أخي أنت هاجر للقرآن

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-09-07 - 1446/03/04
التصنيفات:

 

د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني

 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

 

أما بعد؛ فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ وبعد.

 

فإن الله تعالى يقول: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾ [المزمل: 20].

 

الحث على قراءة القرآن:

1- القرآن يهدي للحق والصواب في كل الأمور.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

 

قال ابن زيد، في قوله: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾، قال: «التي هي أصوب: هو الصواب وهو الحقّ»[1].

 

2- القرآن روح للمسلمين في السماء، وذكر لهم في الأرض.

قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44].

 

وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

 

3- القرآن يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه.

روى مسلم عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»[2]

 

وروى أحمد في مسنده، بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ»[3].

 

وروى الترمذي بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ»[4].

 

4- قارئ القرآن له بكل حرف يقرؤه عشر حسنات.

روى الترمذي، وحسنه عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: (ﭑ) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»[5].

 

5- قارئ القرآن يحب اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم.

روى ابن المقرئ في معجمه بسند حسن عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ»[6].

 

6- قارئ القرآن يجعل الله رائحته طيبة.

في الصحيحين عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ[7]، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ»[8].

 

7- قارئ القرآن يكرمه الله يوم القيامة ويرضى عنه.

روى الترمذي، وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً»[9].

 

8- قارئ القرآن يكون في قمة النعيم يوم القيامة.

روى الترمذي، وصححه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يُقَالُ - يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ -: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا»[10].

 

وروى مسلم عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»[11].

 

9- الذي يقرأ آية من كتاب الله في المسجد أفضل من التصدق بأنفس الأموال.

روى مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ»[12].

 

10- خير هذه الأمة من يتعلم القرآن ويعلمه.

روى البخاري عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»[13].

 

11- أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

روى النسائي في الكبرى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنْ خَلْقِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ»[14].

 

12- الماهر بالقرآن يكون رفيقا للملائكة السفرة في الجنة.

في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ[15] مَعَ السَّفَرَةِ[16] الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ[17]، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ[18]، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ»[19].

 

قال القاضي عياض: «يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى»[20].

 

13- لا تزال أمة الإسلام بعيدة عن الضلال ما دامت قارئة لكتاب ربها متمسكة به عاملة بما فيه.

روى مسلم عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ»[21].

 

وروى أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ: كِتَابُ اللهِ عز وجل حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي [22]»[23].

 

التحذير من هجر القرآن:

1- هاجر القرآن سيجعل الله معيشته ضنكا في الدنيا، ويحشره يوم القيامة أعمى.

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

 

قال ابن كثير في تفسير الآية: «أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء»[24].

 

2- إن الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي هاجر القرآن إلى ربه سبحانه وتعالى يوم القيامة.

قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

 

قال ابن كثير في تفسير الآية: «يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين أنه قال: ﴿ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾، وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]، وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه.

 

وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه.

وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه.

وترك تدبره وتفهمه من هجرانه.

وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه.

 

والعدول عنه إلى غيره -من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره- من هجرانه»[25].

 

3- هاجر القرآن توعده الله بالعذاب الأليم يوم القيامة.

قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [المؤمنون: 64 - 68].

 

أنواع هجر القرآن:

قال ابن القيم: «هجر القرآن أنواع:

أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه.

 

والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.

 

والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم.

 

والرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.

 

والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.

 

وكل هذا داخل في قوله: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض»[26].

 

أحوال السلف مع القرآن:

قَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ رضي الله عنه حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَتْ: «إِنْ تَقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ بِالْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ»[27].

 

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، «أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ»[28].

 

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فِي الْكَعْبَةِ»[29].

 

وعَنِ القَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، قَالَ: «كَانَ أَبُو حَنِيْفَةَ يَخْتِمُ القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَكْعَةٍ»[30].

 

وَيُرْوَى: «أَنَّه خَتَمَ القُرْآنَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرَّةٍ»[31].

 

وقَالَ شُعْبَةُ: «كَانَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ»[32].

 

وكَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ[33].

 

ورُوي أن أَبَا بَكْرٍ بنَ عَيَّاشٍ «مَكَثَ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً»[34].

 

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: «كَانَ عَلْقَمَةُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ خَمِيسٍ»[35].

 

وعنْ قَتَادَةَ، «أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ خَتَمَ فِي كُلِّ ثَلَاثِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَإِذَا جَاءَ الْعَشْرُ خَتَمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مَرَّةً»[36].

 

وعن الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: «كَانَ الشَّافِعِيُّ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ سِتِّينَ خَتْمَةً»[37].

 

[1] انظر: تفسير الطبري (17-392).

[2] صحيح: رواه مسلم (804).

[3] صحيح : رواه أحمد في مسنده (6626)، و صححه الألباني في صحيح الجامع (2882) .

[4] صحيح: رواه الترمذي (2891)، وحسنه، والنسائي في الكبرى (11548)، وابن ماجه (3786)، وأحمد (7975)، وحسنه الألباني.

[5] صحيح: رواه الترمذي (2910)، وقال: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني.

[6] حسن: رواه ابن المقرئ في معجمه (498)، والبيهقي في الشعب (2027)، والأصبهاني في الحلية (7/ 209)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6289).

[7] الأترجة: هي ثمر جامع لطيب الطعم والرائحة وحسن اللون يشبه البطيخ.

[8] متفق عليه: رواه البخاري (5427)، ومسلم (797).

[9] صحيح: رواه الترمذي (2915)، وحسنه، ووافقه الألباني في صحيح الجامع (8030).

[10] صحيح: رواه الترمذي (2914)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الكبرى (8002)، وأحمد (6799)، وصححه أحمد شاكر، والألباني.

[11] صحيح: رواه مسلم (817).

[12] صحيح: رواه مسلم (803).

[13] صحيح: رواه البخاري (5027).

[14] صحيح: رواه النسائي في الكبرى (7977)، وابن ماجه (215)، وأحمد (12292)، وصححه الألباني.

[15]الماهر: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه. [انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (6/ 86)].

[16]السفرة: جميع سافر ككاتب وكتبة، والسافر الرسول، والسفرة الرسل؛ لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل: السفرة الكتبة. [انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (6/ 86)].

[17] البررة: المطيعون من البر، وهو الطاعة. [انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (6/ 86)].

[18] الذي يتتعتع فيه: هو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران أجر بالقراءة وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته. [انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (6/ 85)].

[19] متفق عليه: رواه البخاري (4937)، ومسلم (798)، واللفظ له.

[20]انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم (6/ 86).

[21] صحيح: رواه مسلم (1218).

[22] عترتي: عترة الرجل أخص أقاربه، وعترة النبي صلى الله عليه وسلم : بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلي وأولاده، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم. [انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 177)].

[23] صحيح: رواه أحمد (11211)، وصححه الألباني بشواهده في الصحيحة (4/ 357).

[24] تنظر: تفسير ابن كثير (5/ 322).

[25] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 108).

[26] انظر: الفوائد، لابن القيم، صـ (82).

[27] رواه ابن المبارك في الزهد، صـ (453)، والترمذي (5/ 196).

[28] رواه ابن المبارك في الزهد (1277)، وعبد الرزاق في مصنفه (3691).

[29] رواه الترمذي (5/ 196)، والبغوي في شرح السنة (4/ 499).

[30] انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 400).

[31] انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 400).

[32] رواه البيهقي في الشعب (1995).

[33] انظر: حلية الأولياء (3/ 58).

[34] انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 503).

[35] انظر: حلية الأولياء (2/ 99).

[36] انظر: حلية الأولياء (2/ 328).

[37] انظر: حلية الأولياء (9/ 134).

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات