أخطاء يقع فيها بعض الناس (4)

زيد بن مسفر البحري

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ أخطاء تتعلق بالتوحيد 2/ أخطاء تتعلق بالمعاملات المالية 3/ أخطاء تتعلق بالعبادات.

اقتباس

... ومن الأخطاء التي نعرضها على أسماعكم في هذا اليوم، خطأ يتعلق بخطأ سابق ذكرته في أول جمعة ذكرت فيها هذه الأخطاء، قلت فيما سلف: إن البعض قد يذكر الفاتحة بعد الفراغ من صلاة الفرض، أو يقرأ قوله -تعالى-: (آَمَنَ الرَّسُولُ).. إلى آخر سورة البقرة، وقلنا: إن هذا لا يُعرف له أصل في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو كذلك، إنما الوارد أن تقرأ آية الكرسي، وأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين، تقرأ هذه السور مرة واحدة إلا في صلاتي الفجر والمغرب فإنها تُقرأ ثلاث مرات.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

... ومن الأخطاء التي نعرضها على أسماعكم في هذا اليوم، خطأ يتعلق بخطأ سابق ذكرته في أول جمعة ذكرت فيها هذه الأخطاء، قلت فيما سلف: إن البعض قد يذكر الفاتحة بعد الفراغ من صلاة الفرض، أو يقرأ قوله -تعالى-: (آَمَنَ الرَّسُولُ).. إلى آخر سورة البقرة، وقلنا: إن هذا لا يُعرف له أصل في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو كذلك، إنما الوارد أن تقرأ آية الكرسي، وأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين، تقرأ هذه السور مرة واحدة إلا في صلاتي الفجر والمغرب فإنها تُقرأ ثلاث مرات.

 

والحديث ينصب  حول قراءة " آية الكرسي"، آية الكرسي معروفة ابتداؤها من قوله -تعالى-: (اللهُ لَا إلهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ الْقَيُّومُ)، إلى قوله -عز وجل-: (وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة:255]، عند قوله -تعالى-: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) تنتهي آية الكرسي، البعض يزيد على هذا فيقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) إلى قوله -تعالى-: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، ومثل هذا لا يُعرف له أصل في سنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، إنما الوارد في السنة أن تقرا آية الكرسي، وآية الكرسي معروفة، ولا يحق لك... أن تزيد على آية الكرسي، فليتنبه إلى مثل هذا الأمر.

 

ومن بين الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، ولاسيما الباعة في أسواق الخضار، عندهم ما يسمى بالتواطؤ: يأتي المزارع الفلاح المسكين الذي أتعب نفسه وصرف ماله لإنبات بقوليات أو خضروات أو ما شابه ذلك ثم يأتي هؤلاء الباعة، ويتفقون عند الحراج على المناداة عليها، يتفقون على سعر معين بحيث لا يزيدون على هذا السعر ويقفون عنده، ثم يقتسمون هذه السلعة فيما بينهم، وهذا من الغبن، ومن أكل أموال الناس بالباطل الذي حرمه الله -عز وجل-.

 

ومن بين الأخطاء أيضا أن بعض الباعة في الأسواق، ولا أقصد أصحاب الخضروات والفواكه فقط بل جميع من يبيع، البعض منهم قد يضع سعرا معينا من أجل أنه يخشى من أن يُماكس من قبل المشتري فينخفض السعر على ما دون ما يريده هذا البائع، مثال ذلك: يقول: هذا الثوب بمائة ريال، وهو راغب في بيعه بثمانين، فيأتي إنسان فيماكسه، يعني يكاسره، إلى أن يوصله إلى ثمانين فيبيعه هذا الثوب، قد يأتي شخص آخر لا يحسن المماكسة أو يثق في هذا البائع ثم يقول له: بكم هذا الثوب؟ فيقول: بمائة، فيبيعه بمائة دون أن يماكسه، فهذه العشرون التي أخذها لا تجوز في حقه، وقد نبه على ذلك العلامة الشيخ ابن عثيمين  -رحمه الله -تعالى-، فإذا لم يماكسك هذا المشتري فلتقل له: أريد منك ثمانين، وهذه العشرون خصصتها لك، أما أن تأخذها فلا يجوز في حقك، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل.

 

ومن بين الأخطاء التي يقع فيها البعض، ولاسيما من يتعاقد مع البنوك في شراء سلعة، كسيارة مثلا، يقول له البنك: اذهب فاختر ما تشاء من سيارات، فيذهب فيقول: اخترت سيارة لونها كذا موديلها كذا ويذكر الصفات، ثم يتفق مع البنك في مكان البنك، ويعطيه البنك شيكا بمقدار ثمن هذه السيارة، ثم يذهب بهذا الشيك إلى صاحب المعرض ثم يأخذ هذه السيارة، كأن يشتريها بثمانين وهي عليه بمائة ألف مؤجلة، وهذا من الربا الذي لا يجوز، وأيضا فيه أن البنك لم يمتلك هذه السلعة، فإذا أردت أن تشتري سيارة من البنك مثلا فلتلزمه على مقتضى الشرع، ولا يغرنك ما يقال: هذه فتيا هذه فتيا! قد تكون هذه الفتيا غير موافقة للواقع، ومن ثم فقد توضع هذه الفتيا ستارا يمرر من خلاله  المعاملات الربوية، وذلك لأن بعض البنوك لو شاء الرجل أن يقترض منهم قرضا ربويا لما ترددوا في ذلك، لكن لما رأوا  عزوف الناس عن الربا أرغموا على أن يأتوا بمثل هذه الفتاوى، ثم قد لا يطبق معظمها في أرض الواقع.

 

ومن ثم، فإذا اخترت سيارة مثلا في معرض ما واتفقت مع البنك فلا تُوقع معه على عقد، ليذهب معك مندوب البنك، وليسلم هذا الشيك إلى صاحب المعرض، ثم ليأخذ هذا المندوب هذه السيارة ويخرج هذه السيارة من المعرض ثم يتم العقد بينك وبينه خارج المعرض، أما أن تتفق في مكان البنك على أوراق،  وعلى أن السيارة قد تم بيعها فهذا لا يجوز، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك".

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض، وهو خطأ لفظي، وقد لا يظن البعض أنه لا يترتب عليه شرك، وهو في الحقيقة شرك، لأن هذا اللفظ تنبعث منه رائحة التطير، ما هو هذا اللفظ؟ البعض إذا قيل له: خير. قال: طير. وإذا قيل له: يا خير. قال: طير، ومعلوم أن ذكر الطير في ذكر الخير هذا يرجع بنا إلى ما كان عليه أهل الجاهلية، والذي حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، وهو التطير، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الطيرة شرك".

 

ولذا؛ ابن عباس -رضي الله عنهما- لما كان جالسا ومعه رجل، فسمع هذا الرجل طيرا يصيح، قال: خير خير! قال هذا الرجل في مجلس ابن عباس -رضي الله عنهما-: خير خير، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أي خير وأي شر يأتي به هذا الطير؟"، ومن ثم؛ فإن هذه اللفظة تنبعث منها رائحة التطير.

 

وأعرف أن الناس لا يقصدون منها هذا الشيء، لكن الواجب على المسلم أن ينحي عقيدته عما يخل بها ولو في ظاهر الأمر.

 

ومن بين الأخطاء، وهو خطأ لفظي أيضا، قول الرجل إذا توفي رجل أو توفيت امرأة: انتقل إلى رحمة الله أو إلى ذمة الله أو انتقلت إلى رحمة الله، مَن يدري؟ الإنسان لا يدري ماذا يكون له بعد وفاته، ولذا؛ فمعتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يُجزم لأحد لا بجنة ولا بنار إلا ما جاء الشرع بالتنصيص على أنه من أهل الجنة أو على أنه من أهل النار أو أن مآله عن طريق الشرع إلى النار، وأما ما عدا ذلك فلا يجزم لمعين لا بجنة ولا بنار.

 

نحن نقول عن طريق الوصف: كل مؤمن في الجنة، لا شك في ذلك، وكل كافر في النار، لكن أن يُخصص شخص بعينه ويُحكم عليه بأنه من أهل الجنة أو بأنه من أهل النار فهذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة.

 

ومن ثم، إذا أردت أن تتجوز في قول هذه العبارة، فقل: انتقل فلان إلى رحمة الله بإذن الله، انتقلت فلانة إلى رحمة الله بإذن الله، أو الأفضل أن تبعد عن هذا اللفظ، أن تقول: توفي فلان ورحم الله فلانا. أو فلان يطلبك الحل أو ما شابه ذلك من هذه الألفاظ، أما أن يجزم بهذا اللفظ، فهذا لا يجوز.

 

أيضا من بين الأخطاء وهو خطأ لفظي يقع فيه البعض: الدعاء على الأولاد، ذلك أن بعض الوالدين قد تثور ثائرته من الغضب نتيجة فعل يصدر من الولد أو نتيجة قول يصدر منه، ثم لا يتمالك نفسه من باب أنه يرى أن له حقا على ولده، ولأنه قام بتربيته وأنه صنع معه كذا وكذا، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، أو ما شابه ذلك من هذه الألفاظ، ثم إذا بلسانه ينطلق بدعوة على هذا الولد، ومن ثم قد تصادف هذه الدعوة وقتا مستجابا فيستجيب الله -عز وجل- فيه دعاء الوالد، فيندم هذا الوالد؛ ولذا جاء النهي مصرحا به في صحيح مسلم في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا تدعو على أولادكم"، وهذا من طبيعة ابن آدم، أنه إذا غضب فقد تصدر مثل هذه الألفاظ، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الشديد بالصرعة"، يعني الذي يصرع الناس: "ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

 

فبدلا من أن تدعو عليهم فادع لهم بالهداية، وعوّد لسانك على الألفاظ المناسبة حتى يعتاد لسانك عليها، ولذا قال -عز وجل-: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ)، يعني في حالة الهدوء يدعو الإنسان بالخير لنفسه ولأولاده ولأسرته، لكن في حالة الغضب قد يدعو بالشر على أولاده أو على نفسه أو على ماله، كما يدعو في حالة الرخاء بالخير لنفسه ولأولاده؛ ولذا قال -تعالى-: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا) [الإسراء:11]، يتمنى في تلك اللحظة، وهي لحظة الغضب، أن تتحقق دعوته على أولاده أو على ماله أو على نفسه.

 

ومن بين الأخطاء التي يقع فيها البعض: أنه يأخذ من لحيته بعض الشيء، لاشك أن اللحى يجب أن تُوفر، وأن تعفى، ولا يجوز لأحد أن يأخذ منها شيئا أو أن يقصر منها، ولا يغتر مغتر بما يذكر في القنوات الفضائية من فتاوى بأنه يجوز أن تحلق أو أنها من السنن أو أنه يجوز له أن يأخذ شيئا منها، وإني -في هذا المقام- أنبه على ما يذاع وما يشاع عبر وسائل الإعلام من فتاوى، هي في الحقيقة بعيدة عن النصوص الشرعية، وهؤلاء سيحاسبون أمام الله -عز وجل-.

 

البعض لا يكون عالم ملة، يعني يسير حيث تسير ملة الإسلام، حيث يسير الدليل، والبعض يكون عالم أمة، ما يراه الناس يفتي به، وما لا يرونه لا يفتي به، وهذا من الخطأ العظيم، وهذا في ظنه أنه من باب ومن منطلق التيسير على الناس، التيسير والتسهيل إنما هو في النصوص الشرعية: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185].

 

ومن ثم فإن هؤلاء محاسبون أمام الله -عز وجل-، ولذا قال عليه الصلاة والسلام – كما في سنن أبي داود: "مَن أفتي بفتيا من غير علم فإنما إثمه على من أفتاه"، وقال -تعالى-: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116]، كرر كلمة الكذب من باب التأكيد على خطورة هذا الأمر، فلا يجوز لأحد أن يفتي بغير علم، بل إن الله -عز وجل- قرن الفتيا بغير علم بالشرك، قال -جل وعلا-: (وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً)، ثم ماذا؟ (وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33]؛ ولذا يجب عليك أنت أيها المستفتي أن تتقي الله -عز وجل- وان تختار من تثق في دينه وفي علمه وورعه.

 

ولذا حذر الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- من أن يستفتي اليهود، مع أنهم علماء، لكنهم ضلوا وأضلوا، حذره -جل وعلا- من أن يستفتيهم في أمر أهل الكهف، قال -تعالى-: (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً) [الكهف:22]

 

هذا العلم الذي تتلقاه ينعكس على سلوكك إن لم يكن صحيحا صوابا، فإنك ستتقرب إلى الله -عز وجل- بعبادة غير صحيحة، ولذا قال محمد بن سيرين -رحمه الله- التابعي الجليل كما في مقدمة صحيح مسلم، قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".

 

ولذا؛ لو أن الإنسان أراد أن يأخذ أمرا أو أن يدخل في أمر دنيوي لذهب يستشير أهل الخبرة في هذا الأمر، بل قد لا يستشير مرة واحدة، بل قد يستشير مرارا من أجل حرصه على دنياه، أما حرصه على دينه فإنه بعيد عند البعض وللأسف! ولذا، هؤلاء الذين يذكرون فتاوى من يفتي في هذه القنوات الفضائية في المجالس ويتحججون ويتذرعون إنما هو نابع عن شهوة في نفوسهم، ولذا؛ لو أن هذا الرجل الذي قال: "إن الغناء مباح" بناء على فتوى سمعها، قال: يا أخي، هذا الدكتور الفلاني في القناة الفلانية يقول كذا، هذا الدكتور يقول عن إعفاء اللحية إنه سنة ليست واجبة، إن ما شابه ذلك من هذه الفتاوى هذا الرجل  إنما ذكرها من باب شهوة في نفسه، وإلا لو أنه طلق زوجته أو أراد أن يستخبر وأن يستفهم وأن يستعلم عن أمر يتعلق بالرضاع، ما ذهب إلى هؤلاء، ولا اتصل بهم، إنما ذهب إلى أهل العلم الربانيين المعروفين.

 

ولذا تجد أن هؤلاء إنما ينحازون مع هذه الفتاوى نتيجة لما يوافق أهواءهم، فليتق الله المسلم في هذا، ومن ثم فإن اللحية يجب إعفاؤها، وجاءت النصوص صريحة في هذا في الصحيح، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وفروا اللحى"، "وفوا اللحى"، "أعفوا اللحى"، "أرخوا اللحى"... واللحية في مفهومها اللغوي، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتكلم باللغة العربية، هي: "ما نبت على اللحيين اللذين ينبت عليهما الأسنان والذقن والخدين"، فإذاً، شعر الخدين تابع للحية، ومن ثم فإن البعض قد يأخذ من الشعر الذي ينبت على خديه، وهو في الحقيقة قد أخذ من لحيته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- سنته أن يدعها، كانت لحيته -عليه الصلاة والسلام- كثة.

 

بل إن هذه اللحية من سنن المرسلين؛ ولذا قال هارون لأخيه موسى -عليهما الصلاة والسلام-: قال: (لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) [طه:94].

 

بل إنها من خصال الفطرة، يعني لو لم يأت دليل، أقول: لو لم يأت دليل ينص على وجوب إعفاء اللحية لكان مقتضى الفطرة التي فطرك الله -عز وجل- عليها أن تبقيها دون أن يكون هناك دليل، فكيف وقد أتى دليل يوجب هذا من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟.

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض، وهو أيضا خطأ لفظي، أن البعض قد لا يتلاءم معه يوم من الأيام أو لا تتلاءم معه ساعة من الساعات أو يحدث له مع صاحب له في يوم من الأيام نوع من الخلاف فإذا به يسب اليوم الذي عرف فيه هذا الرجل، ولا يعنى بالسب أن يقول: لعنة الله على هذا اليوم، لا، بل كل تقبيح وتنقيص لليوم فإنه مسبة للدهر، لو تسب دقيقة أو ثانية أو ساعة أو يوما أو سنة أو شهرا فإنه مِن سَبِّ الدهر، ولذا قال -عز وجل- في الحديث القدسي في الصحيحين: "يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار".

 

هذا اليوم، هذا الشهر، هذه السنة لا تحدث شيئا، إنما الذي حدث فيها مما لا يلائمك هو من الله -عز وجل-، وإنما هذا اليوم هو محل لهذا الحدث الذي أوقعه الله -عز وجل- في هذا اليوم...

 

وكذلك الشأن في سب الريح: قد يأتي غبار وإذا بالإنسان يتذمر ويتضجر بلسانه من هذه الريح، قد لا يلعنها لعنا صريحا، ولكن قد يتنقصها أو يقبحها أو ما شابه ذلك، وهذا سب في الحقيقة لله -عز وجل-؛ لأن المسيِّر لها من؟ لأن الآمر لها من؟ هو الله -عز وجل-.

 

ولذا جاء عند الترمذي وغيره، قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تسبوا الريح فإذا رأيتم منها ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرت به"، وفي رواية: "وخير ما أرسلت به"، "ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ".

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، ويعدونها من العفو والتسامح، ولاشك أن العفو مأمور به في الشرع: قال -تعالى-: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة:237]،  وقال -تعالى-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى:40]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم : "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا".

 

ومن ثم فإن العفو قد لا يكون محمودا في جميع الأحوال، العفو قد لا يكون محمودا في جميع الأحوال، في أصله محمود، لكن في بعض الأحوال قد يكون مذموما. متى؟ إذا كان هذا العفو يترتب عليه ضرر على المسلمين، مثال ذلك: العفو عن المفحطين: قد يفحط شخص بسيارته ثم يعتدي بهذا التفحيط على سيارة شخص آخر أو على نفس أخرى  فيجرحها أو يكسرها أو يزهق روحها، ومن ثَم هذا العفو غير محمود، لم؟ لأن التسامح مع أمثال هؤلاء يجعلهم يستطيرون شرا، فإذا علم شخص بأنه تُسومح عن فلان عاد إلى فعلته وتجرأ عليها؛ لكنه إذا علم أنه متى ما كان هناك أمر صارم من قبل المسؤولين، وكذلك ليس هناك عفو من قبل المعتدى عليه، كان في ذلك الأمر ردعٌ لهؤلاء.

 

الشأن فيه كالشأن في قطع الإشارة، هذه من الجرائم: مَن يقطع الإشارة سواء كان عندك شغل أو لم تكن هناك ضرورة، كم أعرف من شخص قد وافته المنية من غير جرم من غير ذنب بسبب مفحط أو بسبب قاطع إشارة! فهذه الجرائم مع أن فيها مخالفة لأمر ولي أمر المسلمين ففيها جريمة عظمى، كم أزهقت من أرواح! كم دمرت من سيارات! كم أتلفت من ممتلكات! ومن ثم فإن من يقطع الإشارة ثم يترتب على قطعها زهق لروح قريبك أو إتلاف لسيارتك فإنه لا يجوز في حقك أن تعفو عنه؛ لأن هذا العفو يترتب عليه ضرر على المسلمين.

 

ومن ثَم فإني أوجه نصيحة لهؤلاء الشباب أن يتقوا الله -عز وجل- في أنفسهم، قد يزهقون أرواحهم، كيف يقابلون الله -عز وجل- يوم القيامة وقد ماتوا على أمر محرم قد اعتدي فيه على المسلمين؟ ماذا مات عليه؟ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم -: "يُبعث كل عبد على ما مات عليه"، فنسأل الله العافية.

 

كيف تقابل الله -عز وجل- وقد توفاك الله -جل وعلا- وأنت قاطع للإشارة قد أزهقت روحك وأزهقت روح غيرك، أو كنت مفحطا أزهقت روحك واحترق جسمك من هذا التفحيط أو من قطع هذه الإشارة، فلتتق الله -عز وجل- في نفسك، ولتتق الله -عز وجل- في والديك، ولتتق الله -عز وجل-  في هذا المال الذي هو ليس مالا لك؛ إنما هو مال الله -عز وجل- وضعه بين يديك ليمتحنك: أتشكر هذه النعمة أم تكفرها؟ فلتتق الله -عز وجل-.

 

ومن بين الأخطاء أن البعض من الناس قد يضع مصحفا في سيارته أو يعلق مطويات تتضمن أذكارا، كل هذا من أجل أن تحفظه هذه الأذكار، أو من أجل أن يحفظه هذا المصحف من الأحداث والنكبات، ولا شك أن وضع المصحف أو وضع مثل هذه المطويات إذا كانت بهذه النية فإنها من التمائم التي حرمها كثير من العلماء، فإن التمائم حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"، قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن ومن غير القرآن، فإذا علق الإنسان مثلا في بيته آية الكرسي أو سورة  المعوذتين من أجل أن تحفظه وأن تحفظ أهل بيته فإن هذا لا يجوز؛ وذلك لأن القرآن إنما أنزل ليُقرأ وليُتدبر وليعمل به.

 

ثم أيضا هناك علماء يرون أن تعليق مثل هذه الآيات في المنازل لا يجوز؛ وذلك لأنها عرضة للامتهان، ليس الامتهان الحسي فقط؛ بل الامتهان المعنوي، وذلك بأن يدار في هذا المنزل شيء من المنكرات دون أن تراعى حرمة هذه السور ودون أن تراعى هذه الآيات المباركات،

ومن ثم فإنه لا يجوز للمسلم أن يضع المصحف في سيارته أو المطويات  من أجل أن تحفظه.

أما إن وضعه من أجل أن يقرا فيه إذا سنحت له فرصة، أو وضع هذه الأذكار من أجل أن يستذكرها ويقولها حتى يحفظها، فإنه لا بأس بذلك.

 

ومن الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس: ما يسمى بالأبراج التي توجد في بعض المجلات، ويقولون: تعرف على برجك وما يكون لك في هذا الأسبوع، وهذا من الشرك، ومن الاستسقاء بالنجوم، ولا يجوز للمسلم [مثل ذلك التعرف]، حتى على سبيل الاستطلاع، ولو قال: إن في قلبي اعتقادا جازما بأن ما يذكرونه إنما هو خطأ محض فلا يجوز له [أيضاً]؛ ولذا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم-، كما صح عنه في الحديث الذي حسنه الألباني رحمه الله، قال: " ثلاث تكون في آخر أمتي"،  ذكر منها: "النجوم".

 

فلا يجوز للإنسان أن يستطلع ما سيكون في أسبوعه إذا كان سيحصل له شيء في هذا الأسبوع من خير أو من شر؛ لأنه لو دخل على أنه معتقد أن ما يذكرونه ليس بصحيح فقد يأتيه الشيطان ويدخل عليه من هذا المدخل ثم يوقعه في الشرك، ويتعلق قلبه بهذه الأبراج.

 

وأيضا، من الأخطاء التي يقع فيها البعض من الناس، وهي لفظة دارجة عند البعض، وما أدري أهي دارجة عند الكل أم أنها عند البعض من الناس، فالبعض من الناس إذا أراد أن يشير إلى أن هذا الإنسان مهما عُمر في هذا الزمن فعمره قصير، يقول: العمر الطويل لله، هذه لفظة تذكر على ألسنة البعض، يقولون: العمر الطويل لله! وهذا خطأ؛ لأن العمر ووصفه، وصف العمر بأنه طويل يدل على أن له نهاية، والله -عز وجل- هو الحي القيوم -جل وعلا-. قال -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ومن ثم؛ فإن هذه اللفظة يجب على المسلم أن يبتعد عنها.

 

ومن بين الألفاظ التي يقع فيها البعض: أنه إذا تجشّأ، والجشاء: هو صوت تخرجه المعدة من الامتلاء، إذا تجشأ قال: الحمد لله، لاشك أن الإنسان مأمور بحمد الله -عز وجل-، وإنما الحمد وارد في مواطن مخصوصة ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-: من بينها، كما جاء في صحيح مسلم: قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها". أما كونه يخصص لفظة الحمد عندما يتجشأ فإن هذا لا يُعرف له أصل في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيضا، في المقابل: البعض إذا تثاءب قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليس ثمة دليل على هذه الاستعاذة في هذا الموطن ولذا نبه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- على هذا الأمر، ونبه على أن الاستعاذة عند التثاؤب لا يُستدل عليها بقوله -تعالى-: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) [الأعراف:200]، لأنه لا نزغ من الشيطان في هذا التثاؤب، ومن ثم، فإن على  المسلم أن يكون حريصا على اختيار الألفاظ، وأيضا على تتبع سنة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما يقول، وفيما يفعل، وفيما يقرر.

 

ومن بين الأخطاء ما يتعلق بماء زمزم، ماء زمزم -كما تعلمون- ماء مبارك، وجاءت الأحاديث الصحيحة في فضله، كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرها من الأحاديث الواردة في فضل ماء زمزم، البعض من الناس يظن أن ماء زمزم لا تحصل بركته إلا  إذا كان في الحرم المكي، إلا إذا كان في مكة، وهذا ليس بصحيح بل إن ماء زمزم تحصل بركته بإذن الله -عز وجل- في أي موطن من المواطن، وفي أي بقعة من البقع؛ ولذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يأمر سهيلا بأن يجلب له ماء زمزم وهو في مكة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة.

 

 

 

المرفقات

يقع فيها بعض الناس (4)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات