عناصر الخطبة
1/أعظم فوائد الذكر 2/هل للذكر وقت معين؟ 3/ذكر الله باللسان والقلب 4/أذكار الصباح والمساء 5/حث الأبناء على المواظبة على المحافظة على الأذكاراقتباس
ينبغي للذاكر أن يتواطأ في ذكره القلبُ واللسان؛ لأن من ذكر الله بلسانه فقط وقلبه لاهٍ عن الله، كانت ثمرة الذكر على قلبه ضعيفةٌ، وأفضلُ منه من يذكرُ اللهَ بقلبه وحده، وهذا يثمر المعرفة بالله، ويهيِّج المحبة له سبحانه، ويُثيرُ الحياء منه، ويبعث على مخافته، ويدعو إلى المراقبة، ويَرْدَعُ عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، لتمام أثره.
ومما ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه...
الخطبة الأولى:
أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أَمَّا بَعْدُ:
أيها الإخوة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟" قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ" فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ لا أَعُودُ" فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ" فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهَذَا آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: (اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255] الآية، حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ، حَتَّى تُصْبِحَ.
قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "وفِي رِوَايَة أَبِي الْمُتَوَكِّل: عِنْد كُلّ صَبَاح وَمَسَاء" قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "مَا هِيَ؟" قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ: فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255] وَقَالَ: لِي لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ! تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟" قَالَ: لا، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ"[رواه البخاري].
أيها الإخوة: ولعلنا نقف عند هذا الحديث العظيم بعض الوقفات:
الأولى: أن نعلم أن من أعظم فوائد الذكر، وأخص خصائصه: أنه يطرد الشيطان، ويقمعه ويكسره.
ويصور لنا ابن القيم -رحمه الله- هذا المعنى بقوله: "فما ظنك برجل قد احتوشته أعداؤه الْمُحْنَقُونَ عليه غيظاً، وأحاطوا به، وكلُ واحد منهم يناله بما يقدر عليه من الشَّرِّ والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعِ هؤلاء الأعداء عنه، إلا بذكرِ الله -عز وجل-".
وقد جاء في هذا: الحديثُ العظيمُ الشريفُ القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه، فذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه، وهو حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ بن حبيب -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يْوماً، وَنَحْنُ فِي صُفةٍ بالمَدِينَةِ، فَقَامَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: إِنّي رَأَيْتُ البَارِحَةَ عَجَباً.
وذكرَ عدداً من المواقفِ التي رأى، ومنها: "ورَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ احْتَوَشَتْهُ الشْيَاطِينُ، فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللهِ -عز وجل- فَطَرَدَ الشْيطَانَ عَنْهُ"[رواه أبو موسى المديني في الشفاء وحسنه ابن تيمية، قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "الروح": "رواه أبو موسى المديني في الشفاء، وسمعت شيخ الإسلام يعظم أمر هذا الحديث، وقال: أصول السنة تشهد له، وهو من أحسن الأحاديث"].
وعَنِ الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ"[رواه الترمذي وصححه الألباني].
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وتَنَحَّى عنهُ الشَّيَطان فَيَقُولُ لشَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ"[رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ"[رواه البخاري].
وعلى هذا فالذكر من أعظم أسباب الحماية من الشيطان.
أيها الأحبة: الوقفة الثانية: إذا علمنا هذا الأثر العظيم للذكر، وكيف أنه يصدُ الشيطان عن العبد فهل له وقت معين ينبغي للعبد أن يحافظ عليه ويؤديه فيه؟
أقول: نعم، لقد حدد ابن القيم -رحمه الله- وقتاً لأذكار الصباح والمساء، وهو ما بين الصبح وطلوع الشمس، وما بين العصر والغروب، وستدل على ذلك بقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب: 41، 42].
والأصيل كما قال أهل اللغة: هو الوقت بعد العصر إلى المغرب.
وقال سبحانه: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ) [غافر: 55].
فالبُكْرة أول النهار والعشيُّ آخره.
وقال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق: 39].
ثم قال -رحمه الله-: "وهذا تفسير ما جاء في الأحاديث أن من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر" أ. هـ كلامه-رحمه الله-.
الوقفة الثالثة: أحبتي: وينبغي للذاكر أن يتواطأ في ذكره القلبُ واللسان؛ لأن من ذكر الله بلسانه فقط وقلبه لاهٍ عن الله، كانت ثمرة الذكر على قلبه ضعيفةٌ، وأفضلُ منه من يذكرُ اللهَ بقلبه وحده، وهذا يثمر المعرفة بالله، ويهيِّج المحبة له سبحانه، ويُثيرُ الحياء منه، ويبعث على مخافته، ويدعو إلى المراقبة، ويَرْدَعُ عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، لتمام أثره.
الوقفة الرابعة: ومما ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه أذكار طرفي النهار، وتسمى ورد الصباح والمساء وقد اشتملت على خير كثير يحصل للعبد إذا وفق لقولها، ويدفعُ الله بها عنه شراً كثيراً، وكلما كان القلب متواطئاً مع اللسان زاد أثرها وعَظُمَ نفعها من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ"[متفق عليه].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: "أَصَلَّيْتُمْ؟" فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: "قُلْ" فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ" فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "قُلْ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"[رواه أبو داود وحسنه الألباني].
وَعَنَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه-: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ" قَالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ"[رواه البخاري].
وسمى رسولُ الله هذا الدعاء سيدَ الاستغفار؛ لأنه جامعٌ لمعاني التوبة كلِها؛ فالذاكر يذكرُ الله –تعالى- فيه بأكمل الأوصاف، ويذكرُ نفسه بأضعف الحالات، وهذه أقصى غاية التضرع، ونهاية الاستكانة والخضوع لمن لا يستحق ذلك إلا هو سبحانه.
وَعَنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ"[رواه الترمذي وصححه الألباني].
وغير ذلك كثير.
أسأل الله -تعالى- أن يمن علينا بشكره وذكره، وحسن عبادته؛ إنه جواد كريم، وصلى الله على...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد ببرهانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثير.
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أما بعد:
أيها الإخوة: إذا ترك المسلم ورده اليومي من أذكار الصباح والمساء والليل، فاته التعبد لله -تعالى- بما اشتملت عليه تلك الأذكار من ذكر لله، وتبجيل له، بما هو أهله، وفاته ما فيها من توسل لله -تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وما فيها من تذلل وخضوع، ودعاء بما اشتملت عليه من أنواع الخير الأخروي والدنيوي بعبارات مختصرة جامعة مانعة؛ فلو ترك المسلم ورده اليومي لم يدعُ بها.
وبعد:
أيها الأحبة: إن علينا أن نواظب على ذكر الله وخصوصا ذكر طرفي النهار والليل، وأن نحاول حفظه، وأن ندعو أولادنا وأهلنا في بيوتنا لحفظه، والمواظبةِ عليه في وقته، ولو وضعنا لهم مسابقات بينهم في حفظه، وبيان معانيه، وأن نسألهم عنه بين الفينة والأخرى هل قرأتم الورد؟ ونحو ذلك من المتابعات التي يوفق لها بعض الأولياء والأمهات، خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الشر وتنوعت سبله.
كما على المعلمين والمعلمات أن يوجهوا من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات لذلك، ولشيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- وغيره كتابات خاصة بذلك، أدعو الجميع للعناية بها، والاستفادة منها.
جعلني الله وإياكم هداة مهتدين، وحمانا ومن نحب من كل سوء، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم