أخطر الفتنة وأفظعها

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2023-09-01 - 1445/02/16 2023-09-27 - 1445/03/12
عناصر الخطبة
1/ أعظم الفتن وأشنعها 2/شدة فتنة المسيح الدجال 3/حذر الصحابة من فتنة الدجال 4/فتن أشد من فتنة الدجال 5/الشرك أشد من الدجال 6/خطورة أئمة الضلالة 7/الحث عن توقي الفتن.

اقتباس

الرياء شِعار ودثار المنافقين يُراؤون الناس بأعمالهم ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ويسير الرياء قد يتهاون به العبد فلا يُلقي له بالاً، وأما كثيرهُ فهو المُحبِط للعمل والمُخلِّدُ لصاحبه في نار جهنم...

الخطبةُ الأولَى:

 

إن الحمد لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبينَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون أيها المؤمنون! هذه الأيام تتوالى فحج الحاجون وضحى المُضحون، وبادر المبادرون وتأخَّر الغافلون، ولا زال كثيرٌ من الناسِ في سكراتهم يعمهون، بين يدي ذلك يا عباد الله حذرنا نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن.

 

والفِتن -يا عباد الله- فتنٌ كثيرة، وفتنٌ متنوعة، وفتنٌ متتابعة، تتكاثر في آخر الزمان وأنتم الآن في آخره، ألا أن من بينها فتنةٌ هي أعظم الفتن وهي أفظعها وأشنعها، فتنةٌ لم يتركها نبيٌ إلا بيّنها لأمته، هي أعظم الفتن من لدن آدم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلى أن تقوم الساعة، إنها فتنة المسيح الدجال الذي أنذره نوحٌ قومه، وأنذره موسى قومه، وكان أشدهم إنذارًا وإعذارًا وتحذيرًا وتنويهًا بشرِّه نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

 الدجال -يا عباد الله- يظهر على الناس على حين غرة على حين خلة بين الشام والعراق؛ أي أن الناس يغفلون عنه لا ينسونه، وإنما هم عنه في سلوانٍ وذهول، روى عبد الله بن أحمد في زوائِده على مُسند أبيه عن الصعب بن جثَّامة الليثي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذِكره، وحتى تترك الأئمة خبرهُ على المنابر"، نعم يا عباد الله!

 

 أما الذهول عن ذكره: فكالذهول عن الموت يتخطَّف الناس من بيننا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، وأحدنا طويلٌ أمله يظن أنه باقٍ عليهِ سنون في عمره، وكذلك الدجال لم ينسه المؤمنون ولكنهم عنه في ذهولٍ وسُلوان وفي غفلةٍ وإعراض، "وحتى تترك الأئمة خبره على المنابر": فلا تحذير ولا إنذار ولا تنويهٌ ولا وصف لهذه الفتنةِ العظيمة التي هي أعظم الفتن من لدن آدم إلى قيام الساعة.

 

 روى مُسلمٌ في صحيحه من حديث النواس بن سمعان الكِلابي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر لهم الدجال ذات غداة -أي ذات يوم- فخفّض فيه ورفع حتى ظنه الصحابةُ وراءهم في طائفة النخل -نخل المدينة-، فلما راحوا إليه رأى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوههم متغيرة -أي متأثرةً مما ذكر من شأن الدجال- هذا شأن الصحابة يا عباد الله إذا وُعظوا بلغت الموعظة قلوبهم، أما نحن فما في قلوبنا من الغفلات لا تُغادر أحدنا باب المسجد إلا وقد نسي الموعظة، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله.

 

 راحوا إليه فلما رأى وجوههم متغيرة قال: "ما لي أرى وجوهكم متغيرة"، قالوا: يا رسول الله ذكرت الدجال فخفضت فيهِ ورفعت حتى ظنناه وراءنا في طائفةِ النخل، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "والله لغير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجهُ، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مُسلم"، نعم يا عباد الله استخلف -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه الله على كل مُسلم، ونِعم بالله الخليفة، ونعم بالله المكفى، حسبنا الله وكفى، حسبنا الله ونِعم الوكيل.

 

  ولهذا لما قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "غير الدجالِ أخوفني عليكم"، ما أراد بذلك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، افتح لهذا مسامع قلبك يا رعاك الله قبل مسامع رأسِك في أُذنيك، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا أُنبِأُكم بما هو أخوفني عليكم من فتنة المسيح الدجال" قالوا بلى يا رسول الله، قال: "الشِّرك الخفي يقوم الرجل فيُزيِّن صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه".

 

إنه يا عباد الله إنه الرياء، إنه شِعار ودثار المنافقين يُراؤون الناس بأعمالهم ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ويسير الرياء قد يتهاون به العبد فلا يُلقي له بالاً، وأما كثيرهُ فهو المُحبِط للعمل والمُخلِّدُ لصاحبه في نار جهنم، خاف علينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرياء أشدَّ من مخافته علينا المسيح الدجال.

 

والرياء -يا عباد الله- لا ينتهي منه الناس لا في أول الزمان ولا في آخره، ويتهاونون في شأنه وهو يسري إلى نُفوسهم وصُدورهم، أما الدجال فإنه لا يفتن الأقوام إلا الذين ظهر عليهم، فكل من مات قبل الدجال فهو سالِمٌ من شره ومن فتنته.

 

 الفتنةُ الثانية: التي خافها علينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد من مخافته علينا المسيح الدجال، ما قاله -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "ألا أنبئِكم بما هو أخوفني عليكم من فتنة الدجال"؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال: "الأئمة المُضلون"؛ أئمة الضلالة يحثون الناس على البدع ويُروجونها بينهم، ويُحبطون السُّنن ويُميتونها في أنُفسهم.

 

 ومن أئمة الضلالة: علماء السوء وأمراء السوء الذين يُحرفون ويُغيرون دين الله، خافهم علينا؛ لأن شرّهم على متبوعيهم وعلى رعاياهم شرٌ عظيمٌ مُستطير في أولِ الزمان وفي آخره، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ ‌يَأْتِيَ ‌رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام: 158].

 

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذَّن بالزيادةِ لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بهِ وتوحيدًا مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد أو شكَّ وكفر، وأُصلي وأسلِّم على سيد البشر، الشافع المُشفَّع في المحشر، صلى الله عليهِ وعلى آلهِ وأصحابه السادةِ الغُرَر خير آلٍ ومعشر ما طلع ليلٌ وأقبل عليهِ نهارٌ وأدبر.

 

أما بعدُ عباد الله: فاحذروا الفتن، احذروها وخافوها على دينكم وإيمانكم وعلى أنفسكم وعلى أهليكم وأولادكم، فإن من خافَ شيئًا قارب أن ينجو منه، ومن اتقى شيئًا حذِرهُ.

 

 يا عباد الله، اذكروا الدجال في مجالسكم وبين أهليكم وأولادكم إعذارًا وتحذيرًا منه، ولا يفيدنكم غفلة الناس عنه، فإن الغفلات لا تُنجّي أصحابها ويكادُ أن يكون هؤلاءِ الغافلون ممن رتعوا في هذه الفتن، وممن أُوبقوا في هذه المحن، ومنها فتنةُ المسيح الدجال.

 

ثم اعلموا عباد الله! أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًا تُعز به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا.

 

اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كل لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًا للإسلام وأهله وذلا للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

أخطر الفتنة وأفظعها.doc

أخطر الفتنة وأفظعها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات