عناصر الخطبة
1/ تنظيم الإسلام لعلاقات الإنسان في شتى المجالات 2/ أحكام وآداب التعامل والعمل لدى الآخرين 3/ صفات الموظف المسلم 4/ وجوب تحمل المسئوليات المترتبة على عقود العمل 5/ أهم أخلاقيات الموظف المسلم.اقتباس
من أخلاقيات الموظف المسلم: إتقان العمل إما أن تؤدي هذا العمل بإتقان أو أن تدعه، لا تأخذ شيئًا لن تؤديه بإتقان؛ لأنك بذلك تفوِّت مصالح عظيمة على البلاد والعباد، فلا بد من الإتقان أحبتي في الله، المجتمعات الشرقية والغربية من أسباب تقدمها أنهم أتقنوا هذا العمل، لا يجاملون على مصالح البلاد والعباد؛ إما أن تؤديه وإما أن تدعه، إما أن تأخذه بعُجَره وبُجَره، والتزاماته ومسئولياته، وأن تكون كفئًا لأدائه بإتقان وأمانة وصدق، وإما أن تعتذر عنه حتى تبرأ ذمتك أمام الله وأمام عباده...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، وشرعنا العظيم قد نظم علاقات الإنسان في شتى المجالات، قد نظَّم وبيَّن علاقة الإنسان مع ربه، ونظم وبين علاقة الإنسان تجاه نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ونظم وبين علاقة المسلم تجاه أمته.
ومن هذا المنطلق -أحبتي في الله- فإن المسلم في هذه الدنيا لا يخلو من التعامل والعمل لدى الآخرين، فلا ينفك أحدنا إلا أن يكون عاملاً أو موظفًا لدى الدولة أو لدى غيره.
ولذلك نحتاج -أحبتي في الله- أن نذكِّر أنفسنا وأحبابنا بأخلاقيات الموظف المسلم؛ نظرًا لما تشهده كثير من وزاراتنا، وكثير من دوائرنا وكثير من مؤسساتنا -وللأسف الشديد- من فوضى وتسيب عجيب وتضييع للأمانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم" فهناك شروط وعقود قد أبرمت بينك وبين الجهة التي تعمل عندها، يجب أن تحقق هذه الشروط، ويجب أن تتقي الله -عز وجل- في هذا العمل الذي أنيط بك أيها المسلم.
تعالوا معي -أحبتي في الله- لنتعرف وإياكم على صفات الموظف المسلم، ولا نقول المثالي؛ لأنني أعتبر أن المسلم هو موظف مثالي إذا ما التزم بهذه الصفات وأدى الحقوق والواجبات وتحمل المسئوليات، وراقب الله -تبارك وتعالى- عندها يكون موظفًا مثاليًّا فلا نحتاج لكاميرات مراقبة وغير ذلك مما يضعه المجتمعات في شرق الأرض وغربها.
أولى أخلاقيات الموظف المسلم: تحمل المسئولية يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
إذا ما أمضيت هذا العقد فلا بد أن تتحمل المسئوليات المترتبة على هذا العقد الذي أبرمته مع هذه الجهة التي تعمل عندها، وإلا يعد ذلك من ضياع الحقوق والمسئوليات وستحاسب في ذلك اليوم العظيم.
من أخلاقيات الموظف المسلم: الأمانة، الأمانة التي أمر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في سنن أبو داود وهو حديث صحيح: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك".
فأنت إذا كنت موظفًا، إذا كنت عاملاً، إذا كنت أجيرًا، لا بد أن تؤدي هذه الأمانة الذي اؤتمنت عليها تجاه مسئولك، وتجاه الجهة التي تعمل عندها.
ومن أخلاقيات الموظف المسلم: الصدق، فـ"الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا".
هكذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولذلك أمرنا ربنا -تبارك وتعالى- بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
تجد بعض الموظفين والموظفات -وللأسف الشديد- يتخذ الكذب شعارًا، ويتخذ الكذب فلسفة تعامل يتعامل مع مسئوليه ومرؤوسيه في هذا العمل الذي يعمل فيه.
دائمًا يكذب إذا سُئل: هل تأخرت عن العمل يكذب إذا سئلت هل أنت قمت بهذا الخطأ يكذب ولا يكون صادقًا، وهو يعلم أنه بذلك سينجو، ومتى كان الكذب منجاة للمسلم أو للإنسان على عمومه من المصائب إن نجا من قبضة البشر وعقابهم فإنه في ذلك اليوم العظيم الويل والثبور وعظائم الأمور.
كن صادقًا وإذا سئلت عن أمر ودعتك نفسك وسوَّل لك شيطانك أن تنجو من هذه المصيبة، أو أن تنجو من هذه العقوبة، أو أن تنجو من هذا الحرج الذي وقعت فيه فتذكر وقوفك بين يدي خالقك في ذلك اليوم العظيم، فالله أولى أن يُستَحى منه.
من أخلاقيات الموظف المسلم: إتقان العمل إما أن تؤدي هذا العمل بإتقان أو أن تدعه، لا تأخذ شيئًا لن تؤديه بإتقان؛ لأنك بذلك تفوت مصالح عظيمة على البلاد والعباد ومصيبتنا في هذا الزمان أنه في كثير من الأحيان قد وُسِّد الأمر إلى غير أهله، فضاعت الأمانة فانتظر الساعة.
فإذا كان الإنسان قادرًا على أن يقوم بهذا العمل على وجه يرضي الله أولاً وآخرًا، وأن تكون ذمته قد برئت بما قام به فحيهلا، وليتقدم كما قال يوسف عليه السلام لعزيز مصر (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55].
لا بد من الإتقان أحبتي في الله، المجتمعات الشرقية والغربية من أسباب تقدمها أنهم أتقنوا هذا العمل، لا يجاملون على مصالح البلاد والعباد؛ إما أن تؤديه وإما أن تدعه، إما أن تأخذه بعُجَره وبُجَره، والتزاماته ومسئولياته، وأن تكون كفئًا لأدائه بإتقان وأمانة وصدق، وإما أن تعتذر عنه حتى تبرأ ذمتك أمام الله وأمام عباده.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه البيهقي في شعبه وحسنه الألباني -رحمه الله- قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، وفي رواية أخرى: "أن يتمه" هي مشهورة عند المسلمين بينما هذه الرواية تكاد ألا مشهورة عند المسلمين.
إن الله يحب إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، فإذا قمت بإتقان عملك فثق أنك تعبد الله -عز وجل- بهذا العمل الذي تتقنه.
ومن أخلاقيات الموظف المسلم: التعاون مع إخوانه على البر والتقوى، أو نقول التعاون مع زملاء العمل على البر والتقوى، وهذا الذي أمرنا الله -تبارك وتعالى- به (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، لا بد من التعاون وإن يد الله مع الجماعة وكما جاء في صحيح الإمام مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
ومن أخلاقيات الموظف المسلم : الصبر على مشاق العمل وتحمل الأذى فيه، أنت لست تعمل لوحدك، أنت تعمل مع مجموعة من البشر أخلاقهم متفاوتة تربيتهم متفاوتة فلابد أن تكون صاحب صبر وسعة صدر هكذا يأمرنا الإسلام أحبتي في الله.
يقول الله -عز وجل- (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر: 1- 3].
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخرج ذلك الترمذي في جامعه قال: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من المؤمن الذي لا يخالط الناس فلا يصبر على أذاهم".
ومن أخلاقيات الموظف المسلم: أن يتمثل بحُسن الخلق الذي يقول الله -عز وجل- في وصف المؤمنين (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34].
ولذلك صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على رسوله وعبده الذي اصطفى، ثم أما بعد:
من أخلاقيات الموظف المسلم أيها المسلمون: الإيثار الذي هو سمة عظيمة من سمات المؤمنين، وامتدح الله -تبارك وتعالى- عباده الصالحين كالأنصار -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- أنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، نجد بعض الموظفين والموظفات للأسف يريد أن يستأثر بكل ميزة وبكل مكافأة، وبكل دورة وبكل تطوير لنفسه فلا يؤثر إخوانه، ولا يقدمهم ولا يشاركهم ولا يجعلهم يشاركونه في هذا الخير وفي هذا التطوير الذي ربما ينال إدارته ووزارته.
ما هكذا يكون المسلم، المسلم لا يكون جشعًا، المسلم لا يعرف الطمع سبيلاً إلى قلبه ونفسه، ويدفع هذا الخُلق الذميم بقدر ما استطاع حتى يلقى الله -عز وجل- بهذه النفس الطيبة المؤثرة.
ومن أخلاقيات الموظف المسلم: حسن الظن بالآخرين، كم من العلاقات بين الزملاء في العمل قد تقطعت من الصداقات بين الموظفين انقلبت إلى عداوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بسبب سوء ظن بعضهم ببعض! قال هذه الكلمة يقصد كذا وكذا، فعل هذا الأمر يقصد كذا وكذا، أدى بهذا العمل يقصد كذا وكذا، ويحمل هذه الأفعال وهذه الأقوال وهذه التصرفات على أسوأ المحامل، مع أن ديننا يأمرنا أن نحمل أفعال المسلمين وأقوالهم على أحسن المحامل؛ كما قال عمر الفاروق -رضي الله عنه وأرضاه-: "التمس لأخيك سبعين عذرًا؛ فإن لم تجد له عذر قل لعله أن يكون له عذر لا أعلمه".
وأخيرًا من أخلاقيات الموظف المسلم أن يتقبل النصيحة والتوجيه، هناك من الموظفين لا يتقبلون لاسيما إذا كانت النصيحة ممن هو أعلى منه السلم الوظيفي أو الهيكل التنظيمي، فيحمل هذه النصيحة على الإحراج وإرادة إظهار المساوئ وغير ذلك، المسلم يقبل النصيحة، ويذعن لها، فما كان فيها من حق عليه أن يتبعه، فالحق أحق أن يُتبع، وهذا الذي وصف الله -عز وجل- به عباده المؤمنين (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 3].
وهذا الذي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام مسلم بقوله: "الدين النصيحة".
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم