أحوال الناس في الصلاة

عبدالله بن عياش هاشم

2021-10-01 - 1443/02/24 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/عِظم مكانة الصلاة في حياة المسلم 2/أقسام الناس في الصلاة 3/أحوال عباد الله الصالحين في الصلاة.

اقتباس

وأما القسمُ الخامسُ والأخير: وهي المرتبةُ العُليا، وهي مَنْزِلَةُ المقرَّبينَ من اللهِ، وهو منْ تراه كثيرًا يقوم إليها بشَوقٍ، يستعدُّ لها مبكِّرًا، ويقبل إليها متجمِّلاً لها، يُسابِقُ المؤذنينَ إلى بيوتِ اللهِ، إذا كَبَّرَ مستفتحًا صلاته خَشَعَ وسكنت أعضاؤه؛ يقبل على صلاته كأنهُ يرى اللهَ -تَعَالَى- أمامه، بلغَ مَرْتبةَ الإحْسانِ في صلاتِهِ، فينال مرتبة القرب من اللهِ -تَعَالَى-.

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ فإنَّ الله -تَعَالَى- وصفَ عبادَهُ المؤمنينَ بقولهِ -تَعَالَى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون:1-2]، وكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لِبِلالٍ -رضي الله عنه-: "أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلالُ"، وكان النبيُ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ".

 

 والناسَ في الصلاةِ على خمسةِ أقسامٍ، فانظرْ في أيِّ الأقسامِ تكونُ أنتَ؟

قِسْمٌ معاقَبٌ -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية-، وقِسْمٌ محاسَبٌ، وقِسْمٌ مكفَّرٌ عَنه، وقِسْمٌ مثابٌ، وقِسْمٌ مقرَّبٌ من اللهِ، فاللهمَّ اجعلنا مِنَ المقربينَ.

 

معاشر المسلمين: القسمُ الأولُ: المعاقَبُ، وهو ذلك المفَرِّطُ المقصِّرُ المستَهْتِرُ، لا يهْتَمُّ بوُضوئِهِا، إذا توضأَ يتوضأُ مُتَعَجِّلاً، مفرِّطٌ في مواقيتِها، تفوتُهُ الركعةُ والركعتانِ، نسأل الله العافية؛ فهو يُعاقبُ على تَفْريطِهِ بالصلاةِ في الدنيا بضيقِ الصدْرِ، والنَّكدِ والهمِّ والغمِّ، وفي الآخرةِ قال -تَعَالَى-: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون:4-5]؛ نعوذ بالله أن نكون منهم.

 

عباد الله: الثاني القسم الثاني: المحاسَبُ، وهو الذي يهتمُ بالصلاة ووضوئِهِا ومواقيتِها، ولكنَّهُ مُفَرِّطٌ في الخشوعِ فيها، إذا دخل في الصلاة استرسلَ مع أفكارِه وسَرَحَ مع الوساوس، لا يُحاولُ مدافَعَةَ الأفكارِ، ولا منافَحَةَ الوساوسِ، ولا يستعيذ من الشيطانِ في الصلاةِ.

 

ترى وجهَهُ في تِجاهِ القِبلةِ، وقلبُهُ ساهٍ ولاهٍ معَ غيرِ اللهِ، لا يَدري ما يَقولُ في صلاته، ولا يَعِي في أيِّ ركعةٍ هو، يقوم ويقعد، ويرفع ويخفض، ويركع ويسجد، ولا يشعر إلا بتمام الصلاة وسلام الإمام، فهذا محاسَبٌ على صلاتِهِ؛ لأن قلبَهُ لاهٍ في أمورِ الدنيا بعيدٌ عنِ اللهِ.

 

أمة الإسلام: القسمُ الثالثُ: مكفَّرٌ عنهُ، وهو من أتى بأركانِ الصلاة وواجباتِها وشروطِها، ولكنَّ خشوعه فيها ضعيف، فهو إذا دَخَلَ في الصلاةِ يجاهد في صَرْفِ الوساوسَ والأفكارَ ولا يَسْترسِلُ معها، يحاول أن جعل تركيزِهِ في الصلاةِ؛ فتارةً ينتصرُ على الوساوسِ والأفكارِ والشيطان، وتارةً مهزومٌ، فهو في صلاةٍ وجهادٍ؛ وهذا مكفَّرٌ عنهُ؛ وعدَهُ اللهُ بالنّصرِ إذا صَدَقَ مع اللهِ، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[العنكبوت:69].

 

يا أهل الصلاة: القسمُ الرابعُ: المثابُ على هذهِ الصلاةِ، وهو من أتى بأركانِ الصلاةِ وواجباتِها وشروطِها، وصلَّاها في أوقاتِها، وخَشَعَ فيها، وهمُّهُ كلُّهُ مصروفٌ إلى إكمالِها وإتمامِها، وتجاوزَ مرحلَةَ الوساوسِ والأفكارِ، فهذا يثيبهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- على صلاتِهِ.

 

وأما القسمُ الخامسُ والأخير: وهي المرتبةُ العُليا، وهي مَنْزِلَةُ المقرَّبينَ من اللهِ، وهو منْ تراه كثيرًا يقوم إليها بشَوقٍ، يستعدُّ لها مبكِّرًا، ويقبل إليها متجمِّلاً لها، يُسابِقُ المؤذنينَ إلى بيوتِ اللهِ، إذا كَبَّرَ مستفتحًا صلاته خَشَعَ وسكنت أعضاؤه؛ يقبل على صلاته كأنهُ يرى اللهَ -تَعَالَى- أمامه، بلغَ مَرْتبةَ الإحْسانِ في صلاتِهِ، فينال مرتبة القرب من اللهِ -تَعَالَى-، فنسألُ اللهَ -تَعَالَى- من فضلهِ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ والسنة، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالحكمة، أَقُولُ قولي هذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فيا أَيُّهَا الْمُسْلِمُون، انظروا في حالَ عبادِ اللهِ الصالحينَ من النبيينَ والمرسلينَ، وأهلِ العلمِ والخشيةِ، وتتبَّعوا سِيَرَهم في صلاتهم، كانوا يَخشعُونَ فيها حتى تَرِقَّ قلوبُهم وتسكن جوارحهم، وتَدْمَعَ عُيونُهم، يسألون الله -تَعَالَى- قَبُول صلاتهم، ويخافون أن تُرَدَّ عليهم، فيبكونَ من خشيةِ الله -تَعَالَى-؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)[مريم:58].

 

وقال -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء:107-109].

 

فأسألُ اللهَ أنْ يجعلَ الصلاةَ قرةَ عيونِنا، وراحةَ قلوبِنا، وانشراحَ صدورِنا، وأنْ يجعلَنا فيها من الخاشعينَ، وبها من المفلحينَ، وأنْ لا يجعلْنا لها من المضيعينَ، ولا عنها من الساهينَ، ولا فيها من الغافلين، إنه سميعٌ مجيبٌ.

 

اللهُمَّ قِنا شرورَ أنفِسنا وسيئاتِ أعمالِنا، واغفرْ لنا خطَأَنَا وجَهْلَنا، وإسرافَنا في أمرِنا، وما أنت أعلمُ به مِنَّا، اللهُمَّ اغفرْ لنا هَزْلَنَا وجِدِّنا وخَطَأَنا وعَمْدَنَا، وكلُّ ذلك عندنا.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.

 

اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه لِمَا تُحِبُّ وترضى، واجزهما عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، اللهم وفِّقْهما لِمَا فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا تحبه وترضاه.

 

اللهم انصر جنودنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا عاجلاً غير آجل، وردَّهم لأهليهم سالمين غانمين منصورين، برحمتك وفضلك وجودك يا ربَّ العالمينَ.

 

الَّلهُمَّ اغفر لنا ولوالدينا، ولوالد والدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

المرفقات

أحوال الناس في الصلاة.pdf

أحوال الناس في الصلاة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات