أدركوا الأمة قبل فوات الأوان

غالي مساعد

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/ اهتمام السلف بقبول أعمالهم في رمضان 2/ مشاهد مؤسفة في مصر 3/ أهمية مصر بين دول العالم 4/ التهاون في حرمة دماء المسلمين 5/ قصة الفتح الإسلامي لمصر 6/ أهمية مصر للأمة الإسلامية 7/ نصيحة لمن يقتل المسلمين في مصر 8/ إن بعد العسر يسرًا 9/ وجود رد الأمور إلى أهل العلم 10/ ما المخرج؟! 11/ ضرورة الرجوع إلى كتاب الله

اقتباس

مصر -عباد الله- ليست فقط دولة كبقية الدول، إنما هي بمثابة قلب العالم الإسلامي، الدنيا كلها تنتظر هذا البلد الذي كان سيقود العالم بدين الله -تبارك وتعالى- ليعم الخير والفلاح والنجاح جميع أرجاء المعمورة بإذن الله -تبارك وتعالى-، كنا نأمل أن تنطلق الدعوة الإسلامية في كل بقاع الأرض تستنقذ المسلمين الذين يحتاجون من يخلصهم من الاضطهاد والتعذيب والاحتلال وغيرها في فلسطين، في أفغانستان، في بلاد الأندلس، في بورما، في مالي...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -جل وعلا- من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) [الأنعام:134].

 

فيا أيها المسلمون عباد الله: عنوان هذه الخطبة في هذا اليوم من أيام الله -جل في علاه- عنوانها "رسالة عاجلة"، نبعث بها إلى كل من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم نبيًا- ورسولاً، نقول في هذه الرسالة وهي موجهة على وجه الخصوص إلى أهل مصر، إلى أهل بلادنا وإلى كل مسلم يعيش على ظهر هذه الأرض.

 

نقول في هذه الرسالة: أدركوا الأمة قبل فوات الأوان.

 

أيها المسلمون عباد الله: مر شهر رمضان الذي نسأل الله تعالى أن يتقبله منا ومنكم ومن المسلمين في كل مكان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، خرج الناس من رمضان وقد مر بهم رمضان ربما لم يمر عليهم مثله منذ فترة بعيدة؛ لما أصاب الأمة من حزن وتفرق وفتنة أصبح الحليم فيها حيران ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مرّ رمضان وكان من المفترض أن ينشغل الناس بأن يسألوا الله -تبارك وتعالى- أن يتقبل منهم، قد صاموا لله –عز وجل- ثلاثين يومًا، وقاموا لله -تبارك وتعالى- في يوم عيد الفطر يسألون الله -تبارك وتعالى- أن يتقبل منهم.

 

هكذا حال العاملين بطاعة الله -جل وعلا-، فعليه بعد الفراغ منها أن يسأل الله -جل وعلا- أن يتقبل منه العمل، لذلك قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "لو أعلم أن الله -عز وجل- تقبل مني سجدة لكان فرحي بالموت أشد من فرح الأهل بقدوم الغائب؛ لأن الله -عز وجل- يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].

 

كان السلف يدعون الله -عز وجل- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم إذا أتى رمضان وانقضى كانوا يدعون الله –عز وجل- ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم، فكانت السنة كلها عندهم رمضان، لذلك نقول -عباد الله-: مر الناس من رمضان وخرجوا من رمضان وما مرت أيام يسيرة إلا وقد فجعت الجميعَ هذه الأحداث التي تؤلم كل قلب حي مسلم يعلم حقيقة وعظم دم المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في فتنة قد عمت كثيرًا من الناس، وقد ظهرت في بلادنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فواجه فيها أهل الملة الواحدة بين مؤيد ومعارض، حتى وقع من القتلى والجرحى ما تحزن عليه النفوس المؤمنة.

 

والناس من الجانبين -تأملوا عباد الله- بين مؤيد ومعارض؛ بين مؤيد الموقف ربما يكون معه أقوى، وبين معارض لو لم يكن عنده من الحق إلا أنه ينطق: لا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكان حقًا علينا -عباد الله- أن نسعى في حقن دماء المسلمين بدلاً من هذه الفتنة التي سوف تأكل الأخضر واليابس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

ما كنا نتمنى أبدًا والله ولا أظن أحدًا يتمنى أن يرى مثل هذه المناظر التي إذا رأيتها لا تَقول: هذه مناظر تحدث في مصر، في قلب العالم الإسلامي، في هذا البلد الذي كانت الدنيا كلها تنتظره هذه الأيام لعودة إلى الإسلام مرة أخرى، ولتتكون دولة الإسلام التي طال انتظار الناس لها، لكن ما بين عشية وضحاها -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم- تبدد هذا الأمر.

 

مصر -عباد الله- ليست فقط دولة كبقية الدول، إنما هي بمثابة قلب العالم الإسلامي، الدنيا كلها تنتظر هذا البلد الذي كان سيقود العالم بدين الله -تبارك وتعالى- ليعم الخير والفلاح والنجاح جميع أرجاء المعمورة بإذن الله -تبارك وتعالى-، كنا نأمل أن تنطلق الدعوة الإسلامية في كل بقاع الأرض تستنقذ المسلمين الذين يحتاجون من يخلصهم من الاضطهاد والتعذيب والاحتلال وغيرها في فلسطين، في أفغانستان، في بلاد الأندلس، في بورما، في مالي، في غيرها من بلاد المسلمين التي كانت تنتظر من يأخذ بأيديها إلى طرق الله -تبارك وتعالى-، يخلصها من الظلم والاضطهاد والتعذيب والحرب التي تشن عليهم، لا لشيء إلا لأنهم قالوا: ربنا الله -جل في علاه-.

 

كنا ننتظر والكثير ينتظر من هذا البلد أكثر من ذلك، حينما ترى هذه المناظر التي تحزن القلوب المؤمنة:

 

لمثل هذا يموت القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان

 

إلى أن يؤول بنا الأمر أن يتواجه أهل الدين الواحد، أهل الملة الواحدة يتواجهون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والبعض يكون حريصًا على قتل صاحبه وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

ضاعت حرمة دماء المسلمين وإنا لله وإنا إليه راجعون، الدماء التي قد حذرنا منها ربنا -تبارك وتعالى- في قوله -عز وجل-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].

 

الدماء التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ ‏‏في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ‏‏ليهريق دمه". تأمل الذي يطلب دم امرئ مسلم ليهريق دمه، هذا من أبغض الناس إلى الله -تبارك وتعالى-، الدماء التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق". الدنيا بما فيها ومن فيها تخرب ولا يقتل مؤمن واحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا".

 

هذه الدماء التي سالت -عباد الله- من الجانبين لا شك أنها تحزن النفوس المؤمنة التي تحرص على قوة هذا الدين، تحرص على هذا البلد، تحرص على مصلحة هذا البلد والذي وراءه ما وراءه من الخير إن هو سار في طريق الله -تبارك وتعالى-.

 

قصة هذا البلد قصة عجيبة -عباد الله-، أحيانًا ينساها البعض أو يتناساها، قصة بلد قبل دخول الفتح الإسلامي في مصر كانوا يعيشون حياة الاضطهاد والتعذيب، كان الرومان النصارى الذين يحكمون مصر في ذلك الزمان كانوا يعذبونهم، يضطهدونهم، يلقونهم في الزيت المغلي، فقيض الله -عز وجل- لهذه البلاد نعمة منه -تبارك وتعالى- أن وفق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- والذي رأى أن يبعث جيشًا بقيادة القائد المظفر عمرو بن العاص -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه- وأرسل معه جيشًا وأمدّه بعد ذلك بمدد لأجل أن يفتحوا بلاد مصر بلا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومن يوم الناس ذاك في سنة 20 من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلت مصر في دين الله -تبارك وتعالى-، وصارت مصر بالإسلام منارة من منارات الدنيا بفضل الله تعالى، إذا قويت مصر كان العالم الإسلام ينتعش والإسلام ينتشر بفضل الله -جل وعلا-، وإذا ضعفت مصر عم الضعف كذلك بقية بلدان العالم الإسلامي.

 

كانت مصر على مر الزمان حافظة لهذا الدين مدافعة عنه ناشرة له، كانت قلعة من قلاع العلم بفضل الله -جل وعلا-، تحركت مصر هذا التحرك ووصلت إلى هذه المكانة بهذا الإسلام، الذي يحاول البعض ويدعي أن مصر تأخرت بالإسلام، حتى ولو قلنا إنه حدثت أخطاء ممن كانوا يمثلون التيار الإسلامي لكن ليس الإسلام جماعة أو حزبًا أو تيارًا، لا، الإسلام أكبر من ذلك، الإسلام عالمي، إذا حدثت أخطاء عند من ينتسبون إلى الدين فهذا ليس عيبًا في الدين، إنما هو عيب فيمن يصدر نفسه ويتكلم باسم الدين.

 

نحن نحتاج إلى عودة وإلى مراجعة للنفس -عباد الله- حتى نكون أنموذجًا عاليًا لدين الله -تبارك وتعالى-، حتى لا نضع الإسلام في قفص الاتهام بأنه دين دموي وإرهابي ودين مختلق رجعي كما يدعي الليبراليون والعلمانيون -هداهم الله تعالى-، لذلك نقول -عباد الله-: مصر كانت وستظل -بإذن الله تبارك وتعالى- منارة للعالم كله مادام التزم هذا البلد وأهله بدين الله -تبارك وتعالى-.

 

ونحن نؤكد دائمًا وأبداً أنه لا يوجد شعب على وجه الأرض كلها يحب الدين ويحب الإسلام ويحب شريعة الله -تبارك وتعالى- مثل أهل هذا البلد، كانوا وسيظلون -بإذن الله تبارك وتعالى-، وستعلمون هذا بعد حين بإذن الله.

 

قد يضعف أهل هذا البلد أحيانًا لكنهم إذا عادوا إلى الدين وتمسكوا به وكانت شريعة الله -جل وعلا- هي التي تحكمهم، قوم يحبون الشريعة نؤكد على ذلك بالرغم مما يحدث، بالرغم من أن هناك من الناس من خرج يعترض على حكم من كانوا يمثلون التيار الإسلامي، نعم عندنا أخطاء الكل لابد أن يعترف بها مثل هؤلاء المؤمنين المطحونين الذين أعطوا أصواتهم يومًا من الأيام لمن يرفع راية الشريعة، كثير منهم بعضهم خرج كذلك يعترض على مثل هذه الممارسات الخاطئة التي كان يمثلها الذين ينتسبون إلى الدين.

 

وفي هذا الوقت يقال: إن الناس لا يحبون الدين، إن الناس معترضون على الدين، إن الناس يبغضون الدين؟! لا، أنت لا تستطيع أن تقول هذا الكلام، نحن ما زلنا نؤكد ونكرر هذه الحقيقة؛ أن أهل مصر محبون لدين الله -تبارك وتعالى- بالرغم مما يقال عنهم، ولا يؤثر فيهم قول بعض الإعلاميين الجهلاء الذين لا يعلمون شيئًا عن دين الله -جل وعلا-، والذين يقولون إن مصر دولة علمانية وإن مصر دولة لم تتقدم يومًا بالشريعة... أو مثل هذا الكلام، هذا كلام هراء، هذا كلام ليس من ورائه فائدة ولا يمثل الغالبية العظمى من أهل هذا البلد الذين يحبون دين الله –عز وجل-، الذين يحبون القرآن الكريم، الذين يحبون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن للأسف الشديد نحن ما وصلنا لهذه الحالة إلا لأخطاء من أنفسنا: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران:165]، بدلاً من أن نلقي اللوم على الشعب المطحون الموجود في الشوارع والطرقات والمحلات وغيرها، الواجب علينا أن نرجع إلى أنفسنا أولاً، ننظر هل نحن التزمنا فعلاً بدين الله -تبارك وتعالى-، هل نحن فعلاً طبقنا شريعة الله التي كنا ننادي بها؟! حصل ما كنا نحذر منه أن يحدث يومًا من الأيام في بلادنا، أن يقتل المسلمون من الجانبين، لا أقف في جانب واحد، لأن الآخر لو لم يكن غير لا إله إلا الله لكان حقًا عليك أن لا ترفع في وجهه أو تتمنى قتله، لماذا عباد الله؟! لأن حرمة الدماء كما ذكرنا عظيمة عند الله -تبارك وتعالى-.

 

اسمع هذا الحديث الذي طالما ذكرنا به ونذكر به الآن كذلك، حديث ذلكم الرجل الذي خرج ضد المسلمين يقاتل صفوفهم، وكان يترصد المسلمين، فإذا رصد واحدًا منهم عمد إليه فقتله، فرآه بعض الصحابة، وكان بعض الصحابة يتحدثون أنه أسامة بن زيد -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه-، كمن له أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف قال: "لا إله إلا الله"، فقتله أسامة بن زيد لأنه أسلم خوفًا من السيف، هذا الذي واجهه أسامة -رضي الله عنه وأرضاه-.

 

انتهت المعركة وعاد الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه الخبر، وأخبروه خبر هذا الرجل الذي أعمل في المسلمين قتلاً، فاستدعى أسامة بن زيد وسأله عن هذا الرجل لم قتلته؟! قال: لقد أمعن في المسلمين وقتل فلانًا وفلانًا وفلانًا... وعدّد له من المسلمين الذين قتلهم هذا الرجل المشرك الكافر، قال: يا رسول الله: فلما هويت عليه بالسيف قال: "لا إله إلا الله"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أقتلته بعد أن قالها؟!"، قال: نعم، قال: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!". قال: يا رسول الله: استغفر لي، قال: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة"، فلم يزد على أن يقول -صلى الله عليه وسلم- لأسامة: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة".

 

ونحن نقول لهؤلاء الذين قتلوا المسلمين، نحن نقول لهؤلاء الذين رفعوا سلاحهم وقتلوا من الجانبين: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!"، الأمر مشتبك والأمر فتنة، الحق فيها لا يعلم، وهذه طبائع الفتن، ونحن نقول للجميع: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة، نقول للذين حرقوا المسلمين والذين تعدوا عليهم: كيف تصنعون بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!

 

نذكر الجميع بهذه المعاني -عباد الله-، ثم نذكر الجميع كذلك حتى يدركوا الأمة قبل فوات الأوان، ضياع مصر -عباد الله- خراب لهذا العالم، ضياع مصر ودخولها في حرب أهلية وحمامات من الدم ونزيف من الدم لا يتأخر، أقول: ضياع لهذا العالم -عباد الله-.

 

ينبغي على المحبين لدين الله -جل وعلا-، ينبغي على من يحبون هذا الوطن ويحرصون على مصلحته ويعلمون أنه قلب العالم الإسلامي أن يعلموا أن تأخر هذا البلد وتخلفه عن قيادة العالم، هذا تخلف للعالم كله -عباد الله-، دين الله –عز وجل- أمانة في أعناق كل من ينتسبون إلى الدين في هذا البلد، أقول: أمانة في أعناقهم، فلا تخربوا البلد، ولا تضيعوا البلد بنزيف من الدم وحمامات من الدم.

 

نعم هناك مظلومون، لكن أقول للجميع: ظلمت الأرض وتعدت الأرض وتعدى أهل السلطة فلا تظن أن السماء تغفل عنهم: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)، كل من كان ظالمًا، كل من تعدى دين الله –عز وجل-، كل من خالف شرع الله -تبارك وتعالى- لا تحسب أن الله –عز وجل- غافل عنه: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [إبراهيم:42، 43].

 

أيها المسلمون عباد الله: لا نتمنى أبدًا أن تصير البلاد بحمامات من الدم، أنت ظلمت أي نعم، لكن أين حرمة الدماء؟! أين حرمة الأموال؟! أين حرمة الأعراض؟! أين دعوة الله -تبارك وتعالى- من هذا البلد؟! فلتحمد أن الأمر وصل إلى ما وصل إليه وإلا كنا سنصير كبلاد حولنا، الحروب الأهلية أخَّرتها ودمرتها وأخرت الدعوة فيها تأخرًا عظيمًا جدًا.

 

فالواجب علينا -عباد الله- أن نعلم طبيعة هذه الفتن، الفتن تأتي عليك وهي متزينة وهي متبهرجة، تسرك إذا نظرت إليها، لكن إذا دخلت فيها وبعد انتهائها تبين لك أنها عجوز شمطاء تنفر منها وتبتعد عنها.

 

فالواجب على الجميع في مثل هذه المواطن أن يرد الأمر إلى أهل العلم الذين هم سفينة نوح، من ركبها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد غرق وهلك، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

 

أهل العلم -عباد الله- هم أقدر الناس على اتخاذ القرارات الصحيحة الصائبة في المواقف الصعبة وفي الأزمات الشديدة، أهل العلم هم أقدر على ذلك: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43].

 

في مثل ظروف الفتن لا ينبغي أن يجري الإنسان وراء الحماسات والعواطف أبدًا أبدًا، بل كما ذكرنا يرد الأمر إلى أهل العلم، لا يتعجل الإنسان بعاطفة أو حماسة.

 

لا تعجـلن فـربما *** عجل الفتى فيما يضره

ولربما كـره الفـتى *** أمـرًا عـواقبه تسره  

 

بل عليه أن يرد الأمر إلى أهل العلم الذين هم أقدر الناس على الكلام في مثل هذه المواطن، أضرب لكم مثالاً -عباد الله- لتعلموا أن الإنسان لا ينبغي أن يجري وراء العاطفة أو وراء الحماسات أو وراء من يبني رأيه بعيدًا عن ميزان الكتاب والسنة، أصدق ميزان في الرخاء ووقت الشدة إنما هو ميزان الكتاب والسنة، والذي يستطيع أن يزن بميزان الكتاب والسنة الأمور والوقائع والأحداث إنما هم أهل العلم لدين الله -تبارك وتعالى-.

 

في صلح الحديبية الذي كان فتحًا على أمة الإسلام بفضل الله -تبارك وتعالى- هو الفتح الحقيقي، كان الصحابة يعدون صلح الحديبية فتحًا أكثر من فتح مكة، في بنود صلح الحديبية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وافق على شروط كان الصحابة يرى أن هذه الشروط شروط مجحفة، شروط صعبة، شروط أعطينا فيها الدنية في دين الله -تبارك وتعالى-.

 

من هذه الشروط أن المشركين في مكة اتفقوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه إذا جاء أحد من قريش من مكة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة دون أن يستأذن من ولي أمره فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرده إليهم.

 

تأمل كيف يرد المسلم إلى المشركين مرة أخرى، وافق النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأمر، وفي نفس البند أن من ذهب من المسلمين إلى قريش هناك في مكة فلا ترده قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

شرط صعب على المسلمين كيف نرده إليهم وكيف لا يردون إلينا من ذهب منا إليهم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المؤيد بالوحي من السماء يعلم تمامًا أنه عبد الله -عز وجل- وأنه ناصره وأن الله -تبارك وتعالى- لن يضيعه أبدًا أبدًا.

 

يقين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا صار صار بالوحي من السماء، وأنه لا يتكلم إلا بالوحي من السماء، فإنه لن يندم أبدًا، وأنه لن يخذل أبدًا، بل سوف يكون معه النصر والتمكين بإذن الله -تبارك وتعالى-.

 

جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- مع سهيل بن عمرو -أحد المشركين الذين عقدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنود صلح الحديبية- وجلسوا يكتبون، فرغوا من الاتفاق على هذه البنود، وفيها البند الذي ذكرناه، وفي الأثناء والنبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس وسهيل بن عمرو يجلس أمامه كذلك والصحابة متوافدون والكثير منهم يقول: كيف يرضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثل هذه الشروط المجحفة؟! إذا بمنظر عجيب -عباد الله-، إذا بأبي جندل بن سهيل بن عمرو أبو جندل -رضي الله عنه- ابن هذا الرجل المسلم الذي جاء من مكة يتفاوض مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، أبو جندل كان أسيرًا في مكة، فخرج هاربًا من مكة في قيوده وأغلاله، ينزف منه الدم، فجاء بعد مسافة طويلة من مكة إلى المدينة، وبعد جهد جهيد هرب من المشركين وخرج من سجنهم، أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وألقى بنفسه أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

جاء فارًا من المشركين الذين عذبوه وقيدوه وسجنوه، وألقى بنفسه أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا معشر المسلمين: قد جئتكم فارًا من المشركين، تأمل؛ فقال له سهيل بن عمرو قال له أبوه، الولد مسلم وجاء مقيدًا في قيوده وأغلاله، وأبوه مشرك الآن يتفاوض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا محمد: قد فرغنا قبل أن يأتيك هذا فلترده إلينا"، يعني يقول: نفّذ ما اتفقنا عليه وإلا ما اتفقت معك عليه لم يكن قبل ذلك.

 

تأمل؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- طلب منه أن يجيزه له، لم نكتب بعد، قال: لا، قال: إذًا أجزه لي، يعني اسمح لي به، قال: لا، وصمم أن يرده إلى المشركين، فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين: قد جئتكم مسلمًا إليكم، فكيف تردونني إلى المشركين؟! لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اتفق اتفاقًا وقد عقد عقدًا وقد أعطى عهدًا ولا يغدر: "إننا لسنا نغدر". كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخلف وعدًا بعد أن اتفق عليه -صلوات الله وسلامه عليه- بالرغم أن الأمر صعب وشديد على النفس، بعد أن يأتي هذا من مسافة طويلة، يلقي نفسه بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، كيف نرده مرة أخرى إليهم!!

 

لكن لم يكن هناك بد من اتباع الوحي المنزل من السماء، لم يكن هناك بد من الوفاء بالعقد والعهد الذي اتفق عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما لم يجد ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي جندل: "اصبر واحتسب ولعل الله -عز وجل- أن يجد لك عن قريب فرجًا ومخرجًا". وأبو جندل يبكي والدماء تنزل منه وأبوه يشده هكذا أمام الصحابة على التراب وهو يستغيث بالمسلمين، والمسلمون يتباكون ويبكون حوله مرارة في النفس جدًا، لكن لم يكن هناك بد من طاعة الله –عز وجل- وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ورُدَّ أبو جندل مرة أخرى إلى المشركين ولم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كلامه ولم ينقض اتفاقه مع أبو سهيل بن عمرو، وكان ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يمر عام واحد إلا وقد جعل له فرجًا ومخرجًا وعاد أبو جندل بعد اتصاله بأبي بصير وبعض من أصحابهم وصاروا قوة على المشركين خدموا بها دين الله -عز وجل-.

 

وانظر كيف تحمل النبي -صلى الله عليه وسلم- المرارة من أجل أن يتم صلح الحديبية، وتم صلح الحديبية وكان فتحًا على المسلمين، ودخل الناس في دين الله -تبارك وتعالى-، لو كانت الأمور بالحماسات والعواطف لما سمح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرد أبو جندل مرة أخرى إلى المشركين، وكان أكثر الصحابة يبكون كيف نرد أبا جندل مرة أخرى وقد جاء هاربًا منهم!! لكن الحق ربما يكون مرًا على النفوس، لكن لم يكن هناك بد من التزامه وكان هذا في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان الخير فيما قاله -صلى الله عليه وسلم-.

 

إذاً هذا دليل على أن وقت الفتن ووقت الأمور المتأزمة الشديدة لا ينبغي للإنسان أن يجري وراء الحماسات والعواطف، أنت مظلوم، نعم نعلم أنك مظلوم، لكن عليك أن لا تفجر في الرد على غيرك، عليك أن لا تستحل الدماء وأن لا تقتل الدماء المعصومة، ولا تتعدى على المنشآت أو غيرها.

 

وكذا نقول لمن يتصدون الحكم في البلد ولمن معهم، ولمن معهم السلاح الكثير، ولمن معهم السلطة والقوة، نقول: اتقوا الله -عز وجل- في أهل هذا البلد: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).

 

أنت إن لم ترع حرمة دماء المسلمين وتخاف عليهم فاعلم أن أمامك يومًا بين يدي الله -جل جلاله- وتقدست أسماؤه، الله -جل وعلا- لا يغفل عما يعمل الظالمون، أمامك حساب عسير بين يدي الله -تعالى جل جلاله وتقدست أسماءه- إن كنت من الظالمين المتعدين.

 

فنقول للجميع لعقلاء الأمة: أدركوا الأمة قبل فوات الأوان، الدم -عباد الله- لا يأتي إلا بالدم، الدم لا يؤدي إلا للدم، الدم والعنف -عباد الله- لا يؤدي إلا لمزيد من الدم والحرب الأهلية والفساد الذي سوف يعيش فيه هذا البلد، وخسارة والله للعالم أجمع أن تصير مصر إلى حرب أهلية، وليعلم الجميع أن الأمور بيد الله –عز وجل-، مقاليد الأمور بيد الله -تبارك وتعالى-، فإذا ظلمت الأرض فإن العدل في السماء، والله -جل جلاله- لا يغفل عن أحد، ومن أراد أن يعادي دين الله -جل وعلا- فليعلم أنه إنما يعادي نفسه، هذا عدو نفسه في المقام الأول، من عادى دين الله، من كان يقتل المسلمين، من كان يتعدى عليهم، من كان يعارضهم لأجل أن يهدم الدين ولأجل أن يبعد الناس عن دين الله -تبارك وتعالى-، هذه نيته، فليعلم أن سعيه إلى بوار وإلى دمار وإلى خراب، وأن الله –عز وجل- لا يصلح عمل المفسدين، وأنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وأنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

 

أهلك الله -عز وجل- عادًا وثمود، أهلك الله فرعون وهامان وجنودهما بعدما تكبروا وتجبروا، أهلك الله نمرود بن كنعان، أهلكهم الله وغيرهم من الطغاة والجبابرة لأنهم عادوا دين الله -جل جلاله وتقدست أسمائه-.

 

إن كنت خائفًا على الدين فلتعصم دماء المسلمين ولتحرص على أن تمر البلد من هذه الفتنة، ولا سبيل ولا مخرج من المرور من هذه الفتنة إلا بأن تكون هناك مصالحة بين هذا أهل هذا البلد، بين الطرفين، وليتنازل كل عن حقه وإلا فسوف يحدث ما نخشاه وما لا نتمنى أن يحدث كما سنبين بإذن الله في الخطبة الثانية.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون عباد الله: فمما يجدر أن نذكر به في مثل هذه المواطن والتي هي مواطن فارقة في تاريخ هذا البلد، نسأل الله -عز وجل- أن يسلم بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه وسوء.

 

جاء عبد الرحمن بن أبي أَبْزَى -رحمة الله عليه- إلى أبي بن كعب -رضي الله عنه وأرضاه- فقال له: "ما المخرج؟!"، لما وقع الناس في أمر عثمان وحدث ما حدث في عهده -رضي الله عنه-، قال له عبد الرحمن بن أَبْزَى: "ما المخرج؟!"، يعني ما المخرج من هذه الفتنة؟! فقال: "كتاب الله"، أي القرآن الكريم، ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكله إلى عامله.

 

ونحن نقول كذلك، نقول للجميع: إذا اشتبهت عليك الأمور فرد الأمر إلى كتاب الله، رد الأمر إلى أهل العلم الذين هم أقدر الناس على أن يزنوا الأمور والوقائع والأحداث بميزان كتاب الله –عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، نقول هذا الكلام -عباد الله- حتى نمرّ من هذه الفتنة بسلام، حتى يسلم الناس مقاليد الأمور إلى أهل العلم الذين يزنون الأمور بكتاب الله –عز وجل- وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وإلا -عباد الله- فإن هناك خطرًا حقيقيًا يهدد أهل هذا البلد، ما حصل من اجتماع مجلس الأمن، وأنا مضطر أن أقول هذا الكلام وإن كنا لا نريد أن نتحدث كثيرًا عن الأخبار، لكن نحن تحدثنا عن مثل هذه الأحداث -عباد الله-، تحدثنا عنها لأننا من أهل هذا البلد، ولابد للمسلم أن يتفاعل مع الأحداث حتى يعلم الطريق الصحيح والمخرج من مثل هذه الأزمات والفتن، الخطر الذي يهدد بلادنا في مثل هذا الوقت أن هؤلاء الغربيين في الخارج يحاولون الاصطياد في الماء العكر.

 

هم يعلمون أن مصر كما ذكرنا هي قلب العالم الإسلامي وأن مصر هي التي سوف ينطلق منها المسلمون -بإذن الله تبارك وتعالى-، ويعلمون أن الخطر الذي يهددهم إنما هو الإسلام، ولسوف يحكم الدنيا في يوم من الأيام، يعلمون هذا -عباد الله- كما يعلمون أن الجيش الوحيد في المنطقة العربية وفي بلاد العالم العربي والإسلامي إنما هو الجيش المصري الوحيد المتماسك الآن، ضاع جيش العراق، ضاع جيش سوريا، ما تبقى إلا جيش مصر الذي إذا حصلت فتنة وحروب أهلية انشغل هذا الجيش في الأحوال الداخلية وضعف شيئًا فشيئًا، وإذا ضعف هذا الجيش تأملوا -عباد الله- فالضعف سوف يعم كثيرًا من البلاد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

وبلاد العالم لا تظن أنهم حريصون على مصلحة هذا البلد أبدًا أبدًا، هؤلاء لا يرضون لأهل مصر إلا أن يتحولوا إلى اليهودية أو النصرانية، عندها سوف يرضون عنكم، أما أن تظن أن هؤلاء يدافعون عنا وعن الحقوق، لا، دماء المسلمين أرخص ما يكون عند هؤلاء، ومجلس أمنهم وحقوق الإنسان إنما يقصدون بحقوق الإنسان الغربي الكافر، أما حقوق الإنسان المسلم عندهم لا حق له، قتل امرئ أمريكي أو غيره في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر، ما اجتمعوا إلا لأجل تدمير هذه البلد، اجتمعوا بالفعل لأنهم يعلمون قوة جيش هذا البلد، وهو المتبقي الوحيد الذي قد يجره البعض إلى أن يسير في ضعف ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

ثم كذلك يعلمون -عباد الله- أن هذا البلد كما ذكرنا هو قلب العالم الإسلامي، فيتجهون إليه يقولون: أحداث حدثت في مصر ولابد من تدخل أجنبي بقوات دولية، هذا الذي يخططون له الآن، وإذا حصل فهذا -عباد الله- فساد عريض جدًا، فإياكم وإياكم، ونحذر الجميع من أن يسيروا فيما يخطط له هؤلاء الغربيون في الخارج من وجود تدخل أجنبي بحجة حماية المستضعفين والضعفاء وإحقاق الحقوق، أبدًا والله ما تدخلون في بلد إلا لأجل القضاء على الإسلام فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

لذا نقول: يا عقلاء الأمة: أدركوا الأمة قبل فوات الأوان، يا من تحبون دين الله –عز وجل-، يا من تحبون دين الله -تبارك وتعالى- أدركوا هذه البلد، إياكم أن تنجرفوا في حمامات من الدم، إياكم أن تنجرفوا في مزيد من العنف يؤدي إلى مزيد من الدم يؤدي إلى مزيد من الخراب، وعندها سوف يعلم من كان سببًا في ذلك، سوف يندم ويعض أياديه من الندم، سوف يندم وسوف يقول: يا ليتني لم أكن سببًا في أن تراق قطرة دم واحدة من مسلم يعيش على ظهر هذه الأرض.

 

إننا ننادي الجميع -عباد الله- أن يرجعوا إلى كتاب الله –عز وجل- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يسمعوا صوت العلماء الذين ينادونهم لأجل أن تكون مصالحة يتنازل فيها كل فريق عن بعض حقوقه، حتّى تمر البلد من هذه الأزمة، وحتى لا يحدث خراب في هذا البلد، أقول: لا يتوقف، لا تظن أنه إذا حدث عنف بين الجانبين بين مؤيد ومعارض أنت ستظل هكذا سالمًا، لا -يا عباد الله-، نحن لابد أن نسعى إلى حماية دين الله -تبارك وتعالى-، حماية هذا الدم وهذه الأنفس، إحياء النفس، إحياء الدولة، إحياء المجتمع.

 

انتم في مرحلة فارقة، أنا أعلم أني أكلم مائة مائتين من الناس، كيف سيصل صوتنا إلى كثير من الناس؟! لكن أقول: إذا صدقنا مع الله تعالى وإذا استشعرنا خطر الأمر فليقم كل منا بدوره، فطريق الخروج من الأزمة -عباد الله- إنما هو طريق المصالحة، إنما العنف لا يأتي إلا بمزيد من العنف والدم، إنما العنف لا يأتي إلا بمزيد من الخراب، والحريص على الدين، الحريص على الدعوة، الحريص على مصلحة هذا الوطن، فليعلم أنه كفانا خسارة إلى هذا الحد، ولنعد لتكون المصالحة بيننا وبين أهل هذه البلد الذين يحبون دين الله، وأكرر وأؤكد مرات ومرات أن أهل هذا البلد يحبون دين الله تعالى حريصون عليه، لكن بسبب ممارسات البعض منا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

هذا هو الطريق للخروج من الأزمة، والمخرج من الفتنة أن يعود الجميع إلى المصالحة الفورية التي لا ينبغي أن تتأخر، وليتنازل كل فريق عن بعض حقه، الحريص على مصلحة الدين ربما يتحمل، يأتي على نفسه كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية، شرط واحد كان كفيلاً أن يلغي المعاهدة بكاملها، وهو شرط صعب، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحمّل مرارة هذا الأمر لأجل المصلحة الكبرى، ونحن نقول: نتحمل مرارة هذا الأمر لأجل بقاء الدعوة ودين الله -عز وجل-، وحتى لا يكره الناس دين الله -تبارك وتعالى-، وحتى ينطلق أهل هذا البلد وتعود القوة إليها، ليست القوة المادية وإنما أقول: قوة هذا البلد بدين الله، بتمسكهم بشرع الله –عز وجل-، والذي سيكون سببًا في يوم من الأيام في دخول بقية بلدان العالم كله دين الله -تبارك وتعالى-.

 

البلد -عباد الله- أمانة في الأعناق، تكلمنا بما نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكون صادقًا من القلوب، ونسأل الله -جل وعلا- أن يكون في هذا الكلام إرشادًا لكل من أراد أن يمر من الفتنة بسلام، ولكل من كان حريصًا على هذا الدين، ولمن كان حريصًا على هذا البلد الذي له مكانته على مستوى العالم الإسلامي بل على مستوى العالم أجمع.

 

ثم لا ننسى -عباد الله- أبدًا أن الأمور بيد الله -عز وجل-، وأن دعوات الصادقين المخلصين ربما تغير كثيرًا من الموازين، تأمل جيدًا، الله -جل وعلا- لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا ويعلمها الله -جل وعلا-.

 

والله -جل وعلا- يستجيب دعوة المظلوم ولو كان كافرًا، ودعوة المظلوم يرفعها الله –عز وجل- فوق السحاب ويقول: "وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين"، دعوة المظلوم تصعد للسماء كأنها شرارة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

فالجميع يدعو من قلبه، يدعو دعاءً خالصًا لله -تبارك وتعالى-، فالبدعاء بإذن الله تتغير الموازين، نسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحقن دماءنا ودماء المسلمين، اللهم جنب مصر وأهلها الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

 

 

 

 

المرفقات

الأمة قبل فوات الأوان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات