أخلاق في الميزان (2)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/إخلاف الوعد 2/أنواع الوعود3/ لوازم إخلاف الوعد 4/الأمر بالوفاء بالوعد والتحذير من إخلافه 5/صور إخلاف الوعد 6/تربية الصغار على الوفاء بالوعد 7/مظاهر قلة الذوق والحياء 8/النميمة وخطرها 9/بم تنعقد إمامة المسلمين؟

اقتباس

إخلاف الوعد -أيها الأخوة- يدل على عدة لوازم، منها: استخفاف المخلف بمن وعده ثم أخلفه، ولو كان في نفسه قيمة وقدر حقيقي لما أخلفه قاصدا ذلك، ومنها: حب المخلف للدنيا أضعاف حبه للآخرة؛ ولذلك تجد هذا المخلف، إذا برزت مصلحته الدنيوية في موعد ما، تجده يحرص أشد الحرص على...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

من الأخلاق السيئة الواسعة الانتشار: "إخلاف الموعد.. إخلاف الوعد" وهو خلق في الأصل لصيق بالمنافق، ففي صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أتمن خان".

 

وقد يطبع الله على قلب المخلف وعده بالنفاق إلى أن يموت، فلم يقدر على نزعه، نسأل الله السلامة.

 

قال الله -تعالى-: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ)[التوبة: 75- 77].

 

والوعود أنواع، منها: ما يتعلق بالمكان، ومنها: ما يتعلق بالزمان، ومنها: ما يتعلق بالمال، ومنها: ما يتعلق بالفعال، وغالب حال المخلف أنه يمارس جميع أنواع الخلف، هذا غالب حاله؛ لأن سوء أدبه أذهب ماء وجهه، فاستمراء الخلف، والمخلف لا يأنف من الكذب؛ لأنه إذا أخلف قاصدا فقد كذب، ومن ثم لم يعد يبالي بأنواع الكذب الأخرى.

 

فالوفاء بالوعد دليل الصدق وخلافه دليل الكذب، ذلك أن من معاني الصدق موافقة الفعل للقول، والمخلف وعده، لا يوافق قوله فعله، أما الصادق فلا، قال الله -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[الأحزاب: 23].

 

عاهدوا الله على نصر دينه، والصبر على أذى أعدائه جل وعلا، فلما امتحنوا بما عاهدوا الله عليه أوفوا بعهدهم، فكان أن سمى الله وفاءهم صدقا، وسماهم رجالا.

 

وإخلاف الوعد -أيها الأخوة- يدل على عدة لوازم، منها: استخفاف المخلف بمن وعده ثم أخلفه، ولو كان في نفسه قيمة وقدر حقيقي لما أخلفه قاصدا ذلك، ومنها: حب المخلف للدنيا أضعاف حبه للآخرة؛ ولذلك تجد هذا المخلف، إذا برزت مصلحته الدنيوية في موعد ما، تجده يحرص أشد الحرص على الوفاء بذلك الموعد.

 

ومنها: قلة حيائه وثقافته؛ لأنه لا يبادر بالاعتذار ممن وعده، أو عاهد قبل أن يحين الوفاء، بل يستمر بالخلف حتى يمر الموعد دون أدنى مبالاة.

 

ومنها: ضعف كلمته، فالمخلف لا وزن لكلمته، ولا يوثق بوعده، وكل هذه صفات لا تليق بالمسلم إطلاقا.

 

ولذلك أمر الله بالوفاء بالعهد، إلا إن كثيراً من المسلمين لا يلتفتون إلى هذا الأمر، وحذر من إخلاف الوعد والعقد والعهد، إلا إن كثيرا من المسلمين لا يلتفتون إلى هذا التحذير، وأثنى على الموفين بعهدهم إلا أنهم أيضا لا يلتفتون إلى هذا الثناء؛ قال الله -تعالى-: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].

 

وقال أيضا: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 34].

 

وقال أيضا في موضع الذم في خصلة من خصل الكفار: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ)[الأنفال: 55-56].

 

وقال في موضع الثناء: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا) [مريم: 54] كان صادق الوعد.

 

بل الله -تعالى- أثنى على ذاته العالية بالوفاء بالوعد والعهد، قال تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ)[التوبة: 111].

 

وقال تعالى مذكرا بصفته هذه من جابه الابتلاء: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)[إبراهيم: 47].

 

وزكى ذاته من الخلف قائلا جل وعلا: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران: 9].

 

أيها الأخوة: إن من أكبر صور إخلاف الوعد: المماطلة في سداد الدين، وهي ظاهرة سيئة مرهقة، وفيها من الأمثلة والقصص ما يطول المقام بسرده.

 

وفي الأثر: أن المال هو فتنة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ كما صح في المسند: "إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال".

 

ومع شدة فتنة المال، وشدة السعي في طلبه، يستفحل الدين، وبالتالي ينتشر الخلف.

 

ومن الصور: الخلف في إجابة الدعوى، والخلف في اللقاء، والخلف فيما اتفق على بيعه، أو شرائه، أو إحضاره، وما شابه هذه الوعود.

 

والإسلام -أيها الأخوة- يعتبر موضوع إخلاف الوعد موضعا جدا، لا مزاح فيه إطلاقا، ولذا لما دعت أم عبد الله بن عامر ابنها الصغير، فقالت له: "تعال أعطيك"، هذا وعد، قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما أنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة" [أخرجه أبو داود وهو صحيح].

 

ولذلك ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له".

 

والحقيقة لو تأملنا في هذا السلوك المشتهر بين الناس اليوم، وهو إخلاف الصغار بما يوعدون لصغر سنهم، أن هذا السلوك من الكبار تجاههم يربي الصغار على استمراء إخلاف الوعد والكذب.

 

ولذلك لا ننتظر من هؤلاء الصغار صفة الوفاء والصدق في المستقبل ما دام الكبار أمامهم يخلفون وعودهم، وهي من الأخطاء التربوية الجسيمة التي يستهين بها الكثيرون، والتي تعاني منها المجتمعات المسلمة، ويقع فيها كثير من الآباء والأمهات.

 

ومن عظمة الإسلام: أنه راعى هذه الدقائق السلوكية وهذبها، انظروا كيف عقب النبي -صلى الله عليه وسلم- على نداء المرأة لذلك الصبي الصغير، ووعدها إياه إن هو أقبل عليها أن تعطيه شيئا، وما أردت أن تعطيه؟ قالت: اعطيه تمرا، قال: "أما أنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة".

 

كأنما يقول لنا صلى الله عليه وسلم هذا ما ينبغي أن تربوا عليه صغاركم أيها المسلمون على الصدق والوفاء، لا الخلف والخداع ولو على سبيل المزاح واللعب.

 

أيها الأخوة: إننا لو اعتدنا على خلق الوفاء في حياتنا لتغيرت الصورة الحالية التي تعارف الناس على ترديدها، وهي أن الخلف من صفات المسلمين، والوفاء بالوعد من صفات الكفار.

 

يقول أحدهم: إذا أراد أن يؤكد احترام صاحبه للموعد -وعد إنجليزي- يريد أن يؤكد هذا الموعد، أقول: يمكن أن يتغير هذا المفهوم لو حرصنا على مراجعة مفهومنا لحقائق ديننا، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" [أخرجه أحمد في المسند والبيهقي في سننه].

 

ومن الأخلاق الرديئة التي مردها إلى اللامبالاة: قلة الذوق، أو قلة الحياء، ومن مظاهرها على سبيل المثال: تعتمد إبقاء الجوال مفتوحا في المسجد، وإنك لتعجب من هذه الظاهرة العجيبة كأنما أصبح الجوال جهاز تنفس، لا يستطيع أحدهم البقاء حيا بدونه، ولو لدقائق يصلي فيها لربه.

 

ومن قلة الذوق: ضبط رنة الجهاز على نغمات الموسيقى والأغاني، فلا هو أطاع الله في ترك ما نهى عنه، ولا هو احترم مشاعر الذاكرين المسلمين.

 

فأي قلة حياء بعد ذلك؟!

 

ومن مظاهر قلة الحياء: رفع مذياع السيارة بأصوات الأغاني التي تكاد أصواتها تصك أذنيك وأنت في سيارتك، وهي مغلقة النوافذ.

 

ومن مظاهر قلة الحياء: رمي المخلفات من علب وقوارير وأوراق في الشوارع من نافذة السيارة، أو أثناء السير على الأقدام، ولو كنا بلدا فقيرة لا يعتمد الميزانيات لنظافة الشوارع لرأينا الركام، ركام المخلفات على حقيقته.

 

ومن مظاهر قلة الذوق: تعمد تعطيل الناس، وتأخيرهم عن مصالحهم بحجزهم عن أحقية الالتفاف يمينا في الشارع بوقوفه بالجهة اليمنى، عند إشارات المرور.

 

ومن الأخلاق السيئة: النميمة، والنميمة هي التحريش بين الناس بإيقاع العداوة بينهم، أو إفساد المحبة بينهم، أو بث الشك فيما بينهم، وذلك بنقل الكلام، أو سرب الأخبار التي تؤدي غرضه.

 

فكأنما هذا النمام جرثومة تنقل الأمراض هنا وهناك، وهو خلق قبيح، وصاحبه دنيء وحقود، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" [أخرجه أحمد ومسلم].

 

وقد شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- على النمام بالعذاب في القبر، ففي صحيح البخاري قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرين، قال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة..." الحديث..

 

أيها الكرام: إن من أسباب إهمال رعاية الأخلاق وتحسينها: الغفلة عن جانب الاحتساب في ذلك، فكثير من الناس يعتبر حسن الخلق مجرد ظاهرة اجتماعية جميلة، وصفة حضارية راقية، دون أن يتنبه إلى الجانب الشرعي في الموضوع.

 

قد يكون له دافع فلسفي، أو دافع حضاري، لكن ليس له دافعا إيمانيا حين يفكر في تهذيب أخلاقه، ليس هناك هاجس عقائدي ديني، بل كان هناك دافع فهو دافع قيامي أخلاقي، فقط.

 

تجد أحدهم يهتم بتحسين صلاته، أو صيامه، أو قراءته للقرآن، احتسابا للأجر، وطلبا لمرضاة الله، لكنه لا يحتسب ذلك في تهذيبه لأخلاقه؛ مع أن الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضمن لمن سعى في تهذيب أخلاقه بيت في وسط الجنة، فمن سيطر على غضبه لنفسه، وحفظ لسانه من الفحش والغيبة، واعتنى بنظافة نفسه، ونظافة بيته، وراعى أسبقية من وصل قبله في أي مكان، وتنبه لأنفته وفخره بعلمه أو نسبه، أو ماله تجاه الآخرين، وأحل مكان ذلك التواضع بدلا منه، وترك استصغار الناس... كل هذه عبادات عظيمة غائبة عن كثير من المسلمين؛ قال صلى الله عليه وسلم في ثواب أحد هذه الأخلاق، وهو كظم الغيظ: "من كظم غيظا، وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره في أي الحور شاء" [أخرجه ابن ماجة والترمذي].

 

قال الله -تعالى- في الوفاء: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ... ) إلى قوله: (... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].

 

لو اعتدنا على خلق الوفاء في حياتنا، واحتسبناه عبادة نتقرب بها إلى الله، لتغيرت حالنا - بإذن الله تعالى-.

 

أسأل الله -تعالى- أن يصلح حالنا، وأن يحسن أخلاقنا.

 

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

 

أما بعد:

 

فأدعوكم إلى الإنصات لمقتطفات من بيان سماحة المفتي الصادر يوم الجمعة 10/4/1428 عن وزارة الداخلية حول تمكن قوات الأمن من القبض على خلايا إفسادية ارتكبت أمورا عظيمة، هي من كبائر الذنوب، ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية، وأيضا أعدوا العدة، وعزموا على أمور أخرى هي من كبائر الذنوب - عياذا بالله من الضلال بعد الهدى-، واني إبراءً للذمة، وخروجا من العهدة، وبيانا للحق، ونصيحة لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، لأوضح هنا عدة أمور:

 

الأمر الأول: أن ما قام به هؤلاء من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة، وإعداد العدة، والاستعداد البدني والمالي والتسليح، هذا كله خروج على ولي الأمر، وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، فقاتلهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وأمروا بقتالهم امتثالا لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال عنهم: "يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة" [أخرجه الشيخان].

 

ثانيا: من المعلوم في دين الإسلام أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[النساء: 59].

 

وعلى هذا جرى إجماع الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن بعدهم من سائر المسلمين.

 

ثالثا: إن إمامة المسلمين تنعقد بأمور منها: أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام، فإذا بايعوه صحت إمامته ووجبت على سائر المسلمين طاعته، ولزمتهم بيعته.

 

يقول ابن رجب -رحمه الله-: وأما السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم؛ كما قال علي -رضي الله عنه-: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجرا عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله".

 

رابعا: إن من الكبائر العظيمة، والآثار الجسيمة، نقض البيعة، ومبايعة آخر مع وجود الإمام، وانعقاد البيعة له، وهذا خروج عن جماعة المسلمين، وهو محرم، ومن كبائر الذنوب، يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية"[أخرجه مسلم].

 

خامسا: مما ظهر في البيان استعداد هؤلاء بالسلاح، وتخطيطهم للخروج على المسلمين بذلك السلاح، ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حمل علينا السلاح فليس منا" [أخرجه الشيخان].

 

سادسا: ومما ظهر في البيان تخطيطهم لقتل شخصيات عامة في البلاد، وهذا من قتل المسلم بغير حق، والله -تعالى- يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

 

حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سبحانه سميع مجيب.

 

هذا جزء مما أصدره سماحة المفتي..

 

اللهم أصلح أحوالنا، اغفر ذنوبنا...

 

 

 

 

المرفقات

في الميزان (2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات