 

وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّعَلُّمِ يَجْعَلُ الطُّلَّابَ قَادِرِينَ عَلَى اكْتِشَافِ مَهَارَاتِهِمْ وَحُسْنِ اسْتِغْلَالِهَا، وَعَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَعَارِفِ وَاسْتِيعَابِهَا وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا بِأَنْفُسِهِمْ؛ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى مُسَاعَدَةِ أَحَدٍ، فَهِيَ طَرِيقَةٌ لِلتَّعَلُّمِ تُوَفِّرُ لِلطُّلَّابِ قَدْرًا كَبِيرًا مِنَ الِاسْتِقْلَالِيَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَمِنَ الْحُرِّيَّةِ وَمِنَ الْخُصُوصِيَّةِ...

 

هَذَا مِنْ حَيْثُ طَرِيقَتُهُ وَأُسْلُوبُهُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ نَتِيجَتُهُ فَالتَّعَلُّمُ الْفَعَّالُ هُوَ ذَلِكَ التَّعَلُّمُ الَّذِي يُبَصِّرُ الْأَوْلَادَ بِالْغَايَةِ الَّتِي خُلِقُوا لِأَجْلِهَا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، وَيَخْلُقَ فِيهِمْ إِرَادَةَ السَّعْيِ إِلَى الْمَعَالِي وَالتَّنَزُّهِ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ، وَهُوَ الَّذِي يُنَمِّي فِي نُفُوسِهِمُ الْإِبْدَاعَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْبَحْثِ وَالتَّفْكِيرِ، وَيُعَزِّزُ مِنْ ثِقَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ شُعُورِهِمْ بِالْمَسْئُولِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يُوَجِّهُ اهْتِمَامَاتِهِمْ نَحْوَ مُسْتَقْبَلِ أُمَّتِهِمْ وَإِعَادَةِ مَجْدِهَا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِلتَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ آثَارًا طَيِّبَةً تَظْهَرُ عَلَى شَخْصِيَّاتِ أَطْفَالِنَا وَعَلَى سُلُوكِهِمْ، قَدْ أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِهَا، وَمِنْهَا أَيْضًا مَا يَلِي:

إِنْتَاجُ شَخْصِيَّةٍ مُبْدِعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ: حَيْثُ يَعْمَلُ التَّعَلُّمُ الْفَعَّالُ عَلَى إِيقَاظِ كَوَامِنِ الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ وَدَفْعِهِ دَفْعًا إِلَى التَّفْكِيرِ الْحُرِّ الْمُثْمِرِ مِمَّا يَبْنِي فِي الطِّفْلِ الشَّخْصِيَّةَ الْمُبْدِعَةَ مُسْتَقِلَّةَ التَّفْكِيرِ، وَهَذَا مَا رَبَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ صَحَابَتَهُ الْأَطْهَارَ؛ فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ: "اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَأَتَاهُ عَلَيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ، فَنَاوَلْهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَلَيٌّ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَمَجْبُوبٌ مَا لَهُ ذَكَرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

فَمِنْ أَيْنَ أَتَى عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِذَلِكَ التَّفْكِيرِ الْوَاعِي وَبِتِلْكَ الشَّخْصِيَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ؟ نَقُولُ: لَا عَجَبَ؛ إِنَّهُ صَنِيعَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَمَرَةُ تَرْبِيَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ.

 

وَمِنْهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ أَيًّا كَانَ فَاعِلُهُ: وَهَذَا مَوْقِفٌ يُبْرِزُ ذَلِكَ، وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ مَعَ سَيِّدِ الْخَلْقِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سَهَا فِي صَلَاتِهِ، يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟" فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَمَعَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيٌّ مُرْسَلٌ يُوحَى إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا وَقَعَ السَّهْوُ رَاجَعُوهُ حَتَّى صَحَّحَ مَا كَانَ، وَشُرِعَ لِلنَّاسِ سُجُودُ السَّهْوِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ رَبَّاهُمْ وَعَلَّمَهُمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلتَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ أَسَالِيبَ كَثِيرَةً مُتَعَدِّدَةً، فَمِنْهَا:

أُسْلُوبُ الْمُنَاقَشَةِ وَالْحِوَارِ: وَهُوَ أُسْلُوبٌ نَبَوِيٌّ أَصِيلٌ، يَنْقُلُ لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ نَمُوذَجًا لَهُ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ"، قَالُوا: لَا يُبْقِي مِنْ دَرْنِهِ شَيْئًا، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

اسْتِخْدَامُ الْوَسَائِلِ التَّوْضِيحِيَّةِ: وَهُوَ أَيْضًا أُسْلُوبٌ نَبَوِيٌّ مُجَرَّبٌ، فَهَذَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ يُحَدِّثُنَا كَيْفَ اسْتَخْدَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ كَوَسِيلَةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ وَتَوْضِيحِيَّةٍ؛ فَصَلَّى فَوْقَهُ لِيَتَمَكَّنَ الْجَمِيعُ مِنَ التَّعَلُّمِ مِنْهُ، فَيَقُولُ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَيَسْتَخْدِمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِيلَةً تَوْضِيحِيَّةً أُخْرَى يُحَدِّثُنَا عَنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَقُولُ: خَطَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: "هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

أُسْلُوبُ الْعَصْفِ الذِّهْنِيِّ: فَيَرْوِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مِثْلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟"، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هِيَ النَّخْلَةُ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: "لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أُسْلُوبُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ: وَهُوَ أُسْلُوبٌ اسْتَخْدَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِرَارًا وَهُوَ يَسْتَخْدِمُهُ هُنَا لِبَيَانِ أَصْنَافِ النَّاسِ مَعَ الْقُرْآنِ فَيَقُولُ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طِيِّبٌ وَطَعْمُهَا مَرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مَرٌّ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، ثُمَّ تِلْكَ الْأَسَالِيبُ كَثِيرَةٌ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هُنَاكَ أَدَوَاتٌ وَاحْتِيَاجَاتٌ لَابُدَّ مِنْ تَوَافُرِهَا لِضَمَانِ نَجَاحِ التَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ؛ وَمِنْهَا:

أَوَّلُهَا: الْمُعَلِّمُ الْمُؤَهَّلُ: فَفَاقِدُ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ، فَلَابُدَّ مِنْ تَوَافُرِ الْمُعَلِّمِ الذَّكِيِّ الْمُثَقَّفِ الْقَادِرِ عَلَى إِدَارَةِ الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَفِي سِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْهَلٌ عَذْبٌ زَاخِرٌ بِالنَّمَاذِجِ الْمُبْدِعَةِ لِذَلِكَ.

 

ثَانِيهَا: الْمَدْرَسَةُ الْمُزَوَّدَةُ بِالْأَجْهِزَةِ التِّقْنِيَّةِ: اللَّازِمَةِ لِإِيصَالِ الْمَعْلُومَةِ فِي شَكْلٍ عَمِيقٍ يَسْتَقِرُّ فِي الْقُلُوبِ وَفِي الْعُقُولِ.

 

ثَالِثُهَا: الْمَنَاهِجُ الْمُتَطَوِّرَةُ الْعَمَلِيَّةُ: الَّتِي تُلَبِّي مُتَطَلَّبَاتِ الْوَلَدِ كَمُسْلِمٍ نَاشِئٍ، وَتُجَارِي مُتَطَلَّبَاتِ الْعَصْرِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ.

 

رَابِعُهَا: الْأُسْرَةُ الْمُحَفِّزَةُ الْمُشَجِّعَةُ: تِلْكَ الَّتِي تُكْمِلُ دَوْرَ الْمَدْرَسَةِ وَالْمُعَلِّمِ، وَتُسَاعِدُ أَبْنَاءَهَا عَلَى التَّطْبِيقِ الْعَمَلِيِّ لِمَا دَرَسُوهُ.

 

خَامِسُهَا: الطَّالِبُ الَّذِي يَمْتَلِكُ الْمَيْلَ وَالشَّغَفَ تُجَاهَ مَا يَدْرُسُ، وَلَا يُقْحِمُ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَا يُحِبُّ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: لِلتَّعَلُّمِ الْفَعَّالِ ثَمَرَاتٌ مُبَارَكَاتٌ؛ مِنْهَا:

تَحْصِيلُ الْعِلْمِ الْعَمَلِيِّ الْمَفْهُومِ الْقَابِلِ لِلتَّطْبِيقِ: فَكَمْ مِمَّنْ يَحْفَظُونَ الْعُلُومَ الْيَوْمَ لَكِنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَهَا، أَوْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِسْقَاطَهَا عَلَى وَاقِعِهِمْ وَالِاسْتِفَادَةَ مِنْهَا، وَهَذَا شَيْءٌ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ: تَنْمِيَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَوَاقِفِ الْمُحَيِّرَةِ: فَيَرْوِي ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُمْ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي؛ لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا قَدْ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ ثَمَرَةُ تَرْبِيَتِهِ.

 

وَمِنْهَا: زِيَادَةُ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ: فَهُوَ يُقَدِّرُ قَدْرَ عَقْلِهِ، وَيَثِقُ فِي تَفْكِيرِهِ مُهْتَدِيًا بِهَدْيِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَتَجِدُهُ يُقْدِمُ عَلَى الْمُعْضِلَاتِ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ وَلَا هَيَّابٍ، وَهَذَا خِرِّيجُ تِلْكَ التَّرْبِيَةِ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَمُرُّ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَبِيٌّ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَفَرُّوا وَوَقَفَ، فَقَالَ عُمَرُ: "مَا لَكَ لَمْ تَفِرَّ مَعَ أَصْحَابِكَ" فَقَالَ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أُجْرِمْ فَأَخَافَكَ، وَلَمْ تَكُنِ الطَّرِيقُ ضَيِّقَةً فَأُوَسِّعَ لَكَ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْعَصْرَ الَّذِي نَعِيشُهُ مَلِيءٌ بِالْمُلْهِيَاتِ الَّتِي تَأْخُذُ بِأَلْبَابِ الشَّبَابِ وَالنَّاشِئَةِ بَعِيدًا عَنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ نَسْتَحْدِثْ مِنَ الطُّرُقِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالْأَسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ مَا يَجْعَلُ التَّعْلِيمَ مُتْعَةً وَشَيْئًا مُشَوِّقًا جَذَّابًا فَلَنْ يُقْبِلَ أَكْثَرُ أَبْنَائِنَا عَلَى طَلَبِهِ وَتَحْصِيلِهِ، وَالْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي طُرُقِ التَّحْصِيلِ مَفْتُوحٌ مُبَاحٌ طَالَمَا أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِضَوَابِطِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُطَوِّرَ مِنْ أَسَالِيبِ تَرْبِيَتِنَا وَتَعْلِيمِنَا؛ لِيَكُونَ أَبْنَاؤُنَا مُؤَهَّلِينَ قَادِرِينَ -بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى- عَلَى بُلُوغِ الْمَكَانَةِ السَّامِيَةِ، وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالتَّرْبِيَةِ.

 

وَاَللَّهَ نَسْأَلُ أَنْ يُلْهِمَنَا الصَّوَابَ وَالرَّشَادَ، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى الْإِبْدَاعِ وَالِابْتِكَارِ النَّافِعِ الْمُفِيدِ.

 

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

أساليب تربوية (9) التعلم الفعال للأولاد.doc

أساليب تربوية (9) التعلم الفعال للأولاد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات