عناصر الخطبة
1/ أركان الإيمان والدليل على ذلك 2/ أركان الإيمان تعريفها وما يتضمنها.اقتباس
عقيدة أهل السنة والجماعة ولله الحمد عقيدة سهلة ميسرة ليس فيها غموض ولا إشكال، بل هي واضحة ظاهرة لوضوح المنهج الذي ينهجه أهل السنة والجماعة في تقريرها ولسلامة المصدر الذي بنيت عليه هذه العقيدة؛ لأنها مستمدة من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذه العقيدة الإسلامية أسس وأصول فأسسها وأركانها ما ورد في حديث...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
يا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- وراقبوه واجتهدوا -رحمكم الله- في الأعمال الصالحة التي تكون سببا لكسب رضاه ودخول جنته، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها التي تكون سببا لدخول ناره، جددوا توبتكم دائما وأبداً فإن الله -عز وجل- هو التواب الرحيم.
أيها الأخوة في الله: إن للعقيدة التي يعتقدها المسلم بل التي يعتقدها الإنسان بعامة أثرا عظيما في حياته وتصرفاته، والمسلم الذي -وفقه الله- وكان من أهل الإسلام يعلم أن له عقيدة كريمة، عقيدة شريفة مصدرها الوحي كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، هذه العقيدة منزهة عن كل نقص وخطأ، هذه العقيدة يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعتقدها جملة وتفصيلا، ولعظم مكانة العقيدة وأهميتها كانت المرحلة المكية والعهد المكي من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عهد تقرير لها وتأسيس لها.
جلس -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل هجرته الشريفة زمنا طويلا والآيات التي نزلت عليه طيلة العهد المكي معظمها في تقرير العقيدة وتأسيسها في قلوب أصحابه.
عقيدة أهل السنة والجماعة ولله الحمد عقيدة سهلة ميسرة ليس فيها غموض ولا إشكال، بل هي واضحة ظاهرة لوضوح المنهج الذي ينهجه أهل السنة والجماعة في تقريرها ولسلامة المصدر الذي بنيت عليه هذه العقيدة؛ لأنها مستمدة من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذه العقيدة الإسلامية أسس وأصول فأسسها وأركانها ما ورد في حديث جبرائيل المشهور حينما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقال: "يا محمد أخبرني عن الإيمان؟" فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
هذه الأصول الستة هي أصول الإيمان، الإيمان بالله والإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل والإيمان بالكتب والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
هذه الأصول الستة جميعها دل عليها كتاب الله -عز وجل- كما دلت عليها السنة المطهرة في حديث جبريل السابق وغيره كما في قول الله -عز وجل- (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ..) [البقرة: 177].
وقال الله -عز وجل- في شأن الإيمان بالقدر (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] وسنتناول هذه الأصول بشيء من الإيجاز بما يناسب المقام والحال.
فأما الأصل الأول: وهو الإيمان بالله -عز وجل- فيتضمن أمورا أربعة:
الأول: الإيمان بوجود الله -عز وجل- وقد دل على وجوده -سبحانه وتعالى- الفطرة السوية والعقل الصحيح والشرع والحس.
وأما الأمر الثاني: فهو الإيمان بربوبيته الله؛ أي بأن الله وحده هو الرب لا شريك له ولا معين، له سبحانه الخلق والملك والأمر؛ فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا آمر إلا لله -سبحانه وتعالى- (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) [الأعراف:54] (لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) [فاطر:13].
وأمر الرب -سبحانه وتعالى- شامل بالأمر الكوني والشرعي؛ فكما أنه سبحانه مدبر الكون القاضي فيه بما يريد حسبما تقتضيه حكمته فهو كذلك الحاكم فيه هو سبحانه الحاكم فيه بشرع العبادات وأحكام المعاملات حسبما تقتضيه حكمته؛ فمن اتخذ مع الله مشرعا في العبادات أو حاكما في المعاملات قد أشرك به سبحانه ولم يحقق الإيمان به -عز وجل-.
ومما يتضمنه الإيمان بالله -عز وجل- الإيمان بألوهيته وأنه وحده الإله الحق لا شريك له، المعبود حقا حبا وتعظيما (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) [البقرة:163].
وكل الآلهة التي تعبد من دون الله فهي باطلة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج:62].
وعلى هذا فكل العبادات يجب ألا تصرف إلا لله وحده لا شريك له؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج لله وحده -عز وجل-، والدعاء والنذر والذبح والحلف والخوف والخشية والرغبة والرهبة والإنابة والاستعانة والاستغاثة والتوكل كل ذلك وغيره من أنواع العبادات يجب أن تصرف لله الواحد القهار -سبحانه وبحمده- وألا يشرك مع الله غيره (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:163]؛ فلا يصرف شيئا منها وان قل لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لولي ولا لجن ولا إنس ولا شجر ولا حجر.
ومما يتضمنه الإيمان بالله -عز وجل-: الإيمان بأسماء الله وصفاته الواردة في كتابه وما صح عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فكل اسم سمى الله به نفسه أو سماه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- يجب إثباته لله، وكل صفة وصف الله بها نفسه أو وصفها به رسوله -صلى الله عليه وسلم- يجب إثباتها؛ سواء كانت صفة ذاتية أو فعلية أو ذاتية فعلية؛ كصفة الرحمة والغضب والرضا والكلام والضحك واليدين والقدم والوجه والعينين وغير ذلك؛ إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل على حد قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].
إن أسماء الله -عز وجل- وصفاته يجب أن يستشعر منها المسلم كمال الله وعظمته وقوته وجلاله وكماله وقربه من خلقه واطلاعه عليهم (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف:180]
والإيمان بالله تعالى على الوصف المذكور يثمر للمؤمن ثمرات حسنة منها تحقيق توحيد الله تعالى بحيث لا يتعلق المسلم بغير الله رجاء ولا خوف ولا يعبد غيره، ومن لقي الله -عز وجل- على التوحيد الحق فهو على خير إن شاء الله.
ومن ثمرات الإيمان بالله -عز وجل- على الوصف المذكور: كمال محبة الله تعالى وتعظيمه بمقتضى أسماءه الحسنى وصفاته العليا ومنها السعادة التامة للعبد في دنياه وأخراه.
والأصل الثاني من أصول الإيمان: الإيمان بالملائكة وهم عالم غيبي مخلوقون يعبدون الله تعالى ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنحهم الانقياد التام لأمره والقوة على تنفيذ أمره قال تعالى: (وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:20].
الملائكة عدد كثير لا يحصون وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس في قصة المعراج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذ خرجوا لم يعودوا إليه أخر ما عليهم.
والإيمان بالملائكة يتضمن أمورا أربعة: الإيمان بوجودهم وهم عالم غيبي، والإيمان بالغيب من صفات عباد الله المؤمنين، والإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه كجبريل، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالا، والإيمان بما علمنا من صفاتهم كصفة جبرائيل؛ فقد رآه -صلى الله عليه وسلم- على هيئته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
وكذلك الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى كالتسبيح له -عز وجل-، والتعبد له ليلا ونهارا، ولبعضهم أعمالا خاصة هو موكل بها؛ فجبريل أمين الوحي، وميكائيل الموكل بالقطر والنبات، وإسرافيل الموكل بالنفخ.
والأصل الثالث من أصول الإيمان وأركانه: الإيمان بالكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة للخلق وهداية لهم؛ ليصلوا باتباعها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.
والإيمان بهذه الكتب يتضمن أربعة أمور:
الأول الإيمان بأن نزولها من عند الله حقا.
والثاني الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه؛ كالقرآن الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، والتوراة التي أنزلت على موسى والإنجيل الذي أنزل على عيسى، والزبور الذي أنزل على داوود، وأما الكتب التي لم نعلم اسمها فنؤمن بها اجمالا.
والثالث: تصديق ما صح من أخبارها؛ كأخبار القرآن.
والرابع: العمل بأحكام ما لم ينسخ منها؛ كالقرآن الكريم، بل القرآن الكريم نسخ ما قبله من الكتب؛ فمن الإيمان بالقرآن العمل بأحكامه والرضا بها والتسليم لها والانقياد لها وعدم معارضة أحكام القرآن لا بذوق ولا عقل.
والاعتقاد كذلك بأن ما سوى القرآن منسوخ لا يجب العمل بشيء منه بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- .
والأصل الرابع من أصول الإيمان: الإيمان برسل الله -عز وجل- الذين أرسلهم الله إلى الخلق يعلموهم شريعة الله (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: 165].
وأول الرسل نوحا -عليه الصلاة والسلام- وآخرهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى سائر أنبياء الله ورسله أجمعين (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ) [النساء: 163].
ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل رسل الله وهو آخرهم وخاتمهم؛ فلا نبي بعده، ولا رسالة بعد رسالته (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40].
والإيمان بالرسل يتضمن الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله تعالى؛ فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بالجميع.
ويتضمن الإيمان كذلك بمن علمنا اسمه من أنبياء الله ورسله باسمه؛ مثل محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح عليهم جميعا الصلاة والسلام، وهؤلاء الخمسة هم أولي العزم من الرسل، وأما من لم نعلم اسمه منهم فنؤمن به إجمالا.
والإيمان بالرسل يتضمن تصديق ما صح من أخبارهم، والعمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الناس العرب والعجم بل إلى جميع الثقلين الإنس والجن (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65].
يقول -صلى الله عليه وسلم- "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي احد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من أهل هذه العقيدة الذين يعيشون عليها ويموتون عليها ويبعثون عليها؛ إن ربي على كل شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يقول الحق ويهدي السبيل وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الأخوة في الله: الأصل الخامس من أصول الإيمان وأسس العقيدة الإسلام الإيمان باليوم الآخر يوم القيامة؛ الذي يبعث الناس فيه جميعا من أول الخلق إلى أخرهم يبعثون جميعا للحساب والجزاء، وسمي باليوم الآخر؛ لأنه لا يوم بعده حيث يستقر أهل الجنة في منازلهم في الجنة وأهل النار في منازلهم من النار.
والإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث وهو إحياء الموتى حين ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس كلهم لله رب العالمين؛ حفاة غير منتعلين، عراة غير مستترين، غرا غير مختتنيين، قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104].
والبعث وعد ثابت دل عليه الكتاب والإجماع، يقول الله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون:15-16].
البعث هو مقتضى الحكمة حيث تقتضي الحكمة الإلهية أن يجعل الله لهذه الخليقة ميعادا يجازيهم فيه على ما شرعه لهم فيما ما بعث رسله إليهم، قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115].
ومما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالحساب والجزاء؛ فيحاسب العبد على عمله ويجازى عليه صغيره وكبيره دقه وجله؛ إن خيرا فخير وإن شرا فشر (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [الأنعام:160].
والأمر الثالث مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق؛ فالجنة دار النعيم التي أعدها الله للمؤمنين؛ الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم وقاموا بطاعة الله وطاعة رسله مخلصين له الدين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى للكافرين والظالمين؛ الذين كفروا بالله وعصوا رسله فيها من أنواع العذاب والنكال ما لا يخطر على البال عياذا بالله.
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما يكون بعد الموت؛ مثل فتنة القبر وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه وعن نبيه وعن دينه؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد، ويضل الله الظالمين فيقول الكافر: ها ها لا أدري، ويقول المنافق أو المرتاب لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
ومما يجب الإيمان به كذلك: عذاب القبر، وأن المؤمن ينعم له في قبره، فيرى مقعده من الجنة، ويفتح له فرجة فيأتيه من روحها وريحها إلى قيام الساعة.
وأما الكافر فيعذب في قبره عياذا بالله إلى أن تقوم الساعة (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46].
والأصل السادس من أصول الإيمان: الإيمان بالقدر؛ وهو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته.
والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلا سواء كان مما يتعلق بأفعاله أو أفعال عباده.
ويتضمن الإيمان بالقدر: الإيمان بأن الله كتب ذلك في اللوح المحفوظ؛ وفي هذين الأمرين أعني العلم والكتابة يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج:70].
ويتضمن الإيمان بالقدر: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء) [آلعمران :6].
ويتضمن كذلك الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى ما رأيناه منها وما لم نره (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) [القصص: 68] (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر:62].
والإيمان بالقدر على ما وصفنا يثمر ثمرات حسنة ينتزع بها المسلم في دنياه وأخراه:
فمنها: الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب بحيث لا يعتمد العبد على السبب نفسه؛ لأن كل شيء إنما هو بقدر الله -عز وجل-.
ومنها: ألا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصول مراد العبد إنما هو محض فضل الله ونعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح.
ومن ثمرات الإيمان بالقدر: أنه يكسب المؤمن الطمأنينة والراحة النفسية بما يجري عليه من أقدار الله تعالى؛ فلا يقلق بفوات محبوب أو حصول مكروه؛ لأن ذلك كله بقدر الله الذي له ملك السماوات والأرض (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:23].
هذه -يا عباد الله- هي أصول الإيمان وأركانه يجب على كل مسلم أن يؤمن بها وأن يعتقد بها وأن ينشأ عليها أهله وذريته حتى يكون الجميع مؤمنين موحدين.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحسن ختامنا وأن يلهمنا رشدنا إنه سميع مجيب.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام "من صل علي صلاة صل الله عليه بها عشرة".
اللهم صل وسلم وبارك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم