أدومه وإن قل

منديل بن محمد آل قناعي الفقيه

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/سرعة مرور الوقت 2/تنافس الناس على الطاعات في رمضان 3/السر في ترك بعض الناس للطاعات بعد رمضان 4/أهمية وفضل المداومة على الطاعات 5/الآثار الحميدة للمداومة على الطاعات 6/الأسباب المعينة على المداومة على الطاعات 7/الخوف من عدم قبول الطاعات 8/الأعمال المشروعة بعد رمضان

اقتباس

أيها المسلمون: إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يهجر الطاعات، وقد ذاق حلاوتها وطمعها، وشعر بأنسها ولذتها في شهر رمضان. لقد سأل هرقل أبا سفيان عن المسلمين، وقال: هل يترك أحد منهم دينه بعد ما دخل فيه؟ فقال أبو سفيان: لا، فقال هرقل: تلك بشاشة الإيمان إذا خالطت القلوب. فهرقل يعلم أن من ذاق طعم الإيمان وعرف لذته لا يمكن أن يرجع عنه مهما فعل به. إن ذوق طعم الإيمان ولذة الطاعة هي السر في الاستمرار، وعدم الانقطاع، ولكن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أيها المسلمون : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أيها المسلمون: كنا بالأمس في عبادة جليلة عظيمة؛ إنها عبادة الصيام والقيام، وقد عمرت مساجدنا بالطاعة والذكر وقراءة القرآن، وعمرت قلوبنا بالرحمة والعطف والحنان، ووجدنا في قلوبنا خشوعا وإخباتا وإيمانا، ورقة وصلاحا، وعملت جوارحنا بالجود والخير، والصلة والإحسان، وعلت وجوهنا البهجة، وعلامات السرور، بإدراك موسم المغفرة والعتق من النيران، وقد ودعناه بقلوب حزينة، وعيون دامعة، أسفا على موسم الطاعة، وخوفا من عدم القبول، ودعناه وما ودعنا الأعمال الصالحة، فأبوابها مفتوحة في رمضان وغير رمضان، ولكنها الفرصة الثمينة، والشهر الفاضل الذي يخشى الإنسان أن لا يدركه فيما بقي من عمره.

 

لقد انتهى موسم عظيم للطاعة، ومرَّ كأن لم يكن مرَّ هذا الشهر الكريم سريعا، وهكذا مرور الكرام.

 

لقد انقضت تلك الليالي الشريفة التي استودعنا فيها أعمالا نحتسبها عند الله، ونستودعها عند من لا تضيع عنده الودائع.

 

اجتهد البعض في الطاعات، وعاد البعض الآخر إلى ربه وتاب في هذا الشهر، لكن الخطأ أن الكثير من الناس إذا انتهى رمضان انقطع عن الطاعات التي كان يعملها في رمضان، فمثلا ترى من قد حافظ على الصلوات الخمس في رمضان بعد أن كان مفرطا في بعضها، أو حافظ على صلاة الوتر بعد أن كان متهاونا فيها: يترك ذلك.

 

بل ونرى ذلك الذي كان قبل رمضان تاركا للصلاة، وتاب في رمضان، وحافظ على الصلاة، تراه بعد رمضان يعود إلى ما كان عليه قبل رمضان، فيترك الصلاة مرة أخرى، وقس على ذلك أنواع الطاعات من صدقة أو قراءة قرآن أو غيرها.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا التراجع؟ ولماذا الضلال بعد الهدى؟

 

أيها المسلمون: إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه لا يمكن أن يهجر الطاعات، وقد ذاق حلاوتها وطمعها، وشعر بأنسها ولذتها في شهر رمضان.

 

لقد سأل هرقل أبا سفيان عن المسلمين، وقال: هل يترك أحد منهم دينه بعد ما دخل فيه؟

 

فقال أبو سفيان: لا، فقال هرقل: تلك بشاشة الإيمان إذا خالطت القلوب.

 

فهرقل يعلم أن من ذاق طعم الإيمان وعرف لذته لا يمكن أن يرجع عنه مهما فعل به.

 

إن ذوق طعم الإيمان ولذة الطاعة هي السر في الاستمرار، وعدم الانقطاع، ولكن قد يفتر المسلم ويضعف، ولكنه لا ينقطع العمل، قال ابن القيم: " تخلل الفترات للسالكين أمر لابد منه فمن كانت فترته إلى مقاربه وتسديد، ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي أن يعود خيراً مما كان".

 

أيها المسلمون: لا يليق بمسلم يؤمن بيوم الحساب أن يترك الصلاة بعد رمضان، فيكون كما قال تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل: 92].

 

وبئس العبد الذي لا يعرف ربه إلا في رمضان.

 

إن الله -عز وجل- هو الخالق المعبود في كل وقت وحين، ولا يجوز لا عقلا ولا شرعا أن يخصص له شهر واحد في السنة كلها، فهو في السنة كلها يكلؤنا ويرعانا، ويرزقنا ويحفظنا من كل سوء، ولو تركنا طرفة عين لهلكنا، فكيف يترك البعض عبادته أحد عشر شهرا في كل عام.

 

أيها المسلمون: اعلموا أن فرائض الله فرضت على الدوام إلا ما ندر، كالحج فهو مرة واحدة في العمر، وإن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-: المداومة على الأعمال الصالحة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا عمل عملا أثبته. وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" [رواه مسلم].

 

يعني أنه عليه الصلاة والسلام كان يقضي صلاة الليل في النهار إن فاتته بعذر المرض أو النوم.

 

واعلموا -رحمني الله وإياكم-: أن الأعمال التي يداوم عليها صاحبها أحب الأعمال إلى الله، قال  صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ"[البخاري ومسلم].

 

أيها المسلمون: إن للمداومة على الطاعات آثارا حميدة،  منها:

 

1- المداومة على الطاعة سبب لمحبة الله -تعالى- للعبد وولاية العبد له، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222].

 

2- المداومة على الطاعة سبب للنجاة من الشدائد، قال صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء" [الترمذي وحسنه الألباني].

 

3- المداومة على الطاعات تنهي صاحبها عن الفواحش، قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت: 45].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: "إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ" [أحمد وصححه ابن حبان والألباني].

 

4- المداومة على الطاعات سبب لمحو الخطايا والذنوب، والأدلة على ذلك كثيرة؛ منها قوله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[هود: 114].

 

في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا".

 

5- المداومة على الطاعات سبب لحسن الختام، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 

وقال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم: 27].

 

6- المداومة على الأعمال الصالحة سبب لطهارة القلب من النفاق والنجاة من النار، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ" [الترمذي وحسنه الألباني].

 

7- المداومة على العمل الصالح سبب لتيسير الحساب، وتجاوز الله عن صاحبها، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: "رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ، فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي، قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ" [مسلم]ٍ.

 

8- المداومة على العمل الصالح سبب لاستظلال العبد في ظل العرش؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ" [البخاري ومسلم].

 

وذلك أن عدل الإمام، ونشأة الشاب على الطاعة، وتعلق القلب بالمساجد، وتحاب المتحابين في الله، لابد فيه من المداومة والاستمرار، حتى يحصل هذا الفضل العظيم.

 

ثم اعلموا أنّ من داوم على عمل صالح ثم انقطع عنه بسبب مرض، أو سفر، أو عذر شرعي كتب له أجر ذلك العمل، وكأنه قد عمله، فقد أخرج البخاري من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا" [البخاري].

 

ثم اعلموا -وفقني الله وإياكم-: أن هناك أسبابا تعين على المداومة على الطاعات؛ منها:

 

1- العزيمة الصادقة والصدق مع الله.

 

2- الاقتصاد في العمل وعدم تحميل النفس مالا تطيق.

 

3- الدعاء.

 

أيها المسلمون: رحل رمضان وقد كنَّا بالأمس القريب نستقبله، ونسأل الله بلوغ ختامه، وها نحن اليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودعه، وهو شاهد لنا أو علينا، شاهد للمؤمن بطاعته وعبادته، وصالح عمله، واجتهاده، وشاهد على المقصر بتقصيره وتفريطه وعصيانه وتضييعه، رحل رمضان وقد أحسن فيه أقوام وأساء آخرون وأقوام: (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 102].

 

فمن أحسن فليحمد الله على ذلك، وليسأله القبول والعفو عن التقصير والزلل، فإنَّ الخوف على العمل من عدم القبول أشدُّ من العمل، وقد كان السلف يهتمُّون بالعمل ويتقنونه ويخلصون لله فيه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].

 

عن عَائِشَةَ –رضي الله عنها- قالت: قلت يا رَسُولَ اللَّهِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[المؤمنون: 60] أَهُوَ الذي يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قال: "لَا يا بِنْتَ أبي بَكْرٍ أو يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي وهو يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ منه"[ابن ماجة بسند حسن].

 

ومن قصر في أيامه ولياليه، أو خلط السيئ بالصالح، فليتدارك نفسه، وليعد إلى ربه قبل فوات الأوان فما زال في العمر فسحة، وسلوا أنفسكم -ونحن قد ودعنا رمضان، شهر العتق من النيران، وشهر المغفرة والرضوان- هل نحن ممن غفر الله لهم ورضي عنهم وأعتقهم من النار وأدخلهم برحمته فسيح الجنان؟ أم من الذين كان حظُّهم من صيامهم الجوع والعطش؟ ومن قيامهم التعب والسهر وخرجوا من رمضان صفر اليدين من رحمة الله، فرغم أنفه من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له؟

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: إن كنَّا فقدنا رمضان في صيام نهاره، وقيام ليله، وملازمة القرآن والذكر والدعاء، وأداء الحقوق والواجبات، والإحسان إلى الناس؛ فإنَّنا تعلمنا من رمضان أنَّنا قادرون على أداء هذه العبادات مهما كثرت مشاغلنا، وعظمت مسئولياتنا.

 

وحقُّ الله -تعالى- علينا أعظم حق يجب أداؤه؛ فهو خالقنا ورازقنا وآمرنا وناهينا، وهو الذي يجزينا بأعمالنا، ونحن عبيده لا ننفك عن عبوديته في أي حال، وقد شرع لنا صيام النوافل، وقيام الليل، وأكَّد علينا أن نوتر قبل أن ننام إلَّا من كان يقوم آخر الليل وذلك أفضل، وأمرنا بقراءة القرآن وتدبره والعمل به: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[ص: 29].

 

كما أمرنا سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الخلق مَنْ بَعُدَ منهم عنَّا، ومن قَرُبَ منهم منَّا، وحقوق القريبين آكد علينا وأعظم في شريعة ربنا -عز وجل-؛ كالوالدين والأرحام والجيران.

 

ومما شرع الله -تعالى- لنا عقب رمضان: صيام ستة أيام من شوال؛ كما جاء في حديث أَبي أَيُّوبَ الأَنصَاريِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتاً مِنْ شَوَّالَ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهر"[رواه مسلم].

 

وفي حديث ثُوبانَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "صِيامُ رَمَضَانَ بِعَشرَةِ أَشْهُر، وصِيَامُ السِّتَّةِ أيَّامٍ بِشَهرَينِ فذَلك صِيَامُ السَّنَة".

 

وفي رِوايةٍ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ كَانَ تَمامَ السَّنة: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعام: 160] [رواهُ أحمدُ وابنُ ماجة].

 

ومما ينبغي أن يُعلم: أنه يجوز صِيامِها في أَوَّلِ الشَّهرِ أَو وَسْطِهِ أو آخِرِهِ، مُتَتَابِعَةً أو مُتَفَرِّقَةً، فكُلُّ ذلك مَشرُوعٌ، وأيًّا ما فَعَلَهُ المُكَلَّفُ فَجَائِزٌ، ويَستَحِقُّ الأَجْرَ المُرَتَّبَ عَلَيْهِ إِنْ قَبِلَ اللهُ -تعالى- مِنه، ومَنْ كان عَليهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ قَدَّمَ القَضَاءَ عَلى السِّتِ ثُم صَامَهَا بعدَ ذَلك؛ لظَاهِرِ قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتاً مِنْ شَوَّالَ" يَعْني صام رمضان كَاملاً، ومَنْ بَقِيَ علَيهِ أَيَّامٌ من رَمَضَانَ فَلا يَصْدُقُ عَلَيهِ أَنَّهُ صَامَ رَمَضَانَ حَتى يَقضِيَ تِلكَ الأيَّامَ التي علَيه منه؛ ولأَنَّ إبرَاءَ الذِّمةِ من الوَاجِبِ أَولَى مِن فِعلِ المَندُوب.

 

فاتقوا الله -يا مسلمون-: وأحسنوا العمل عمرَكم كلَّه، كما أحسنتم في رمضان، وسلوا الله -تعالى- قبول الأعمال، والثبات على الإيمان.

 

 

 

المرفقات

وإن قل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات