أخطاء المصلين (2) والحديث عن إجراءات أمريكا تجاه المسلمين

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/ أخطاء يرتكبها بعض المصلين 2/ إيذاءُ المصلين برائحة بعض الأطعمة الكريهة الرائحة 3/ أهمية الاعتناء بالطيب واللباس عند إتيان المساجد 4/ ذم كثرة الحركة والالتفات في الصلاة 5/ مفاسد شرود الذهن والتفكير خارج الصلاة 6/ النهي عن المرور بين يدي المصلي 7/ التعليق على محاولات منع المسلمين من دخول بلاد الغربيين.

اقتباس

فلْيحذرِ الْمُسلم أنْ يُؤذي المصلين برائحته، ويُضايقَ عبادَ الله بنتنه وعرقه، ولو أنَّ من فعل ذلك أراد مقابلة شخصٍ له جاهٌ دنيويٌّ, للبس أحسن ثيابه، وتطيَّب من أحسن ما يجد من طيبه، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم للوقوفِ أمام الخالق!.. ومن الروائح الكريهة التي يجب تجنبها لمن أراد الصلاة مع الجماعة: الروائح التي تنبعث مِن القدم من جورب وشراب إذا طال لبسها. ورائحةُ العرق المؤذي, فبعض الناس يمكث أيامًا لم تمسَّ بشَرَتُه الماء, فيؤذي المصلين أذىً شديداً.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى مَن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

 

أما بعد, فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنّ الحديث في الجمعة الماضية كان عن الأخطاء التي يرتكبها بعض المصلين, وأستكمل ما تبقى منها.

 

فمن الأخطاء: إيذاءُ المصلين برائحة بعض الأطعمة الكريهة الرائحة.

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» (رواه مسلم).

 

ويستفاد من هذا الحديث وغيرِه: أنَّ البصل والثوم والكراث لا يحرم أكلها, لكن المحرم أنْ يدخل المسجد وبه أثر الرائحة منها.

 

وإذا استعمل الإنسان شيئًا يُذْهِبُ الرائحة جاز له أنْ يدخل المسجد.

 

قال العلماء: "من احتاج إلى أكل الثوم والبصل ونحوهِما, أو اشتهى أكلَها: فلْيأكلها ولا حرج عليه, فإذا حضرتِ الصلاةُ والرائحةُ لا زالتْ موجودةً فلا يحضرْ صلاةَ الجماعة ولا إثم عليه, بل يُصلي لوحده في بيته, ويفوته أجر الجماعة وفضلُها".

 

ومَنْ أرادَ أنْ يأكلَ شيئًا من ذلك, فلْيُمتْها طبخًا لِتَخفَّ رائحتُها, ثم يُطيِّبْ فمه وثيابه, حتَّى لا يُؤذي عبادَ الله وملائكتَه.

 

فلْيحذرِ الْمُسلم أنْ يُؤذي المصلين برائحته، ويُضايقَ عبادَ الله بنتنه وعرقه، ولو أنَّ من فعل ذلك أراد مقابلة شخصٍ له جاهٌ دنيويٌّ, للبس أحسن ثيابه، وتطيَّب من أحسن ما يجد من طيبه، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم للوقوفِ أمام الخالق!

 

عباد الله: وإذا كان لا يجوز لمن أكلَ البصلَ والثومَ والكراث, وغيرَها مِنَ الأطعمةِ التي تشابهها برائحتِها الكريهة: أنْ يحضر للصلاة مع الجماعة, مع أنها في الأصل مباحة: فمن باب أولى: لا يجوز لمن به رائحةُ الدخان أنْ يشهد الجماعة, مع أنه في الأصل حرام وخبيث.

فالواجب على المدخن أن يُقلع عن الدخان؛ لِمَا فيه من الأضرار عليه وعلى غيرِه.

 

ومن الروائح الكريهة التي يجب تجنبها لمن أراد الصلاة مع الجماعة: الروائح التي تنبعث مِن القدم من جورب وشراب إذا طال لبسها.

 

ورائحةُ العرق المؤذي, فبعض الناس يمكث أيامًا لم تمسَّ بشَرَتُه الماء, فيؤذي المصلين أذىً شديداً.

 

فينبغي لنا يا إخوة الإيمان أنْ نذهب إلى بيوت الله بأجمل هيئة، وأطيب رائحة, والله تعالى يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31].

 

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من شدَّةِ اعتنائه ومحبته للطيب: يستعمله حتى في شعره.

 

فقد روى البخاري في صحيحه عن رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: "رَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ, فَسَأَلْتُ عن سبب ذلك فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ".

 

فينبغي الاعتناء بالطيب واللباس أشدّ الاعتناء, وخاصةً عندما نقف بين يديْ ملك الملوك سبحانه.

 

ولقد ضرب السلف الصالح في ذلك أروع الأمثلة, فهذا تميمٌ الداريُّ -رضي الله عنه- قد اشترى رداءً بألف درهم، يخرجُ فيه إلى الصلاة.

 

وكان رضي الله عنه إذا قام مِن الليل دعا بسواكه, ثم دعا بأطيبِ ثيابِه وأجملِها, وكان لا يلبسها إلا لصلاته.

وبعض الناس جعل أجمل ثيابه لأوقات عمله, وأيام المناسبات, فشتَّان بيننا وبينهم.

 

وقال وكيع بن الجراح -رحمه الله-: "من لم يأخذ أهبة الصلاة قبل وقتها, لم يكن وقّرها".

 

والواحد منا لو أراد مقابلة مَن يُعظِّمُه مِن الناس لاستعد له, ولبِس أحسنَ ثيابه, وتطيب من أجود طيبه, أفلا يستحقق العظيمُ الكريم, الحليمُ الرحيم, الذي أوجدك من العدم, وأسبغ عليك صنوف النعم, وأغناك بفضله عن مِنَّةِ خلقه, ووعدك إنْ شكرتَ جنَّةً التي غرسها بيده, ألا يستحق سبحانه أنْ تتجمَّل له؟ وأنْ تلبسَ أحسنَ ثيابِك عند ووقوفك بين يديه؟

 

ومن الأخطاء المنتشرة يا عباد الله: كثرة الحركة والالتفات في الصلاة, حتى إنَّ بعض الناس مِن كثرة حركته يُضايق من بجانِبِه, فتراه يرمي بغترتِه للخلف, ثم يحك جلده, ثم يعرك عينه, ثم يضع يده على فمه يُصارع التثاؤب الذي قد يتكرر مراتٍ في صلاة واحدة.

وهذا لا ينبغي لمن يُعظِّمُ الله حقَّ تعظيمِه.

 

فالواجب علينا أنَّ نقفَ في الصلاة أعظمُ من وقوف العبد بين يدي سيده, بذلةٍ وأدبٍ وسكون, ونرمي ببصرنا إلى الأرض.

 

ووالله لو وقف أحدنا أمام مسؤول يُخاطبه, لَمَا أكثر الحركة عنده, ولَمَا زاغت عيناه عنه, ولَمَا قابله برائحةٍ كريهة, ولَمَا تثاءب عنده بصوت يسمعه.

 

أوليس الله تعالى أعظمُ مَنْ نُخاطبه؟ وأعظم الناس إيمانًا مَن يعبدُه كأنه يراه, فإن لم يكن يعبده كأنه يراه من شدة اليقين, فلْيعبده على أنّه تعالى يراه ويُحيط به.

 

ومن الأخطاء كذلك: شرود الذهن والتفكير, حيث يتلوا بعض الناس كلام الله, ويذكره ويدعوه بلا قلب حاضر, ولا تدبر لِمَا يقولُه. فمن أين يأتي الخشوعُ مَن هذه حاله؟ وهل صلاة هذا تنهاه عن الفحشاء والمنكر؟

 

ومن الأخطاء كذلك: المرورُ بين يدي المصلي, وخاصة حينما تنتهي الصلاة, ويخرجُ من في الصف الأول مبكرًا, ثم يمر على الصف الثاني وهم يصلون, فيمر بين أيديهم, أو يُشوش عليهم ويُضايقهم.

 

وقد جاء الوعيد الشديد فيمن يمر بين يدي المصلي, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» متفق عليه.

 

فلَوْ تعْلَمُ مَا عَلَيْك مِنَ الْإِثْمِ إذا مررت بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي, لَاخْتَرْتَ الْوُقُوفَ أَرْبَعِينَ ولا تمرُّ بين يديه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه , واشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه, وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: عباد الله: لقد حار الغرب والشرق في الإسلام الذي أقضَّ مضاجعهم, وأرَّقَ سَاسَتَهُم وكبراءهم, فجربوا كلَّ الطرق لصدِّ الإسلام الذي اجتاحهم, فجربوا السلم والحرب, والترغيب والترهيب, فما زاد ذلك الإسلامَ إلا نموًّا في مجتمعاتهم.

 

وآخِرُ حلٍّ توصلتْ إليه الولايات المتحدة, التشديدُ على المسلمين في الداخل والخارج, والمنعُ مِن دخول أكثر المسلمين لدولتهم, وترحيلُ أيِّ مسلمٍ مُقيمٍ بأدنى شبهةٍ وخطأ. وهل سيُجدي ذلك نفعًا؟

 

كلا والله, إنهم لن يُطفؤوا نورًا أضاءه الله, ولن يُحاربوا دينًا جاء مُوافقًا للعقول السليمة, والفطر الصحيحة, الذي ما إنْ تسمعُ الآذانُ ما فيه إلا أذعنت له, وانقادت لشرائعه السمحة, وأحكامه اللائقة بالبشر.

 

وما فعلته هذه الدولة ليس غريبًا عليها, فقد انتقلت من النفاق إلى الحقد الصُّراح, ومن المراوغة إلى المواجهة, وما تُخفي صدورهم أكبر.

 

وقد أثارت قراراتهم هذه حفيظة الكثير من المنصفين, فعارضوها بالقول والفعل, وسمحتْ بعضُ الكنائس بأنْ يُصدع فيها الأذان، وصدق الله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

 

نسأل الله تعالى أنْ ينصر الإسلام وأهله, ويذل الكفر وحزبَه, إنه على كل شيء قدير.

 

 

 

المرفقات

المصلين (2) والحديث عن إجراءات أمريكا تجاه المسلمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات